كتبها ايفون ريدلي
الاثنين 2سبتمبر- ايلول 2013
تناقش ايفون ريدلي الاستجابات الدولية المنقوصة لجهة الصراع الدائر في سوريا.
أعرّف عن نفسي كناشطة سلام،و لكنّي في هذه اللحظات لست أكثر من إنسانة تصارع ضميرها، إذ في الحقيقة، لو قدّم لي أحدهم مسدساً و مرّ الرئيس السوري بشار الأسد في مرمى نيراني فأعتقدأنّي سوف أضطر لبذل جهدٍ خارقٍ كي أتجنب الضغط على الزناد!
فطبيبُ العيون السابق هذا وحشٌ لا رادع له متى ما تعلّق الأمر بقتل شعبه. وليس ذلك سراً خافياً فلقد خبرته عبر سنوات عديدة من عملي مع منظمة “سجناء الأقفاص” Cageprisoners تماماً كما كان الحال مع أمريكا وبريطانيا وحلفائهما.
في الواقع،وحتى وقتٍ قريبٍ كانت الولايات المتّحدة راضيّة جداًعن تسليمها أشخاصاً لنظام الأسد رغم معرفتها التامة بما سوف يلحق بهم في زنازين التعذيب المشينة والمخفية والمنتشرة في أرجاء سوريا. بريطانيا هي الأخرىا، كشريك جبان في الحرب على الإرهاب، كانت دائمة الاطلاع على تلك المسائل أيضاً.
أُنشأت هذه الزنازين من قبل والد بشار- حافظ الأسد-، ذاك الرجل الذي أصدر أمراً بالمجزرة التي راح ضحيتها عشرون ألفاً من المواطنين السورييّن في مدينة حماة عام 1982. كانت عمليةً وحشيّةً أشرف عليها شقيقه الأصغر اللواء رفعت الأسد؛ فالّطِباع كما يبدو متوارثة على نحو كبير جداً في عائلة الأسد.
وعلى هذا النحو، يكون حديث أوباما عن الخطوط الحمراء و محاولات ديفيد كاميرون تقمّصاً لشخصية بلير، اغفروا لي، ليس إلّا نفاقاً تزكم رائحته الأنوف و تكمّم الأفواه!
فالخط الأحمر قد تمّ تجاوزه منذ زمن بعيد، و تحديدا منذ “اختفى” ثمانية عشر تلميذًا على يد نظام الأسد في شهر شباط/فبراير 2011 إثر رسمهم بضع شعاراتٍ سلميّة على جدارٍ في مدينة درعا. خطٌ أحمرٌ آخر تم انتهاكه بعدها بثلاثة أسابيع حين عُثر على الأطفال الذين لمّا يتجاوزوا الحادية عشرعاماً من العمر وقد اقتُلعت أظافر أيديهم، فيما كان بعضهم قد أُخصي يبنما تعرّض كل واحد منهم لكسرٍ واحد على الأقل في جسده .
أُجتيز الخط الأحمر حين فاق عدد القتلى زهاء الألف مدنيّ بعد ستّة أشهر من المسيرات الشعبيّة المطالبة بإحقاق العدالة بشأن المعاملة التي لقيها أطفال الرسومات الجداريّة؛ وكانت تلك النقطة الحد الفاصل لدى السورييّن العادييّن، الذين ظلّوا، وحتى ذلك الحين، ممتنعين عن دعوات الانخراط في مفاعيل الربيع العربيّ.
خط أحمر جديد جرى تخطّيه قبل بضعة أسابيع عندما تجاوز عدد القتلى من المدنييّن المئة ألف في وقتٍ أُدرج ملايين السورييّن بين رجال ونساء وأطفال كلاجئين في مخيّمات مزريّة في البلدان المجاورة.
يواجه العالم الآن كارثةً إنسانيّةً آخذةً في الاتساع على نطاق متسارع جداً؛ كارثةٌ بالكاد يمكن مقارنتها بأية حالة شبيهة في التاريخ القريب، أكانت صنيعَ الإنسان أو دون ذلك. فأن يعتقد الغرب أنّه قادرُ على معالجة الكارثة عبر إلقائه بضعة قنابل هنا وهناك لهو في حد ذاته دلالة كاشفة أنّه لم يتم تعلم ولا حتى شيئا واحدا من حالة الفوضى الحية المتجسدة في العراق .
لكن مع ذلك، يخبِرنا الواقع أنّ أسلحةً كيميائية ألقيتْ على الشعب السوريّ و أنّه يحتاج للمساعدة من مكان ما؛ أيّ مكان . فما الذي يبنبغي على الانسان صاحب الضمير فعله أو التفكير فيه؟
إذا كانت الولايات المتّحدة و بريطانيا راغبتين حقاً في أن تؤخذا على محمل الجد فعليهما إظهار المزيد من الإنصاف، إذ ثمة دولة أخرى في المنطقة تمتلك السلاح الكيميائي وقامت باستخدامه بالفعل في أوقات سابقة؛ألا و إنها إسرائيل طبعا.
