سبوت لايت – أوروبا
شباط 2013
سوريا من الثورة إلى الحرب
بقلم:
كريستيان هانيلت: خبير في شؤون الشرق الأوسط، مؤسسة بيرتلس مان – christian.hanelt@bertelsmann-stiftung.de
كريستين هيلبيرغ: خبيرة في الشأن السوري – kristin.helberg@gmx.de
سوريا مطلع العام 2013: قتلى وجرحى ونازحون، مأساة إنسانية حقيقية. الرئيس الأسد يدمر بلده ويخوض حرباً ضد شعبه. روسيا وإيران تدعمان النظام، والغرب يريد انتقالاً للسلطة من دون أي تدخل عسكري. يبدو أن المعارضة السورية قد غدت أكثر توحداً، ولكن في الوقت نفسه أكثر أنهاكاً. وضع المعارضة المسلحة غير واضح، وجزء منها يُسيطر عليه الجهاديون.
تقوم كل من السعودية وقطر وتركيا بدعم الثوار. يستمر القتل والشعب السوري يعاني من العنف والفقر والتشرد، وهو بحاجة ماسة للمساعدة. لا يبدو أي حل توافقي في الأفق، فالمعارضة تطالب بانتقال سياسي مشروط برحيل الأسد. أما هذا الأخير، فغير مستعد للتخلي عن السلطة. أما الأمر الأكثر إلحاحاً، فهو الدعوة لمفاوضات من شأنها أن تُفضي إلى حل للصراع السوري الذي تحول إلى نزاع دولي.
سوريا: البلد، النظام، المجتمع
“سوريا الأسد”، بهذا التعبير الرنان يؤكد النظام السوري بشكل غير قابل للشك بأن ملكية هذا البلد من حق عائلة الأسد وليس من حق الـ 23 مليون مواطن سوري.
بعد انقلاب عام 1970، سيطرت عائلة الأسد على سوريا وأحكمت قبضتها على الجيش والمخابرات وحزب البعث القائم على الفكر القومي العربي الاشتراكي. يستغل النظام التكوين الطائفي والعرقي للشعب السوري من أجل الحفاظ على سلطته. فخلافاً للتجانس النسبي الموجود في الشمال الإفريقي، تعيش مجتمعة في سوريا 18 عرق وطائفة مختلفة. 70% من السوريين ينتمون إلى الطائفة السنية، بالإضافة إلى 12% من العلويين، 12% من المسيحيين و2% من الدروز. أما من الناحية العرقية، فيشكل العرب غالبية السكان العظمى، تأتي القومية الكردية ثانياً، ومن ثم الأقليات الأخرى كالأرمن والشركس والتركمان والآراميين والسريان، بالإضافة طبعاً إلى الفلسطينيين.
أغلب العلويين يقطنون منطقة الساحل، بينما يتمركز الدروز في الجنوب والأكراد في الشمال الشرقي على الحدود مع العراق وتركيا. وبغض النظر عن مراكز التجمع تلك، فإن جميع الطوائف والقوميات تعيش منسجمة جنباً إلى جنب. وبسبب التركيبة الحساسة المتمثلة بوجود أغلبية سنية ولكن، وفي نفس الوقت، بسيطرة علوية على مراكز الحكم والسياسة، فإن خطر إثارة نزاعات طائفية عصبية، يبقى خطراً قائماً. لقد سلب النظام السوري الطائفةَ العلويةَ التي يتنمي إليها هويتها الدينية، وحولها إلى طائفة متواطئة مع الدكتاتورية. أما طبقة التجار السنة في دمشق وحلب فترتبط بالنظام من خلال الفساد والمحسوبيات. وينطبق الأمر ذاته على رجال الأعمال المسيحيين أيضاً.
