جثة مرمية على الشارع لا يُمكن سحبها نتيجةً لإطلاق النار, دبابات تَقصف الأحياء السكنية, رُعب ودم في المشافي حيث يُسعَفُ إليها الجرحى من ناشطي المعارضة. إن ما يعرض على التلفاز من مشاهد عما يجري في حمص يمكن أن يكون نداءً أخلاقياً, كم يمكن للعالم أن ينتظر وهو يشاهد نظام الرئيس السوري بشار الأسد وهو يذبح شعبه ؟
ومع ذلك فإن أي تدخل عسكري غربي سيكون كارثياً كما يرى الدبلوماسي الهولندي السابق ومؤلف الكتاب ذائع الصيت الصراع على السلطة في سوريا نيكولاس فان دام. كسفير هولندي سابق في عراق صدام حسين, يدرك فان دام جيداً مدى قسوة وسوء الديكتاتورية ولكنه يرى أن هناك ماهو أقسى وأسوأ من ذلك وهي الحرب الأهلية كالصراع الطائفي الذي عايشه وخَبِرَهُ في لبنان عندما بدأ عمله بالسلك الدبلوماسي هناك. عندما تتصادم الطوائف ضد بعضها البعض يصبح الجميع معرضين لخطر الموت وفي سوريا المنقسمة دينياً فإن حرباً طائفية تلوح في الأفق كما يرى فان دام. يهيمن بعض أعضاء الطائفة العلوية على النظام في سوريا وهم فرقة من الشيعة يشكلون ما نسبته 12% من مجموع السكان بينما تَتَشَكل المعارضة من خليط من جميع الطوائف ولكن السنة والذين يشكلون أكثر من 60% من مجموع السكان يلعبون الدور الأهم داخل المعارضة. يخشى العلويون من العودة إلى فترة الخمسينات والستينات حيث كانوا مضطهدين ومهمشين بينما يتجه الإستياء والسَخط داخل السنة نحو الإنفجار وهذا ما يؤجج الصراع. لا يزال النظام متشبثاً بالسلطة, بدأت المعارضة بمظاهرات سلمية ولكنها ما لبثت أن رفعت سقف مطالبها وبدأت ترد على النار بالنار. إذا ما أراد الغرب دعم المعارضة عن طريق تسليحها مثلا فإنه بذلك يكون كَمَن يصب الزيت على النار يخشى فان دام. قد تكون المعارضة أقوى عددياً ولكن النظام يملك وحدات النخبة المسلحة بالأسلحة الثقيلة
وهذا قد يؤدي الى سفك دماء قد يستمر لسنوات وهذا مانراه في العراق. ولذلك لايزال السفير السابق يدعو لحوار مع بشار الأسد. يجب إقناع النظام بالتخلي عن سلطاته ولكن فرصة حوار كهذا تتضائل يوماً بعد يوم يُقر فان دام ولكنه رغم ذلك لا يرى بديلاً مباشراً ما عدا استمرار الصراع الدموي والذي سيُخلف نتيجة مغايرة تماماً لما هو مُنتَطر. مايجري في حمص يخلق شعوراً بأن على أحدهم أن يتدخل ولكن يجب عليك أن لا تفكر فقط بأنك تشعر بأنك مسؤول وأن الحالة سيئة وأن عَلَيكَ أن تَتَدخل ولكن عَليكَ أيضاً أن تفكر بما سينتُج عن مثل هكذا تدخل وهنا تكمن المُصيبة. إذا أدى التدخل العسكري إلى حرب أهلية على نطاق أوسع ستقول ” لقد قمنا بالخطوة الصحيحة أخلاقياً ولكن هناك مئات الأف من الضحايا الذين سقطوا نعم للأسف ولكن لم نكن نقصد ذلك “
– تتزايد نسبة المُنشقين عن الجيش السوري مؤخراُ .. هل يُمكن لِتسليح المُعارضة السورية أن يكون بيضة القَبان ؟
