تناول “السينابون” في دمشق

لماذا لا تزال الماركات الأجنبية مثل: كنتاكي KFC، الفصول الأربعة The Four Seasons، والسينابون Cinnabon تحاول جني المزيد من المال في سوريا؟

كاتي بول  KATIE PAUL

26 مارس/ آذار 2012

بيروت – عندما تم فتح أبوابه في كانون الأول/ ديسمبر 2005، أصبح مجمع فندق الفصول الأربعة Four Seasons أكثر علامة معروفة في دمشق، والنقطة المركزية لبرنامج الرئيس بشار الأسد لسوريا الجديدة. فهو “بمثابة بطاقة نداء، تعلن للعالم بأن سوريا منفتحة على عالم الأعمال، والسياحة، ولمن لديه الكثير من الأموال ويبحثون عن مكان لصرفها”. هذا ما وصفته صحيفة النيويورك تايمز. يصعب التذكر حالياً، بعد سنة من الثورة وبعد مقتل 9000 شخص على الأقل، وتشريد 40,000 للدول المجاورة، كان المجتمع الدولي يرى أن سوريا على طريق الإصلاح قبل سنين قليلة فقط، وأن النظام الرسمي القمعي قرر دعم الحرية. عندما بدأت الدولة بالانفتاح بشكل بطيء على السوق العالمية، قامت العديد من الشركات العالمية بفتح محلات في سوريا. افتتحت كوستا كوفي Costa Coffee في بولفار دمشق Damascus Boulevard، السوق المفتوح بالقرب من فندق الفصول الأربعة، وافتتحت أيضاً سبعة فروع لها في أنحاء البلاد. تبع ذلك العديد من الماركات العالمية، من الدجاج المقلي إلى أزرار القمصان الفرنسية- 2006 KFC ،Mango  2006، Zara 2011، حيث يسعى كل هؤلاء للاستفادة من الطبقة الوسطى السورية.

حالياً، كما كان سابقاً، يجسد مجمع الفصول الأربعة حالة نظام الأسد، ولكن ليس كما خُطط له من قبل. ففي بداية الشهر تم إغلاق مقهى روتانا Rotana  حتى إشعار آخر، وهو مقهى لتناول النرجيلة، يمتلكه الأمير السعودي الوليد بن طلال بسبب ضعف المردود والمخاوف الأمنية. أما بالنسبة لكوستا كافيه Costa، فمن فروعه الثمانية في أنحاء البلاد، لم يتبق إلا فرع Boulevard دمشق، كما جاء على لسان المتحدث باسم الشركة. ولكن في الوقت نفسه، قال مدير فرع دمشق محمد العوا في مقابلة هاتفية بأن العمل طبيعي وكل شيء في دمشق جيد.

ولكن بالنظر إلى الواقع، لا يوجد شيء طبيعي في سوريا هذه الأيام. في حين أن العنف المتزايد لم يمس دمشق بشكل مباشر، عدا عن وجود بعض التفجيرات المتفرقة وبعض الاشتباكات من وقت لآخر، فإن اقتصاد الدولة في وضع كارثي مع التضييق المتزايد للعقوبات والحدود المقفلة والتي تحد من التجارة الدولية. في حين أن الفنادق والمطاعم ومحلات الملابس الأجنبية ليست هدفاً للعقوبات على سوريا، ولكنهم يواجهون صعوبة في إدارة أعمالهم في الوضع المنعزل للبلاد عن العالم الخارجي.

يعتبر الفندق مدينة أشباح. كما صرح رجل أعمال بارز طلب عدم ذكر اسمه خوفاً من الاعتقال، حيث قال: “لنرى المسألة على هذا النحو، لقد استبشر فندق الفصول الأربعة بمهمة كوفي أنان ليس بسبب أملهم بأن يجد حلاً للأزمة، بل لأنه أخيراً سيكون هناك بعض الحركة في العمل، وهم يعلمون بأنه سيعود”. ولكن قام المتحدث باسم الفندق بنفي ذلك الوصف مضيفا بأنهم مازالوا يعملون على خطط الإجازة الصيفية ويستضيفون الوفود الزائرة، الصحفيين، المؤتمرات، اجتماعات مجالس الإدارة، والأعراس، ولكنه اعترف في الوقت نفسه بأن العمل “أقل مما يجب أن يكون عليه، كما قد يتوقع الناس”.

