نهاية الأسد

شكيب الجابري

 16 أبريل/ نيسان 2012

تدخل الثورة في سوريا عامها الثاني، وتثار تساؤلات حول احتمالات نجاحها. يؤكد الناشطون السوريون أن استمرار الثورة ومواجهتها كل الصعاب إنما هو دليل على أنه لا يمكن هزيمة الثورة. بينما يقول منتقدو الثورة إن استمرار إحكام الأسد قبضته على البلد يدعم حجتهم بأنه قوي جداً، ومن الصعب جداً إسقاطه. كذلك الأمر ينطبق على انقسام المجتمع الدولي مع معظم الدول العربية والغربية قائلين بأن سقوط الأسد ليس سوى مسألة وقت. وفي غضون ذلك تصّر كل من  روسيا والصين وحلفاؤهم على بقاء الأسد.

وقد تطورت الثورة السورية خلال العام الماضي بشكل ملحوظ، فمن مظاهرة واحدة في سوق الحميدية الدمشقي التقليدي لتنتشر وتغطي تقريباً كل ميل مربع من الأراضي السورية. وقد أدى ارتفاع عدد المنشقين عن الجيش إلى إنشاء الجيش السوري الحر الذي كان من أولوياته حماية المتظاهرين من قمع النظام.

تدابير خاطئة

زيادة عدد الانشقاقات ساعدت الجيش السوري الحر ليصبح طرفاً فاعلاً مستقلاً في المعارضة السورية. كما ساهمت وسائل الإعلام المتعطشة لمشاهد القتل والدماء على تصدر الجيش السوري الحر عناوين الأخبار عن سوريا، أكثر من كل الاحتجاجات السلمية. ونتيجة لذلك فإن العديد من المراقبين يقيسون نجاح الثورة بنجاح التدابير التي اتخذها الجيش السوري الحر على الأرض، أو أنهم يخسروا ضد نظام الأسد. من شأن ذلك أن يلقي بظلاله ويظلم العديد من الإنجازات التي حققتها الثورة.

ما يحدث في سوريا هو ثورة شعبية، وليس صراعاً عسكرياً على الإطلاق. يخرج الشعب السوري إلى التظاهر لأنه يرغب في ممارسة حقه في تقرير مصيره. فرض نظام الأسد على رعاياه صيغة ملائمة على ما يبدو، والتي يمكن تلخيصها بسهولة “افعل ما تريد، لكن إياك أن تهدد النظام”. كان يتم إسكات أي معارض بطريقة غامضة وعلنية بالوقت نفسه، ثقافة الخوف هذه تحكم سوريا منذ خمسة عقود.

استطاعت الثورة السورية أن تغير نفسية معظم السوريين المعارض منهم والمؤيد على حد سواء. يناقش السوريون الأزمة التي يعيشونها بشكل صريح وواضح أثناء ارتيادهم إلى المقاهي التي قليل منها لا يزال يعمل في حلب ودمشق، مهملين غالباً الإجراءات الاحترازية. في شهر مارس/ آذار اجتمع  مجموعة من الشباب، من معارضي النظام ومؤيديه، في دمشق للمشاركة في قافلة “حمص في قلوبنا”، التي ستقوم بتقديم مساعدات إلى حمص متضامنين بذلك مع المتضررين من هجوم النظام على حمص. تم منع القافلة من مغادرة دمشق إلا أن رد فعل الشباب تجاه ذلك كان بتنظيم اعتصام في مكان الانطلاق. في شهر يونيو/ حزيران من العام الماضي استضاف الأسد وفداً من جوبر، الحي المجاور لمدينة دمشق والذي كان من أوائل الأحياء الذي تظاهر أهله فيه. قام أحد أعضاء الوفد بتسريب مقتطفات من اللقاء في مذكرة كشفت كيف أن الضيوف يتحدثون بصراحة إلى الرئيس. هذا التسريب وحده مثّل تحدياً لم يسبق له مثيل سوريا.

“لقد تم كسر حاجز الخوف”، قد تبدو هذه العبارة فارغة بالنسبة إلى الكثيرين، ومع ذلك فإنها أهم ما تحقق العام الماضي. أدى هذا التطور الصغير إلى تغير طبيعة العلاقة بين الشعوب العربية وحكامها.

 المنازل المدمرة والاقتصاد المحطم

إن أكبر خطأ ارتكبه الأسد هو محاولاته سحق الثورة عن طريق الاقتحام العسكري. أرسل جنوداً إلى الأحياء السكنية لاحتلالها ومنع الاحتجاجات فيها، إلا أن ذلك أدى إلى حدوت العديد من الانشقاقات. نتيجة لذلك استخدم الأسد إستراتيجية أخرى أكثر تدميراً. وذلك في محاولة للتقليل من الانشقاق وزيادة التدمير متبعاً سياسة العقاب الجماعي، فقام الجيش بقصف أحياء بأكملها بالقذائف والصواريخ، منع وصول الدعم للمنشقين الذين يختبئون في الأحياء المسيطر عليها من قبل الجيش السوري الحر. وقد سبب ذلك كميات كبيرة من الأضرار التي لحقت المرافق العامة والبنية التحتية والمدارس والشركات، كما وخلفت الآلاف من المشردين والنازحين.

يعاني الاقتصاد السوري من خسائر فادحة. تقوم عصابات الشبيحة بمداهمة ونهب أي متجر يشارك في الإضراب تاركين أصحاب المتاجر دون وسيلة لكسب رزقهم. يُطرد الموظف المعروف بمعارضته للنظام من عمله  بشكل روتيني، وذلك يحصل حتى في الشركات الخاصة. تعاني المدن الثائرة، والتي ينفذ فيها النظام العمليات العسكرية الرئيسية، من حالة من الجمود التام. وليزيد الأمر سوءاً، فقد تحول النظام فعلياً إلى اقتصاد حرب. حيث يتم تحويل جميع الموارد إلى قوات الأمن والجيش. فشل النظام في تأمين الاحتياجات الأساسية. تسبب نقص الغذاء والوقود إلى ارتفاع معدل التضخم إلى مستويات قياسية حتى في المدن الأقل تضرراً. حتى في العاصمة، دمشق، فإن الكثير من السكان دون كهرباء لمدة تصل إلى 12 ساعة في اليوم.

لم تفلح  مساعدات حلفاء النظام في الحفاظ على الاقتصاد. ضخ العملة الذي تقوم به كل من روسيا وإيران، تساعد قليلاً لمنع انهيار الليرة السورية، والتي خسرت ما يقارب من نصف قيمتها عن مرحلة ما قبل الثورة. يتم تسليم شحنات الوقود التي تصل من فنزويلا إلى قوات الجيش، تاركين الشعب السوري عاجزاً وفي ظلام دامس.

نضوج الثورة

في هذه الأثناء، فإن الثورة تقوم ببناء اقتصادها الخاص بها. اللجان المحلية المكلفة بتنظيم الاحتجاجات تنمو في مجالس الثورة التي تدير الشؤون الداخلية لكل مدينة. اللجان المحلية عبارة عن مجموعات كل مجموعة مؤلفة من 20 ناشط. وتصور هؤلاء الناشطون على أنهم مجموعة مسؤولة عن تنظيم وأرشفة وتوثيق المظاهرات. تزداد مسؤولياتهم مع الوقت لتغطي تقديم الخدمات التي هي من اختصاص الدولة والمنظمات غير الحكومية. يقومون بانتقاء والتواصل مع الصحفيين لكتابة التقارير التي توضح أفعال النظام، بما أن الصحافة ممنوعة من دخول البلد. يوثقون حالات القتل، الاختفاء والتعذيب .

هذا المجلس مندمج مع مجلس الثورة، وقد أخذ على عاتقه القيام بالإغاثة الإنسانية بالإضافة إلى احتياجات مجالس الثورة من الإحصائيات وعمليات المسح وتلقي المساعدات وإعادة توزيعها. لقد قاموا بتنظيم شؤون الحماية والمساعدات للمشردين داخلياً.

قام مجلس الثورة أيضاً بحمل مسؤولية خدمات المحافظة كإزالة القمامة. هم يحلون محل مؤسسات الدولة لدرجة أن بعض مؤسسات الدولة تراجعت تماماً عن تقديم الأعمال المسؤولة عنها. في زيارة إلى بنش, اقترح أنتوني شديد مجلساً من الممكن أن يكون نموذجاً ليخدم سوريا في المستقبل. وها هو ذا.

في حال انتصر الأسد

تتمثل الأسئلة المطروحة هنا في التالي ماذا سيحدث في حال انتصر الأسد وظلّ في الحكم. خلو النظام من أية إصلاحات جديّة يشير إلى أنه يأمل في دحر الثورة وكافة تبعاتها. في أفضل سيناريو فإن جميع المنشقين سيعودون إلى منازلهم، ويصمتون ويسلمون حياتهم للأسد، إلا أن الأمر كما هو واضح أكثر تعقيداً من تلك المسألة، لأن العديد من هؤلاء المنشقون لم يعد لديهم منازل بعد الآن.