أما المناصب السياسية فيشغلها أناس من مختلف الطوائف، ولذلك لم يتبادر لأي طائفة الشعور بأنها معزولة، حتى وإن كانت إدارة البلد على أرض الواقع تبقى في يد الحلقة الضيقة المحيطة بالرئيس، والمتمثلة بعائلته وبأشخاص كسبوا ثقته على مدى سنوات طويلة. أما من يتجرأ على انتقاد السلطة علناً، فتتم ملاحقته وسجنه واضطهاده بغض النظر عن دينه أو قوميته. ففي نهاية الأمر، لم يحم نظام الأسد الأقليات، بل قام باستغلالها إلى حد أصبح فيه العلويون، ومع طول أمد الصراع، يخشون من الانتقام السني، والمسيحيون يخافون السيطرة الإسلامية، أما الكرد فأصبحوا يسعون وبشكل كبير للحصول على حكم ذاتي كإخوانهم في العراق.
الثورة: من الانتفاضة السلمية إلى الحرب العلنية
على خلاف الثورات في مصر وليبيا واليمن، انطلقت الثورة السورية بشكل أساسي من المناطق الريفية. ويعود ذلك إلى الإهمال الذي لحق بتلك المناطق، مقارنة مع التحرر الاقتصادي للمدينتين التجاريتين دمشق وحلب. فهذا المزيج من الاضطهاد والقمع الاستخبارتي التعسفي على مدى سنوات طويلة، بالإضافة إلى حالة اليأس العام، قد ولد شعوراً بالظلم الاجتماعي وبالكراهية تجاه النخبة الفاسدة. انطلقت المظاهرات مطالبة الرئيس الأسد بإصلاحات اجتماعية واقتصادية ملموسة، بالإضافة إلى إطلاق الحريات السياسية. أما هذا الأخير، وبدلاً من أن يقوم بقيادة هذا الحراك الشعبي، حاول قمع المظاهرات عسكرياً، وهذا ما حرض المدن الأخرى على التضامن مع الضحايا وأدى بالتالي إلى اتساع رقعة الثورة. أن الاستراتيجية المتبعة بقمع كل مظهر من مظاهر الثورة ومحاولة منع امتدادها إلى العاصمة بأي ثمن، قد أدت في النهاية إلى قيام النشطاء بإنشاء تنسيقات ولجان محلية من أجل إدارة وتنظيم شؤونهم. وبهذا الشكل تطورت الأحداث في سوريا لتغدو حركة شعبية شاملة وموحدة، حولت البلد إلى مجموعة من المعاقل الثورية حاربها النظام بأعتى أنواع الأسلحة وعصابات الشبيحة وقوات المرتزقة من العلويين، التي كانت تهجّر وتعذّب وتقتّل المدنيين بطريقة وحشية. بهذا ازدادت الحاجة للدفاع عن النفس، وازداد معها تقبل فكرة المقاومة المسلحة.
في الحادي عشر من تموز لعام 2011، شكل المنشقون عن الجيش النظامي، واللذين رفضوا إطلاق النار على مواطنيهم، ما يسمى بالجيش السوري الحر. وقد انضم إليه فيما بعد عدد من المتطوعين من عمال، وفلاحين، ومعلمين، وطلبة، وعاطلين عن العمل. باختصار، كل من تلاشت أحلامه بالدعم الدولي للقضية السورية. من جهته، يعيش مجلس الأمن الدولي حالة من العجز. وقد عزت الدول الغربية عدم قدرتها على تقديم الدعم بالشكل الذي كانت ترغب به إلى التشتت داخل صفوف المعارضة السياسية، وإلى عدم الوضوح في موقف المقاومة المسلحة، الأمر الذي اضطر الجيش الحر إلى الاعتماد على التسليح الذاتي مدعوماً من قطر والسعودية وتركيا.
