
وزير الدفاع تشاك هايغل Chuck Hagel (يسار) ورئيس الأركان العقيد مارتن ديمبسي Martin Dempsey يقدمان شهادتهما أثناء جلسة لجنة مجلس الشيوخ لشؤون القوات المسلحة فيما يخص سياسة الولايات المتحدة تجاه العراق وسوريا والخطر الذي تشكله الدولة الإسلامية, والتي انعقدت في 16 أيلول في الكابيتول هيل Capitol Hill في واشنطن. (تصوير كيفين لامارك Kevin Lamarque -وكالة روترز)
جونا شولهوفر Jonah Schulhofer-Wohl
22 سبتمبر أيلول 2014
دفعت نتائج عملية التصويت -التي جرت الأسبوع الماضي في الكونغرس- إدارة أوباما خطوة إلى الأمام نحو القيام بعمل عسكري في سوريا كجزء من استراتيجيتها الجديدة لمواجهة الدولة الإسلامية (المعروفة سابقا باسم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا، ISIS) كان الفشل الأمريكي في اتخاذ إجراءات حاسمة في وقت مبكر لمنع حدوث فراغ في السلطة في سوريا عاملا مهما في صعود هذه الأخيرة. كان من الممكن اتخاذ هذا الإجراء في وقت أبكر من هذا بكثير، وكان تشرذم وتشدد المعارضة السورية المسلحة أحد الأسباب الرئيسية لعزوف الولايات المتحدة عن القيام بذلك. لكن هذا القلق حول القيام بفعل ما في سوريا والذي يجعل من طبيعة هذه المعارضة سببا للتشرذم والتطرف هو أمر خاطئ.
في الحقيقة، لقد ساهمت الديناميكية الداخلية للحرب ذاتها، لا ماهية المعارضة، إلى حد كبير في الفوضى الحالية. في مشروع استقصائي أقوم به، وما يزال جاريا، حول نشوء التحالفات وحالات الاقتتال الداخلي بين الجماعات المسلحة السورية، أستطيع التبيين كيف أن الاقتتال بين التشكيلات العسكرية المعارضة يزداد حيثما يدخل القتال ضد نظام الرئيس بشار الأسد في حالة جمود أو عدم تعيين. آثار ذلك تنعكس في أمرين، كان التشظي والتشدد في سوريا مدفوعين بعوامل سمحت بتكاثر جماعات المعارضة المسلحة، وغياب الدعم العسكري الهادف لتعزيز قدراتها الهجومية.
عندما تتم مقارنة أصول الحال التي تعيشها المعارضة المسلحة مع سياسة الولايات المتحدة في سوريا منذ بداية الحرب، تصبح الصورة واضحة: كان الدور المتردد للولايات المتحدة مركزيا في تشظية و زيادة تشدد المعارضة. ما يقع عليه اللوم بشكل خاص هو حالة الفشل المزدوجة، أولا في تنسيق جهود الدول الأخرى الداعمة للمعارضة في تقديم الدعم المالي والعسكري في الوقت المناسب، وثانيا في استخدام الدعم العسكري لإحداث تغييرات نوعية في قدرات المعارضة بالمقارنة مع قدرات النظام.
تقدم هذه الرواية السببية قراءة مختلفة لسرعة تنظيم الدولة لقوتها الفاعلة عسكريا، لعنفها الهمجي ولضمها أراض سورية الى شمال العراق. ففي حين يبدو صعود تنظيم الدولة تأكيدا لأسوأ مخاوف أولئك الذين ارتأوا أن الولايات المتحدة لا ينبغي أن تدعم المعارضة السورية المسلحة، إلا أن واقع الأمر يدل على عكس ذلك تماما.
من وجهة نظر المشككين، كان المعتدلون في سوريا أقلة متباعدون، وقد أظهر النجاح التنظيمي والعسكري للجماعات المتطرفة الوجه الحقيقي للمجتمع السوري، ومع صعود الإسلام الراديكالي بوضوح -وبشكل طبيعي [بحسبهم]- في سوريا، فإن الجهود الرامية إلى دعم المعارضة السورية ستقوض مصالح الولايات المتحدة.
