الثورة والمسيحيون في سورية

You can read an English translation of this article here. Et en Français.

أوائل آذار / مارس 2012

–      سورية والنظام الحاكم

        سورية بلد شرق أوسطي يزيد تعداد شعبها عن العشرين مليون نسمة، يحكمه حزب البعث منذ العام 1963 وعائلة الأسد منذ العام [1]1970. النظام الحاكم نظام شمولي ديكتاتوري يكرّس تركّز السلطة في مراكز نفوذ، ينتمي أغلب أفرادها إلى طائفة دينيّة تعد حوالي 10% من سكان البلاد، هي الطائفة العلويّة، مكوّناً بذلك مثالاً واضحاً عن الأوليغارشيّة. ومن أجل تأمين سيطرة حازمة على مقاليد الأمور في البلاد، تم إنشاء ودعم أجهزة أمنية عديدة ذات صلاحيات غير محددة، هي في حال تنافس فيما بينها للحصول على رضى الرئيس. ومن هذه الأجهزة: أمن الدولة، الأمن السياسي، المخابرات العامة، المخابرات العسكرية، مخابرات القوى الجوية… وقد فرض هذا النظام في البلاد قانون طوارئ لفترة امتدت إلى أكثر من أربعة عقود، وهو قانون يسهّل ويقنون خرق حقوق الإنسان والمواطن، وما زال العمل به جارياً عملياً  إلى اليوم، رغم إلغاءه نظرياً منذ أشهر.

        إنه نظام أمني-عسكري لا يتقن إلا العنف والمساومات، وسيلة للتواصل مع الآخرين شعباً ودولاً، والسنوات والعقود الماضية زاخرة بانتهاكات متمادية كماً ونوعاً لحقوق الإنسان الأساسية: مراقبة، خرق الخصوصية، اعتقالات، تعذيب ممنهج، مجزرة تدمر، مجزرة حلب، مجزرة حماة[2]

–      اندلاع الثورة السورية

        منذ ما يقارب العام ثار قسم كبير من الشعب السوري بعد أن ازداد جرأة نتيجة لما شهده في تونس ومصر ولاحقاً ليبيا، كاسراً حاجز الخوف في بلد كان يدعى “مملكة الصمت”، وقد لاقت ثورته قمعاً شديداً تجاوز حدوداً كثيرة وصل في يومنا الحاضر إلى قصف الأحياء السكنية المأهولة بقذائف الدبابات ومدافع الهاون والأسلحة الصاروخية، وقد تجاوزت الحصيلة حتى الساعة عتبة الـ 8000 قتيل وعشرات آلاف الجرحى وعدد أكبر من المعتقلين. وإحدى أسوأ نتائج هذا القمع الشديد هو تحول جزء لا يُستهان به من الثورة إلى الكفاح المسلح الضعيف التنظيم، بعد أن اعتمد الكفاح السلمي البحت لأشهر طويلة، وأيضاً تَسَرّبْ نزعة إسلامية سلبية، انتشرت خصوصاً بين أوساط المسلحين من الثوار، هي حصيلة خيبات الأمل المتتالية، من جراء تمادي القمع، وعجز العمل السياسي الوطني المعارض، والمبادرات العربية والدولية عن وضع حدّ لما يتعرضون له.

–      موقف المسيحيين

        تتراوح التقديرات الإحصائيّة حول نسبة المسيحيين السوريين بين 5 و10%، يتوزعون على عدة كنائس منها الشرقي الأرثوذوكسي، وهو الغالب، ومنها الشرقي الكاثوليكي بالإضافة إلى كنائس لاتينية وإنجيلية محدودة العدد والانتشار. ويبدو من الواضح أن أغلبهم مؤيد للنظام القائم حالياً، رغم كل ما جرى ويجري على أرض الواقع، بينما تقف في الجهة الأخرى أقلية مسيحية معارضة تساند الثوار في مطالبهم، وتشاركهم كفاحهم، خاصة السلمي منه.

