”أنا لا أدعم المعارضة ”
. أدونيس، أعظم شعراء العرب المعاصرين، يتحدث حول سيطرة الإسلاميين المتطرفين في سوريا، عن نفاق سياسة الغرب، وعن السجل الكئيب للربيع العربي.
حمص مدينة أشباح، هكذا أفاد شهود العيان. معقل الاحتجاجات السورية مازال تحت القصف بشكل مستمر منذ الرابع من شباط/فبراير من قبل عناصر نظام الأسد. مئات المدنيين لقوا حتفهم الأسبوع الماضي تحت وابل قنابل الجيش السوري. يوم الخميس الماضي وحده قتل 136 شخصاً. و عددهم بازياد يومي. الدبلوماسية الدولية تحاول زيادة الضغط على النظام في دمشق، بعد أن عطلّت روسيا والصين قراراً صارماً في الأمم المتحدة ضد قمع الأسد الدموي.
أثناء تدهور الوضع في سوريا، التقت بروفيل مع الشاعر السوري المحتفى به أدونيس يوم الثلاثاء، وذلك لسؤاله عن وجهة نظره بشأن تطور الأوضاع في بلده. الشاعر ذو الـ82 عاماً والمرشح منذ سنوات لجائزة نوبل في الآداب استقبلنا في غرف الموزاييك في كنسيتغتون، لندن، حيث يعرض بعضاً من لوحاته التجريدية.
مخاوفه السياسية واضحة، وهي لا تتمحور حول الغضب الحالي للديكتاتورية السورية ولكن حول المستقبل، حيث تسيطر الأصولية الإسلامية ليس فقط على سوريا وحسب، وإنما على كل العالم العربي والعودة به الى العصور الوسطى.
أعظم شعراء اللغة العربية المعاصرين بلا منازع كتب في
بداية الانتفاضات في مصر وتونس ”قصيدة قصيرة تعبيراً عن الابتهاج والسعادة”، لكنه ما لبث أن تحول الى ناقد لاذع للربيع العربي.
“لا أستطيع أن أشارك بثورة تخرج من الجوامع”
يقول أدونيس.
ولد علي أحمد سعيد إسبر عام 1930 في قرية جبلية غرب سوريا حيث يسكن العلويون، طائفة الأسد وقواد نظامه، وهي تنتمي للطائفة الشيعية. أدونيس هو ابن مزارعين. في سن الـ17 تبنى اسمه الحالي مستلهماً اله الخصوبة اليوناني. بعد نصف عام من الاعتقال سنة 1956 بسبب أنشطة معارضة ذهب الى المنفى في لبنان، ثم الى فرنسا سنة 1980. الرجل الذي أحدث ثورة في الشعر العربي خلال النصف الثاني من القرن الماضي، والذي أشاد به الكاتب نايبول كـ “سيد عصره”، هو مقاتل ملتزم لأجل تطور العلمانية في العالم العربي.
بعد العديد من الجوائز الدولية، حصل أدونيس العام الفائت على جائزة غوته.
أدونيس يعيش في باريس، ومتزوج من الكاتبة خالدة سعيد ولديه ابنتان. والدته ذات ال107 عاماً تعيش في سوريا.
بروفيل:
الأحداث في سوريا تتسارع. حتى وقت قريب كان يخشى من اندلاع الحرب الأهلية. الآن هناك انطباع بأن الحرب الأهلية قد بدأت فعلاً.
أدونيس:
لا، هي لم تندلع بعد. لكنها قد تأت، وهذا سيكون مصيبة. النظام في سوريا أقوى من المعارضة. لكن هذا قد يتغير عندما يدخل المال والسلاح البلد.
بروفيل:
التمرد ضد النظام أسفر عن حركة لا بأس بها.
أدونيس:
بالنسبة لي كان هذا التمرد الشبابي في كل العالم العربي أمر غير اعتيادي. الطريقة التي نظموا وعبروا بها أبهرتني.
إنه الشباب العربي الذي جعل هذا الربيع ممكناً، وهذه هي المرة الأولى التي لا يقلد فيها العرب الغرب. لكن للاسف الشباب لا يحدد الواقع، كما هو واضح في مصر وتونس. من يتحكم بالوضع اليوم هم الأصولوييون، المتدينون، وبدعم من الخارج. هم من يقطف ثمار الثورة.
بروفيل:
الصورة التي ترسمها بعد عام من اندلاع الربيع العربي ليست إيجابية للغاية.
أدونيس:
الاحتمالات موجودة بطبيعة الحال. لكن لا يمكن عملياً رسم صورة إيجابية. خذ مثلاً تونس. لم تعد البلد اليوم بيد حبيب بورقيبة (الرئيس التونسي الأول من عام 1957 حتى عام 1987). نظام بورقيبة كان نظاماً علمانياً. والآن إدراة البلد ستكون إسلامية.
