الشاهد السوري: قصص ولاء، معارضة، ونجاة
نشرت بتاريخ 23 كانون أول 2011 من قبل ديفيد أرنولد.
لقد أطلق موقع “أصوات الشرق الأوسط” Middle East Voices مشروعاً جديداً للصحافة الاجتماعية تحت عنوان “الشاهد السوري”، الغاية منه جلب شهادات شخصية مباشرة من شوارع سوريا المضطربة، سنقوم ضمن إطار هذا المشروع –الذي نطمح أن ينمو ليصبح سلسلة من الحلقات من مختلف النقاط الساخنة في مختلف أنحاء البلاد– بتقديم روايات ووجهات نظر السوريين من جانبي النزاع، بما فيها قصصهم الخاصة حول كيفية تكيفهم مع العنف الدائر في الشوارع، المآسي الإنسانية، الفوضى السياسية، والانهيار الاقتصادي الذي يعايشونه في حياتهم اليومية.
23 من كانون الأول 2011 – حسن في دمشق
حسن مهندس في العشرينيات من عمره، داوم على التظاهر ضد النظام في دمشق منذ تسعة أشهر، يعيش مع والديه في إحدى الضواحي الجديدة لأقدم عاصمة في العالم، كتب حسن عمّا حصل عندما هاجم ألف من الشبيحة مظاهرة قدّرها هو بحوالي سبعة آلاف متظاهر في منطقة الميدان في دمشق.
درس عن الغاز المسيل للدموع
لقد بدأت الاحتجاج ضد الحكومة في الـ15 من شهر آذار فتظاهرت في دمشق وضواحيها مرّات عديدة منذ ذلك اليوم. ولكنني تلقيت أول درس عن الغاز المسيل للدموع في اليوم الأول من رمضان عندما شاركت في واحدة من ثلاث تظاهرات في الميدان، منبع الاحتجاجات في المدينة.
لقد كان في المظاهرة ما يقارب السبعة آلاف متظاهر يمشون في الشارع في ذلك اليوم المشمس احتجاجاً على اقتحام القوات الحكومية لمدينة حماه والذي حدث منذ يومين. كنت أمشي قريباً من مقدمة الجموع حين سمعت أصوات الشبيحة الذين أتوا من خلفنا وهاجموا التجمع بالعصي والغاز المسيل للدموع.
رأيت مجموعة من الشبان يشكلون دائرة حول خمس نساء لحمايتهن، ومن ثم بدأ الجميع بالهروب، لقد سقطت ثلاث قنابل غازية أمامي تماماً، قام بعض المتظاهرين بالتقاط بعض تلك القنابل الغازية ورميها مجدداً باتجاه الشبيحة،
حاول أحد الأصدقاء فعل ذلك ولكن القنبلة أحرقت يده فأسقطها.
لمدة 20 دقيقة لم أكن قادراً على التنفس فقد حاصرني الدخان، شعرت كأن أحدأ أشعل النار في جسدي، شعرت كأن جلدي بالكامل يحترق، لقد كنت أتعرّق، كمت أحسست بمذاقٍ سيء في فمي وحلقي.
ركضت مغمض العينين إلى أحد الأزقة وحاولت تنفس بعض الهواء النظيف، لقد كنت محظوظاً لأنني بحثت في الشبكة العنكبوتية مع أصدقائي عن طرق التعامل مع هذا الغاز وعلمنا أنه من الخطأ أن نفرك أعيننا، أحد المتظاهرين رمى بعلبة مشروبات غازية إلي لأغسل وجهي، لقد سكبتها على رأسي، لم ألاحظ إن كانت كولا كولا أو بيبسي ولكنها ساعدتني على التعافي خلال دقائق قليلة.
أنا غاضب جداً من الرئيس الأسد
تقتحم الحكومة المدن وتطلق النار على المدنيين، حتى أنها تأمر بالعقوبات الجماعية من خلال تصعيد تلك الأعمال في بداية شهر رمضان المبارك، الهدف من وراء ذلك مزدوج برأيي: الضغط على المسلمين وذلك بجعل طوائف أخرى تظهر كراهيتها لهم في شهر رمضان، ومحاولة قمع الثورة قبل أن يزداد زخمها في رمضان فمن الممكن أن تخرج مظاهرات يومية بعد صلاة التراويح كما في يوم الجمعة.