في قلب الثورة ومحاولة النظام قمعها، استطاع مركز دمشق الحياة في فقاعة من الامتيازات إلى حد كبير. ولكنها أخيراً بدأت دمشق تشعر بالأزمة بعد مرور سنة على الثورة. كانت السنة الماضية سيئة بالنسبة إلى الأعمال في سوريا كما كان متوقعاً، مع تقدير صندوق النقد الدولي لانخفاض بنسبة 2 %، إلا أن الشهرين الآخرين كانا الأسوأ على الإطلاق منذ بداية الثورة.

مع ارتفاع معدلات التأمين، المخاطر اللوجستية، وتراجع الليرة السورية، كل ذلك يجعل من المشتريات المستوردة غالية جداً، كما أن تكلفة إقامة الأعمال في سوريا في ارتفاع متزايد. في الوقت الذي يقوم فيه التجار برفع الأسعار لتغطية التكاليف، يبتعد المستهلكون من الطبقة الوسطى والذين تقل القدرة الشرائية لديهم، حتى من أماكن شراء معزولة كمركز مدينة الشام، وهو مجمع تجاري قام بإحضار ماركات أجنبية من مثل السينابون Cinnabon  و United Colors of Benetton حين افتتح عام 2007. “إنه محير فعلاً بالنسبة لي، ولكن في آخر أسبوع من كانون الأول/ ديسمبر، كان مركز مدينة الشام مكتظاً في أي وقت أذهب فيه، حتى في منتصف الأسبوع”، هذا ما قاله أحد موظفي البنوك الأجانب حتى نهاية الشهر الماضي، حينما أغلق البنك الذي يعمل فيه في سوريا.

لم يمر التوتر دون ملاحظة قسم الرواية الإعلامية في نظام الأسد، والذي حاول إقناع المستهلكين بإمكانية استمرارهم بشكل جيد دون الحاجة إلى العالم الخارجي. في جميع أنحاء مركز المدينة في دمشق، يضيف موظف البنك بأن اللوحات الإعلانية تحث على الاعتماد على النفس في جزء من حملة توعية للحكومة لوضع وجه مختلف للواقع يتمثل في: “لنلبس ما نخيط”، تقول اللافتات الإعلانية في دمشق، “لنشرب ما نعصر”، ” لنأكل ما نزرع”.

يبدو أن النظام اليوم قد عاد بالزمن إلى الوراء: حيث كان من أولى خطوات دعم الحريات في عام 2005 رفع الحظر عن المنتجات المستوردة مبشراً بافتتاح أول محلات بيع التجزئة في وسط دمشق، وفي ضاحية يعفور الفاخرة. قام مطورو العقار, وغالباً بالشراكة مع رجال أعمال سوريين وخليجين، بإنشاء مجمعات تجارية ذات زجاج متلألئ – تاون سنتر Town Center في 2004، شام ستي سنتر Cham City Center وبولفار دمشق Damascus Boulevard في 2007، دامسكينو مول Damasquino في 2008، وهي مليئة بالماركات الأجنبية، وأحياناً ببائعي التجزئة الأجانب. (في رد على السؤال عن متجر GAP في التاون سنتر، قال متحدث متجر GAP: أية بضائع تباع في سوريا على أنها من ماركة GAP هي غير أصلية، أو هي بضائع من السوق السوداء وتوزع بطرق غير شرعية). في شهر مارس/ آذار الماضي، قبل أيام من الثورة، قام متجر ZARA الأسباني بافتتاح متجر لافت للأنظار من 3 طوابق في أول غزو له إلى سوريا في منتصف مدينة دمشق.

