بريندا شافر Brenda Shaffer

20 أيار 2013

 توجّه عدد من الزعماء والمبعوثين رفيعي المستوى مؤخراً إلى العصمة الروسية موسكو للقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سعياً للحد من تفاقم الأزمة في سوريا، وكان أول الواصلين إلى موسكو وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، وتبعه وزير الخارجية البريطاني ديفيد كاميرون ثم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وآخرهم كان الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، حيث يعتبر هؤلاء أن روسيا بيدها مفتاح الحل للأزمة السورية. غير أن على الولايات المتحدة وحلفائها أن يأخذوا في الحسبان المصالح الروسية المهمة في حوض البحر الأبيض المتوسط في حال رغبوا بتعاونها للوصول إلى حل يعيد الاستقرار لسوريا.

حتى اللحظة لا يمكن فهم الرفض الروسي في القيام بأي تحرك ضد سوريا، فقد سبق لروسيا أن تخلّت عن أنظمة تابعة لها في الشرق الأوسط، فلماذا اختلف الوضع بالنسبة لسوريا؟ الجواب هو أن روسيا تعتبر أن مآل الأمور في سوريا سيكون له تأثير على مصالحها الاستراتيجية بما فيها صادرات روسيا من الطاقة ووضع اسطولها البحري على المستوى العالمي.

ولكي نفهم سياسة موسكو تجاه سوريا، لا بد من أن ندرك أن روسيا تَعتبر سوريا جزءاً من سياستها في حوض البحر الأبيض المتوسط وليس جزءا من الشرق الأوسط. لم تحظَ الدول العربية في الشرق الأوسط بأهمية كبيرة لدى سياسة روسيا الخارجية على عكس منطقة البحر الأبيض المتوسط التي تحتل أولوية كبيرة وخصوصاً منطقة شرق المتوسط.

تتجمد معظم موانئ كماتصبح غير قابلة للاستخدام كما يصبح ميناء روسيا الدافئ في البحر الأسود بمثابة شريان الحياة لصادرات روسيا من النفط، وبالتالي يمثل بقاء حوض البحر المتوسط مفتوحاً أمام حركة النقل البحري الأولوية الأهم بالنسبة لروسيا بالإضافة إلى حركة أسطولها في المنطقة.

يؤمّن الأسطول الروسي في الموانئ الروسية الدعم والحماية للسفن الروسية في شرق البحر الأبيض المتوسط وخصوصاً في مجال الطاقة. ولإقناع الروس بالتحرك للتوصل إلى حل للأزمة السورية يجب أخذ مصالح روسيا الحيويّة في شرق البحر الأبيض المتوسط بالحسبان.

يجب الاعتراف بدواعي القلق لدى الروس ومناقشتها في الحوارات الدبلوماسية. فمثلاً لا بد من اتّباع سياسة تسمح للروس بالاحتفاظ بتواجد اسطولهم في المنطقة، خصوصاً أن أسطول روسيا البحري يُهيمن على شرق البحر الأبيض المتوسط.

روسيا هي أكبر لاعب في أسواق النفط والغاز في المنطقة خصوصاً في تركيا وإيطاليا واليونان. كما أن روسيا هي المرشّح الأبرز للتحكم بمنظومة اليونان لنقل الغاز، كما تسعى للحصول على موطئ قدم في موارد الغاز الطبيعي المكتشفة حديثاً قبالة سواحل إسرائيل وقبرص، إضافةً إلى أن للشركات الروسية استثمارات كبيرة في المنطقة وتمتلك بنى تحتية كبيرة. كما عرضت روسيا على قبرص قرضاً كبيراً سنة 2011 لحماية استثماراتها في هذه الجزيرة ولإغراء قبرص للتقرب من موسكو.

كما أن لروسيا نفوذ في السياسيات الداخلية في عدة دول في المنطقة وذلك بسبب العلاقات القوية التي تربط موسكو بالنخب السياسية الحاكمة في هذه الدول كإسرائيل وإيطاليا وأيضاً من خلال الأعداد المتزايدة للمواطنين والمهاجرين الروس في دول المنطقة أيضاً، فمثلاً يوجد نحو مليون مهاجر روسي في إسرائيل وحدها.

ربما على واشنطن حلفائها النظر في تقديم تنازلات لروسيا والكف عن تقويض النظام السوري مقابل الحصول على اعتراف واضح من موسكو بأنها ستتوقف عن زعزعة استقرار حلفاء الولايات المتحدة في مناطق أخرى كدول البلطيق والقوقاز.

قد لا يروق للولايات المتحدة والاتحاد الأوربي أن تمثل روسيا شوكة في خاصرتيهما في عدد من مناطق العالم، إلا أن عدم اعتراف الدول الغربية بالمصالح الروسية يدفع موسكو لإظهار استيائها والرد على حلفاء الولايات المتحدة حول العالم. فعلى سبيل المثال عندما تجاهلت إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن مطالب روسيا بعدم الاعتراف بكوسوفو ردت روسيا بزعزعة استقرار جارتها جورجيا سنة 2008. وفي حال تجاهُل مصالح روسيا فإنها ستلجأ إلى إبراز نفوذها في مواجهة الولايات المتحدة في مناطق أخرى وخصوصاً تلك المجاورة لروسيا.

لا يمكن مقارنة قوة روسيا بقوة الولايات المتحدة غير أن قوة روسيا أكبر نسبياً في مناطق كثيرة من العالم، مناطق كثيرة من العالم، ففي مناطق محددة باستطاعة روسيا المساهمة في تحقيق أهداف السياسة الأمريكية أو تقويضها في آن معاً. وفي هذا الصدد لا بد من الاعتراف بمصالح روسيا للحصول على تعاونها لوضع خطة تُعيد الاستقرار لسوريا.

المصدر:

For Russia, Syria is not in the Middle East