بروفيل :
ألا تبدو التطورات متناقضة؟ من ناحية يزداد تأثير الدين في المجتمعات العربية منذ عقدين أو ثلاثة. ومن ناحية أخرى الثورة العربية في العام الماضي كانت في بدايتها علمانية بصورة واضحة، دون الإشارة إلى الإسلام.
أدونيس:
الشباب هو صوت، غضب، وإرادة. لكنه مشتت، ليس له عقيدة، وضعيف. تعرفون جيداً اليسار في الغرب: إنه منقسم دائماً. الأصولييون هم الوحيدون المنظمون في البلاد العربية.
بروفيل:
ولكن عذراً! الناس الذين يتظاهرون في شوارع حمص وحماة اليوم ويقتلون ليسوا إسلاميين.
أدونيس:
ومن أين لك أن تعرف ذلك؟
بروفيل:
كل المراسلين يفيدون بذلك، الجزيرة أيضاً.
أدونيس:
و هل تصدق ذلك؟ الغالبية العظمى من المعارضين أصولييون. أنا أعارض النظام جذرياً، لكنني بالمقابل لا أدعم المعارضة. لأنني لا أريد المشاركة في عملية الإنتقال من ديكتاتورية عسكرية إلى ديكتاتورية دينية.
بروفيل:
لكن هل هذا السيناريو واقعي؟
هل يعقل على سبيل المثال أن تنشأ في مصر حكومة دينية على غرار الخمينية أو نوع من الخلافة.
أدونيس:
الخلافة لن تكون ضرورية. النزعة الدينية تكفي. على كل الأحوال هذا انحدار تاريخي ولا أريد أن تكون لي أية علاقة به. الثورة في العالم العربي ــ والتي هي أقرب من جميع النواحي إلى العصور الوسطى منها للعصر الحديث ــ
ليكون لها فرصة إن لم تكن علمانية. عندما لا نفصل الدين عن الدولة، وعندما لا نعطي المرأة حقوقاً كاملة ومتساوية، وعندما لا نتحرر من قوانين الشريعة نكون عندها نستبدل طغيانا بآخر. لكن الديكتاتورية الدينية تسيطر على العقل وعلى الجسد أيضاً، اللغة والحياة اليومية. هذه هي الديكتاتورية الكاملة.
بروفيل:
هذه هي المرة الأولى التي أتيح بها للمصريين الإدلاء بأصواتهم بحرية.
أدونيس:
صحيح. لكن كما ترى فإن الأصوليين حصلوا على ثلاثة أرباع الأصوات تقريباً. في هذه الحالة الديمقراطية ليست معياراً للتقدم.
لذا يجب علينا إعادة التفكير بالديمقراطية. هتلر جاء أبضاً للسلطة عن طريق الإنتخابات. فما هذه الديمقراطية؟ أسألك أنت. أنا طبعاً ديمقراطي. إذا ربح الإسلامييون علي قبول هذا. لكنني لن أقف بصفهم.
بروفيل:
هل تعني بأن هذا شبيه بتهديد فاشية إسلامية؟
أدونيس:
تماماً. هذا لا يعني بأن الديكتاتورية الحالية يجب أن تبقى. يجب إسقاطها. هذا واضح بشكل مطلق بالنسبة لي. لكن على المرء أيضاً التساؤل: أي نظام سيستبدل النظام القديم؟ يجب ألا ننسى بأنه توجد في المنطقة دولة تعتمد على الدين: اسرا ئيل. لسنا بحاجة لنظام ديني آخر عندنا.
بروفيل:
فما الذي يجب القيام به؟
أدونيس:
على الشعب مواصلة كفاحه لكن بدون عقيدة دينية. يجب أن يكون جاهزاً للموت في سبيل الحرية. لكنني لا أوافق على هذه الطريقة في الكفاح.
بروفيل:
ماذا تعني؟
أدونيس:
لن تنفع مطالبة الغرب بالتدخل. الشعب لا يستطيع مناشدة الأميريكان، الفرنسيين، الأتراك ليحرروه أو حتى السعوديين، عليه التحرر بنفسه من النظام الرهيب. هذا كله مشهد غير لائق ومثير للشفقة.
بروفيل:
أنت إذا ضد التدخل الخارجي.
أدونيس:
أجل، وفوق كل شيء التدخل العسكري. نداء الدول العربية بالتدخل خاطئ بشكل مطلق. كيف يمكن أن تحدد أسس دولة بمساعدة نفس الأشخاص الذين استعمروها سابقاً؟ إذا كان الغرب راغبا من كل بد بتحرير العرب عليه أن يبدأ بفلسطين. عليه أن يفعل شيئا لهذا الشعب المقموع والمدمر بشكل منهجي على مدى خمسين عاماً. هنا لا ينبغي لأحد أن ينافق.
