مارك مازيتي Mark Mazzetti روبرت ف. ورث Robert F. Worth ومايكل ر. جوردون Michael R. Gordeon
نشرت في 22 تشرين الأول أوكتوبر 2013
- المداولات: الرئيس أوباما مجتمعاً مع مستشاروه للأمن القومي في مكتب الأوفيل Oval Office أواخر آب/أغسطس لمناقشة الاستراتيجيات في سوريا. الصورة من إصدار البيت الأبيض. بيت سوزا Pete Souza البيت الأبيض.
واشنطن – مع انسحاب قوات الثوار في سوريا وتخبط سياسة إدارة أوباما تجاه سوريا المنهكة حربياً دخل وزير الخارجية إلى غرفة العمليات في البيت الأبيض في احد أيام حزيران وبيده ملف تخذير.أشار الملف إلى أن الرئيس السوري بشار الأسد قد استخدم أسلحة كيماوية ضد شعبه، وإن لم تفرض الولايات المتحدة عواقب فإن الأسد سيعتبرذلك “ضوءً أخضراً لاستمراره في استخدام الأسلحة الكيماوية.”
لقد وقّع الرئيس أوباما أمراَ سرياً في نيسان -قبل أشهر مما سبق الإعلان عنه- يقر فيه بخطة لجهاز الاستخبارات الأميركية بالبدء بتسليح الثوار السوريين. لكن الأسلحة لم تصل، وانهيار مواقع الثوار في غرب سوريا أجج الشعور بالأزمة الذي ساد ذلك الاجتماع في حزيران.
رغم النقاش الذي دام لساعات والذي تناول فيه المستشارون الرئيسيون العديد من الخيارات، ومنها الضربات العسكرية وزيادة الدعم للثوار،إلا أنه انتهى الاجتماع كغيره من المحاولات السابقة لتحديد سياسة تجاه سوريا، باختلاف جوهري بين مستشاري الرئيس حول كيفية التعامل مع حرب أهلية أحصي إلى الآن فيها حياة مئة ألف نسمة.
أثبت الوقت أن الإنذار الذي أصدرته الخارجية الأميركية في حزيران، والذي حصلت النيو يورك تايمز New York Times على ملف ملخص له، كان نبوءة. قتل هجوم عنيف بالغازات السامة في 21 آب مئات المدنيين، مطلقاً أزمة أوشكت معها الولايات المتحدة على توجيه ضربة عسكرية على سوريا والتي انتهت فقط حينما انتهز الرئيس أوباما باتفاقية تبنتها روسيا لتأمين الأسلحة الكيماوية السورية.
الآن و بعد مرور سنتين على تصريحه العلني بأن على السيد الأسد أن يرحل، يراهن الرئيس أوباما على نجاح الخطة التي أطلقتها روسيا -والتي تعتمد على تعاون السيد الأسد والتي اعتبرها الرئيس السوري في مقابلة حديثة وقاية مناسبة ضد التدخل الأميركي.
ولكن فرصة الفرج بحل سياسي بدت قليلة أثناء الاجتماعات التي عقدها السيد كيري في لندن مع ممثلين عن المجموعات المعارضة السورية يوم الثلاثاء على أمل إنعاش مؤتمر للسلام كان قد اقترح مسبقاً. موقف السيد الأسد أقوى، والثورة قد ضعف،، وأصبحت متشتتة وتسيطر عليها جماعات إسلامية متشددة.
إن تقييم كيف ترى إدارة أوباما نفسها في هذه المرحلة -بناء على مقابلات مع العشرات من الموظفين الحاليين والسابقين في الإدارة، دبلوماسي الخارجية، ومسؤولين في الكنغرس – تبدأ من رئيس متردد ترأس نقاشاً شائكاً بين مستشاريه كان أشد سخونة من أي نقاش أخر كان قد ترأسه. عكس هؤلاء المستشارون أحاسيس السيد أوباما المتضاربة تجاه كيفية التعامل مع القوى التي أطلقها الربيع العربي: هل يقف إلى جانب هؤلاء الذين يناضلون ضد الحكومات الاستبدادية أم يتجنب خطر الوقوع في شرك حرب فوضوية أخرى في الشرق الأوسط.
مع استمرار النقاش استمر عدد الضحايا المدنيين في الارتفاع، وتجرأت الحكومة السورية على استخدام الأسلحة الكيماوية على نطاق أوسع وتأزمت العلاقات الأميركية مع أقرب حلفائها.
يعتقد بعض المدافعين عن السيد أوباما أن رغم تخبط السياسة الأميركية تجاه سوريا في العامين الماضيين إلا أن أحداث الأسابيع الستة الماضية كان مثالاً ناحجاً عن سياسة التلويح بالعصا. و يصرحون أن فقط تحت تهديد القوة قد وعد السيد الأسد بإيقاف برنامجه للأسلحة الكيماوية.و يؤكدون أن هذه ممكن أن تكون أفضل نتيجة من بين عدة خيارات أحلاها مرٌ.
“يجب أن نكون واقعيين حيال قدرتنا على توجيه الأحداث في سوريا” يصرح بنامين ج. رودز Benjamin J. Rhodes أحد نواب مستشار الأمن القومي. “مع غياب الخيارات الجيدة، عظم الناس من أهمية الدعم العسكري للمعارضة باعتباه الحل السحري، ولكن هذا يجب أن يرُى كوسيلة وليس استراتيجية.”
ولكن هناك آخرين ينتقدون هذا الرأي بشدة ويقولون أن شلل الإدارة الأميركية جعلها غير مستعدة لأحداث كان يمكن التنبؤ بها مثل الهجوم بالغازات السامة في 21 آب. كما ويطرحون أنه كان يمكن لمواقف حازمة من واشنطن أن تشد من أزر القوى المعتدلة التي كانت تصارع قوات الأسد على مدى عامين، وكذلك كان بإمكانها أن تحُدّ من عدد القتلى المتزايد من المدنيين ومن تأثير الجماعات الإسلامية المتطرفة بين الثوار. ولربما ردعت أيضاً الحكومة السورية عن استخدام الأسلحة الكيماوية. ولكن كما صرح مسؤول كبير سابق في البيت الأبيض “المصيبة هي أننا أضعنا وقتاً طويلاً في نقاشات تركز على أنفسنا”
وتستمر الحرب
في البداية كان مستقبل سوريا لايبدو معقداً كثيراً -لم يعتقد أحداً أن الأسد سيبقى.
بدى زخم الثورات العربية في صيف 2011 وكأنه سيعصف كل ما يقف في وجهها. لقد رحل دكتاتير تونس ومصر والعقيد معمر القذافي سقط لاحقاً في ذلك العام.
قدمت أجهزة الاستخبارات الأميركية مذكرات دورية في البيت الأبيض ووزارة الخارجية تشير بأن أيام السيد الأسد باتت معددودة وفي 18 آب 2011 أصدر السيد أوباما بياناً صرح فيه بأن “الوقت قد حان للرئيس الأسد بالتنحي.”
أبدى بعض موظفو الإدارة الأميركية تحفظاً على الإدلاء بهكذا تصريح في غياب خطة للمساعدة على حدوث الأمر. لكن تلك الأصوات كانت نادرة.
في تلك المرحلة كان عمر الثورة الشعبية خمس أشهر وكان الاستخدام الواسع للحكومة السورية للتعذيب وقتلها المتظاهرين يستدعي انتقاد المجتمع الدولي. في ذلك الحين كان بعض أعضاء الكونغرس الأميركي ينتقدون الإدارة الأميركية لعدم تحركها.
لكن منذ البداية كان السيد أوباما واضحاً مع مساعديه بأنه لا يفكر بتدخل عسكري أميركي على الرغم من تصاعد المطالب الشعبية في تلك السنة بمنطقة عزل جوي لحماية المدنيين السوريين من القصف.
