“المعارضة” السورية غير مُطالبة بإثبات نفسها

“المعارضة” السورية غير مُطالبة بإثبات نفسها

فقط بعد رحيل النظام سيُظهر المجتمع السياسي في سوريا وجهه الحقيقي، وهو يحتاج إلى الدعم للوصول إلى تلك المرحلة

نديم شحادة (شهادي؟) – الغارديان – 1/تشرين أول/2011

عندما نستخدم مصطلح “معارضة” لوصف هؤلاء الذين يثورون ضد نظام الأسد فإننا لا نعطي الشعب السوري حقه الكامل، ما يُطلق عليه الآن وصف المعارضة ليس في الحقيقة إلا المجتمع السياسي السوري الذي بقي مختطفاً لعقودٍ خلت، ومن هذا المجتمع السياسي الغني بالأطياف المتنوعة ستنبثق حكومة ومعارضة جديدتين بعد سقوط النظام.

إن استخدام لغة اصطلاحية من قبيل نظام في السلطة و”معارضة” له يشرّع في النهاية النظام نفسه ويُحمّل المعارضة عبء إثبات شرعيتها، نحن هنا لا نتحدث عن تمييز أكاديمي أو لفظي فحسب، فمن السهل أن يحصر المرء نفسه في إطار يُعطي إحساساً بأن ما يحصل في سوريا أمر عادي أو طبيعي.

يحرص النظام على تقديم رواية معينة: لا يوجد أي بديل حقيقي لحكمه الذي لن يكون من دونه سوى الفوضى الشاملة ممثلةً بالتطرف الإسلامي، التوتر الطائفي، التقسيم، العنف، والحرب الأهلية. فهو يتهم المتظاهرين بأنه يتم التلاعب بهم وتسليحهم من قبل قوى خارجية، كما يدّعي من جانبه بأنه يسعى إلى الاستقرار والإصلاح.

إننا من خلال إضفاء شيء من الاعتيادية على هذه الحالة نحمّل المتظاهرين الذين يؤكّدون على أنهم متّحدون، غير طائفيين، سلميون، لا عنفيون، ومستقلون عبء إثبات أنفسهم. فمهما كان عدد المظاهرات السلمية التي تحصل، فالأمر لا يحتاج إلى أكثر من نقل أخبار بضع حوادث عنف أو تفسيرات طائفية للتوتر للعالم لكي يميل إلى الاقتناع برواية النظام.

بالإضافة إلى ذلك فإنه من غير المنطقي أن نطالب المحتجّين بإثبات وحدتهم، فالحالة الطبيعية هي ألا يكونوا متّحدين، التنوع هو عنصر قوتهم وليس ضعفهم، كما أنه من غير المعقول أن نطالبهم ببرهنة أنهم بديل حقيقي، فقد حافظ النظام السوري على بقائه في السلطة من خلال منع أي بدائل كهذه من البروز أو الظهور على أنها بدائل حقيقية. بسبب هذه النقطة بالذات تتم مواجهة النظام ومحاربته، فلو سمح النظام لمعارضة حقيقية بالبروز لما كان هناك حاجة لتغييره.

إنها لحقيقة معروفة أن أي شخص كان من الممكن أن يشكل تحدّي لسلطة النظام قد تم التخلص منه، نفيه، سجنه، أو قتله. كما تم إجبار الكثيرين على التنازل أو الخضوع من خلال ابتزازهم أو تهديد عائلاتهم، الأجهزة الأمنية بدورها اصطنعت بدائلها الخاصة كي تكون طعوماً للإيقاع بخصوم النظام.

نتج عن هذه الحالة مناخ من الشكّ والتآمر الشديدين، لذلك فمن غير الممكن اتهام المنفيين بكونهم منفيين ولا الذين بقوا في الداخل بكونهم عملاء، فهم جميعهم ضحايا لنفس النظام ونحن بدورنا نفرض عليهم شروطاً تعجيزية إذ نطالبهم بأن يبرهنوا بأنهم معارضة حقيقية.

القوى الإقليمية من جانبها تزيد الطين بلّة من خلال التنافس لإقامة وتموييل مؤتمرات للمعارضة مما يفتح الباب للتنازع الإقليمي الذي يثبت اتهامات النظام بوجود تدخلات خارجية. كما يشارك النظام في هذه اللعبة عبر إقامة مؤتمرات خاصة به لـ “الحوار”، المطالبة بالاستقرار، والتظاهر بالإصلاح في الوقت الذي يستمر فيه بإثارة شبح العنف، الحرب الأهلية، الطائفية، التدخل الخارجي، والتقسيم.

تشكّل لجان التنسيق المحلية التي يقودها شبّان شجعان يمتلكون إمكانيات محدودة جدّاً ويعملون بشكل سرّي باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي المحرك الأساسي للثورة، لذا ترى بعض السياسيين الغربيين يطلبون الحصول على قائمة بأسماء قادة هذه اللجان، فهم يريدون أن يعرفوا من هؤلاء وفيما إذا كانوا يشكّلون “معارضة” حقيقية للنظام. إذا قُدّر لهذه الأسماء أن تُعرف، سيكون هؤلاء القادة المحليون في عداد الأموات، والحقيقة أن الكثيرين منهم قد دفعوا حياتهم ثمناً عندما تم التعرّف عليهم، كما أن الكثيرين قد تحمّلوا مخاطر جمّة من أجل المشاركة في الاجتماعات، نجاح الثورة أو فشلها بالنسبة لهؤلاء الشباب موضوع حياة أو موت وهم يعرفون جيداً أن لا عودة للوراء.

بناء على ما سبق يثير استخدام ثنائية نظام ضد معارضة عدداً من الافتراضات حول فهمنا للميزات التي يجب أن تتمتّع بها المعارضة الحقيقية، كما يتم مقارنة هذه الميزات مع رواية النظام، النتيجة النهائية هي أننا نلعب اللعبة وفقاً للقواعد التي يضعها النظام: فنحن نضع المتظاهرين في موضع من المستحيل نقض رواية النظام انطلاقاً منه.

سيبرز المجتمع السياسي في سوريا ويُظهر وجهه الحقيقي فقط بعد رحيل النظام وليس قبل ذلك، لن يكون المجتمع الجديد عبارة عن طائر فينيق ينتفض من بين الرماد بل مجتمعاً محطّماً يبحث عن طريقه بعد فترة طويلة ومظلمة.

المصدر:

Nadim Shehadi

1 October 2011

The Guardian

http://www.guardian.co.uk/commentisfree/2011/oct/01/syrian-opposition?cat=commentisfree&type=article

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s