كيفية إيقاف الاقتتال، في بعض الأحيان

إنهاء النزاعات الداخلية عملية مضنية، لكن التاريخ يضع بين أيدينا دليلاً لأنجح الطرق

Pic1

بيروت

التاسع من تشرين الثاني/نوفمبر2013

عندما انتقل حسين الحسيني إلى شقة متواضعة مطلة على البحر في بيروت عام 1983 كانت الطرقات المحيطة بشقته ممتلئة بحطام ثمانية سنوات من الحرب الأهلية. عندما أصبح السيد حسين الحسيني رئيساً للبرلمان اللبناني في السنة التالية كانت ما تزال هناك بعد ست سنوات من الحرب. ومع انتهائها كانت قد حصدت 150,000 من الأرواح.

 نعم، إلى حد ما كان الحل واضحاً منذ البداية، يقول السيد حسيني. كان على الجماعات الدينية المختلفة، والتي كان لكلٍّ منها الميليشيا الخاصة بها، المشاركة بالسلطة. لم يكن بالإمكان لأي طرف أن يسيطر على لبنان كله، ولم يكن بالإمكان تقسيم لبنان بين القوى المتصارعة. فالسكان متنوعون جداً؛ عائلة السيد حسيني المسلمة من الطائفة الشيعية تضم أفراداً من الطائفة السنية وآخرين مسيحيين، هذه هي طبيعة الحال.”لكن الميليشيا كانت ترفضه”، يضيف.

 المحاولات من قبل السيد الحسيني وآخرون، أبرزهم رجل السلطة والمال رفيق الحريري، للتوصل إلى الحل الواضح ولكن العسير المنال قاده إلى القوى الخارجية التي كانت تدعم الميليشيا: الولايات المتحدة الأمريكية، فرنسا، إيران، سوريا، والمملكة العربية السعودية. كان يواجه بالرفض مراراً حتى عام 1989 حين سئمت القوى الخارجية من الحرب أخيراً واتفقت على قطع التمويل لوكلائهم. جمع السيد حسيني بسرعة ممثلين عن المجتمعات والميليشيا في الطائف وهو منتجع في السعودية. وبعد جدالٍ طويلٍ، وقعوا اتفاقية جاءت بالسلام في غضون عام.

إنهاء الحروب الأهلية أمرٌ صعبٌ، فالكراهية ضمن الدولة الواحدة غالباً ما تكون أعمق بكثير منها بين الدول. حيث أن الاقتتال قليلاً ما ينحصر ضمن أرض المعركة كما هو الحال في الحروب بين الدول، وكذلك من النادر أن يتم تجنيب المدنيين ويلات الحرب، إضافة إلى انعدام الحدود التي يمكن أن تتراجع خلفها القوات المتقاتلة. الحرب بين دولتين يمكن أن تنتهي حيث بدأت بدون أن يشعر أي من البلدين بالخطر المحدق. في المقابل، فإنه في الحروب الأهلية حيث لا وجود لمكان آمن يمكن العودة يعود إليه، يشعر المتقاتلون بأن عليهم الاستمرار بالقتال إذا أرادوا الإفلات من المذبحة. كما هو الحال بالنسبة للمتقاتلين في سوريا اليوم، فالخسارة بالنسبة لهم تعني الموت لا الانسحاب والتراجع من المعركة (اقرأ المقالة التالية).

التمرد الجديد

ومع ذلك فللحروب الأهلية نهاية. أقل من عشرة من أصل 150 حرب كبيرة جرت داخل حدود الدولة الواحدة منذ 1945 مازالت مستمرة. أنجوليا، تشاد، سيرلانكا من ضمن عدة بلدان اقترن اسمها بإراقة الدماء هي الآن في حالة سلام رغم أنها لم تدخل مرحلة الديموقراطية بشكل كامل.

