سوريا: ثمن القمع
الانهيار الاقتصادي الخطر الأكبر على الرئيس السوري بشار الأسد
Hugh Macleod and Annasofie Flamand
29 سبتمبر/أيلول 2011
في الجزء الأول من السلسلة الثنائية، يدرس غلوبال بوست التراجع الحاد للاقتصاد السوري منذ بدء الانتفاضة المؤيدة للديمقراطية وبداية الحملة لاحقاً. في الجزء الثاني سنتناول استجابة النظام لما أصبح يشكل تهديداً رئيسياً لقوته، وتصعيد العقوبات الدولية ضده.
حلب، سوريا وبيروت، لبنان- وظف مفيد، صاحب مصنع صغير، 50 عاملاً، حيث يعملون بخياطة الملابس النسائية في حي فقير على مشارف مدينة حلب، عاصمة سوريا التجارية وأكبر مدنها.
سيقوم مفيد ببيع المنسوجات الخام من شركة محلية والتي اتفق معها على مدى عشر سنوات الماضية، وبدلاً من الدفع نقداً عند التسليم على غرار معظم الشركات الصغيرة في حلب، فإنه سيتلقى البضائع من خلال نظام يطلق عليه بـ “الخميسات”. هذه الكلمة أتت من الكلمة العربية “خميس”، وذلك يعني أن مفيد يمكنه الحصول على الأقمشة لتصنيعها في بداية الأسبوع، والدفع يكون لاحقاً في نهاية الأسبوع، الذي هو يوم الخميس في سوريا.
سوريا من خلال عيون القناص
قبل الدفع في يوم الخميس، سيتمكن مفيد من جمع المال عن مبيعات الأسبوع من تجار التجزئة، وهذا يعني أنه لن يحتاج الحفاظ على الاحتياط النقدي، أي أن هناك مساحة من المتنفس لمؤسسة ذات هوامش ربح منخفضة وقليل من رأس المال.
يقول مفيد في مقابلة له جرت مؤخراً مع غلوبل بوست في حلب: “إننا في سوريا لا نتعامل كثيراً مع الأموال النقدية. نظام “الخميسات” هو الطريقة الذي نحافظ من خلاله على سلسلة الأعمال التجارية”.
عند بدأ الاحتجاجات بشكل جدي منذ منتصف مارس/آذار وبعد مضي عقد من ممارسة الأعمال التجارية، سرعان ما تغير الوضع في سوريا.
ف فمنذ انتشار الاحتجاجات الشعبية المطالبة بالحرية وإنهاء الدكتاتورية في أنحاء سوريا ورجال الأعمال في حلب مثل مفيد قيل لهم إن النظام القديم المعروف بـ “الخميسات” لم يعد صالحاً، على الرغم من أن تأثر مدينة حلب أقل بكثير من غيرها من المدن الكبرى.
ومع الخوف من أن الليرة السورية ستفقد قيمتها كقيمة استهلاك محلية في مواجهة الحملة المميتة التي يقودها بشار الأسد على المتظاهرين بالإضافة إلى الغضب الدولي جراء ما يحدث، فإن المستوردين الحلبيين فقدوا كل ثقتهم في السوق.
تلاشت الثقة بآلية عمل “الخميسات”. العملة النقدية أصبحت الملكة.
يقول مفيد: “يقولون إنه لا يوجد طريقة للحصول على متر واحد من المنسوجات دون الدفع نقداً. فسألتهم: ألا تثقون بي؟ ويردون: إنها سياسة جديدة مطبقة على الجميع. لكني لم أستطع تحمل الدفع نقدياً من أجل الحصول على المواد الخام ومن ثم الانتظار لمدة أسابيع للحصول على المال من تجار التجزئة”.
“لقد استخدمت كل مدخراتي خلال شهري أيار وحزيران ومن ثم قلت لعمالي والدموع في عيناي، ’ليس لديكم عمل من بداية شهر تموز. وإذا كان هناك أنباء جيدة سأتصل بكم’”.
محاولة سوريا لإعادة إطلاق حكومتها تماماً كما فعلت بالبيرة (وهو مصطلح مجازي يُطلق على الأعمال الحكومية في سوريا وتشبيهها بمحاولة تحسين منتج البيرة فيها من خلال إعادة تسمية المنتج وتبديل الزجاجات فقط والإبقاء على رداءة الصنف!):
يقول مفيد، وهو مسلم سني كغالبية أهل حلب والسوريين، إنه يعرف العشرات من أصحاب الأعمال الصغيرة الذين اضطروا إلى الاستغناء عن الموظفين وإنهاء أعمالهم في حلب.
وأضاف إنه يشعر بالغضب لأن النظام الذي حكم مدة نصف القرن الماضي من قبل أقلية من الطائفة العلوية، أخذ منه ضرائبه لكنه بدا أنه غير قادر على تأمين الاستقرار الاقتصادي اللازم له لكسب لقمة العيش لأسرته، الاتفاق الذي أبقى حلب طويلاً مجتمعاً للأعمال التجارية الموالين لعائلة الأسد الحاكمة.
يقول مفيد: “يحاول النظام أن يقنعنا بكلام لطيف ووعود للمستقبل. ولكننا لا نستطيع الانتظار لشهور أكثر إلى أن يجد الرئيس الأسد وفريقه حلاً ما. لا يزال موظفي الحكومة يحصلون على رواتبهم كل شهر، إلا أننا فقدنا عاصمتنا وتجارتنا”. “يمكنني القول أن رجال الأعمال والتجار والمصدرين في حلب غاضبون جداً”.
المصدر:
Global Post
http://www.globalpost.com/dispatch/news/regions/middle-east/110928/syria-the-cost-repression?page=full