كان قصف المناطق السكنية والمجازر المرتكبة بحق المدنيين بالإضافة إلى الحاجة واليأس الذي سيطر على الناس، كل ذلك كان سبباً في تمهيد الطريق أمام الأفكار المتطرفة والتي تسربت إلى سوريا خلال العام 2012. لقد جذبت حالة عدم التكافؤ في القوى بين النظام والثوار – وبشكل متزايد – العديد من الجهاديين إلى الداخل السوري، وانتقلت الجماعات المتطرفة المنظمة وصاحبة الخبرة للقتال داخل سوريا، هناك حيث يناضل السوريون بيأس من أجل الحرية والديمقراطية وإسقاط نظام الحكم. جزء كبير من هذه الجماعات أتى من الخارج.. ولكنها استطاعت أن تحشد حولها عدداً كبيراً من المقاتلين السوريين. وبالرغم من قلة أعدادهم، إلا أنهم استطاعوا أن يحققوا أكبر الإنجازات العسكرية ضد نظام الأسد. من بين تلك المجموعات، تعد “جبهة النصرة” – التي يُشك بارتباطها بتنظيم القاعدة في العراق ارتباطاً وثيقاً، والتي تم إدراجها على قائمة الإرهاب الأمريكية – بالإضافة إلى “جبهة أحرار الشام” السلفية، المجموعتان الأكثر شهرة. كلتا هاتين الجبهتين لا تقاتلان تحت قيادة أو إشراف الجيش الحر، ولكنهما تتعاونان معه في بعض العمليات العسكرية. ومن ناحيته، يواجه الجيش الحر في علاقته بالمجموعات الجهادية معضلة كبيرة: فهو من جهة لا يستطيع أن يستغنى عن خبرتها العسكرية، و يخشى من جهة أخرى سيطرة فكرها المتطرف. وبالتالي تبقى علاقته بتلك المجموعات سيفاً ذا حدين. إن الأفكار الإسلامية المتطرفة، وإن كانت سبباً لرعب الكثير من السوريين، إلا أنها في الوقت نفسه تساعد المقاتلين على تقدمهم في الصراع ضد عدو متفوق عسكرياً.
ومع التزايد البطئ في أعداد المنشقين والفارين من الجيش النظامي، بما في ذلك كبار الضباط والدبلوماسيين والسياسيين، تضيق الحلقة المحيطة برأس السلطة والتي تصارع من أجل البقاء: الرئيس بشار الأسد المسؤول السياسي، أخوه الأصغر ماهر في القيادة العسكرية، ابن خاله رامي مخلوف صاحب الثروة والقوة الاقتصادية الكبيرة، مع أخيه حافظ مخلوف رئيس إدارة المخابرات.
يبدو الأمل بحل سياسي للصراع يضع حداً للعنف ويمهد لبداية سياسية جديدة في سوريا، أمراً بعيداً عن الواقعية. فجميع أطياف المعارضة، بما فيهم المعارضة الخجولة في دمشق على استعداد للتفاوض مع ممثلين عن النظام حول انتقال منظم للسلطة، لكنها ترفض وجود بشار الأسد في أي حل مستقبلي. وقد دعا “الإئتلاف السوري لقوة الثورة والمعارضة السورية”، والذي تأسس في شهر تشرين الثاني لعام 2012، إلى حوار مع نائب الرئيس بهدف إيجاد حل سياسي لرحيل الأسد بدلاً من فرض هذا الرحيل كشرط مسبق للتفاوض. لكن الأسد من جهته استبعد وبشكل قاطع أية عمليةِ انتقالٍ للسلطة. إن كل طرف من طرفي الصراع – النظام والثوار- واثق من قدرته على الانتصار في الحرب، ولذلك قرر كلاهما الاستمرار في القتال حتى النهاية.
من جهته، سعى الائتلاف السوري المعارض إلى تشكيل حكومة مؤقتة وذلك استعداداً للحظة الحسم العسكري. يتمتع الإئتلاف بمصداقية داخل البلاد، وذلك بوصفه، إلى الآن، أوسع تحالف سوري للمعارضة، ولكنه يفتقد في الوقت نفسه إلى الخبرة السياسية والقدرة التنظيمية.
المجتمع الدولي: مصالح إقليمية ودولية
تتقاطع في سوريا كافة خطوط الصراع في منطقة الشرق الأوسط. وكما يبين الرسم، تقع دمشق وسط نسيج معقد من القوى والمصالح، الأمر الذي يمكن أن يعيد إشعال فتيل الحرب الباردة على المستوى الدولي. اليوم تقف كل من روسيا والصين في مجلس الأمن إلى جانب نظام الأسد، في حين يقوم الغرب بدعم المعارضة.