وفي الآونة الأخيرة باتت الحروب الأهلية تنتهي بشكل أسرع. احتمال بدئها هو نفسه اليوم مقارنةً بما كان عليه في الستين سنة الأخيرة. كل سنة تبدأ حرب أهلية في 1 إلى 2 بالمئة من البلدان. ولكن عدد الحروب الأهلية المتوسطة والكبيرة النطاق المتأججة حالياً – تشتعل نيران ستة حروب الآن حاصدةً 1000 نسمة في العام الماضي- قليل مقارنة بمعدل تلك الفترة الزمنية. السبب هو أن الحروب الآن باتت تنتهي في فترة أقصر. فمنذ عام 1991 انخفض متوسط مدة الحروب الأهلية من ال 4.6 إلى 3.7 سنة حسب كريستيان سكريد جليديتش Kristian Skrede Gleditsch, البروفيسور في جامعة إيسكس University of Essex.

يعتبر السيد جليديتش Gleditsch واحد من علماء السياسة المختصين في الحروب الأهلية. عدد علماء هذا الاختصاص آخذ بالازدياد، فقد بدء هذا الاختصاص بالدخول في مرحلة النضوج بعدما كانت دراسات نزاعات القوى العظمى طاغية عليه لفترة طويلة. لا يدّعي المشاركون في هذه الدراسات تطابق الحروب الأهلية فإختلاف مسببات وأنواع النزاعات واضح. ولكن العدد الهائل من الحروب الأهلية تسمح للباحثيين باتباع منهج كمي لتحليل العوامل التي تؤثر على نتائج هذه الحروب. تبدي الحكومات تحمساً للاستفادة من نتائج هذا المنهج. عندما دُعي روي ليكلايدر Roy Licklider، وهو أستاذ في جامعة روتجر في نيو جيرسي Rutgers University، إلى وزارة الخارجية الأميركية الصيف الماضي لإلقاء محاضرة للموظفين المعنيين بالشأن السوري، وجدهم “يحاولون كل جهدهم قراءة العوامل التي تسَيير الظروف الحالية”.

CivilWars

انقر لفتح المخطط

إلى اللحظة لم ينجح أي عامل في الحد من الحروب الصغيرة الساخنة في العالم كما فعل انتهاء الحرب الباردة. بين عامي 1945 و 1989 ازداد عدد الحروب الأهلية أضعافاً مضاعفةً نتيجةً لتأجيج أميركا والاتحاد السوفيتي نيران النزاعات الداخلية في الدول الناشئة إما لكسب اليد العلوى أومنع الطرف الآخر من فعل هذا. في نهاية هذه الفترة، انتشرت النزاعات في 18% من دول العالم، وفقاً لأحدث إحصائيات مركز دراسات الحرب الأهلية Centre for the Study of Civil War ، الذي أُسس قبل عشر سنوات في معهد بحوث السلام في أوسلو Peace Research Institute Oslo. عند انتهاء الحرب الباردة توقف العدووان عن تمويل وكلائهم الأجانب مما أدى إلى انخفض عدد المتنازعين. عدد النزاعات التي انتهت في الخمسة عشرة عاماً من بعد سقوط جدار برلين أكبر من تلك التي انتهت في الخمسين عاماً التي سبقتها (الرسم التوضيحي 1). في عام 1995 انخفضت نسبة الدول التي تجري فيها حروب أهلية إلى 12% من دول العالم.

يقر سكوت جايتس Scott Gates، مدير المركز، بأن نتائج الحروب الأهلية قد تغيرت أيضاً. فإلى العام 1989 كان النصر لصالح جهة ما هو النتيجة السائدة (%58). أما في الوقت الحالي فنسبة الانتصارات أقل (%13)، ولكنها موجودة: الحكومة السيريلنكية هزمت المتمردين التامل في 2009. في ذات الفترة نسبة الحروب الأهلية التي انتهت بسبب المفاوضات ارتفعت من %10 إلى ما يقارب ال %40. النسبة الباقية من النزاعات تلاشت إلى مستوى من العنف أدنى من عتبة أن يُعتبر حرباً، رغم أن تحديد تلك العتبة مايزال قيد النقاش.

