نشر في: 23 آب / أغسطس 2012
لندن (رويترز) – تظهر وثائق اطلعت عليها رويترز Reuters، بأن الحكومة السورية تتفاوض على صفقات مع شركات في لندن وسنغافورة والشرق الأوسط لبيع النفط الخام في مقابل الوقود، الذي تحتاجه للصمود في مواجهة تمرد دموي متزايد.
فسوريا تفتقر إلى الديزل اللازم لجيشها والوقود اللازم لتشغيل اقتصادها لأن عقوبات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي قطعت عنها مورِديها المعتادين. وإذ تؤتي العقوبات أكلها، تزداد أهمية إيرادات مبيعات النفط الخام بشكل متزايد.
وعلى الرغم من الدعم السياسي من الصين وروسيا، الذي حال دون تطبيق الأمم المتحدة لعقوبات على سوريا، وعارض التدخل العسكري لإنهاء النزاع، فإن الوقود و الموارد النقدية لدى الرئيس بشار الأسد قد جفت تقريباً.
حيث صرح وزير الخارجية الفرنسي، لوران فابيوس Laurent Fabius هذا الأسبوع قائلاً : “إن الحرب تكلف الأسد حوالي 1 مليار يورو شهرياً، في حين أن الموارد المتوفرة لديه آخذة في الاضمحلال. ونقدر أنه دون دعم روسيا والصين، لن يتبقى له سوى أشهر معدودة”.
في حين، صرح نائب رئيس الوزراء السوري للشؤون الاقتصادية جمال القادري هذا الأسبوع، أن إمدادات الوقود والديزل قطعت على نحو كبير عن سوريا، لأن الشحنات المتفرقة من إيران، حليفها الإقليمي الرئيسي، لا تلبي سوى جزء بسيط من احتياجاتها، والصفقات الجديدة مع روسيا لم تتبلور بعد.
وتظهر الوثائق التجارية والمراسلات وسجلات الشحن وغيرها من الأوراق التي اطلعت عليها رويترز Reuters، كيف أن الحكومة السورية تبحث عن صفقات للوقود، وكيف أنها تبرمها في بعض الأحيان، وإن لم تكن ضخمة إلا أنها ضرورية لبقاء الحكومة.
ويشمل الشركاء التجاريون الجدد لسوريا شركات تتخذ من بريطانيا ومصر ولبنان مقراً لها، في حين أن جميعها دول تنتقد حملة الأسد لقمع المعارضة.
ففي إحدى الحالات، تظهر الوثائق أن وسيطاً لبنانياً، يعمل بالنيابة عن الحكومة السورية، وقع عقوداً في يوليو/تموز وأغسطس/آب مع شركة مصرية لتبادل النفط الخام والمنتجات النفطية المكررة، وقد نجح بالفعل في تسليم بعض الشحنات.
وفي حين أنه ليس من غير القانوني بالنسبة للشركات في الشرق الأوسط وآسيا التعامل مع السلطات السورية، إلا أن كثيراً منها يرفض القيام بذلك خوفاً من ارتباطهم بحكومة قتلت قواتها آلاف المدنيين.
حيث يقول صمويل سيزوك Samuel Ciszuk، المحلل لدى كي بي سي لاستشارات اقتصاديات الطاقةKBC Energy Economics Consultancy: “توجد عتبة أخلاقية يجب تخطيها بالنسبة لبعض أكبر الجهات الفاعلة (في حين) … أن القتل مستمر. وهذا في الواقع، عامل مهم لشركات النفط العملاقة والعديد من الشركات المتوسطة”.
وقد توقفت واردات المنتجات النفطية لسوريا تماماً بعد أن وضع الاتحاد الأوروبين في مارس/آذار، مؤسسة توزيع الوقود الوطنية على القائمة السوداء، قاطعاً عن سوريا مورديها الأوروبيين المعتادين، ومنهم نافتومار من اليونان Greece’s Naftomar ومجموعة غالاكسي من موناكو Monaco’s Galaxy Group.
فيما يقول النقاد باحتمالية أن يكون الموردون الخارجيون يعينون الأسد على التمسك بالسلطة، عبر تزويدهم المنازل والأسر باحتياجات الوقود الأساسية، وبذلك يمنعون أزمة إنسانية على نطاق أوسع.
ويضيف أيهم كامل، وهو محلل للشرق الأوسط في مجموعة يوراسيا Eurasia Group: “إن الأسد سيستفيد إذا تمت تلبية احتياجات سوريا من الطاقة إلى حد ما، فذلك يجعله أكثر قابلية بقليل على الاستمرار على المدى القصير”.
العلاقة مع لندن
يمتد عطش سوريا إلى الديزل أبعد من احتياجات دبابات جيشها. فقد وصلت الصناعة والزراعة تقريباً إلى طريق مسدود بسبب عدم وجود الوقود لتشغيل الآليات.