        الجزء المؤيد للنظام من بين هؤلاء يملك دوافع مختلفة، فمنهم من هو مصاب بحالة من فوبيا الإسلام، والمقصود بالإسلام هنا هو الإسلام السني حصراً[3]، وجزء آخر من المؤيدين الأكثر يفاعة، هو من اقترن وعيه لما حوله ولواقع البلاد، بفترة تولي بشار الأسد زمام السلطة، فتأثر بالصورة التي قُدِّمَ بها هذا الرئيس: شاب، عصري، منفتح، تلقى تعليماً غربياً، زوجة جميلة ونشيطة… تأييد هذا الجزء من المسيحيين للنظام يتأتى أيضاً من جهله بالتاريخ الحقيقي لسورية، فقد قُدم له هذا التاريخ في المدارس والجامعات من خلال المناهج التعليمية الرسمية، وكأنه بدأ مع حزب البعث وعائلة الأسد. أيضاً نجد بين المؤيدين من يدعم النظام لارتباطه به، لجهة المصالح المادية، وهؤلاء عادة ما يكونون من أصحاب رؤوس الأموال.

        أخيراً، جزء من الفئة التي تسمى رمادية أو وسطية، والتي تضم كماً لا بأس به من المثقفين، تُعلن حيادها تجاه الصراع الحاصل، وذلك لصعوبة تبريرها للقمع الذي يمارسه النظام، بينما تُضمر دعمها له لأسباب متنوعة، منها ما ورد أعلاه.

        في الجهة المقابلة نرى أقلية من المسيحيين تقف في صف الثورة، أي في مواجهة النظام، هؤلاء بمعظمهم ليسوا أشخاصاً عَرَفوا التزاماً سياسياً منظماً، هم مثقفون إجمالاً وكثيرون منهم علمانيو النزعة، بل إن قطاعاً لا بأس به منهم، لا يخفي إلحاده أو لا أدريته، رغم أنهم يُحسبون مسيحيين “اجتماعياً”.

استمر في القراءة

خذلان سوريا: لماذا على العالم اليوم أن يكون مستعداً لسقوط الأسد وللعواقب المترتبة على ذلك؟

9 شباط/فبراير 2012

 كورت ج. ورثملر Kurt J. Werthmuller

 (باحث في معهد هدسون لحرية الأديان)

 

 فيما بدأ مجتمع السياسة الخارجية أخيراً الخوض في الأزمة السورية ببالغ الاهتمام، أصبح واضحاً على الفور مدى نأي العالم عن التوصل إلى إجماع بشأن نوعية رد الفعل تجاه قمع نظام الأسد الدموي للمعارضة (والذي حصد حتى الآن ما لا يقل عن 7000 شخص). وحول فشل إجراء مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الذي كان من شأنه التقدم بمطلب مباشر لوضع حد للعنف فضلاً عن دعوة الأسد إلى التنحي،عبّرت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون السبت الماضي محذّرة من أنه “في ظل غيابنا عن العمل سويةً كمجتمع دولي فإن نهاية اللعبة ستكون حرباً أهلية”. هذا وقد استهلّ أيضاً أعضاءٌ في الكونغرس الأميركي مناقشة خيارات التدخل العسكري الأميركي (على الرغم من كون هذه الخيارات لا تزال بعيدة بشكل جليّ عن التوافق عليها أو تطبيقها). في المقابل، أكّد وزير الخارجية الروسي على تأييده لنظام الأسد، وذلك عبر توجّهه إلى دمشق لعقد اجتماعٍ ودّي مع بشار الأسد يوم الثلاثاء. في هذه الأثناء يختلف خبراء السياسة الخارجية الأميركية حول مسألة التدخل الأجنبي العسكري المباشر في سوريا، لكنهم يتفقون في المجمل على أن شرعية النظام قد أفلست وأنه لا بد من التعجيل بسقوط الأسد.

استمر في القراءة