عندما كنت أركض هارباً شعرت بالقلق الشديد على أخي وأصدقائنا الذين كانوا في المظاهرة ولكنهم لم يكونوا بقربي، كنت خائفاً ألا يستطيعو الهرب لأنهم لا يعرفون الأزقة جيداً. كما كنت خائفاً من الاعتقال، بصراحة أفضّل الموت على الاعتقال. أخاف إن اعتقلني الشبيحة أن يستجوبوني ويعذبوني ليجبروني على الإدلاء بأسماء من كانوا في المظاهرة، كثير من أصدقائي تعرضوا للاعتقال من قبل كل فروع الأمن، لقد تعرّضوا للتعذيب الشديد وكثيرون لم يستطيعوا تحمله. لقد اعترفوا بأسماء نشطاء آخرين، منهم من اعتقل ومنهم من اختبئ أو هرب إلى خارج البلاد.
أنا سنّي، ولكنني لا أستطيع أن أقول أن كل الموجودين كانوا مسلمين، لكنني رأيت شاباً يقف أمامي كان يرتدي بنطالاَ بخصر منخفض وقميص أحمر، يبدو كأنه لم يكن في المسجد لأن ملابسه لم تكن مناسبة لذلك، كان يهتف بصوت مرتفع وقاد جزءاً من المظاهرة.
لقد كان هناك حوالي ألف عنصر من الشبيحة ذلك اليوم، لا أذكر أنني رأيت عناصر من الشرطة أو الجيش تلبس الزي الرسمي في تلك الليلة، هناك نقطة مهمة أريد أن أشير إليها وهي أن ليس كل الشبيحة من الطائفة العلوية، هناك الكثير من السنيين والمسحيين بينهم، إنه ليس أمراً طائفياً بالأساس، ولكنها وظيفة سيئة لأناس ليس لديهم أخلاق، نحن نسميهم رجال عصابات.
كانوا يرتدون لباساً موحداً لونه كاكي أو ملابس عادية. الشبيحة الذين كانوا يحملون قاذفات قنابل مسيلة للدموع كانوا يرتدون الخوذ، بينما لم يكن يرتديها الآخرون.
الشبيحة في كل مكان
لقد استخدمت القوات الحكومية الرصاص الحي في منطقة الميدان مؤخراً، لم أستطع حضور عدة جنازات لبعض الذين قتلوا في الميدان هذا الأسبوع، في مظاهرة الأول من آب التي كنت فيها لم تستخدم قوى الأمن الرصاص الحي، لم يحدث أبداً أن كنت قريباً من الأماكن التي تم فيها استخدام الرصاص الحي وذلك لأن أغلب المظاهرات بعد شهر رمضان كانت تنظّم بسرعة وخلال الليل وذلك لتقليل احتمالات الاعتقال والسماح لعدد أكبر من الناس بالمشاركة.
لقد هرب أخي في ذلك اليوم مع بعض الأصدقاء إلى منطقة آمنة حيث التقيت بهم. لم يتم اعتقال أحد منا في ذلك اليوم ولكنني متأكد أن اسمي موجود في ملف أو تقرير ما في أحد الفروع الأمنية. أعتقد أن المخابرات لا تملك وقتاً لملاحقتي الآن بسبب وجود عشرات آلاف الناشطين منتشرين في كامل أنحاء البلاد. الحكومة مشغولة بالبحث عن ناشطين بارزين لاعتقالهم مثل غياث مطر من داريا، هادي الجندي من جمص وأنس الشغري من بانياس.
في تلك الليلة وككل ليلة من ليالي رمضان، كان الجميع يعلمون أن هناك مظاهرة في الميدان. أما المظاهرات الأخرى فكانت تنظم بشكل سري ولا يعلم بها إلّا الأشخاص الموثوقون، في غالب الأحيان يتم نقل الخبر وجهاً لوجه أو عن طريق الفيسبوك، سكايب أو أي من مواقع الشبكات الاجتماعية، أحياناً كنّا نستخدم الهاتف ولكننا نستخدم رموزاً للدلالة على الأماكن وكثافة التواجد الأمني.
20 من كانون الأول 2011 – سامي في حمص
لقد تكلمنا الأسبوع الماضي عن طريق “التشات” مع طالب جامعي يبلغ الـ24 من مدينة حمص وهو أيضاً متظاهر، تحدثنا عن كيفية تنقل المتظاهرين ضد النظام بمساعدة الجيش السوري الحر في مركز الاحتجاج هذا، وصف لنا سامي (وهو ليس اسمه الحقيقي) تجربته خلال التظاهرات الأخيرة، لقد تم إعادة صياغة أجوبته في بعض الأحيان من دون المساس بالجوهر. وفي أحيان أخرى حذفنا بعض التفاصيل التي قد تفضح مكانه أو هويته.