السبب الرئيسي في هذا التغير يكمن في طبيعة التدخلات الخارجية. ففي أثناء الحرب الباردة لم تُبدي أيٌّ من القوى العظمى استعداداً للتراجع، واستمر الطرفان في دعم جهتهم بشكل لا محدود. لكن في الوقت الحالي من الصعب أن تتوفر للداعمين في الخارج امكانيات لمثل هذا النوع من الدعم. وفي كثيرٍ من الأحيان، يبدي اللاعبون الخارجيون اهتماماً في إيقاف الحروب الأهلية.

أيادي مدنية غير بريئة

تختلف الدوافع. البعض يتصرف لأسباب إنسانية. آخرون يبحثون عن النفوذ أو عن وجود أكبر على الساحة الدولية. لكن أكثر من هذا وذاك، أدرك اللاعبون الخارجيون أن الحروب الصغيرة يمكن أن تسبب فوضى ودماراً عارماً من الممكن تجنبها. الحرب بين الأطراف المتنازعة في أفغانستان أنتجت القاعدة؛ الإبادة الجماعية في راواندا امتدت إلى مساحات شاسعة من المناطق المجاورة. في سواحل أفريقيا الغربية انتشر العنف جيئة وذهاباً بين غينيا، ليبيريا، سيراليون وساحل العاج، في حالة تشبه انتشار عدوى الرشح في مكتب مقتظ بالموظفين. “أفضل دليل على احتمال حصول حرب أهلية في بلدك هو وجود حرب أهلية في بلد جار لك”، يقول السيد .Licklider

Drawing1

يمكن للاعبون الخارجيون أن يساندوا طرفا على حساب الآخر، داعمين بالسلاح رغبتهم في تحقيق السلام. في مالي، انتهى نزاع بين الجيش والمتطرفين الإسلاميين والعرقيين في أقل من سنة بسبب الجنود الفرنسيين الذين تدخلوا في كانون الثاني/يناير وفرضوا صلحاً جزئياً. إن عدد القوى التي تبدي استعداداً لتدخل عسكري علني آخذ بالتناقص. وفي الوقت نفسه، نادراً ما تجد حماساً كبيراً للعمل بمقولة Edward Luttwak، مؤلف كتاب “أعطِ الحرب فرصة”. صحيح أن الانتصارات العسكرية تميل لتوفير استقرار أكبر من ذلك الذي ينتج عن الجلوس وراء طاولة المفاوضات، والذي – خاصة في غياب قوات حفظ سلام أجنبية – ينهار عندما تطفو على السطح الأسباب التي أدت بالمقام الأول لاندلاع الحرب الأهلية.

لربما يوجد بعض النزاعات التي من الأفضل تركها تستعر حتى نهايتها على تركها غير محلولة. لكن مزايا النصر يمكن أن يكون مبالغ بها. “القوة اللازمة لانتزاع نصر عسكري تميل أيضاً نحو تدمير مؤسسات الدولة اللازمة لضمان استقرار البلد على المدى الطويل”، يحذر ِAndrew Exum، مستشار سابق للبنتاغون. والعوامل التي تجذب الدول الخارجية للتدخل – الالتزام بقيم حقوق الانسان، إبراز البراعة الدبلوماسية، الحد من انتقال عدوى الصراع لدول الجوار – كل هذه العوامل تشجع اللاعبين الخارجيين على الدفع باتجاه المفاوضات.

تنظيم محادثات تؤدي لنهاية مشابهة لتلك التي تم التوصل لها في لبنان يحتاج لأعصاب فولاذية. الحروب الأهلية عادة تنتهي بشكل فوضوي كسيرورتها. تترافق المحادثات غالباً مع المعارك. فاوض المتمردون النيباليون لسنوات الحكومة، التي كانوا في الوقت نفسه يقاتلونها، إلى أن وقعوا اتفاقية سلام عام 2006. غالباً ما يؤدي ظهور ملامح نهاية الحرب الأهلية إلى اشتداد القتال.