معظم الجنود المنشقين هم من السنة وأغلبهم مسلح بسلاح فردي خفيف ولا يمكن أن يشكلوا خطراً على النظام في الوقت الحالي, ستبقى قوات النخبة وجُلهم من العلويين المدججين بكافة الأسلحة الثقيلة والتي كانت معدة أصلاً لقِتال إسرائيل الى جانب النظام كما أن تزايد الانشقاق في صفوف الجنود السنة قد يؤدي إلى حرب أهلية. سقط حوالي السبعة الاف ضحية منذ بداية الإحتجاجات والتي كانت سلمية في بدايتها ولكن هناك الان ما يقارب الألفين ضحية من طرف النظام وهذا عدد لا يستهان به أيضا …مواجهة كهذه قد تستمر لِسنوات ولن تكون بحاجة لسلاح ثقيل لمهاجمة العائلات العلوية أو للقيام بتفجيرات. لا تستطيع أن تقول أن مايجري في سوريا هو صراع بين العلويين والسنة فهناك الكثير من العلويين الذين يكرهون نظام الأسد ولكن وفي حال تحول الصراع الى صراع طائفي فإن كل شخص سيتورط بشكل أو بأخر وهذا ينطبق على الأقليات الأخرى في سوريا كالدروز والمسيحيين والإسماعيلين. هناك شعور عام سائد بين الكثير من أبناء هذه الطوائف أن نظام الأسد العلماني هو أفضل لهم من نظام سني فنظام الأسد يعتبر حامي للأقليات ولكنه تحول الآن إلى الخطر الأكبرعلى هذه الأقليات وعلى العلويين بشكل خاص. يلعب النظام لعبة خطيرة من خلال استمراره باستخدام أسلوب القمع الوحشي مستعيناً بوحدات خاصة من العلويين والتي وفي حال سقوطه ستؤدي إلى عملية إنتقام عنيف. لقد كنت موجوداً في لبنان خلال الحرب الأهلية وحينها كان المقاتلون يتعرفون على خصمهم من خلال لهجته كأن تلفظ كلمة بَنْدورة أو بَنَدورة فاللفظ الأول هو لبناني والثاني هو فلسطيني وعندما تكون على الجانب الخطأ فإنك ستقتل بكل بساطة. وهذا ما يمكن أن يحدث في سوريا أيضا فاللهجة العلوية يمكن تمييزها بسهولة.
– ما هو احتمال انزلاق سوريا نحو حرب أهلية في رأيك ؟
لا أحد يريد الحرب الأهلية، والسوريون يدركون خطورة ذلك ويرون أن ما جرى في لبنان ويجري في العراق هو مثال مرعب لما يمكن أن تجلبه الحرب الأهلية. ولكن هذا الأحتمال قائم في حال تلاشي السلطة المركزية وقد حدَثَ شيئاً من هذا القبيل في ثمانينات القرن الماضي في المواجهة بين الإخوان المسلمين والسلطة حين أستُهدِف الضباط العلويين وتم تصفيتهم في مدرسة المدفعية في حلب كما تم تصفية العديد من الشخصيات العلوية أيضاً وذلك للدفع أو للتحريض لمواجهة سنية علوية. وبُعَيد إنتفاضة الأخوان المسلمين انتقم النظام شر انتقام وهاجم مدينة حماه وخلال ثلاثة أسابيع من الهجوم سقط ما يقارب العشرين ألف ضحية. ولكن وحسب ما أورده مراسل النيويورك تايمز وقتها توماس فريدمان فإن الكثير من السوريين تقبلوا هذا السيناريو “حماه لمدة شهر أفضل من حرب أهلية لأربعة عشر عام كما في لبنان ” ولكن المعطيات كما الظروف قد تغيرت الأن والمظاهرات بدأت سلمية وبدون أي أبعاد طائفية
– هل تُعول المعارضة على تدخل خارجي ولذلك تواجه الدبابات بالأسلحة الخفيفة مُنتظرة هذا التدخل ؟
بعض الجماعات تفعل ذلك ففي حمص تتمركز بعض الجماعات المسلحة بين الأحياء السكنية ولكن مثل هذا لا يردع النظام من مهاجمتهم وهذا ما يؤدي الى تأجيج الصراع ويُكون رأياً عاماً بضرورة التدخل الدولي وهذا ما نراه في وسائل الاعلام مؤخراُ فالدول التي تدخلت عسكرياُ في ليبيا ليست متحمسة لتدخل عسكري في سوريا ولكن هناك توجه نحو دعم وتسليح الجيش السوري الحر
– ماهو البديل اذاً ؟ هل الحوار مع الأسد لازال ممكناً ؟
الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة لم يحاولوا الحوار مع الأسد ومضوا مباشرة بخيار العقوبات.
– تركيا فعلت ولكنها لم تصل الى شيء.
بالفعل وقد تفاجأت كثيرا فقد توقعت أن يستمع الأسد الى نصيحة الحكومة التركية.
– ما الذي يمكن فعله الأن ؟
يجب أن نبحث عمن لا يزال على تواصل مع الأسد كالروس, العراقيين ,أو الصينين أو ربما ملك الأردن أو المغرب رغم أنني أرى أن خيار الحوار مع الأسد لم يعد مقبولاً لدى الكثيرين والكل يتحاشى الظهور بجانب الأسد وهو ماقد يعتبر على أنك تصافح المجرم ولكن إذا كان البديل هو صراع دموي مفتوح فمن الأفضل أن تحاول. كسياسي لديك مسؤوليات وعليك الأختيار من منظور براغماتي بين العدالة المثالية مع حمام من الدم أو بين التنازل عن بعض المبادىء مقابل حقن الكثير من الدماء. شيء واحد مؤكد بالنسبة لي وهو أن التدخل العسكري نادراً ما ينجح أو يفي بالغرض فتغيير النظام في العراق خلف الكثير من الضحايا, بعد الغزو الأمريكي للعراق سقط حوالي 165 ألف ضحية نتيجة العنف الطائفي وخلال تسعينات القرن الماضي سقط ما يقارب 300 ألف ضحية نتيجة حصار الأمم المتحدة ولا يبدو أن العنف في العراق سينحسر في المدى القريب. بكل تأكيد فإن نظام صدام حسين كان همجياً ووحشياً وخلف الكثير من الضحايا ولكن عدد ضحاياه لم يكن بهذا الحجم. كما أن التدخل العسكري في أفغانستان قد فشل أيضا وعلينا أن ننتظر قبل أن نحكم على نتائج التدخل في ليبيا على الرغم من أن منظمة العفو الدولية أشارت إلى حدوث انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان هناك
– هولندة تُعَول على العقوبات .. ما رأيك بذلك ؟
العقوبات هي أحد الخيارات المقبولة عادة ولكن وبالنسبة لسوريا فقد مضى ما يقارب العام على فرض العقوبات ولا نرى أنها ساعدت على وقف العنف أو على تغيير النظام. أنت تعلم مسبقاً أن العقوبات تؤثر بشكل سلبي على الناس ولكن ليس بالضرورة أن تحقق الأهداف المرجوة منها
– آخر زيارة لك لسوريا كانت في شهر سبتمبر من العام 2010 هل توقعت أو رأيت أي مؤشر لما يجري الأن ؟
أبداً .. لقد تحدثت مع أحد الوزراء وكان مرتاحاً جداً حينها. الشجاعة للوقوف في وجه القهر هي عنصر جديد كلياً وهو مستوحى مما حدث في بلدان أخرى. المطالبة بالحرية كانت موجودة قبل ذلك بكثير فقد كان هناك ما يسمى بربيع دمشق عام 2001 عندما استلم بشار الأسد السلطة وتحدث عن الحرية والانفتاح ولكنه كان يمثل جزءاً من النظام وليس كله. فهذا النظام هو نظام العنتريات, نظام يديره أشخاص يستخدمون العنف والقمع. ربما أستطاع الأسد الأب أن يسيطر على هؤلاء ولكن يبدو أن الأسد الابن فشل حيث نجح والده وهو الذي كان يلقب في دمشق بالملاك وهو لقب لم يعد صالحاً بعد الأن.
– هل يمكن للأسد ومن خلال القمع العنيف أن يبقى في السلطة ؟
هذا ممكن ولكن قد يؤدي انشقاق الجنود السنة الى إضعاف الجيش وهذا ما قد يدفع الضباط العلويين لمراجعة موقفهم من النظام وهذا هو الخطر الأكبر بالنسبة للأسد, انقلاب من الداخل وهو السيناريو الذي أعول عليه, قيادة علوية ترغب بالتغيير.
– ولكن هذا مستحيل تقريباً ؟ لن يبقى وضع العلويين كما هو في أي تغيير قادم ..
أنا متأكد أن الكثير من الضباط العلويين يرون أن استخدام العنف هو شيء فظيع وغير مبرر وهو ليس الحل الأمثل بالنسبة لهم ولكن هم يدركون أيضاً أن أي محاولة للانقلاب على الأسد قد تكلفهم حياتهم.
– ما هو رأيك بالنسبة للدستور الذي دعا الأسد للأستفتاء عليه وماهو الجديد الذي يحمله ؟
ينص الدستور الجديد على الغاء احتكار حزب البعث للسلطة في سوريا ” المادة الثامنة من دستور الجمهورية الحالي ” * كما يحدد مدة ولاية الرئيس بدورتين متتاليتين فقط وهو تغيير مهم ولكن الدستور الجديد يعطي الرئيس صلاحيات واسعة. إن الظروف التي ترافق عملية الاستفتاء ليست مواتية فهناك الكثير من المواجهات في أكثر من مكان في سوريا. فقط عندما يتوقف العنف وينخرط الأسد في حوار مع المعارضة حول الدستور عندها فقط يصبح الاستفتاء قيم وذو معنى. المشكلة الأساسية في سوريا هي انك بحاجة للثقة للانتقال من نظام قمعي للغاية إلى الديمقراطية. أتفهم جيداً أنه لم يعد لدى المعارضة أدنى درجة من الثقة بالنظام ولكن ليس لدى النظام أي ثقة بالمعارضة أيضاً وذلك لأنه يخاف من الإنتقام.
– نيكولاس فان دام .
– ولد في أمستردام عام 1945
– درس اللغة العربية والعلوم السياسية 1964-1973
– دَرَّسَ تاريخ الشرق الأوسط في جامعة أمستردام 1970-1975
– مترجم لغة عربية 1974-1975
– موظف في وزارة الخارجية 1975-1980
– أطروحة الدكتوراة حول سورية الحديثة 1977
– سكرتير أول في السفارة الهولندية في بيروت 1980-1983
– قائم بالأعمال في سفارة هولندة في ليبيا 1983-1985
– نائب مدير قسم أفريقيا والشرق والأوسط في وزارة الخارجية الهولندية 1985-1988
– سفير هولندة في العراق 1988-1991
– سفير هولندة في مصر 1991-1996
– سفير هولندة في تركيا 1996-1999
– سفير هولندة في ألمانيا 1999-2005
– سفير هولندة في أندونيسيا 2005-2010
– سفير هولندة لدى رابطة أسيان” رابطة دول جنوب شرق أسيا” 2010
– متقاعد حالياً.
*- تنص المادة الثامنة من دستور الجمهورية العربية السورية الحالي على أن حزب البعث هو الحزب القائد للدولة والمجتمع.
رابط المقابلة الأصلي :
http://www.nikolaosvandam.com/pdf/interview/20120218nvdaminterview01nl.pdf