أصوات الشرق الأوسط Middle East Voices: لقد وصلتنا تقارير عن محاصرة القوات الحكومية لحمص في الأيام الأخيرة، وأن ميليشيات موالية للرئيس أقامت حوالي 60 حاجز تفتيش. أخبرنا عمّا سمعته ورأيته؟
سامي: لا. إن من يقف عند الحواجز هم الجيش وقوات الأمن، وليس الشبيحة، التي هي ميليشيات الأسد. يقوم الشبيحة بالوقوف بأماكن قريبة من الحواجز ليتأكدوا من اتباع عساكر الأسد للأوامر كما يقومون أحياناً باختطاف من يشكّون بكونهم نشطاء.
يرابط الجنود المنشقون الذين انضموا للجيش السوري الحر قرب المظاهرات ليمنعوا قوات الأسد من مهاجمتنا، يحمل هؤلاء الجنود أسلحة آلية نسميها في سوريا “بنادق روسية”. أتحدث إليهم أحياناً ولكنهم غالباً لا يتحدثون [عن انشقاقهم]. تحدث مع أحدهم وهو من دير الزور الواقعة شمال شرق سوريا، انشق عن الجيش عندما أُمر باطلاق النار على المدنيين في حمص وانضم إلى الجيش السوري الحر، ولكن هذه القوات لم تدخل مدينة حمص بعد.
لولا وجود الجيش السوري الحر لما استطعنا أبداً القيا بأي مظاهرة لأنهم إن لم يتواجدوا معنا، تهاجمنا قوات الأسد مباشرةً.
مشاهد مصورة من مدينة حمص لأحد الاحتجاجات التي وقعت مؤخراً.
أصوات الشرق الأوسط Middle East Voices: هل توجد أي قوات أو ميليشيات في الحي الذي تعيش فيه؟ هل لك حرية الحركة في المدينة؟ هل يمكنك التنقل مشياً او بالسيارة في حمص وهل يتم إيقافك عند الحواجز؟ ماذا يسألونك؟ هل لازلت تحضر المحاضرات وتذهب للعمل؟
سامي: لم يكن هناك أي عمل أو دوام مدرسي أبداً هذا الأسبوع في مدينة حمص وذلك لأن المدينة كلها تشارك بإضراب الكرامة منذ يوم السبت. قبل هذا الأسبوع كنت أحضر المحاضرات فقط في الأيام التي لا يكون فيها عمليات عسكرية أو إطلاق نار. في أول أسبوع من شهر كانون الأول ذهبت إلى العمل لأربعة أيام فقط.
أصوات الشرق الأوسط Middle East Voices: ما هو شعورك إزاء وجود ميليشيات مسلحة تراقبك يومياً؟ هل تخاف من أن يشبّهوك بأحد ما ومن ثم يعتقلوك، أو أن يطلقوا النار عليك اعتقاداً منهم بأنك تقوم بشيء خاطئ؟
سامي: إن رؤية جنود مسلحين في كل مكان كالمحلات التجارية، حول المنازل وحتى داخل الجامعة التي تحمل اسم حزب البعث يعطيك شعوراً سيئاً جداً.
أقسم لأنني صدمت عندما رأيت عدداً هائلاً من الجنود يمشون داخل حرم الجامعة. لقد كانوا بكامل عتادهم ولم يكن شكلهم مريحاً، في الأسابيع الأولى لدخول الجيش إلى المدينة كنا خائفين جداً ولكننا الآن اعتدنا على ذلك.
لازال ذلك يعطيني شعوراً بشعاً ولكن ليس كما كان في الأسابيع الأولى، كلما مررت من نقطة تفتيش أو عندما تتحرك الآليات العسكرية في المدينة يبقون بنادقهم موجهة إلينا وهم جاهزون لإطلاق النار دائماً، إنهم يتقصدون فعل ذلك ليخيفونا.
توجد ثلاث حواجز قرب منزلي، أستطيع الخروج فقط في النهار، عند حلول الظلام قد يقوم الجنود المرابطون على هذه الحواجز بإطلاق النار على أي شيء يتحرك، هناك أماكن محددة أستطيع الذهاب إليها في حمص، على سبيل المثال، أستطيع الذهاب إلى الحمرا والغوطة لأنها قريبة من منزلي، ولكن إذا حاولت الذهاب إلى حي أبعد يوقفونني، قوات الأسد يسألون الكثير من الأسئلة إذا تم إيقافك عند حاجز خارج منطقتك، أما إذا كنت في منطقتك يكتفون بالتحقق من الهوية، مثلاً إذا أردت الذهاب إلى حي الخالدية سيسألونني عن غايتي من الذهاب إلى هناك، وماذا أحمل معي ومع من سألتقي، كما أنهم يفتشون السيارات ليروا إذا كانت فيها كمية كبيرة من الطعام أو المواد الطبية أو أي شيء متعلق بنشاطات مناهضة للنظام.