بروفيل:
روسيا و الصين عرقلتا قراراً صارماً في مجلس الأمن ضد نظام الأسد. ماذا تقول عن ذلك؟
أدونيس:
هم يركضون وراء مصالحهم، كما الأمريكان. هذه هي المشكلة.. الأميريكان لديهم حلفاؤهم في المملكة العربية السعودية، قطر، واسرائيل. فلم يجب على روسيا ألا تعمل على مصالحها السياسية؟
بروفيل:
في سوريا يقتل الآن الناس بالآلاف. والمعارضة تطلب المساعدة. .
أدونيس:
عليك أن تفهم بأن التمرد في سوريا متمركز في حماة، حمص، والمناطق الحدودية مع تركيا. لكن المجتمع السوري لم يتحرك حتى الآن بشكل جماعي. ماذا عن دمشق، حلب، واللاذقية؟ في داخل البلد هناك هدوء. في حال تحرك المجتمع السوري كما في اليمن سيغير هذا كل شيء.
بروفيل:
الجنود السورييون ينشقون، وقد تم إنشاء الجيش السوري الحر لمحاربة النظام.
أدونيس:
هذه دعاية فقط ــ مجرد ثرثرة. لو أن الأمر كان حقيقة، ولو أن هناك ضبّاطاً برتب عالية غيروا الجهة التي يقفون عليها فستكون هذه نهاية النظام.
بروفيل:
هل لديك تواصل مع المعارضة السورية؟
أدونيس:
أية معارضة؟ هناك معارضون كثر، أولئك المرتبطين بتركيا، المرتبطين بدول غربية أخرى والمجموعات المختلفة داخل البلد. كل يغني على ليلاه. قد أميل لطرف معارضة الداخل لكن كما تعلم الأمور تدور حول الصراع على السلطة. لكن السلطة لا تعنيني. أنا مهتم بتغيير المجتمع. الغرب غير مهتم فعلاً بالعالم العربي. نحن نعيش صراعاً بين الغرب والشرق، وهو حول سياسات السلطة. هناك محور ايران ـ سوريا ـ حزب الله. هذا المحور يجب أن يتحطم. هذا أوافق عليه. لكن ليس بالإمكان تحطيم شعب، أرض، و حضارة كاملة. يجب إيجاد طرق أخرى.
بروفيل:
أية طرق؟
أدونيس:
هذا ما لا أعرفه. أنا لست سياسياً، لكن من المؤكد بأن الطرق التي استعملت في العراق هي طرق خاطئة. البلد تدمر. هذا ما لا يجب فعله بسوريا. سابقاً مول الأميركان الأصوليين ــ تقريباً كما في أفغانستان. أي أن الذين يوصفون الآن على أنهم مقاتلون في سبيل الحرية يتحولون إلى إرهابيين أشرار. والآن يتم دعم الإسلاميين مجدداً.
بروفيل:
جماعة الأخوان المسلمين يمثلون جماعة تميل للإسلام المعتدل.
أدونيس:
ليس هناك إسلام معتدل. نعم، يوجد مسلمون معتدلون، أما الإسلام المعتدل فلا.
بروفيل:
أليست هذه مسألة تفسير القرآن؟
أدونيس:
عندما يريد الغرب إسلاماً معتدلاً عليه أن يبدأ بالمملكة العربية السعودية. أنا ضد السياسة الأميريكية والغربية في العالم العربي. ولذا فأنا لا أستطيع ولن أتبع منطقها. لا، الأخوان المسلمون متطرفون، وفاشيون محضون. إنه أمر مثير للسخرية: قبل 200 عام تقريباً جعل محمد علي باشا (نائب الملك المصري في الفترة بين عامي 1805 و 1848) من مصر دولة معاصرة. والآن تغلق البلد الأبواب بوجود الأخوان المسلمين في السلطة.
بروفيل:
من هي القوى على أرض الواقع في العالم العربي التي توافق أفكارك؟
أدونيس:
هم رسامون ممتازون، شعراء، فنانون يفكرون مثلي. هؤلاء أفراد. لكن الجماعية العربية يسيطر عليها الدين.
بروفيل:
إذا فالعالم العربي برأيك قد ضاع؟
أدونيس:
نعم.
بروفيل:
إنه لأمر مدهش أن يتحدث أعظم شاعر عربي على قيد الحياة، وبعد عام على بداية ما يدعى باليقظة، عن أن العالم العربي قد ضاع.
أدونيس:
أن يضيع أفضل من أن يواجه ديكتاتورية دينية.
المصدر: