31 تشرين الأول / أكتوبر، 2012
شاين لينغاس Sean Lyngaas
هناك حرب بالوكالة تجري في سوريا، وهي تقاس بمقياس الميغا بايت بدلاً من الأسلحة. من جهة، فإن إيران تمد نظام بشار الأسد بالأدوات الدكتاتورية الرقمية وذلك لتحجيم وإغراء المعارضة السورية. ومن جهة أخرى، فإن الولايات المتحدة تحاول مساعدة المعارضة لحماية نفسها من مثل هذه الهجمات وإعداد قنوات بديلة للاتصال. إن نتائج هذه الحرب بالوكالة تؤثر على حياة العديد من السوريين وعلى مصداقية جهود وزارة الخارجية الأميركية لتعزيز الحرية الرقمية دولياً.
اهتم النظام السوري، ولوقت طويل، بتطوير وسائل القمع والسيطرة على الإنترنت. دلشاد عثمان، وهو عضو في المعارضة السورية وخبير الإنترنت، يقول إنه في السنوات الأخيرة للنظام بعث البيروقراطيين إلى الخارج للتدريب التقني في أماكن مثل دبي. لكن ظلت جهود الأسد في الرقابة خرقاء وغير فعالة حتى في أوقات الانتفاضة ضده التي بدأت في العام الماضي. ثم قام بإعادة فتح وسائل الإعلام الإجتماعية للجمهور من أجل زيادة رصد وسحق المعارضة، وكان واثقاً بتقنيات المراقبة المستخدمة من وزارة الاستخبارات الإيرانية والأمن. والآن نشهد أن الحملة الفاشلة على الإنترنت التي قامت بها إيران ضد حركته الخضراء في عام 2009، طُبقت ذاتها من قبل الأسد في سوريا. هذا وقد شكّل القراصنة الموالين للنظام غرفاً للدردشة، حالهم حال المنشقين عن النظام، وذلك لجذب وتحديد موقع المعارضة قبل أن يتم إرسال مسلحين لقتلهم.
على عكس التقارير الأخيرة التي تفيد بأن النظام السوري يمكن له أن يقطع الإنترنت تماماً عن البلاد، فإن الأسد يعتبر الإنترنت أداة حيوية لكسب الحرب الأهلية. قال لي عثمان إنها حرب إلكترونية. هذا هو الوقت المناسب بالنسبة للولايات المتحدة لتظهر أن دعمها للحرية الرقمية يمكن أن تنقذ الأرواح. فإذا كانت تكنولوجيا الاتصالات هي الطريقة التي اختارتها الولايات المتحدة للتدخل في الصراع السوري، فلماذا لا تطلق العنان لقدرات التكنولوجيا الأمريكية الكاملة؟
الحجة القائمة ضد تسليح الثوار هو إمكانية وقوع الأسلحة في أيدي الجهاديين. لكن هل معدات الاتصالات خطيرة بالقدر نفسه؟ على العكس تماماً فإن الاتصالات الأكثر تنسيقاً والأكثر أماناً بين ضباط القيادة في الجيش السوري الحر، والجهاديين الذين شاركوهم قضيتهم، قد تساعد في كسب الأخير في سوريا ما بعد الأسد.
في الوقت الحالي، يوجد منهجان منفصلان في الولايات المتحدة، الاثنان لا يحققان هدف واشنطن بتأمين الاتصالات ونشرها بين المعارضة السورية. الأول هو العقوبات الأمريكية على سوريا التي تجعل من الصعب على معارضي النظام الحصول على الحيوية المضادة لتتبع البرمجيات. مع وجود عدد قليل من الأدوات لتفادي الرقابة الحكومية، هؤلاء النشطاء السوريين هم الأكثر عرضة لفرقة الموت الأسدية. والثاني هو التوزيع الذي قامت به وزارة الخارجية لهواتف الأقمار الصناعية، وأجهزة المودم، وغيرها من المعدات للمعارضة السورية من خلال برنامج التدريب ومقره في اسطنبول. تفيد التقارير بأن هذه المعدات التي وصلت في بعض الأحيان إلى الخطوط الأمامية أعطت نذير سوء للثوار، وكذا على مستقبل النفوذ الأميركي في سوريا.