قدم العقيد مارتن ي. ديمبسي Martin E. Dempsey، رئيس الأركان، عرضاً في عرفة العمليات في أوائل 2012 ساعد في إعاقة طرح أي عمل عسكري. قال بأن فرض منطقة حظر جوي يمكن أن تحتاج إلى سبعين ألف عسكري أميركي لفك جهاز سوريا المتطور المضاد للطيارات ومن ثم فرض مراقبة على مدى أربع وعشرين ساعة على أجواء البلد.
لكن في أواخر صيف 2012 بدأت أجهزة الاستخبارات الأميركية في التقاط اتصالات تتضمن إشارات منذرة بالشؤوم، مفادها بأن قوات الأسد تحرك الأسلحة الكيماوية وربما تقوم بمزجها بغية تحضيرها للاستخدام.
أمر السيد أوباما عقد اجتماعات مستعجلة، وفي الـ 20 من آب أدلى بتصريح سيرتد عليه في المستقبل. رغم تصميمه على عدم اقحام القوات الأميركية في سوريا إلا أن “رؤية كميات من الأسلحة الكيماوية تنقل من مكان لآخر أوتستهدم هو خط أحمر لدينا” قال في مؤتمر صحفي. “هذا سيغير حساباتي. هذا سيغير معادلتي.”
عدة أيام لاحقة في أول نقاش عالي الشأن بشأن الدخول في أزمة جديدة، قدم مدير جهاز الاستخبارت الأميركية دايفيد ه. بيترايس David H. Petraeus خطة للبدء في تسليح وتدريب مجموعات صغيرة من قوات الثوار في قواعد سرية في الأردن. دعمت وزيرة الخارجية هيلاري دودهام كلنتون Hillary ROdham Clinton خطة بيترايس. قالت أن الوقت قد حان للولايات المتحدة ” لتحمل خسارات مؤقتة لتحقيق الهدف”. سأل السيد اوباما كل من المجتمعين عن رأي مساعديهم في خطة جهاز الاستخبارات الأميركية.
صف وزير الدفاع ليون ي. بانيتا Leon E. Panetta والعقيد ديمبسي مع الخطة. ولكن آخرين اعتقدوا بأن الخطة المطروحة من قبل السيد بيترايس، وهو عقيد ذو رتبة عالية مناصر لعمليات المرتزقة الخفية، لها مخاطر عالية بدون فوائد. خاطبت سوزان ي. رايس Susan E. Rice، السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة، المجتمعين عن طريق الفيديو محذرة بأن تسليح الثوار سيدخل الولايات المتحدة في نزاع فوضوي ليطغى على برنامج الرئيس في مدته الرئاسية الثانية وعلى الأرجح لن يكون له تأثير بالغ على مجريات الأمور في هذه المعركة المتشابكة.
بدى السيد أوباما الذي قال في أول الاجتماع بأنه لن يتخذ قرارات على الفور، مرتاباً. حذر من خطة “عشوائية” لتسليح الثوار واستفسر عن الخطط – من سيتقلى الأسلحة وكيف سيمنع وصولهم للجهاديين.
رأي الرئيس حسب ما بدى لأحد موظفي الإدارة الأميركية، والذي تحدث شرط بقاء اسمه مجهولاً لأنه يتحدث عن نقاشات تخص عمليات سرية، “بأننا نجاذف بشكل كبير بدون خطة واضحة”
المخاوف من المستنقع
بالنسبة للسيد أوباما، السابقة الليبية تلقي بثقلها على النقاش المتعلق بالمسألة السورية. التدخل عام 2011 كان محدوداً بشكل صارم من حيث حجمه وطبيعته، وأتى على أثر المباركة القانونية من مجلس الأمن بالإضافة للمباركة والدعم الإقليمي والعالمي. وعلى الرغم من ذلك فقد امتدت الحملة الليبية لسبعة أشهر وتوسعت من مهمة حماية المدنيين إلى هندسة إقصاء العقيد القذافي. أشار السيد أوباما بشكل متكرر للتجربة الليبية كمثال على صعوبة تجنب حصول توسع لمهمة ما خارج نطاقها الأساسي في حال تجاوزت الولايات المتحدة الحد بتدخل عسكري.
خلال نقاش الرئيس ومستشاريه للحيارات في سوريا، كان اثنان من حلفاء الولايات المتحدة، قطر والسعودية، يمررون الأموال والسلاح للمتمردين بشكل مطّرد، وفي الوقت نفسه يحثون الولايات المتحدة على الانضمام إليهما.
أما في وزارة الخارجية، فقد كان هناك عدد من المسؤولين الغاضبين جداً من شعورهم بانعدام الاستراتيجية والإجراءات غير النافعة.
استغرقت الإدارة أكثر من عام لترشيح بديل لـ جيفري د. فيلتمان، الدبلوماسي المخضرم الناطق بالعربية والذي كان ينسق سياسة وزارة الخارجية في الشرق الأوسط حتى مغادرته في حزيران/يونيو 2012 لفرصة عمل في الأمم المتحدة. في ذلك الوقت خصصت وزارة الخارجية الكثير من الوقت في الإعداد لما سمته “ما بعد الأسد”، أي الإعداد لانتقال سياسي في سوريا. اعتبر عدد كبير من موظفي وزارة الخارجية المشروع عبارة دراسة أكاديمية لا طائل منها لأنها تفترض أن نظام الأسد قارب على الانهيار، وهم يعتقدون أنه افتراض بال.
بعد فوز أوباما الساحق في الإنتخابات للمرة الثانية على التوالي، بعض من أولئك المسؤولين، وغيرهم في الإدارة الأمريكية، توقعوا تغيراً في سياسة البيت الأبيض تجاه سوريا، وتوقعوا نهاية لما اعتبروه جموداً في العام الذي سبقه. تبخرت هذه التوقعات خلال اجتماع في بداية شهر كانون الأول/ديسمبر. جدد مايكل ج. موريل، الذي تسلم منصب إدارة الـ سي أي إي بعد استقالة السيد بيترايوس اثر اعترافه بعلاقة غرامية خارج إطار الزواج، نبرة سلفه في الوكالة بالبدء بتسليح المتمردين. قامت الوكالة بتعديل اقتراح كان السيد بيترايوس قد قدمه للبيت الأبيض لأخذ مخاوف الرئيس بخصوص خطة التسليح بعين الاعتبار.
عبر السيد أوباما عن شكره لجميع المداخلات وقال أنه يريد التفكير بالموضوع. أشار أحد موظفي البيت الأبيض ممن حضروا الاجتماع أنه كان واضحاً من لغة جسد السيد أوباما أنه لم يكن مقتنعاً. “حتى لو قاموا بتعديل الاقتراح إلى ما لانهاية، لم يكن ذلك ليصنع أي فرق” قال المسؤول. “إنه (الرئيس) لا يعتقد أنها فكرة جيد. نقطة انتهى.”
أتت الولاية الثانية أيضاً بفريق جديد للأمن القومي، بما في ذلك وزير الخارجية السيد كيري، الذي جاء إلى وظيفته على قناعة بأن الولايات المتحدة قد ترفع من مستوى الدعم العسكري للمتمردين السوريين في الوقت الذي تعمل فيه مع الروس بغية التوصل الى حل دبلوماسي للأزمة.
تمت ترقية دنيس ر. ماكدونو.، نائب مستشار الأمن الوطني، وأحد من أكبر المشككين في فائدة التدخل الأمريكي في سوريا، إلى منصب رئيس موظفي البيت الأبيض.
كان السيد ماكدونو قد اختلف كثيراًَ مع زملائه حول السياسة بخصوص سوريا، بمن فيهم سامانثا باور، إحدى المسؤولات في البيت الأبيض التي كانت إحدى أكثر المدافعين عن فكرة الالتزام الأخلاقي للدول بالتدخل لمنع جرائم الإبادة الجماعية.
السيدة باور وصلت إلى قناعة أن عروض الولايات المتحدة بدعم المتمردين كانت فارغة.
“دينيس، لو اجتمعت بالمتمردين بالتواتر الذي جمعني بهم، لكنت تحمست مثلي،” قالت السيدة باور للسيد ماكدونو في أحد الاجتماعات حسب إفادة اثنين من الحضور. “سامانثا، علينا أن نقبل بإختلاف وجهات النظر” أجاب السيد ماكدونو بشكل حاد.
ميلان ميزان القوى في أرض المعركة
أعاد تقرير استخباراتي أمريكي جديد في بداية 2013 الحياة للنقاشات الدائرة حول تسليح المتمردين.
خلُص التقرير الجديد إلى أنه ليس على نظام الأسد أي خطرٍ من الانهيار، وأن القوات السورية (النظامية) بدأت تقلب المعادلة لصالحها في الحرب الأهلية. بعكس ما كانت وكالات الاستخبارات تقول للإدارة لأكثر من عام. تباطأ معدل الانشقاق من الجيش السوري فيما عوضت شحنات الذخيرة الإيرانية النقص في مخزون وحدات الجيش التي كانت تتذمر في السابق من نقص الذخيرة.
على العكس تماماً من حال المتمردين الذين بدأت إمداداتهم وذخيرتهم بالنفاد.
في المحصلة، صرحت الاستخبارات الأمريكية أن المعنويات منخفضة، وأن مجموعات مرتبطة بالقاعدة مثل جبهة النصرة بدأوا بالهيمنة ضمن صفوف المتمردين.
إلى جانب مكاسب الحكومة السورية، كان هناك أدلة متنامية عن استخدام قوات الأسد للأسلحة الكيماوية ضد المدنيين.
حتى مع ازدياد أهمية النقاش حول تسليح المعارضة، نادراً ما عبر السيد أوباما خلال اجتماعات كبار المسؤولين عن وجهات نظر صارمة. إلا أن موظفين حاليين وآخرين سابقين قالوا أن لغة جسد الرئيس كانت معبرة: غالباً ما بدا قليل الصبر خلال استماعه للنقاش وقليل الاندماج به، وفي بعض الأحيان يتصفح الرسائل التي تصله على البلاك بيري، متراخيا أو ماضغا العلكة.
في محادثات خاصة مع عدد من مساعديه، وصف السيد أوباما سوريا كواحدة من المشاكل الجهنمية التي يواجها كل رئيس، حيث تكون المخاطر كبيرة وكل الخيارات سيئة.
انتشرت هذه الرؤى إلى مجموعات أخرى عبر توم دونيلتون Tom Donilon، مستشار الأمن القومي، والسيد مكدونو McDonough.
“يمكنك قراءة موقف الرئيس من خلال توم ودينيس” يقول أحد كبار موظفي البيت الأبيض.
على أية حال، فقد بدأ موقف السيد أوباما بالتغير ببطء، تغير جاء تحت ضغط مسؤولين أجانب. خلال رحلة دامت ثلاثة أيام إلى الشرق الأوسط في آذار/مارس، اجتمع السيد أوباما برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. وقد نبهه الأخير أن أسلحة نظام الأسد الكيماوية قد تسقط في يد ميليشيا حزب الله اللبنانية.
تصاعد الضغط أكثر في اليوم التالي في الأردن، حيث تناول السيد أوباما، والسيد دونيلتون والسيد كيري طعام العشاء مع الملك عبد الله الثاني في وقت متأخر. طلب ملك الأردن، البلد الذي يرزح تحت ثقل أكثر من مئة ألف لاجئ سوري، من الرئيس الأمريكي أن يلعب دوراً فعالاً لإنهاء الحرب.
حتى أن المسؤولين الأردنيين عرضوا على الـ سي أي إي استخدام البلاد كقاعدة لانطلاق هجمات الطائرات بدون طيار على سوريا – وهو عرض تكرر رفضه من قبل إدارة أوباما.