يعتبر التفاؤل بعيداً جداً اليوم، حيث ما يزال بائعو السيارات يعرضون سيارات تويوتا وفولكسفاغن الجديدة البراقة، ولكن الغبار يغطي تلك السيارات في المواقف، كما يقول جهاد يازجي، محرر “المراقب الاقتصادي”، المتواجد في دمشق “عدد لا يحصى من المحلات تغلق يومياً في دمشق والمدن الأخرى لسبب بسيط وهو أن الناس أصبحوا يجمعون أموالهم”، يقول يازجي “لا أستطيع فهم كيف بإمكانهم البقاء لمدة أطول. تتسارع عمليات الإغلاق، والتجار يقومون بتنظيف مخازنهم الآن”.

قامت يونايتد كلورز اوف بينتون United Colors of Benetton وهي شركة ملابس إيطالية معروفة بإعلاناتها المثيرة للجدل، كالإعلان الذي أظهروا فيه اثنين من قادة العالم المتناحرين يقبلان بعضهما البعض. قامت الشركة بالتخطيط لافتتاح 25 متجراً جديداً في 5 سنوات بالإضافة إلى الـ 12 فرعاً الموجودة في دمشق و4 مدن أخرى. حتى نهاية السنة الماضية، عندما بدأوا باستيراد البضائع من إيطاليا، كانوا من أول العلامات التجارية الأجنبية التي التفت على قرار المنع من الحكومة السورية على استيراد البضائع عن طريق صنع المنتجات داخل الدولة السورية، مما أنشأ شكلاً جمالياً سورياً فريداً (مرصعاً ومليئاً بالزخارف اللامعة).

ولكن الأعمال اتجهت جنوباً، حيث قال أحد أعضاء الإدارة المتواجد في سوريا، طلب عدم الإفصاح عن اسمه، بأنهم أغلقوا متجر حمص في يناير/ كانون الثاني، وقلصوا عدد الفروع المتوقعة من 25 محلاً جديداً إلى 2 أو 3 في المدن الأكثر هدوءاً طرطوس وحلب. كما أنهم رفعوا الأسعار حوالي 50% للتأقلم مع ارتفاع تكلفة الدولار بنسبة %60.

قد تكون إقامة الأعمال في هذه الأجواء أمراً ضرورياً، ولكنها لا تأتي بالمتسوقين. “مع الأسعار المرتفعة جداً للأساسيات كالأكل والشرب، من سيصرف ماله على الملابس؟ لا أدري لماذا نهتم أساساً، أنا أعمل هنا، حتى أنا لن أشتري شيئاً منها”، هذا ما أخبرني به أحد المواطنين نقلاً عن محادثته مع أحد البائعين مؤخراً. يبدو أن مجال الأعمال في المأكولات أفضل حالاً من الأزياء، على الرغم من بقاءه تحت الضغط. قال أحد موظفي سينابون المحليين إن العمل بطيء في الأسبوع، ولكنه فعال بما يكفي لدعم المحل في عطلة نهاية الأسبوع.

على الرغم من أن “الحالة صعبة جداً، فلقد نجونا الحمد لله”، إلى الآن، يقول الموظف والذي طلب عدم كشف هويته. أحد مواطني دمشق يقول إنه لاحظ عائلة واحدة فقط في منطقة الطعام تأكل من “سينابون” عندما ذهب مع صديقته في منتصف مارس/ آذار. في تلك الأثناء، بدأ “كوستا” في وضع معداته وأثاثه في المخزن، والتي أتت من فروعه السبعة المغلقة، متمنياً يوماً أفضل، كما قال مدير حق الامتياز. كما أضاف بأن “دجاج كنتاكي”، أغلق فرعين في حلب، وفرعين في دمشق بعد أن تعرض بعض موظفي الإدارة لإطلاق رصاص أثناء قيادتهم في الطريق الشمالي-الجنوبي الرئيسي الذي يمر بحمص في أبريل/ نيسان الماضي.

لقد تم إعادة تعيين عدد من الموظفين في الشركتين السابقتين إلى عمل مكتبي أو إلى فروع أكثر أماناً في دمشق. ظل فرع واحد لـ”كنتاكي” في حلب لأنه بإمكانهم الاعتماد على الدجاج المحلي مما يجنبهم المرور بالطريق الرئيسي، ولكن ذلك ليس ممكناً في حالة “كوستا كوفي”.

