9 شباط/فبراير 2012
كورت ج. ورثملر Kurt J. Werthmuller
(باحث في معهد هدسون لحرية الأديان)
فيما بدأ مجتمع السياسة الخارجية أخيراً الخوض في الأزمة السورية ببالغ الاهتمام، أصبح واضحاً على الفور مدى نأي العالم عن التوصل إلى إجماع بشأن نوعية رد الفعل تجاه قمع نظام الأسد الدموي للمعارضة (والذي حصد حتى الآن ما لا يقل عن 7000 شخص). وحول فشل إجراء مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الذي كان من شأنه التقدم بمطلب مباشر لوضع حد للعنف فضلاً عن دعوة الأسد إلى التنحي،عبّرت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون السبت الماضي محذّرة من أنه “في ظل غيابنا عن العمل سويةً كمجتمع دولي فإن نهاية اللعبة ستكون حرباً أهلية”. هذا وقد استهلّ أيضاً أعضاءٌ في الكونغرس الأميركي مناقشة خيارات التدخل العسكري الأميركي (على الرغم من كون هذه الخيارات لا تزال بعيدة بشكل جليّ عن التوافق عليها أو تطبيقها). في المقابل، أكّد وزير الخارجية الروسي على تأييده لنظام الأسد، وذلك عبر توجّهه إلى دمشق لعقد اجتماعٍ ودّي مع بشار الأسد يوم الثلاثاء. في هذه الأثناء يختلف خبراء السياسة الخارجية الأميركية حول مسألة التدخل الأجنبي العسكري المباشر في سوريا، لكنهم يتفقون في المجمل على أن شرعية النظام قد أفلست وأنه لا بد من التعجيل بسقوط الأسد.
ظلت مع ذلك مسألة أساسية غائبة إلى حد كبير عن المداولات الجارية بشان سوريا: إذ أنه بصرف النظر عن كيفية أو توقيت سقوط نظام الأسد، فالسؤال هو: ما الذي سيحدث بعد ذلك؟ ما هي السيناريوهات المحتملة لسوريا ما بعد الأسد، سواء كان ذلك على المدى القصير أو البعيد؟ وكيف هو استعداد المجتمع الدولي – وبخاصة الولايات المتحدة وأوروبا، والحلفاء الإقليميين مثل تركيا – للتعامل مع تلك السيناريوهات؟ في هذه المعادلة تضيع تلك القضية الإنسانية للأقليات الدينية العديدة والمتنوعة الحضور في سوريا: فهي ستجد نفسها في موقف حسّاس خاصة إذا ما سُمح للبلاد بالانجرار إلى فوضى سفك الدماء الطائفية.
هنالك احتمال حقيقي أن تنقطع كلياً في الأشهر المقبلة أواصر المنظومة الاجتماعية-الدينية السورية الواهية أصلاً، وخصوصاً أن الطائفية لعبت لفترة طويلة دوراً مركزياً من قاعدة سلطة النظام العلوي للأسد. تتقاطر منذ عدة أشهر تقارير من سوريا تنبئ عن وقوع أعمال عنف وانتقام محدودة بين العلويين والسنة، مما يزيد من احتمال أن حرباً أهلية مديدة لربما تتخذ صبغةً دينيةً خطيرةً (على غرار ميليشيات الطوائف في لبنان إبان الحرب الأهلية 1975-1989 ). فمن غير الواقعي التصوّر أن الإطاحة بالرئيس الأسد ستضمن وضع حد لهذا الخطر (لاسيّما إذا ما تشبث بالسلطة لفترة أطول من ذلك بكثير)، أو أن تجمّعات المعارضة السورية المفكّكة والمختلّة الأداء – مهما جدّت في معارضتها- من شأنها أن تمتلك الوسائل أو السلطة اللازمتَين لكبح تصاعد مثل هذا العنف بشكل فعّال.