جعلت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون من حرية التواصل – سواء عبر الإنترنت، أو عن طريق الهاتف، أو في ساحة عامة – هدفاً مركزياً من فن الحكم الأمريكي على مدى السنوات الأربع الماضية. وقد سارعت وزارة الخارجية بتمويل المشاريع التي تعزز حرية الإنترنت، مع تخصيص 30 مليون دولار العام الماضي على التحايل على الرقابة.
ولكن مقابل كل دولارتنفقه الولايات المتحدة على حرية الإنترنت، كانت دول مثل إيران والصين تنفق أكثر بكثير من التدابير المضادة لهذه الحرية. أنفقت إيران حوالي 1 مليار دولار على إصدار داخلي للإنترنت حيث يقول المحللين إنه على وشك الاكتمال. وذكرت صحيفة واشنطن بوست The Washington Post هذا الأسبوع أن هناك نقصاً في تمويل وزارة الخارجية لبرنامج حرية الإنترنت. مع التخفيضات في الميزانية التي تخيم على العديد من برامج المساعدات الخارجية الأمريكية بسبب الأزمة المالية، فإن الفجوة التمويلية بين طهران وواشنطن حول هذا الموضوع يأخذ بالاتساع على نحو مخجل.
هذا وقد دعا الزعيم الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي المستثمرين في الرقابة على الإنترنت في بلاده إلى “الحرب الناعمة” ضد الولايات المتحدة ويرى اعتبار انتشار هذه الاستراتيجية لحماية المصالح الإقليمية.
“لا يوجد مكان في المنطقة لديه (رقابة) أشد من إيران، وهو ما يجعل من مساعدة سوريا أمراً خطيراً جداً”، هذا ما قاله لي جيليان سي يورك Jillian C. York في رسالة إلكترونية، وهو خبير في الرقابة على الإنترنت في مؤسسة الحدود الإلكترونية EFF. يمكن أن تستفيد المعارضة السورية كثيراً من المساعدة التقنية للتحايل على الرقابة الحكومية. لكن العقوبات الأمريكية على سوريا جعل من بيع الشركات التكنولوجية الأمريكية برامج للمعارضة السورية غير قانوني. الإعفاءات القليلة الموجودة لم تكن فعالة في جعل هذا البرنامج متاحاً أكثر للمستخدمين السوريين.
أما بالنسبة لما يقدر بـ 10 مليون دولار كلفة معدات الاتصالات التي خصصتها وزارة الخارجية لـ”مكتب دعم المعارضة السورية”، فإنها تفاصيل من الصعب الحصول عليها. وقد رفض مسؤولو وزارة الخارجية التعليق على هذه المقالة، ومن خلال مقابلة خبراء الاتصالات تبين أن هذه المساعدات قائمة في إطار من السرية. “لقد كانت غير شفافة تماماً”، كما قال جيليان يورك في EFF. “مع أنني أفهم الحاجة إلى بعض من السرية، إلا أنه ينبغي على وزارة الخارجية أن تجعل هذه المعلومات متاحة لفئات معينة، حيث أنه ليس لدينا أية فكرة عن كونهم يتبعون الإجراءات الأمنية المهمة”.
وفقا لتقارير من صحيفتي واشنطن بوست The Washington Postوالتلغراف The Telegraph، فإن مساعدات الاتصالات تأتي على شكل هواتف تعمل بالأقمار الصناعية وأجهزة المحمول، وغيرها من المعدات التي يتم توزيعها من مكتب في اسطنبول حيث يتم فحص السوريين بشكل كبير. وزارة الخارجية تقول إنه تم توزيع 900 هاتف يعمل بالأقمار الصناعية، وقد تم تدريب 1000 ناشط على استخدام المعدات.
ولكن المسافة الهائلة بين اسطنبول والحدود السورية يعني استحالة وصول هذه المعدات وهذا التدريب لكثير من نشطاء المعارضة والمتمردين الموجودين في سوريا. وعما إذا كانت أو لم تكن تلك المعدات قد وصلت إلى المتمردين، فإن هذا لا يمس مسألة المصداقية الأميركية في تصورها للصراع. أما عن انطباعات المتمردين حول من كان هناك من أجلهم عندما كانوا تحت الحصار فهذا سيكون من الصعب تغييره. سوف يترك ذلك ذكريات مريرة ويقلل النفوذ الأميركي في سوريا المستقبل.
المصدر
The Atlantic