لم أع يوماً جدّي لأّمي؛ كان قد قضى بالغاز إبّان الحرب العالميّة الاولى، وقد توفي قبل الأوان في سن الخمسين حيث لم يتعافَ أبدا من هجوم بغاز الخردل كان قد تعرّض له مع رفاقه سنة 1916 عندما حاربوا سويا في خنادق تعصف بها الرياح في فرنسا.
في فيتنام في عام 1960 أسقطت قاذفات القنابل الأمريكية القبيحةB52 موجات متتالية من مواد كيميائية شتى منها ما يُعرف بالعامل البرتقالي Agent Orange و العامل الأزرق Agent Blue وكذلك النابالم والتي ما زالت آثارها ملموسة حتى يومنا هذا.
و بالرغم من إدراك عواقبها المروّعة، فقد جرى استخدام الأسلحة الكيميائيّة من قبل العراق في حربها ضد إيران خلال ثمانينيّات القرن المنصرم كما قام صدّام باستخدامها سنة 1988 حين أطلق غاز الخردل وغيره من من غازات الأعصاب على السّكان الأكراد في حلبجة شمالي العراق. حدث هذا كله على مرأى ومسمع من وكالة المخابرات المركزيّة و حكومة الولايات المتحدة .
لكن تمّ في عام 1993 التوقيع على اتفاقية الأسلحة الكيميائيّة Chemical Weapons Convention التي تحرّم جميع استخدامات تلك الأسلحة في الحروب. إلا أنّ ذلك لم يردع إسرائيل عن استخدام قذائف الفوسفور الأبيض ضد جنوب لبنان في عام 2006 وعلى السكان المدنيين في قطاع غزة يوم الثالث من يناير لسنة 2009 . الفوسفور الأبيض عبارة عن قاتل أهوج، فالغاز المنبعث من الانفجار يحرق اللحم المكشوف و الرئتين للضحايا، كيفما اتفق اتجاه هبوب الريح. في الأصل يفترض أن استخدام الفوسفور الأبيض هو لتوفير ستار دخاني للقوات البرّية؛ لكنه حينما يستخدم ضد المدنيين، كما فعلت إسرائيل، لا يقتصر أن يكون فتّاكاً للغاية فقط بل لاقانوني إلى أبعد الحدود أيضا.
لذا فإنه عندما يتحدث أوباما عن الخطوط الحمراء التي اجتيزت، يكون محقاً؛ لقد انتُهكت تلك الخطوط مراتٍ و مراتٍ في السنوات الأخيرة سواءً من قبل أصدقاء الغرب أو خصومه على حد سواء، بيد أنّ الخطوط الحمراء تفقد معناها إن هي لم تستدعِ استجابة موحّدة ذات مغزى من قبل المجتمع الدولي .
و في الوقت الذي ابتهج أوصياء حزب العمل في البرلمان واحتفوا بالشاب إد ميليباند Ed Miliband بعد نجاحه في إسقاط تصويت الحكومة البريطانية بشأن القضية السوريّة، استعمل جيش الأسد قنابل النابالم على إحدى المدارس على الرغم من كل العواقب التي يمكن للمرء توقعها جراء هذا الأمر الشرير. خذ مثلا الرقص على قبور الأطفال الرضّع!
ما هو الحل؟ يجب ممارسة ضغوطات دبلوماسيّة مكثّفة، ليس في الغرب وانما في العالم العربي، مترافقة مع ليّ حقيقي للذراع كوسيلة ضغط. فهو مثل العالم العربي الذي يخرّ على ركبتيه كلما طالبت واشنطن بامتياز لصالح إسرائيل والتي يجب أن تبقى بعيدة عن هذا تماما. ليست الدولة الصهيونية محور كل اهتمام ولا ينبغي لها أن تكون.
في غضون ذلك، على المملكة العربيّة السعوديّة والأردن و الممالك الأخرى في المنطقة أن يدركوا أنّ الديموقراطية ليست بؤرة الشيطان. الصين و روسيا بحاجة للبدء في إظهار قليل من التعاطف و ربما حان الوقت لإعادة النظر في مبادرة معاذ الخطيب ذات ال 16 نقطة من الائتلاف الوطنيّ السوريّ بغيّة المساهمة في ضمان انتقال سلميّ للسلطة ووضع حدّ لأعمال العنف في سوريا .
لم يعد الأمر يتعلّق بالكبرياء الرئاسيّ أو السياسيّ، ولا الخطوط الحمراء، أو الصداقات الخاصة والتحالفات غير المستقرة، ولا الثورة ولا الديموقراطية،و لا الدكتاتورّيات ولا حفظ ماء الوجه، إنما يتعلّق بإنقاذ الأرواح وحسب. وهذا شيء يبدو أنّ معظم الناس قد نسوه.
* الصحفية ايفون ريدلي هو داعم لمجموعة حملة سجناء الأقفاص CagePrisoners.
المصدر
Forget the red lines and political egos – focus on saving lives