وتظهر إحدى الوثائق، أن شركة نفط مقرها في لندن – أورورا فاينانس المحدودة Aurora Finans Limited – قد استأجرت ناقلة، من شركة مار لينك للخدمات البحرية للطاقةMar-Link Offshore Services (MLOS)، في يوليو/تموز لشحن 200,000 طن متري (220,462 طن) من وقود الديزل إلى حكومة سوريا.
حيث كان سيتم توفير وقود الديزل من شركة النفط الحكومية الماليزية بتروناس Petronas، التي امتنعت عن التعليق على الصفقة.
وأكدت شركة مار لينك للخدمات البحرية MLOS، التي لديها مكتب في سنغافورة، أنها دخلت في اتفاق لتأجير السفينة لأورورا فاينانس في منتصف يوليو/تموز، لكنها نفت أن الوقود كان سيتم تسليمه إلى سوريا.
حيث صرح مدير الشركة مايكل ليبرن Michael Liburn في رسالة بالبريد الالكتروني: “إن الاتفاق على عقد استئجار السفينة وشراء الوقود كان قد تم مبدئياً الاتفاق عليه لتسليم الشحنة إلى تايلاند”.
كما أضاف ليبرن، أن السفينة غير مخولة للتجارة خارج آسيا، وأن أورورا كانت قد ألغت العقد في أواخر يوليو/تموز عندما رفضت شركته تغيير ميناء التسليم إلى سوريا.
وعبر السكايب Skype، في الأسبوع الماضي، قال ليبرن: “لا مانع لدينا من بتوفير الوقود لسوريا ما دام ميناء التسليم آمناً وليس هناك أي قيود دولية”.
وقد تأسست أورورا فاينانس المحدودة Aurora Finans Limited في عام 2008 من قبل دار الشركات Companies House – الجهة الرسمية البريطانية لتسجيل الشركات – وحساباتها (أي أورورا) محدّثة حتى تاريخه.
ويقيم جميع الأفراد المرتبطين بالشركة في قبرص، كما يشغلون مناصب مماثلة في شركات أخرى مسجلة في ذات العنوان.
في حين بقيت طلبات التحدث إلى وكلاء أورورا في ماليزيا والهند، التي قالت MLOS أنهم نظراؤها في الصفقة، دون إجابة.
الوسيط اللبناني
كانت خطط استيراد الغاز المسال LPG، وهو وقود يستخدم بشكل واسع في المنازل والشركات السورية، لأغراض الطهي والتدفئة، أكثر نجاحاً.
فقد تم تسليم ثلاثة شحنات على الأقل، قيمة كل منها قرابة 10 ملايين دولار، إلى سوريا في الأسابيع الأخيرة الماضية، حيث وصلت آخر شحنة إلى ميناء بانياس يوم الاثنين.
وقد توسطت في هذه الشحنات، شركة نفط لبنانية تدعى عبر البحار للتجارة البترولية Overseas Petroleum Trading (OPT) نيابة عن وزارة النفط السورية، وفقاً لوثائق ومراسلات تجارية اطلعت عليها رويترز.
استخدمت شركة OPT بدورها وسيطاً مصرياً من القطاع الخاص، هو شركة المحيط الثلاثي للطاقة Tri-Ocean Energy، لتحديد مصدر المنتجات المطلوبة والعثور على ناقلات نفط مستعدة للذهاب إلى سوريا.
حيث توضح الوثائق أن شركة المحيط الثلاثي للطاقة، وقعت صفقات مع OPT لمساعدتها على شراء وبيع النفط الخام والمنتجات النفطية المكررة.
وقد نفت شركة المحيط الثلاثي للطاقة أنها تربطها اتفاقيات مع OPT لتجارة النفط الخام، لكنها أكدت أنها وافقت على تزويد الأخيرة بشحنتين من الغاز الطبيعي المسال.
حيث صرح علي طلبة، مدير التجارة في شركة المحيط الثلاثي للطاقة قائلاً: “ليس لدينا أية معلومات أن وجهة هذه الشحنة هي بانياس أو سوريا”، مضيفاً أن الاتفاق تم على التسليم إلى الموانئ اللبنانية.
وقد قدمت شركة المحيط الثلاثي للطاقة تفاصيل الاتصال لرجل ادعوا أنه يعمل في شركة عبر البحار للتجارة البترولية OPT، الذي كان صلة الوصل لهذه الصفقة. ولكن عند اتصال رويترز به، لم يؤكد أية علاقة مع OPT ولم يجب عن أي أسئلة حول الصفقة، طالباً من رويترز التحدث معه لاحقاً.
ومن رسالتين بالبريد الإلكتروني، مرسلتين إلى عنوانين مختلفين تم الحصول عليهما لشركة OPT، إحداهما لم تتلق أي رد، بينما تلقت الثانية الرد التالي: “لا أفهم عما تتحدثون، لذا لا أستطيع مساعدتكم ولا أستطيع الرد بعد الآن“.
فالشركات المصرية واللبنانية لا تخضع لعقوبات الاتحاد الأوروبي أو الولايات المتحدة، لذلك فهم أحرار في إبرام اتفاقيات مع سوريا.