لإعادة عقارب الساعة، فإن النظام بحاجة إلى استعادة طبيعة الحياة للشعب السوري لما كانت عليه قبل 14 مارس/ آذار 2011 على الأقل. سيتوجب عليها إعادة بناء الأحياء ومن ضمنها المنازل, المدارس, المستشفيات، المحال، ومباني الخدمات العامة. سيتوجب عليها إصلاح الاقتصاد، وخلق فرص عمل للعاطلين.

وعلى مستوى الدمار الهائل فإن هذه المهمة ستكون مهمة ضخمة. خلال الحرب ضد المعارضة فلقد دمر الجيش الحياة المستقرة، والبنى التحتية مثل السدود وصوامع الجوامع. لقد أشعل النيران في الأراضي الزراعية التي أصبحت بحاجة إلى علاج قبل محاولة إعادة زراعه المحاصيل فيها من جديد. النظام بحاجة إلى استرداد ثقة الناس على قدرته على إدارة الدولة.

حلفاء الأسد يجادلون بما يرون أنه السيناريو العقلاني، تسوية عن طريق التفاوض حيث القوة متشركة بين النظام والمعارضة. يأملون في أن هذه الخطوة ستسمح للمعارضة بأخذ قسط من الراحة، بينما تسمح للنظام في البقاء مسيطراً. خطة التسوية الحالية التي أقرها حلفاء الأسد الخارجيين وخصومه تشمل انسحاب جميع الوحدات العسكرية، ووقف لإطلاق النار اليومي، والإفراج عن جميع المعتقلين، والوصول إلى الصحفيين الأجانب. يتمنى النظام هنا بأن يمنح حلفائه ما يكفي لتخفيف الضغط عليه من الآخرين في المجتمع الدولي، من دون التنازل عن أية أرضية التي من شأنها قد ترجح كفة الميزان لصالح معارضيه.

حلقة  غير منتهية

كلا السيناريوهين غير محببين. كل يوم يزداد المنشقون في سوريا. يفتقر النظام إلى التمويل لاستعادة ثقة الشعب. تظل مسألة أن العقوبات المفروضة على سوريا ستزول قريباً، أو أنها قريبة لدرجة أنها ستصحح الأمور بعيدة الاحتمال.

إن كمية المساعدات التي يحصل عليها النظام من حلفائه غير واضحة، ولكنها فشلت حتى الآن في تحقيق  الاستقرار. سيحتاج الأسد إلى مجهود كبير لإعادة بناء ما دمره وكبته في حق المعارضة. إيران الحليف الأقرب لسوريا تتصارع مع العقوبات المفروضة عليها. الصين سحبت عدد من الموظفين بسبب تدهور الوضع الأمني، ويرسل الروس المقيمون تقارير تتحدث عن تهديدات وتحرشات بهم. وحتى حلفاء الأسد الأقوياء سيكونون حذرين من الاستثمار في بلد يشعر سكانه فيه أنهم غير مرغوب بهم.

إن توسط الأمم المتحدة لوقف إطلاق النار أخذ حيز التطبيق في 12 أبريل/ نيسان، ولكن ميليشيات النظام الأمنية وقواته، استمرت في طحن كل محافظة في سوريا. لقد استمرت في إثبات عدم التسامح مع المعارضة. وتخوض هذه المعادلة القاتلة في البلاد في حرب استنزاف. كلما قتل الأسد أكثر، كلما توسعت دائرة المعارضة. ومعارضة علة نطاق واسع، مزيد من قتل من قبل الأسد. بالنسبة إلى نصر الأسد فإن عليه تبني سياسة القمع، لذا سيجعل من الحياة في كوريا الشمالية كما وكأنها نزهة في حديقة.

سيكون هاجس الأسد وجيشه (الحل الأمني) في زواله. يتصرف الجيش وكأنه قوات احتلال أجنبي، عوضاً عن أن يكون حامياً للوطن، كما يطلق عليهم في النشيد الوطني السوري. لقد تم استخدامه كأداة لمعاقبة الناس عوضاً عن حمايتهم.

ببطء ولكن بثبات يفقد الأسد قبضته على كل شي في البلد. إنه يهمل كل شي آخر عدا الخيار العسكري، ويترك الحكم المحلي للناشطين. أصبحت مجالس الثورة بشكل متزايد مسؤولة عن إدارة جميع جوانب الحياة. الأسد على طريق واحد ونهاية منطقية وحيدة له. الجيش، كالمدنيين، يتطلب خدمات ليعمل بشكل مناسب وصحيح. ترسل الجنود في مهمات بدون حصص لهم. عندما يصبحون معتمدين على مجالس الثورة أكثر سيفرون بأعداد أكبر. سيفقد الأسد ورقته الرابحة المتبقية.

المصدر

Assad’s End

One response to “نهاية الأسد

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s