أحياناً يكون الخلاف غير قابل للجسر بحيث لا يبدو أن هناك أي حل ممكن سوى تقسيم البلاد. حروب الهوية – تلك تشتعل بدافع الظلم الذي تعرضوا له الناس على مدى عقود وقرون – تنتمي في الغالب إلى هذا الصنف.

في هذه الحالات مساوئ التقسيم – خصوصاً الذي يترافق مع الحاجة لهجرة سكانية على مستوى كبير – مفهومة تماماً. قلما تكون العشائر والملل واضحة الحدود، تقسيم هذه العشائر أو الملل، بالقوة لو لزم الأمر، سيخلق وضعاً أكثر أماناً لكن على حساب معاناة كبيرة قد تؤدي لخلق نزاع جديد. عندما انفصلت باكستان عن الهند، أثقلت الدولة الجديدة بمحاولة انقلاب وبحرب في كشمير. والكثير من الدول، التي تحتوي ضمن نسيجها على توترات قادرة على شطرها، تبتعد عن دعم فكرة التقسيم في أي مكان آخر كي لا تكون تلك سابقة تنعكس سلباً على الدولة نفسها.

ضغينة قديمة

على الرغم من ذلك،  بعض حالات التقسي معقولة. حكومة جنوب السودان سيئة، والقتال مازال مستمراً مع القسم الآخر من السودان على طول الحدود التي رسمت منذ سنتين. لكن معظم المراقبين المستقلين يتفقون على أن السودان الجنوبي اتخذ الخيار الصحيح في التفاوض حول التقسيم. النخبة العربية في الشمال لم تكن لتغير موقفها العدائي تجاه الجنوبيين السود، الموقف الذي جاء بعقود من الحرب البائسة ووفاة مليوني شخص. وفي الوقت نفسه، ليس هناك مخاوف حقيقية من أن السودان الجنوبي سيكون مثالاً جذاباً يشجع الانقسام في أماكن أخرى. بعض الأقليات قد تكون مستعدة لخوض هذه المعاناة في سبيل الحصول على مقعد في الأمم المتحدة.

Drawing12

في المحادثات الرامية إلى حل الدولة الواحدة، يشير التاريخ إلى عدد من العوامل التي يمكنها تحسين احتمالات النجاح. احتمال لعب القبعات الزرقاء دوراً ما هي واحدة من تلك العوامل.غالباً ما يطلب المقاتلون ضمانات أمنية. في البوسنة، لم يكن بوسع المسلحين المسلمين تخيل تسليم الأسلحة الصدئة التي كانت لديهم إلا عندما تأكدوا من أن اللاعبون الخارجيون يثقون بها ستوفر لهم الحماية. هذه النقطة أساسية في النزاعات التي تتوافق فيها الأطراف ليس فقط إلى وقف القتال ولكن أيضا على نزع السلاح، وبالتالي تقليص فرص حروب إضافية.

يخشى المتمردون أنهم بفقدانهم أسلحتهم سيواجهون الظلم مرة أخرى، لذلك يقومون بتخزين بعضها. منذ إنشائها، أنهت الأمم المتحدة 53 مهمة حفظ سلام (انظر المخطط 2). الخمسة عشر مهمة حفظ السلام الجارية حالياً تجند 100,000 من القبعات الزرق. يمكن أيضاً للوسطاء المدنيين أن يلعبوا دوراً مفيداً، فاتحين أحيانا مسارات مفاوضات لا يمكن للدول أن تفتحها، وأيضاً يمكن الوثوق بأنهم يعملون بدون هدف فرض أجندتهم السياسية.

من الأمور الأخرى الأساسية في مفاوضات السلام هو قبول المقاتلين، ولو سراً، أنه لا أمل بالنصر. أي شخص ينتظر النصر سيجد أن التسويات الناتجة عن المفاوضات لا تطاق. لو أنصت المقاتلون للخبراء ولقواعد بياناتهم لأقبلوا مبكراً إلى طاولة المفاوضات؛ أغلب الانتصارات يتم تحقيقها في السنة الأولى من الحرب الأهلية. لكن أغلب المقاتلين يتمسكون بأحلامهم الأصلية لفترة طويلة يكون خلالها احتمال تحقيقها قد تلاشى منذ مدة.