روسيا تريد تجنب إعادة تكرار السيناريو الليبي، حيث أنه، واستناداً إلى القانون الدولي المتعلق بـ “مسؤولية الحماية”، والذي مازال موضع نقاش، قام مجلس الأمن باتخاذ قرار بدعم انتقال السلطة في ليبيا عسكرياً، وعلى سوريا ألا تتحول إلى حقل تجارب آخر. من جهتهما، تعتقد كلٌ من الولايات المتحدة وأوروبا أن سقوط الأسد من شأنه أن يأتي بالسلام والديمقراطية إلى الأرض السورية. بالإضافة إلى أن تغير النظام السوري سيحد من نفوذ إيران في الشرق وسيضعف موقفها في ملف النزاع النووي. بشكل عام، لا يريد الغرب أن يغامر وبتخذ قراراً مستقلاً عم الأمم المتحدة بالتدخل العسكري. وهو اليوم يتخوف، كما تتخوف إسرائيل، من ازدياد نفوذ القوة الإسلامية، بل والأسوأ، من خلو الساحة للجماعات الإرهابية العالمية. كما أن هناك أيضاً قلق كبير حيال أسلحة الأسد الكيماوية.
أما على المستوى الإقليمي، فتتصارع كل من إيران والسعودية (بدعم من قطر وتركيا) من أجل بسط النفوذ في المنطقة. فتقدم طهران الدعم العسكري واللوجستي والمالي لنظام الأسد، في حين تقوم كل من الدوحة والرياض وأنقرة بدعم قوى المعارضة السنية المختلفة، الأمر الذي يؤدي بدوره من جهة أخرى إلى زيادة اتساع رقعة التوتر الشيعي-السني من لبنان إلى سوريا وصولاً إلى العراق والبحرين.. كما بدأت المسألة الكردية تطفو مجدداً على السطح، وهو ما تحسب له أنقرة ألف حساب.. كما وتعاني الدول المجاورة لسوريا، وبشكل خاص لبنان والأردن، من أعباء إضافية ومن حالة عدم استقرار نتيجة لتدفق مئات اللاجئين السوريين إلى أراضيها.
في نفس الوقت، تعاني مبادرة القاهرة، التي أطلقها الرئيس المصري الجديد محمد مرسي بعد محادثات مع تركيا وقطر والسعودية، من حالة جمود سياسي. فالمشكلة الأساسية في كافة الطروحات والمبادرات السياسية تكمن في الإشكالية المتعلقة بدور الرئيس الأسد في المرحلة الانتقالية. وربما تفضي اللقاءات بين روسيا وإيران مع الإئتلاف الوطني في بداية شهر شباط 2013 إلى تحريك حالة الجمود هذه، وتساهم في إحياء الجهود التي يبذلها الأخضر الابراهيمي المبعوث الخاص للأمم المتحدة والجامعة العربية.
تردد المجتمع الغربي وجامعة الدول العربية بالإضافة إلى حالة العجز التي تعانيها الأمم المتحدة، كلها عوامل تؤدي إلى إطلاق يد النظام لقمع معارضيه. لا بد أن الشعب السوري يشعر اليوم بأنه قد ترك لمصيره تحت رحمة نظام وحشي، مما أفقده ثقته بالمجتمع الدولي.
الأخطار وتوصيات العمل
هناك أربعة مخاطر جسام تحيط بالمستقبل السوري، سواء بسقوط النظام أم ببقائه:
1. كارثة إنسانية ودمار كبير في كافة أرجاء سوريا.
2. إنتشار للسلاح وللعنف داخل المجتمع السوري، مما قد يؤدي مستقبلاً إلى مجازر وعمليات إنتقام.
3. التشتت وسوء التنظيم داخل صفوف المعارضة مما قد يساهم، وبسبب ضعف قياداتها، في إعاقة عملية الانتقال السياسي المنظم للسلطة وربما في تقسيم البلد.
