عندما تستيقظ دمشق
“عينٌ على سورية”. عاد الشاب “إيميلي ديتور” الطالب الذي درس اللغة العربية في جامعة دمشق لعدة أشهر. وقال إنه يرغب في المساهمة في التحدث عن ما شاهده في دمشق, البلد المغلق تماماً أمام الصحفيين…
من الخارج تبدو الثورة السورية وكأنها جامدة, لا دمشق العاصمة ولا حلب الاقتصادية تحركتا. وحركات الاحتجاج تبدو كتمرد محصور في المناطق السنية لتتحول إلى حرب طائفية فيما بعد.
إلاّ أن الواقع مختلفٌ تماماً. فدمشق كانت نشطة منذ البداية, ولكن الحملات المكثفة ساهمت في خفض الوتيرة نوعاً ما, كذلك التضييق واحتلال الساحات من قبل قوات الأمن بشكل دائم ساهم في كبح التجمع في الساحات الرئيسية.
المشاركة القوية في الضواحي:
كثيراً ما نتناسى أن دمشق لا تقتصر فقط على المدينة القديمة, وهي لا تضم سائحين فقط، أو تحتضن المقاهي في الشعلان. دمشق المدينة تضم 1.5 مليون نسمة. في حين أنه لو جمعنا عدد سكان دمشق بشكل كامل ومع الضواحي لحصلنا على أكثر من 4 ملايين نسمة. وضواحي دمشق منذ شهر آذار وهي تتصدر القائمة في التظاهر وتدفع الثمن الأكبر من الدم، كدوما والزبداني والقابون التي شهدت بضعة أيام من الحرية. وضواحي دمشق تلك هي أول من أظهرت تضامنها مع درعا, وكل المواكب تتعزز من قبل الثوار يوم الجمعة لتخرج مجدداً…
أي ميدان للتحرير في دمشق…؟
دمشق تتحرك, ومركز المدينة فقط هو الذي لا يتحرك. عَوَدَتنا الثورات العربية على احتلال مراكز المدن الكبيرة ليتجمع فيها المحتجين. في سوريا من المستحيل تقريباً خلق ساحة للتحرير كما حدث في القاهرة, حتى اللحظة كان هذا هدف وحلم الكثير من النشطاء السوريين..
في أحد أيام الجمعة حاول المتظاهرون الوصول إلى ساحة العباسيين, لكن ودون أدنى تردد من قبل الأمن السوري أطلق النار عليهم وبدون توقف. وسط المدينة مراقبٌ بشكل شديد من قبل القناصة والجنود ولن يسمحوا لأحد من المحتجين الدخول إليها بدون دماء.
المظاهرات “الطيارة”…
لا تتجاوز بضع دقائق, هي فقط للتذكير بهدف الثورة في باقي أيام الأسبوع. وقد تخرج بعد خطاب الرئيس للتعبير عن الرفض. تحدث في مواقع مختلفة وتتفرق بشكل تلقائي قبل وصول قوات الأمن…
في بلد ديكتاتوري مثل سوريا, إنه فعلاً إنجاز! روى لي أحد الأصدقاء البالغ من العمر 25 سنة عن فرحته في التظاهر والصراخ بأعلى صوته “الشعب يريد إسقاط النظام”، بهذا المعنى هو كسر جدار الخوف.
استحالة حشد الطلاب…
يصف الكاتب بقوله: إن جامعة دمشق مكممة تماماً, وقد حاول بعض الطلاب تعبئة الرأي العام انطلاقاً من الجامعة، ومع ذلك لم يستغرق أكثر من أسابيع حتى وصلت الحملة الأمنية إلى مركز الجامعة, وظلت الجامعة دون تحركات مذكورة. وبشكل عام يمكن لحركات الاحتجاج أن تعتمد على الجامعة باعتبارها أرضاً خصبة, كما حدث في اليمن حيث انطلقت الثورة اليمنية من الجامعات أولاً وصولاً إلى الشوارع …
لكن جامعة دمشق أشبه بالمستعمرات, حراس قوات الجيش تقف عند المداخل والتفتيش المستمر للمارة هو ما جعل الحركة الجامعية بطيئة.
كما ويشرف على طلاب الجامعة منظمتان تابعتان لنظام حكم الأسد، وهما اتحاد شبيبة الثورة الذي يتصل مباشرة مع الحزب الحاكم واتحاد الطلبة وهو على اتصال وثيق مع المخابرات.
ومع كل هذا الترهيب انتصر الطلاب لذاتهم وحققوا هدفهم بهتافاتهم “الله أكبر”، ولم يترددوا في الخروج في ليلة من ليالي حزيران, وعلى الفور تم تطويق السكن الجامعي حيث دخل إليه عدد من أفراد “الشبيحة” واقتحموا غرف الطلاب. وكان التعامل معهم بشكل عدواني. وفي تلك الليلة اختفى عشرات الطلاب من المدينة الجامعية وأغلبهم لا يزال في السجن.
دمشق المدينة المحاصرة وتحت الرقابة باستمرار…
تراهن المعارضة على فشل النظام في الحل الأمني والنظام يراهن على النفس الطويل, سيقتل حتى آخر نفس.
مع ذلك النظام لم يظهر أي ضعف في العاصمة. على العكس تماماً فالاعتقالات مستمرة وبشكل شبه ساعي. مستوى المراقبة عالي جداً في دمشق وخاصة في ما يتعلق بوسائل الاتصال, ويتتبع الأشخاص الذين يلعبون دوراً ثانوياً…
الهدوء المصطنع من أصحاب رؤوس الأموال غير صحيح, الجميع معرض للانهيار في لحظة ما. المعارضون مستمرون والنظام مستمر, الثورة هنا ودمشق مغلقة على نفسها…
المصدر:
Le Monde Blogs
http://syrie.blog.lemonde.fr/2011/08/19/retour-de-syrie-1-quand-damas-seveillera%E2%80%A6/