يتم إرغام جميع المشاريع السورية على الاقتصاد، التوفير، أو إغلاق المحلات، وليس فقط لتلك التي تبيع بضائع أجنبية. بالرغم من عدم توفير الحكومة لأي إشارات اقتصادية مدة أشهر، هنالك تقديرات بأنه وبعد سنوات من النمو السنوي بمقدار 5 بالمئة، فقد تقلص الناتج المحلي الإجمالي إلى 15 بالمئة في السنة الماضية، مما يؤثر على جميع أنواع الأعمال، وبشكل أكبر بالطبع على المدن المضطربة كحمص. إن الإغلاق الذي ترك أثراً كبيراً على السكان هو إعلان خطوط الطيران الرئيسية مؤخراً، كطيران فرنسا، بإيقاف رحلاتهم إلى سوريا، وذلك يؤدي إلى زيادة فكرة الانعزال كما يقول يازجي في تقرير سوريا. والآن، ومع انقطاع الكهرباء مدة 12 ساعة، ونقص الوقود في دمشق، حتى لأصحاب الحالة الميسورة، فإن أخذ رحلة إلى باريس يعتبر أمراً صعباً للغاية.

بغض النظر عن ذلك كله، تقوم الحكومة السورية وتطبيقاً لرسالتها في الاعتماد على الذات برسم طريقها بنفسها. ففي قرار رئاسي في الـ 12 من فبراير/ شباط، قامت الحكومة برفع الرسوم الجمركية على البضائع المستوردة من 40 إلى 80 بالمئة، مشيرة بذلك إلى السياسة التي استمرت 10 سنوات والهادفة إلى تحرير التجارة في خطوة لدعم الصناعة المحلية. في الـ 19 من مارس/ آذار، قامت وزارة السياحة باختيار شركة محلية، استثمارات إليسار Elissar ، لتطوير فندق 4 نجوم في وسط دمشق، وهو واحد من المشاريع القليلة التي وقعت السنة الماضية. وقد أعلنت فنادق آكور Accor، وهي مجموعة فندقية فرنسية، في يناير/ كانون الثاني أنها ما زالت عازمة على فتح 3 فنادق في سوريا مع شريك سوري بنهاية عام 2015، بما في ذلك الشام القابضة والتي تقبع تحت العقوبات من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لصلاتها بمسؤولين رئيسيين في النظام. بالرغم من ذلك، فقد قال متحدث باسم الشركة الرئيسية في فرنسا إن هذه المشاريع قيد الانتظار. “تبقى الشركات السورية على رأس عملها”، يقول مدير بينتون Benetton ، “عليهم أن يتحلوا بالأمل، ولكن العديد من الشركات الأجنبية كانت قد رحلت. يعتمد ذلك على قدرتهم في تحمل الخسائر”.

وسط كل هذه الهالة الاقتصادية السوداء والسلبية، قد تكون هناك تجارة واحدة في طريق النمو. تقول إحدى السائحات والتي زارت دمشق في منتصف مارس/ آذار، بأنها رأت بعضاً من الحانات تفتح في المدينة القديمة، وخاصة حول الحي المسيحي والذي كان قلب دمشق السياحي واللهو الليلي. “بعضهم قالوا بأن السبب في ذلك بأن الناس ما زالوا يصرفون نقودهم على المشروبات”، ولكنها قالت أيضاً “البعض يقول إن رجال الأمن أصبحوا متراخين في فرض تصريح المشروبات الروحية، فأصبح الأمر سهلاً”. “اعرف شخصاً لم يكن يحظى بأي زبون في فندقه في المدينة القديمة، فقام بتحويل جزء منه إلى حانة صغيرة كمحاولة للتعويض”، كما قالت. وقد انتعش العمل، ليس لأن الخمر السوري بلون الماء والذي يعود ملكيته إلى الدولة يقدم المساعدة، بل لأن خلف الحانة يوجد ويسكي أمريكي وخمر وبيرة لبنانية. على الأقل، بعض الأشياء ما زالت تُستورد من الخارج.

المصدر

Eating Cinnabon in Damascus


اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s