4. تزايد النفوذ الإسلامي المتطرف.
في ضوء هذه المخاطر، يتوجب على المجتمع الدولي أن يسهم في دعم الشعب السوري. وعلى هذا الدعم أن يتم وفق عدة مراحل، بحيث يتم تنظيمه وإدارته من قبل الإئتلاف الوطني، ومن ثم، و بأسرع ما يمكن، المصادقة على شرعيته من قبل السوريين في الداخل.
1. الوضع الإنساني، إعادة الإعمار، الآفاق المستقبلية:
هناك حاجة لزيادة حجم المساعدات المقدمة للاجئين السوريين، واللذين وصل عددهم إلى ثلاثة ملايين لاجئ (2.5 مليون داخل سوريا، و700 ألف آخرين في البلدان المجاورة). كما يجب في هذه المرحلة تجاوز البيروقراطية من أجل ضمان وصول هذه المساعدات إلى المحتاجين داخل الأراضي السورية. كما ويجب أن يتم التركيز على دعم المناطق المحررة والتي لجأ إليها العديد من السوريين، فهذه المناطق تعاني من غياب تام لأي شكل من أشكال الخدمات العامة، بالإضافة إلى عجز المعارضة عن تلبية احتياجات كل السوريين. علاوة على ذلك، يمكن أن تشكل تلك المناطق مثالاً حياً بأن ما سيأتي بعد الأسد هو الاستقرار وليست الفوضى.
عدا عن ذلك لا بد من إعادة سريعة لإعمار البنى التحتية التي دمرها النظام من خلال سياسة الأرض المحروقة التي اتبعها، لا سيما المستشفيات والمدارس. ويكمن التحدي الأكبر في تأمين المعالجة والرعاية الاجتماعية لمصابي الحرب ممن تعرضوا لإعاقات أو لأولئك الذين تعرضوا لصدمات نفسية، بالإضافة إلى اليتامى والآرامل.
أما ضمن المناطق التي تقع تحت سيطرة الثوار، وبسبب عدم وجود هياكل ومؤسسات حكومية معترف فيها دولياً من شأنها أن تساهم في مشاريع ثنائية حتى الآن، فلا بد من إقامة علاقات تعاون مشترك بين الجهات المانحة والمؤسسات غير الحكومية الناشطة أساساً في الداخل السوري والقادرة على تقييم الوضع هناك، كمنظمة “أطباء بلا حدود” ومنظمة “القبعات الخضر” إلى جانب جمعيات الإغاثة السورية في المنفى وغيرها.
بالإضافة إلى ذلك، ينبغي دعم منظمات وهيئات المجتمع المدني التي تم إنشاؤها حديثاً داخل سوريا، وعلى هذه المنظمات أن تحظى بالاعتراف. فاللجان والتنسيقيات المحلية المنشأة في أماكن مختلفة لديها إطلاع كامل على احتياجات السكان هناك، وقد استطاعت أن تطور قدرات لوجستية كبيرة خلال فترة الصراع. تعمل ضمن هذه اللجان مجموعات من النشطاء والمقاتلين المنشقين والمتطوعين. إن تحسين الأداء العام والظروف المعيشية، بالإضافة إلى تهيئة آفاق العمل الوظيفي لفترة ما بعد الحرب بشكل ملحوظ، من شأنه أن يسحبَ البساط من تحت أقدام الأفكار الإسلامية المتطرفة ويساهمَ بشكل كبير في تهدئة الأوضاع داخل البلاد. ويقع على عاتق “مكتب إعادة البناء الاقتصادي”، والذي تم تأسيسه في برلين بتعاون مشترك بين ألمانيا والإمارات العربية المتحدة ودول أصدقاء سوريا، أن يدفع في هذا الاتجاه. إن هناك حاجة ماسة لإعادة تفعيل هذا المشروع المتعدد الأطراف على المستوى السياسي ودعمه بالكوادر البشرية.