إن الاعتقاد الملح بضرورة التبصر في الماهية الحقيقية للمعارضة السورية، إضافة إلى التشكك الدائم في ما إن كان هناك حقا معتدلين يمكن للولايات المتحدة أن تدخل معهم في شراكة – فلننظر إلى صيحات الاحتجاج على آكلي لحوم البشر من بعض المقاتلين التابعين للجيش السوري الحر في مايو/ أيار 2013- قاما بالتعمية على سيروراتٍ أربع شكلت التشرذم والتطرف، وخلقت الظروف التي أنتجت تنظيم الدولة الإسلامية كعنصر تهديد لمصالح الولايات المتحدة في المنطقة.
أولا، تم تشكيل المعارضة المسلحة في بيئة تحبذ استراتيجيا إنشاء مجموعات مستقلة بروابط مرنة وغير مركزية. إن عدم التكافؤ العسكري الكبير، والذي كان لصالح نظام الأسد بداية، كان يعني أن وجود مجموعة مسيطرة ذات تراتبية هرمية سيقود المعارضة إلى زوال سريع. لم يكن تشظي المعارضة المسلحة مؤشرا على أنها غير كفؤة، بل أنها فهمت التحديات التي تواجهها وتكيفت وفقا لذلك.
ثانيا، خلقت فوضى التمويل غير المنسق، سواء من دول المنطقة أو من الأفراد عوامل تحفيز إضافية لتسريع توالد الجماعات المسلحة، وتسهيل خياراتها في مواصلة العمل بشكل مستقل عن بعضها البعض. قام جامعوا التبرعات من الأفراد بجمع المال لعمليات محددة تعتزم المعارضة القيام بها في كثير من الأحيان. من جانبهم، طلب القادة العسكريون تمويلا على مراحل، معلنين على الملأ المبالغ اللازمة لتحقيق أهداف تكتيكية، بدءاً من الهجمات على حواجز النظام وصولا إلى استخدام السيارات المفخخة.
ثالثا، قامت الحكومات الأجنبية والجهات المانحة غير الحكومية في كثير من الأحيان بمحاولة فرض أجنداتها الاسلامية. توضح الطروحات الإسلامية السياسية ورموز وخطاب غالبية جماعات المعارضة المسلحة الكثير عن مصادر الدعم المتاحة.
أنشأت الجماعات الإسلامية منظمات أقوى وقامت بتأمين الأسلحة والتمويل بشكل أكثر ثباتا من نظيراتها العلمانية أو من تدعى بالمعتدلة. قامت المملكة العربية السعودية، قطر، الإمارات العربية المتحدة وتركيا بإيصال الموارد إلى الإسلاميين -رغم اختلاف مشاربهم- الذين كان بإمكانهم الاعتماد على تمويل ثابت من مصادر خاصة في دول الخليج في حال جفاف الدعم من حكومات هذه الدول. أصاب الضعف المجموعات العلمانية التي تطلعت إلى الولايات المتحدة والدول الأوروبية للحصول على الدعم عندما لم يتم تقديم إلا القليل منه، إما بسبب متاهات عملية التدقيق التي أخرت المساعدات من الولايات المتحدة، أو بسبب إصرار القادة الغربيين المتكرر على ضرورة وصوله عبر القيادة المتواجدة في المنفى بدلا من الإيصال المباشر إلى القادة في الخطوط الأمامية.
على المستوى الفردي، انتقل المقاتلون للانضمام إلى الجماعات الاسلامية ذات الموارد الأفضل. وعند اعتبار هذا العامل الأساسي في أسلمة المعارضة، فقد كان بإمكان مستويات أعلى من الدعم العسكري والمالي الغربي -إن قدما على وجه السرعة- أن يمنعا الجماعات الإسلامية الراديكالية من احتلال موقع الهيمنة داخل المعارضة.
رابعا، بعد انتزاع المعارضة المسلحة السيطرة من نظام الأسد، وتمكنها من تأمين حماية مواقعها في بعض المناطق من البلاد، وخاصة في الشمال، أدى وجود الأمن النسبي من [بطش] النظام إلى إزالة الدافع الرئيسي للتعاون بين هذه المجموعات: عامل التهديد العسكري المشترك.
