كامران أشرف Cameran Ashraf
17 نيسان/أبريل 2013
الأصوات العالمية أونلاين Global Voices Online
بدأت الحركة الخضراء الإيرانية في عام 2009 عندما اتّهَمَت مجموعاتٌ مدنيةٌ مسؤوليين حكوميين بالتلاعب في نتائج الانتخابات الوطنية. تجمهر المواطنون والنشطاء في الشوارع للاحتجاج معتمدين على شبكات التواصل الاجتماعية مثل تويتر لنشر رسائلهم وتنسيق نشاطهم. وعندما عمدت الحكومة إلى التحكم في التقارير الإعلامية عما يجري داخل إيران, استخدم النشطاء أدواتٍ للالتفاف على المواقع المحجوبة ولمشاركة موادهم ونشرها إلى كل العالم, وتم هذا في أكثر الأحيان بمساعدة مؤيديهم في بقاع الأرض المختلفة.
كان هذا أول حراك واسع استُخدِم فيه الإعلام الجديد كمنصة للتنسيق وللتواصل بين النشطاء حيث لعب دوراً أساسياً في تعريف العالم بالأحداث الجارية على الأرض. الرواية التالية من كامران أشرف, مواطن إيراني-أميركي يعيش في الولايات المتحدة, ساعد على تأمين التواصل والتبادل المعلوماتي للنشطاء والمتظاهرين خلال تلك الفترة.
ظلت مدونتي صامتة لمدة طويلة. وتكمن الأسباب في هذه المقالة التي سأباشر بكتابتها.
من 2009 إلى 2011 لعبت دوراً محورياً في المجال الالكتروني للحراك الأخضر الإيراني. قدَّم لي هذا العمل فرصاً عديدةً, منها المشاركة بتأسيس أكسس ناو AccessNow, وجلب أنظار الإعلام (ومنها الحكومة الإيرانية), بالإضافة إلى تشكيل روابط متينة مع أشخاص ذوي فكر مشابه لفكري. ما ساعدني على صياغة اهتماماتي وتصور رغبتي لعمل الخير في هذا العالم, ولمعرفة من أنا وكيف أنظر للعالم. ولكن نشاطي هذا كان له آثار مدمرة نفيساً, آثارٌ لا زلت أحاول التأقلم معها.
هنالك عدة أنواع من النشطاء الرقميين. بعضهم يركّز على تويتر أوعلى نشر المعلومات. وغيرهم يعبء الدعم عن طريق الفايسبوك. ومنهم من يصنع لوحات الحائط, والأفلام الحماسية أو يوظفون مواهبهم الأخرى. ومنهم -وأصنّف نفسي من ضمن هذه الفئة- يوفّر بشكل مباشر الدعم التقني للحركات وللنشطاء في داخل البلد. أمّن فريقنا استضافة آمنة للعشرات من المواقع الرئيسية, ودعم نشطاء ومراسلين أساسيين داخل إيران, بالإضافة إلى أنني, ضمن نشاطات أخرى, يَسَّرتُ عملية تنزيل أكثر من ثلاث ملايين فيلما من داخل إيران. كنت تحت أهبّة الاستعداد لتلبية أي طلب على مدار 24 ساعة من 2009 إلى 2011 وأذكر أنّي نادراً ما استطعت أن أحظى بأكثر من أربع ساعات نوم باليوم.
إذ تبدو هذه السطور محاولة مني للتباهي والتضخيم الذاتي, فأنا لا أحاول هذا – هذا جزء من عملية العلاج والتصالح الذاتي مع شعوري بعدم فعل ما هو كافٍ, وعدم تقديم المساعدة الكافية, وأنّي لم أكن مجدياً بما يكفي. وهنالك أمر في الانهماك في عمل ما تفصلك عنه مسافات بعيدة يجعلك تضع مشاعرك جانباً إلى حد أن جسمك يصبح يعيش بتوقيت بلد آخر والشيء الوحيد الذي يحثك على العمل هو اللذة والنقاء الّتان تجدهما في المساعدة.
بينما يكثر تناول موضوع النشاط الرقمي (digital activism) والقدرة التي منحنا إياها الانترنت للمساعدة, إلا أن تأثيره على هؤلاء الذين يقدمون المساعدة لا يكاد يذكر. و نتيجة للشعور بالقرب الذي يوفره العالم الافتراضي لهؤلاء النشطاء قد يشعرون بشكل دائم بأن ما يقومن به لا يكفي وأنه لايفي بالغرض. وأنت تقوم بمافي وسعك على حساب صحتك – و الأشخاص الذين تدعمهم أو تكون مسؤولاً عن أمنِهم الرقمي موجودون هناك ويواجهون كل المخاطر التي لا تواجهها أنت من على بعد. و أنت تعي مدى خطورة الأمر وكم هو مضحك بنفس الوقت, فحتى الأشياء اليومية المزعجة كالتواجد في زحام السيارات تصبح حوادث غير عادية وفرصة للتأمل في “ما هو مهم” في العالم. التركيز المتواصل على “ما هو مهم” يعني أنك تهمل ما هو “مهم” بالفعل – صحتك النفسية, وعلاقاتك مع أسرتك وأصدقائك, وقضاء أوقات مرحة للاسترخاء. ومتعة حديث عادي, وحتى الأشياء التي قد تبدو سخيفة أومضحكة في الحياة العادية, كالشمس, والنجوم, والعناقات, كلها تتلاشى عندما تبدأ تعيش أزمة وواقع أناس يبعدون عنك آلآف الأميال. وتحصر ما يقلقك داخلك ثم تجسده خارجك على هيئة غضب, وانزعاج وانفعالات عنيفة – والتي حدثت معي جميعها.