2. نهاية القتال، قيادة عسكرية مركزية بدون قوات الأمم المتحدة:
يتعين على الجيش السوري الحر أن يسارع إلى إنشاء هيكلية قيادية مركزية بالتعاون مع الإئتلاف الوطني، مما من شأنه أن يتطور إلى قيادة عسكرية مركزية ووزارة دفاع لدى سقوط النظام. فإذا كان المجلس العسكري الأعلى، والذي يجمع تحت جناحه عدة ألوية، على استعداد للتعاون مع الإئتلاف الوطني، ومع وجود المال والتسليح النوعي، فسيكون بإمكان هؤلاء معاً الوقوفُ في وجه المد الجهادي وضمُ وحدات أخرى مقاتلة. فالهدف يجب أن يتركز في ضم المقاومة المسلحة تدريجياً تحت لواء القيادة السياسية، حتى تشكل نهاية نظام الأسد نهاية للعنف في الوقت نفسه.
إن إرسال الأمم المتحدة لقوات حفظ السلام الدولية في مرحلة ما بعد سقوط النظام سيؤدي إلى إثارة ردود أفعال دفاعية عكسية. فبعد عامين من الصمت تجاه عنف النظام ضد المدنيين، وبعد أن يُسقط السوريون ديكتاتورهم بأيديهم، سيكون من غير المقبول بالنسبة لهم أن يتم إرسال قوات القبعات الزرقاء الأممية إلى سوريا بحجة دعم الاستقرار أو حماية الأقليات. كحل بديل، يجب أن يتم دعم القيادة العسكرية السورية الجديدة، كي تتمكن الدولة من إعادة سيطرتها على الأرض ونزع السلاح وتحقيق الاستقرار للبلد والأمان لجميع مواطنيه. كما ويمكن للأمم المتحدة أن تقدم الدعم أيضاً من خلال برامج تدريبية من أجل إعادة هيكلة وتأهيل قوات الشرطة.
3. العدالة الانتقالية، المصالحة الوطنية، طمأنة الأقليات:
من أجل تمهيد الطريق أمام مصالحة اجتماعية من أجل حياة مستقبلية مشتركة بين جميع الطوائف، سيكون من الضروري تطبيق فوري لمحاسبة ومحاكمة كل من هو مسؤول عن العنف في البلاد. هذا من جهة. من جهة أخرى، لا بد من أن يكون هناك نوع من التسامح والعفو عن الغالبية التي اكتفت بتأييد للنظام. أما فيما يتعلق بقوات الأمن فلا بد أن يتم التمييز بين الرؤساء الذين يصدرون الأوامر وبين المرؤوسين الذين ينفذون. لذلك فمن الأفضل أن تسارع المعارضة إلى وضع خطط للعدالة الانتقالية. كما يجب بناء إطار قانوني يضمن للأقليات، وبخاصة للعلويين، بأن النضال ضد نظام الأسد لا يهدف إلى إبادتهم أو إبادة غيرهم من أتباع الديانات الأخرى، وبأنه سيكون لديهم ولغيرهم مكان في سوريا المستقبل.
في الوقت الراهن، سيكون من شأن خطة كهذه أن توحدَ السلطة القضائية في المناطق المحررة، وتقنعَ الكتلة الصامتة بأن المعارضة جادة في موضوع إعادة بناء مؤسسات الدولة القانونية، وتشجعَ المحسوبين على النظام على الانشقاق.
4. حكومة انتقالية، حماية وإصلاح مؤسسات الدولة:
على الإئتلاف الوطني أن يبدأ بإنشاء حكومة إنتقالية. بذلك فقط سيتمكن من إدراة المناطق المحررة تدريجياً، ومن بناء الثقة في مؤسسات المعارضة من الحصول على مصداقية كطرف دولي شريك، وبالتالي سيتمكن من الإجابة على سؤال: ماذا بعد سقوط الأسد!