مع حلول نيسان/أبريل، صرح مسؤولون رفيعون، أن السيد دونيلون، أحد أكثر المشككين، غيّر وجهة نظره تجاه تسليح المتمردين. السيدة رايس، واحدة من المعارضين الأقوياء لوجهة النظر تلك، كانت قد غيرت موقفها، بشكل جزئي، مع حلول الخريف وذلك بسبب المعلومات الاستخباراتية المقلقة حول حالة التمرد.
السيد مكدونو، الأقرب إلى السيد أوباما، بقي مشككاً. شكك في مدى مصلحة أميركا في تخفيف العنف في سوريا.
في رحلة ليوم واحد مع مجموعة من كبار المشرعين إلى القاعدة العسكرية البحرية في خليج غوانتانامو بدايات حزيران/يونيو ناقش السيد مكدونو أن الوضع الراهن في سوريا سيبقي إيران متورطة لسنوات. وقال في نقاشات لاحقة، بحسب مسؤولين في الكونغرس، أن القتال في سوريا بين القاعدة وحزب الله قد يصب في مصلحة أميركا.
لكن النقاش انتقل من موضوع تسليح المتمردين إلى كيفية تسليح المتمردين. لكن النقاشات حول تكليف البينتاغون بإدارة المشروع – والإعتراف بالتسليح والتدريب – كانت قد حُيدت عندما تبين وجود معوقات قانونية تقف في وجه أشهار الولايات المتحدة بدعمها إسقاط حكومة دولة مستقلة.
بدل ذلك، اتخذ السيد أوباما قراراً بجعل تدريب المتمردين مشروعاً سرياً يديره الـ سي أي إي، وقام بتوفير تمويل سري يسمح للوكالة بالبدء بتدريب وتسليح مجموعات صغيرة من المتمردين في الأردن، في خطوة التفاف حول العراقيل القانونية سمحت للبيت الأبيض بإنكار تزويدها للمتمردين بالمساعدات القاتلة.
بالإضافة إلى المخاوف القانونية، كانت هناك مخاوف أخرى دفعت إلى اتخاذ قرار جعل البرنامج سرياً.
“احتجنا إلى طريقة مقبولة للإنكار في حال وصل السلاح إلى يد جبهة النصرة” ، يقول مسؤول رفيع سابق في الإدارة.
تلكؤ متعمّد
قام الرئيس بتوقيع المرسوم في نيسان/أبريل، إلا أن شهوراً مرّت دونما تحرّك يذكر من قبل برنامج وكالة الاستخبارات المركزية.
وانتظر البيت الأبيض حتى يطلب من الكونجرس المال اللازم للمهمة السرية، في دلالة جديدة على هواجس السيد أوباما المستمرة.
طوال فصل الربيع، واصلت إيران تعزيز دعمها للقوات الحكومية السورية، كما انضم مقاتلو حزب الله إلى الهجوم على قوى الثوار.
كانت الإنتفاضة على شفا الانهيار، وقد أعطى بيان موجز سري لوزارة الخارجية بتاريخ 10 حزيران/يونيو، ورد فيه ذكر القائد العسكري للثورة اللواء سليم إدريس، صورة قاتمة عن الوضع.
“إننا نسير قي اتجاه السيناريو الأسوأ لدينا: فمكاسب المتمردين تتلاشى، والمعارضة المعتدلة – بما في ذلك سليم إدريس – تتراجع، هناك مساحات كبيرة خارجة عن السيطرة، الأسد ثابت إلى أجل غير مسمى، الجوار مهدَّد، وإيران وحزب الله وميليشيات عراقية ترسّخ من نفوذها”، يُلخص البيان.
وفيما الحل السياسي في سوريا يأخذ في التهاوي، اجتمع كبار مستشاري أوباما في غرفة العمليات يوم الثاني عشر من شهر حزيران/يونيو.
مؤخراً، أعلن السيد كيري عن اتفاق تمّ مع نظيره الروسي سيرغي لافروف، يدعو لعقد مؤتمر دولي للسلام في جنيف في محاولة لوضع حد للاقتتال. بيد أن اتنكاسات الثوار أوهنت من حماسة العديد من المسؤولين الأميركيين لإجراء محادثات في الوقت الذي امتلك الأسد اليد العليا ورفضت شخصيات باروزة في المعارضة الحضور .