المهم هو “القضية” ذاك الحراك الذي سيجعل العالم صالحاً, والذي سيصحّح الظلم المرعب الذي كنا نعيشه بشكل يومي. وستنتصر للأصدقاء الذين اعتُقلوا, وعُذّبوا, أوقًتلوا. إنك تحيا, وتتنفس, وتأكل, وتلمس وتحس بكل شيء له علاقة بالقضية. وتقضي اللحظات القليلة التي تكون بعيداً فيها عن حاسوبك و أنت تتكلم وترسل رسائلاً من الهاتف أو تحضر اجتماعاتٍ وفعالياتٍ بشكل شخصي. كان جسدي في لوس أنجلوس ولكن عقلي في إيران.
أعتقد أن تواصلك الوثيق مع شيٍءٍ أنت بعيد عنه سيسبب لك قلقاً نفسياً شديداً عاجلاً أم آجلاً وستتضح لك الأمور وسيدرك عقلك أنه يرى ويقراً شيئاً ويعيش شيئاً آخر. عند تلك اللحظة, يحدث الأمر, “تصبح في الظلام”. وتختفي. لم أخبر أحداً. توقّفت عن الإجابة على الرسائل الالكترونية, والرسائل والمكالمات الهاتفية. كان انهيار كامل بالنسبة لي و لازلت أسترد عافيتي منه. إلى هذا اليوم أضع هاتفي المحمول بحيث تكون شاشته إلى الأسفل وأطفيء صوته على الدوام لأنه يذكرني بالصدمات والأخبار السيئة.
التزمت الصمت لمدة عام , وكنت أزور معالجاً نفسياً ولكنّي أحبس كل شيءٍ في داخلي. والأشخاص القليلون الذين أفضيت إليهم حاولوا التفهم قدر المستطاع, كالطريقة التي تتعاطف فيها مع شخص فقد حبيباً بينما ما يزال هو حياً. رغم أنني لم أدرك الأمر حينها, قال(ت) لي صديق(ة) قريب(ة) وناشط(ة) مهم(ة) أربع كلمات حُفرت ببطء في داخلي: لقد فعلت ما بوسعك.
وهكذا كان الأمر. لقد فعلت ما بوسعك. كررت تلك الكلمات – لقد فعلت ما بوسعك- مراراً وتكراراً, ليلاً ونهاراً. كان الحراك الأخضر الخاص بي – حراك دافعت فيه عن نفسي. صحيح أني فعلت ما بوسعي لكن ذلك لم يجفف عطشي. لم يشفني ذلك أو ينهي الأمر بالنسبة لي. كل ما أدى إليه تكرار تلك الجملة هو فتح نافذة رأيت من خلالها وأدركت أنني فعلت ما أستطيع فعله من مكاني هذا. لقد قمت بدوري. وبهذا أجبت عن السؤال الذي سألته لنفسي في حزيران 2009: ماذا ستقول إذا سألك أولادك ماذا فعلت عندما نزل الإيرانيون إلى الشوارع وتظاهروا فيها؟ الآن أستطيع الإجابة: لقد أديّت واجبي, وكأنّي لم أكن أعرف هذه الإجابة على مر الوقت. فبإمكاني أن أستمر في العمل بالنشاط الرقمي ولكن بطرق تخدم القضايا التي أدعم بالإضافة إلى حياتي الشخصية.
سيواجه كل ناشطٍ رقميّ يعمل مع نشطاءٍِِ على الأرض داخل البلاد هذه الضغوطات بأشكالٍ مختلفةٍ. وستؤثر الصدمات الناتجة عن الأزمات في بلادٍ بعيدةٍ على نفسيته بطرقٍ فريدةٍ وسيكون لها مضاعفاتٍ فريدةٍ. وهذا جانب مختلف ولكنه بطوليّ من النشاط الرقميّ, بعيد كل البعد عن مثاليات الخصوصية, والأمن, والديموقراطية وحقوق الإنسان. إنها بطولةٌ شخصيّةٌ قليلون هم من يرونها وشخصٌ واحدٌ يشعر بها.
لقد قمت بمشاركة قصتي بإيجاز كوسيلة لفتح الحوار الحقيقي عن الصحّة النفسيّة والنشاط الرقمي – أمرٌ تمنيت لو قمت به مدة والذي أعتقد أنه يجب أن يكون جزءاً من عدّةِ وتدريبِ أيّ ناشط. وفي النهاية كل ناشطٍ رقميّ سيكون له قصتّه الخاصّة, واعترافاته الخاصة التي ستسمح له بالمضي قدماً في طريقٍ يشعره بالكمال والاستواء على الصعيد الشخصيّ. وهذه هي بداية طريقي.
المصدر