غالبا ما كانت المجموعات المختلفة تتطلع إلى الدعم من الحواضن الاجتماعية المحلية، وأصبح بإمكانهم الآن حل معضلة المنافسة السياسية الناشئة هذه عبر قوة السلاح، ومالت حصيلة الاقتتال الداخلي الذي تلى ذلك إلى ترجيح كفة الجماعات الإسلامية التي تتمتع بتمويل كبير وأسلحة وفيرة. وبعد أن استطاع تحالف جماعات المعارضة انتزاع الرقة من النظام في شهر آذار/ مارس 2013، قامت جبهة النصرة بطرد قوات كتائب الفاروق الأضعف من المنطقة. ثم كرر تنظيم الدولة الإسلامية هذا النموذج في شهر آب / أغسطس 2013 عندما استهدف مجموعة أحفاد الرسول وقام بتدمير مقراتها في الرقة في استهلال لعملية انسحابها من المنطقة.
كان يمكن لعملية استثمار سياسية ناجحة تقوم بها الولايات المتحدة في سوريا أن تكون ذات أثر كبير في تعزيز التماسك ودرء التطرف عن المعارضة المسلحة في سوريا. بدلا من التراجع ومحاولة التثبت ما إذا كانت المجموعات في سوريا قادرة على التغلب على القوى الدافعة نحو البعثرة، وكان يمكن للولايات المتحدة الحؤول دون التشظي الحاصل من خلال توفيرالدعم المالي والعسكري في الوقت المناسب، وتنسيق التدفقات الكبيرة من المساعدات العسكرية والتمويل من القوى الإقليمية المتنافسة التي عملت -بخلاف ذلك- على أغراض متعارضة. كان من شأن التزويد بمساعدات منسقة على نطاق واسع أن تحد من العدد الكبير لجماعات المعارضة التي تعمل بشكل مستقل عن بعضها البعض. وبالإضافة إلى ذلك، كان يمكن للدعم الدولي المنسق أن يهمش الدوافع الخبيثة نحو التطرف، من خلال تحجيم جهود جمع التبرعات الفردية.
أخيرا، اتسمت الحرب في سوريا بحالات من الجمود في بعض المناطق، أو تحقيق انتصارات وخسائر مؤقتة في بعضها الآخر وكان يمكن استخدام الضربات الجوية الأمريكية ضد القوات الجوية السورية لإخراجها من اللعبة وتقليص تفوق النظام في القوة المدفعية، مما يسمح للمعارضة بتحقيق استمرارية في عملياتها الهجومية. إن وجود معارضة منخرطة في دفع المعركة إلى مناطق النظام كان من شأنه أن يجنبنا الوقوع في شرك الاقتتال الداخلي، وبالتالي إزالة خطر الوقوع في التطرف.
قد يرد السؤال: ولم التركيز على وضع لائحة بـ “ما كان يجب فعله”؟ إضافة للذهاب لما وراء تقديم استعراض دقيق لعمليات التشظية والدفع نحو التطرف في هذه الحرب، يتحدى هذا التحليل التلميح القائل بأن وضع المعارضة السورية المسلحة تطور بشكل منعزل عن الموقف الأميركي في سوريا، وأن سياسة الولايات المتحدة في المقاربة الحذرة لم تكن ذات عواقب ضارة غير مقصودة.
في الأيام المقبلة، سيقوم الجدال السياسي حول استراتيجية الرئيس أوباما الجديدة في مواجهة الدولة الإسلامية بتشكيل التصور أن أي نجاح أو فشل نهائي ينبع من ثنايا الاستراتيجية نفسها.
أكثر من ذلك، إن قيض لها النجاح، فإننا لن نفهم المسؤولية التي تقع على عاتق الولايات المتحدة عن الانهيار الداخلي الذي شهدته سوريا خلال العام الماضي والعوامل التي سمحت لتنظيم الدولة الإسلامية أن يزدهر ويصبح خطرا إقليميا. أما إن حكم عليها بالفشل، فإننا سوف نصل إلى استنتاج خاطئ مفاده أن فك الارتباط بمنطقة الشرق الأوسط هو المسار الأكثر تعقلا للعمل في المستقبل. باختصار، فإننا سوف نفشل في فهم مخاطر سياسة التردد وانعدام الفاعلية.
جونا شولهوفر- ول هو أستاذ مساعد في قسم العلوم السياسية في جامعة فيرجينيا.
المصدر