أصوات الشرق الأوسط Middle East Voices: لقد رأينا الكثير من الفيديوهات لجنازات وعمليات حرق لمحلات تجارية ومظاهرات في مناطق مثل باب سباع، وادي عرب، وبابا عمرو. هل تواجدت في أي منها؟ هل تشارك في المظاهرات؟ لا بد أن أهلك قلقون على سلامتك. ما رأيهم بما يحدث في حمص؟
سامي: إن حمص مدينة كبيرة، لذلك عندما تبدأ عملية عسكرية في منطقة ما فإنها عادة لا تنتقل إلى مناطق أخرى، لذلك مكان عيشك أمر مهم، لأن الحياة قد تتوقف تماماً في منطقة ما بينما تكون عادية في منطقة أخرى. تعد منطقة باب سباع جزءاً من مدينة حمص القديمة، إنها … المنطقة التي بدأت منها الثورة، أريد أن أشارك في مظاهرات هناك ولكن أصبح من الصعب الوصول إليها.
بابا عمرو قريبة من منطقتي والوضع هناك سيء جداً، نحن نحاول باستمرار إيصال الدعم الطبي والمعونات الحيوية ولكن ليس دائماً. لقد حاولنا الأسبوع الماضي…..إن الوضع هناك سيء للغاية، لقد رأيت بيوتاً ومحالاً تجارية كثيرة محروقة، أحدها صيدلية كانت توزع الأدوية مجاناً للمتظاهرين.
أصوات الشرق الأوسط Middle East Voices: هل شاهدت أي عناصر من الجيش السوري الحر في الشوارع؟ ماذا سمعت عنهم؟ هل لديك أي فكرة عن أعدادهم، وما مدى تنظيمهم وتسليحهم وهل كانوا فعالين بدفاعهم عن المدنيين في حمص؟
سامي: لقد رأيت الكثير منهم مؤخراً. أعدادهم تتزايد هذه الأيام في منطقة الإنشاءات، نحن في حمص دائماً ما نسمع أصوات اشتباكاتهم مع قوى الأمن خصوصاً في الليل حيث تكون الشوارع خالية، أحياناً يقومون بمهاجمة مركز الأمن القريب منا وهو أحد أهم مراكز الأمن في المنطقة. لقد هوجم هذا المبنى عدة مرات من قبل الجيش السوري الحر منذ بداية الانتفاضة.
أصوات الشرق الأوسط Middle East Voices: هل تقوم قوات الجيش السوري الحر بمرافقة المتظاهرين ؟ هل هي هناك لحمايتكم؟ هل ينسقون مع منظمي المظاهرات ليتواجدوا منذ بداية المظاهرة وحتى نهايتها؟
سامي: أنا أراهم عندما أشارك في المظاهرات اليومية، في الحقيقة هم يقومون بعملين. الأول هو حماية المظاهرات. والثاني إيقاف أي قوات تحاول اقتحام منطقة ما.
هناك تواصل حقيقي بين الجيش السوري الحر والمتظاهرين.
أعتقد أنهم يفتقرون للدعم وخاصة المادي لأنني أراهم دائماً يأكلون طعاماً بسيطاً. ولكنني أعتقد أيضاً أنهم منظمون بشكل جيد. إنهم يعرفون تحركات بعضهم ويأتون بسرعة لحماية النظاهرات.
هناك تواصل حقيقي بين الجيش السوري الحر والمتظاهرين، فنقوم نحن بإعلامهم بأي مظاهرة نريد أن نقوم بها وهم يقولون لنا إن كانت ممكنة أم لا، نقوم بتحديد يوم وفي ذلك اليوم نجد الجيش السوري الحر في المكان المناسب لحمياتنا، يمنع الجيش السوري الحر قوات الأسد من مهاجمتنا وذلك بمهاجمتهم في طريقهم إلينا، وبعد نهاية المظاهرة تأتي سيارات إلى المنطقة لتأخذهم، لديهم هواتف خاصة بهم … ليتصلوا ببعضهم، كما أن لديهم جنود داخل جيش الأسد يعلمونهم عندما تنوي قوات الأسد مهاجمة منطقة ما، أحياناً يطلبون منا إنهاء المظاهرة عندما يحسون أننا قد نكون في خطر.
لا تزال قوات الأسد تهاجم المتظاهرين ولكن الآن هناك فرق كبير حيث مع وجود حماية الجيش السوري الحر الذي يؤخرهم حتى نتمكن من الهروب قبل أن يطلقوا النار علينا.
المصدر:
Middle East Voices