ولأن تنفيذ البيروقراطية الإدارية سيكون ضروياً في المرحلة الانتقالية، فينبغي العمل على منع حدوث انهيار في مؤسسات الدولة. فملايين السوريين يعيشون من رواتبهم الوظيفية ويعتمدون في دخلهم على الدعم الحكومي. ووحدها المعارضة المنظمة والمستعدة بشكل جيد ستضمن استمرار عمل المؤسسات الحكومية وعدم انهيارها لحظة فراغ السلطة، بل وستكفل كذلك عمليةَ إصلاحها. وهنا يجب التمييز بين مؤسسات الدولة والطغمة الحاكمة.
من شأن الحكومة المؤقتة أن تكون بمثابة مقدمة لتشكيل حكومة وحدة وطنية انتقالية، التي ستتألف بدورها من ممثلين عن الثورة والمعارضة من ذوي المصداقية، ومن وجوه اجتماعية، بالإضافة إلى ممثلين قياديين عن النظام، ممن ثبت عدم تورطهم في جرائم العنف. وينبغي الحذر من اختيار هذه الحكومة على أساس انتماء ديني، بل يجب تشكيلها على أساس النزاهة والعمل المدني. إن تشكيل حكومة قائمة على المحاصصة الطائفية كما في لبنان، هو تماماً ما يجب تجنبه في سوريا.
الوقت يقارب على النفاد. ولهذا يجب أن يتم البدء فوراً بتنفيذ جميع التوصيات المذكورة بشكل متزامن على التوازي فيما بينها. وكلما طال أمد الصراع، كلما تضاءلت إمكانية تحقيق الانتقال المنظم للسلطة، وقلت فرصة تهدئة الأوضاع في البلاد، الأمر الذي سيؤدي بدوره إلى تزايد خطر انزلاق سوريا إلى أتون حرب أهلية طويلة الأمد، وزعزعة استقرار المنطقة بأكملها. ولقد بدأت إسرائيل فعلياً باستخدام سلاحها الجوي من أجل منع وصول الأسلحة من سوريا إلى حزب الله.
ومن أجل تسريع عملية الانتقال السياسي للسلطة، لا بد من زيادة الضغط العسكري والدبلوماسي على دائرة السلطة المحيطة بالأسد ودعم الإئتلاف الوطني بنفس الوقت. كما يجب إقناع الدول الداعمة للأسد، وفي مقدمتها روسيا، وبما لا يدع مجالاً للشك، بأن مصلحة جميع الأطراف تكمن في حل انتقالي يقوده السوريون بأنفسهم بغض النظر عن الأسد. كما أن قراراً سياسياً مصيرياً كهذا تجب مناقشته ضمن مشاورات ثنائية روسية-أميريكية وبشكل فوري.
تعليق على السريع…
هذا التحليل ما زال اسير العقلية الغربية المسيطرة على الوسط الثقافي الغربي، عقلية الرجل الابيض الانتقائية…
في تحليل الصراع على سورية بين الدول وهو اهم اسباب الماساة السورية واستمرارها من الواضح عدم الفهم العميق للموقف الروسي وتغييب كامل للموقف الغربي…
منطقيا، هل يصدق عاقل ان الغرب ليس له موقف واضح ومؤثر في اهم المناطق بالعالم من حيث الاهمية الاستراتيجية لمصالحه والاساسية في صراع السوق العالمي مع روسيا والصين ويكتفي بدور المتفرج او المتعاطف ويسلم الموضوع للسعودية وقطر وتركيا؟؟؟؟؟؟؟؟؟
ثانيا، لو فرضنا صحة تفسير موقف روسيا… ما هو تفسير موقف الصين الداعم لبشار بلا حدود وموقف الهند ايضا؟؟؟؟؟؟؟
هذه الكاتبة قرأت لها البعض مما كتبت، ولا اعرف ما خبرتها بالواقع، لكنها مثل التيار الغربي الاعلامي المعتاد على ان يتم شحذه دائما بما يساير استراتجيات السوق الغربي…
للاسف ان فهم الموقف الدولي لحد الان عند الكثيرين من المعارضة السورية مازال قاصرا وضحلا يشبه تحليل هذا المقال.
http://www.zamanalwsl.net/readNews.php?id=37865