” بالنظر إلى تخبّط الائتلاف السوري المعارض وتدهور الوضع على الأرض ينبغي علينا التريث بخصوص جنيف”، كما ورد في صفحة تحتوي على نقاط الخطاب الرئيسية، أشارت فيه إلى ائتلاف المعارضة السورية وكانت معدّة للسيد كيري لكي يصطحبها معه إلى داخل الاجتماع.
واجهت الإدارة مشكلة أخرى. إذ لم يعد ثمة شك في أروقة وكالات الاستخبارات الأميركية أن القوات السورية قد استخدمت الأسلحة الكيميائية ضد المدنيين مراراً وتكراراً. ونظراً لتجاوز ” الخط الأحمر ” الذي رسمه الرئيس، كان على البيت الابيض التوصل إلى استصدار بيان عام يظهره بمظهر المستعد لفرض عواقب ذات أثر. لكن ما تبع ذلك كان مفاجأة على مستوى الحكومة، بدءً من وزارة الدفاع مروراً بوزارة الخارجية وانتهاءً بوكالة الاستخبارات المركزية.
في اليوم التالي للاجتماع، عقد السيد رودس مؤتمراً صحفياً أبلغ فيه الصحفيين أن السيد أوباما قد اتخذ قراراً – وهو قرار جرى اتخاذه في الحقيقة قبل شهرين وسيتم تنفيذه في سرية باعتباره عملية لا ترغب وكالة المخابرات المركزية بالكشف عمن يقف ورائها . قال السيد رودس إن الولايات المتحدة ستقدم دعماً عسكرياً إضافيا للثوار، رغم امتناعه عن الكشف عما ينطوي عليه القرار من أمر تسليحهم وتدريبهم، وأن وكالة المخابرات المركزية ستقوم بالإشراف على هذا المجهود.
لم يصدرعن السيد أوباما أي تصريح علني بشأن هذه القضية.
تبدل مفاجىء في المسار
بعدما قضت الإدارة حوالي العامين بإخبار أعضاء الكونجرس لتجنب التدخل العسكري المباشر في سوريا، اتجهت الآن لمحاولة إقناع المشرعين دفع ثمن برامج التدريب العسكري والتسليح.
بدأ الضغط، عندما عقد السيد كيري اجتماعات مغلقة مع لجان الاستخبارات في مجلس الشيوخ والنواب. وعلى الفور، انهالت الأسئلة من كل من الجمهوريين والديمقراطيين: كيف أمكنه التأكد من أن الأسلحة لم تسقط في أيدي المتطرفين الإسلاميين؟ هل تسليح المتمردين يرجح كفة الميزان في ساحة المعركة؟ ماذا كانت الإستراتيجية الشاملة؟
استغرق الأمر أسابيع للتغلب على الشك في الكابيتول هيل، ولكن لجان المخابرات وافقت في نهاية المطاف على خطة الإدارة لمنح الثوار الأسلحة الخفيفة، لكن ليست أسلحة مضادة للطائرات والتي أصر الثوار على أنهم بحاجة اليها أكثر من غيرها. ولكن الهجوم بالغاز السام في21 أغسطس على ضواحي دمشق غير تلك الخطط – فقد وُضعت سوريا فجأة، لأول مرة، على رأس جدول أعمال الرئيس.
وفي غضون ساعات، بدأ مسؤولون في الإدارة بالإشارة إلى أنهم كانوا يستعدون لتوجيه ضربة عسكرية فورية لمعاقبة الحكومة السورية، وهي فكرة رُفضت مراراً وتكراراً.ومن الصعب اقناع بعض الحلفاء فضلاً عن الشعب والكونغرس, اللذان أنهكتهما الحرب, بها. ولكن بعد رفض البريطانيين المشاركة في هذه العملية، قرر السيد أوباما فجأة أنه سيسعى للحصول على دعم الكونغرس للضربة، ما دفع بالعديد من المشرعين للشك بأن السيد أوباما لايزال غير مقتنع بأن التدخل كان فكرة جيدة.