إن الطوائف المسيحية المقدرة نحو 10٪ من العشرين مليون مجموع سكان سوريا, واقعون في مأزق خطير على نحو استثنائي. فمنذ أوائل سبعينات القرن المنصرم، أقام نظام الأسد العلوي علاقات قوية مع الأقليات الدينية الأخرى في البلاد كإستراتيجية مواجهة للأغلبية السنية المسلمة. وفي تناقض ظاهري لمنهجه الشمولي القمعي سيئ السمعة، حمى النظام المجتمعات المحلية المسيحية في سوريا (السوريون الأرثوذكس، الروم الكاثوليك، الأرمن، وغيرهم)، كما أتاح لها حرية العبادة إلى حد معتبر، فضلاً عن تأكيده المستمر لها أنه يقف وحده حائلاً بينها وبين صعود الإسلام السياسي السنّي. إن مردّ ضعف موقفها واضح: فإذا ما والت النظام، قد تستدعي غضب الميليشيات السنية التي ستضرب ضد كل حلفاء الأسد التقليديين، وإذا هي جاهرت بالتعبير عن دعمها للمعارضة، فإنها – على غرار سكان حمص وأماكن أخرى – تجازف بتعريض نفسها للعقوبة الفورية من قبل النظام نفسه. خلافاً للعلويين، فإن معظم الأقليات الدينية في سوريا (المسيحيين واليزيديين والإسماعيليين، وغيرهم)، بما في ذلك اللاجئين العراقيين الفارّين من العنف الديني في بلادهم، سيُتركون معزولين كلياً: وحدها جيوب جبل الدروز ومعاقل الأكراد الشمالية تتمتع بتقليد قوي ومنظم للدفاع عن النفس.
على المدى البعيد، من الذي سيصل في نهاية المطاف إلى السلطة؟ كما تعلّمنا في النموذج المصري، الآمال المعقودة على المتظاهرين ذوي الشجاعة الحقّة والثوريين الليبراليين قد لا تُترجم بالضرورة على أرض الواقع. لا ينبغي لنا مثلاً اعتبار وحشية الأسد بديلاً مقبولاً للإسلاميين السوريين، لكننا ملزمون بأن نكون أكثر اطّلاعاً على نواياهم وحجم انخراطهم اليوم في جماعات المعارضة. على سبيل المثال، أظهر المجلس الوطني السوري الذي يعد أبرز مجموعة معارضة منبثقة عن الانتفاضة السورية، أظهر بعض المؤشرات الواعدة: فبرنامجه يتضمن دعوات صريحة لدولة تعددية مدنية، بما في ذلك المساواة المطلقة بين زُمر البلاد الدينية والعرقية. لكن يبدو أنه تناغم غير كافٍ، نظراً لعدم انسجامه مع عدد الأعضاء المحسوبين على جماعة الإخوان المسلمون السورية، وهي منظمة إسلامية كان الجيش السوري قد قضى على القسم الأعظم منها حينما كانت تعمل بطريقة سرية قبل ثلاثين عاماً. لدينا أدلة دامغة على سياساتهم الإقليمية كما أن بعض قادتهم يتحدثون علانيةً من وقت لآخر، لكنهم في العموم أقل شهرة من نظرائهم في جماعة الإخوان المسلمون المصرية أو حركة حماس الفلسطينية، على سبيل المثال.
وكما كتبت ذات مرة حول سياق الأحداث في مصر، لا ينبغي للتحفظات المشروعة بخصوص أيديولوجية الإخوان المسلمون في سوريا أن تحول دون دخول الدبلوماسية الأمريكية وغيرها في حوار مع المجلس الوطني السوري. لكن من الضروري قبل القيام بذلك أن يتطلب الأمر إجراء تقييم شامل وحاسم للمعطيات المحفوظة المتوفرة بالإضافة إلى المعلومات الاستخباراتية عنه. اليوم هو الوقت المناسب لدفع المجلس الوطني السوري للمحافظة على التزامه برؤيته المدنية الديمقراطية التعددية لسوريا المستقبل: على إدارة أوباما عدم قبول وقوفها مترددة مرة أخرى أمام الاستمرار المتفاقم لسفك الدماء والاضطراب والوحشية ضد دعاة الديمقراطية والأقليات الدينية ووضع النساء.
على الولايات المتحدة وحلفائها وفوراً اتخاذ موقفٍ حاسم وواعٍ بشأن سوريا، بما في ذلك انتهاج سياسة واضحة لجهة التدخل المباشر أو غير ذلك من الوسائل المبتكرة لوقف العنف المتصاعد في البلاد وتسهيل سقوط نظام الأسد خلال تلك العملية. لكن عليهم أيضاً أن يكونوا مستعدين للتعامل مع تداعيات الأمر، بما في ذلك منع انتشار العنف الطائفي وضمان تطلعّات الحكم العادل والتعددي على المدى البعيد في سوريا. إن الفشل في إدراك العواقب الوخيمة المحتملة لفقدان حتمية السلطة الوحيدة في البلاد على مدى عقود عدة، والانهيار الناتج عن ذلك في النظام الاجتماعي، قد يكلف عشرات الآلاف من الأرواح، مهشّماً البنيان الهش للأقليات الدينية في سوريا، ومسبباً أضراراً لا يمكن إصلاحها لتطلّعات الأمة بالنجاح والازدهار.
المصدر
Failing Syria: Why the World Must Prepare Now for Assad’s Fall and the Aftermath