فقط عندما يستيقظ المقاتلون من أوهامهم، يمكن للوسطاء الذهاب للعمل – وعندئذ لفترة محدودة. الحروب الأهلية التي لا تجد لها حلاً خلال عشر سنوات تمتد لفترات طويلة، يستسلم فيها الطرفان لاقتتال متواصل لا ينتهي يمنعهما الاشمئزاز أو الإنهاك من مواجهة أعدائهما وجهاً لوجه عبر طاولة المفاوضات. مازال النزاع المسلح في جبال كولومبيا الكثيفة مستمراً منذ عام 1964. في بعض الحالات تكون السببية معكوسة. تستمر النزاعات لأنها غير قابلة للحل.

 يمكن للصراعات أن تنفجر من جديد، أيضاً. اتفاقيات السلام يمكن أن تتهاوى؛ في الواقع يخشى البعض أنه، في يومنا هذا، يمكن للمتمردين العودة للحرب بسهولة. يمكن الحصول على الأسلحة الثقيلة بشكل أسهل من المرة الأولى والخبرة المكتسبة من الحرب تشحذ تكتيكات التمرد. كما في العراق وأماكن أخرى.

 سلام مظلم

أحد أسباب التراجع هو أن السلام كثيراً ما يفشل في توفير الازدهار الذي قد يعطيه أهمية مستدامة لدى جميع الأطراف. تقاسم السلطة يضعف الحكومات، لا أحد يثق بالآخر بما يكفي ليضمن له سلطة حقيقية. الإدارة السيئة تضر بالأعمال. المافيات العرقية تصبح راسخة. يتأجل الاندماج إلى أجل غير مسمى. إن الإدارة العامة في الدول، حديثة الدخول في حالة السلم، تكون فوضوية وذلك بسبب الافتقار لمنافسة سياسية حقيقية، بالإضافة عدم توفر إمكانية تحقيق انتصارات انتخابية حاسمة.

تُعتبر لبنان مثالاً رئيسياً.  عندما تعطشت الطائف للسلطة في عام 1989 قاموا بتحديد حصص لكل المكونات الاجتماعية. حتى روؤساء الأقسام في هيئة تنظيم الاتصالات تم تعيينهم وفقاً لمعايير دينية. الولاء للطوائف، وليس للمجتمع. الخدمات شبه معدومة، وإمدادات الكهرباء الموثوقة نادرة. سقطت  الحكومة الأخيرة في شهر آذار ولم يحل محلها أي شيء. على الرغم من ذلك، يفضل كثير من اللبنانيين هذه الظروف على إراقة الدماء التي حدثت في الثمانينات. فمن الأفضل للمرء أن يبقي أطفاله في بلد تتم إدارته بشكل سيء على أن يخاطر بحياتهم.

أكثر الأسئلة تعقيداً في العلاقات الدولية هو كيف يستطيع اللاعبون الخارجيون فرض التسويات. أحد الطرق هي إحداث تغيير في القيادة. أمراء الحرب الذين يشعلون النزاعات نادراً ما يكونون جاهزين للاعتراف بعدم قدرتهم على الانتصار، وقد تكون شخصياتهم سبباً رئيسياً في ذلك. كان اعتقال عبد الله أوجلان من قبل القوات التركية في عام 1999 ضربة قويةً لحزب العمال الكردستاني، ومحادثات السلام مستمرة منذ ذلك الحين. ضعف حزب الدرب المضيء في بيرو بعد اعتقال أبيمال غوزمان عام 1992. شكّل تغيير السلطة عاملاً في إنهاء ما بين 25% و40% من الحروب الأهلية، وفقاً لجيمس فيرون James Fearon  البروفيسور في جامعة ستانفورد.