وقال مسؤول كبير في البيت الأبيض إن أحد أسباب قرار الرئيس في الحصول على موافقة الكونغرس كان خوفه من أن المشرعين قد يُقوضون دعمهم في قضايا أخرى صعبة معلقة بالسياسة الخارجية، أبرزها إيران. في أوائل شهر يوليو، كان السيد أوباما طلب من السيدة رايس، التي عينت السيد دونيلون مستشاراً للأمن القومي، إجراء مراجعة للسياسة الأمريكية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وإلى جعل سوريا جزءً من استراتيجية ذات نطاق أوسع تشمل كلاً من إيران وعملية السلام في الشرق الأوسط.
بعد يومين من إعلانه أنه سيذهب إلى الكونغرس للحصول على موافقة على الضربة العسكرية، التقى السيد أوباما في المكتب البيضاوي مع عضوين جمهوريين في مجلس الشيوخ، جون ماكين من أريزونا وليندسي غراهام من ساوث كارولينا، وهما من أكثر المدافعين والمؤيدين للتدخل العسكري في سوريا. وافق السيد أوباما مع أعضاء مجلس الشيوخ، إلا أن الجهود الأمريكية لتسليح المتمردين كانت بطيئةً، إلا أنه قال لهم أن أول مجموعة من 50 ثائراً سورياً – تدربت على يد وكالة المخابرات المركزية في الأردن – ستعبر قريباً إلى سوريا، وفقاً لمصادر مطلعة على الاجتماع.
وكان هدف تلك المجموعات تدريب أعداد أكبر من الثوار في سوريا -توسيعاً لجهود التدريب المحدودة لوكالة الاستخبارات الأمريكية في الأردن. لكن السيد أوباما أقر بأن قيام C.I.A. بعملية التدريب بشكل سري قد أبطئ من وتيرة البرنامج. فاقترح بتوسيع البرنامج وتنفيذه علناً، في إشارة إلى قيام وزارة الدفاع بتولي المسؤولية.
حماس الرئيس لهذا النهج سرعان ما برد مرة أخرى. فبعد أسبوع من لقائه مع اثنين من أعضاء مجلس الشيوخ ، انحاز السيد أوباما إلى اقتراح من رئيس روسيا فلاديمير بوتين ، الذي يهدف إلى إجبار الحكومة السورية على التخلي عن مخزوناتها من الأسلحة الكيميائية. ويبدو أن الجهود التي اعتمدها مجلس الأمن في أواخر سبتمبر، ألقت بظلالها على مشروع التسليح.
في الوقت الذي لاتزال فيه مهمة التدريب في الأردن مستمرة، يصرح مسؤولون بأنه لا توجد خطة فورية لتوسيعه بشكل كبير تحت إشراف وزارة الدفاع. وبدا قلق البيت الأبيض من أن الضغط الشعبي قد يقوض من المبادرة الدبلوماسية لنزع الأسلحة الكيميائية في سوريا وعقد مؤتمر للسلام. وفي الوقت نفسه، قال السيد الأسد لصحيفة لبنانية في منتصف اكتوبر/ تشرين الأول أنه سعيد بتسليم الترسانة الكيميائية، والتي وصفها “بالبائدة”، من أجل “تجنيب سوريا” عدواناً من قبل الولايات المتحدة.
خلال جلسة تعيينه بمجلس الشيوخ هذا الشهر، سُأل مرشح إدارة أوباما في إدارة سياسة العمليات الخاصة في وزارة الدفاع ما إذا كان برنامج تدريب المتمردين – المستمر حالياً من قبل وكالة المخابرات المركزية – قد يغير بشكل كبير توازن القوى في سوريا.
كان المرشح مايكل د. مبكين، وهو عضو سابق في قوات البحرية Navy SEALs، صريحاً في جوابه.
حين قال: لا لن يغير شيئاً.
المصدر
نيو يورك تايمز New York Times
Obama’s Uncertain Path Amid Syria Bloodshed