تغيير الزعماء ليس الطريقة الوحيدة للتدخل. يمكن للاعبون الخارجيون عبر التدخل العسكري أو التضييق أن يحدثوا ما يسميه المثقفون “أزمة ذات ضرر متبادل”. في هذا الوضع لا يستطيع أي من الطرفين التقدم، وثمن الصمود يكون مرتفعاً- صنع السلام هو الحل الأقل سوءاً. تعد حملة حلف شمال الأطلسي الجوية عام 1999 ضد صربيا لحماية الألبانيين في كوسوفو المجاورة مثالاً على ذلك، أمطرت القنابل على العاصمة حتى سقوط ميلوسوفيتش. في عام 1980 أنهت بريطانيا الحرب الأهلية في زيمبابوي عبر الضغط على الحكومة وبنفس الوقت أقنعت موزمبيق وزامبيا بأن تهددا بإيقاف المساعدات التي كانتا تزودان المتمردين الذين كانوا يحققون المكاسب على الأرض بها.

إن الأزمات ذات الضرر المتبادل صعبة الحدوث. مع العلم بأن العدو تحت الضغط يمكن أن يدفع الجنود المحاصرين إلى الصمود. التدابير المنفصلة ضرورية للطرفين. الحكومات عادة تحتاج إلى ضغط أقل، لأنها تجد الأزمات مؤلمة بحد ذاتها. دون سيطرة كاملة على منطقتهم، تتناقص شرعيتهم. هذا يضعفهم ويشجع الآخرين الذين لديهم مظالم على اتخاذ موقف، ما ينتج مشكلة إضافية أخرى. المتمردون، من جهة أخرى، قد يتطلبون ضغط أكبر، لأن احتمالات أن يجدوا الأزمة مؤلمة في جوهرها قليلة. “إن المسلح ينتصر إذا لم يخسر،” كما يقول هنري كيسنجر Henry Kissinger. ” الجيش التقليدي يخسر إذا لم ينتصر”.

إن الجزء الأكثر تعقيداً بالنسبة للاعبون الخارجيون هو وضع الطرفين في مواقع مؤلمة في نفس الوقت. من السهل على المقاتلين أن يوجسوا مزايا ليس لها من وجود, سواء أكانت لهم أم لغيرهم، والتي ليس لها وجود. يصبح الأمر أكثرسهولة عندما ينوي أحد الطرفين أن يتقبل، تكتيكياً على الأقل، الحاجة للتفاوض على السلام، ويبدأ بالتعامل بطريقة تؤدي إلى استقرار الأزمة، بدلاً من العمل على صنعها. لذا قد تقوم قواته بالسيطرة على مناطق ثم الانسحاب منها لإظهار القوة والنيّة في التسوية، أو قد يقوم برد هجمات العدو بشكل كافٍ ليتفحصهم، ولكن دون الاستمرار في تأجيج القتال. يمكن أن تكون الاستخبارات/ المعلومات الأجنبية مفيدة في معايرة تحركات جيدة كهذه.

يقول السيد حسيني الذي ساهم في إرساء السلام في لبنان أنه علم أن سنوات التضرع سوف تعطي نتائج عندما توقفت الميليشيات عن تلقي الدعم من الخارج. لم يحصل على أية جائزة لقاء الدور الذي لعبه، وطردته الميليشيات من السياسة في النهاية. يجلس في منزله تحت صورة البابا يوحنا بولس الثاني متسائلاً عن عدد الناس الذين كان سيتم إنقاذهم لو تم التخلي عن السلاح في الوقت مبكر.

أصبح المنظر المهيب للبحر المتوسط والذي كان يستمتع به من منزله ذكرى بعيدة، ومحجوباً بأبنية جديدة. إنه أمر ليس بمهم، يضيف. في النهاية، البناء يبين أن لبنان قد استعاد قدراً من السلام والازدهار. حتى أنه استطاع أن يوفر اللجوء لمليون سوري هاربين من حربهم الأهلية.

المصدر

How to Stop the Fighting: Sometimes

The Economist

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s