الصفقة والموردون
وفقاً لوثائق اطلعت عليها رويترز، فإن الشحنات الثلاث من الغاز المسال تم توريدها وتسليمها بواسطة شركة شحن النفط المسماة “الشركة البحرية العربية لنقل البترول Arab Maritime Petroleum Transport Company (AMPTC)”.
فالشحنة الأولى، البالغة حوالي 10،000 طن متري من منتجات الغاز المسال، تم تحميلها من مخزن في المياه الدولية في البحر المتوسط وتسليمها إلى بانياس في منتصف يوليو/تموز.
وقد نفى مسؤول في الشركة البحرية العربية لنقل البترول AMPTC، الذي طلب عدم نشر اسمه لأنه غير مخول بالحديث إلى الصحافة، أن الشركة كانت تعرف أن الشحنة متوجهة إلى سوريا، وأضاف أن الشحنة قد تم بيعها لشركة المحيط الثلاثي للطاقة Tri-ocean Energy، التي أكدت بدورها لهم أن الحمولة لم تكن متوجهة إلى سوريا وإنما إلى وسيط لبناني.
كما أضاف المسؤول ذاته قائلاً: “لقد قمنا بالتأكيد على ألا تؤول الشحنة لجهة سورية، وهذا ما أكدوه لنا. فنحن لا نعرف إذا كان (إرسال شحنات إلى سوريا) مسموح به أم لا، ولكننا (فعلنا ذلك) لكي ننأى بنفسنا عن هذه المشكلة“.
هذا وقد بيعت الشحنة مقابل حوالي 10.7 مليون دولار، وذلك بزيادة مقدارها 55% عن الأسعار الإقليمية السائدة.
وفيما يتعلق بالشحنات التالية، فقد وصلت على متن ناقلات تديرها الشركة البحرية العربية لنقل البترول AMPTC، التي مقرها الكويت، ولديها مكتب في القاهرة، في حين أن أكبر مساهم فيها هي المملكة العربية السعودية.
ويتألف أسطولها في معظمه من ناقلات تستأجرها من شركة شحن يونانية تدعى بينيلوكس Benelux.
فوفقاً لشروط الاستئجار، يمكن أن تخضع سفن بينيلوكس لقوانين الاتحاد الأوروبي وبالتالي العقوبات التي يفرضها.
حيث صرح تيري أوريغان Terry O’Regan، رئيس فريق لندن للتجارة الدولية The London International Trade Team في أفرشدز Eversheds، وهي شركة محاماة، قائلاً: “بموجب الاستئجار العادي على أساس استئجار الناقلة (من دون طاقم أو مؤن)، ليس للمالكين سيطرة عليها، حيث يدفع المستأجرون شهريا للسفينة فارغة.”
في حين، رفضت بينيلوكس التعليق لأن شروط اتفاقها مع الشركة البحرية العربية لنقل البترول AMPTC كانت سرية. حيث صرح مدير في الشركة أن بينيلوكس لم تخرق العقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبي، وليس لدى وكالة رويترز أي دليل على أنها كانت تتصرف على نحو خاطئ.
فيما رفض متحدث باسم الاتحاد الأوروبي التعليق بالتفصيل، لكنه قال أن إنفاذ العقوبات يرجع إلى “السلطة المختصة” في كل دولة عضو في الاتحاد – وفي هذه الخالة بالذات، هي الحكومة اليونانية. في حين صرح مسؤول حكومي يوناني أنه لم يكن على بينة من القضية ورفض التعليق أكثر من ذلك.
وتكشف الوثائق عن مدى الجهود التي تبذلها الحكومة السورية للتغلب على عزلتها المتزايدة، بعد أن أصبحت معتمدة أكثر من أي وقت مضى على إمدادات الوقود الأجنبية بسبب استهداف بنيتها التحتية للطاقة من قبل هجمات المتمردين.
حيث مضت عدة شهور على وصول آخر شحنة وقود من روسيا، بينما أرسلت فنزويلا حمولتها الأخيرة من الديزل في مايو/أيار، وفيما لم تورد إيران سوى شحنتين هذا العام.
إن سوريا ليست منتجاً رئيسياً للنفط، لكن إنتاجها البالغ نحو 200,000 برميل من النفط يومياً – وفقاً لمسؤول سوري في وقت سابق من هذا الشهر – يمكن أن يولد ملايين الدولارات، حتى عند تطبيق خصم كبير على أسعار السوق الحالية، المقدرة بحوالي 116 دولار للبرميل.
وقد توقفت صادرات النفط السوري ومنتجاته إلى حد كبير بسبب العقوبات الدولية المفروضة عليها في سبتمبر/أيلول 2011. وحتى الشركات المستعدة للقيام بأعمال تجارية في سوريا، فهي تواجه صعوبات في معالجة الدفعات لأن المصرف المركزي السوري قد تم وضعه على القائمة السوداء أيضاً.
(شارك في التغطية إدموند بلير Edmund Blair، سيباستيان موفيت Sebastian Moffet، شيماء فايد، وهاري باباكريستون Harry Papachristou. تحرير: ديمتري زدانيكوف Dmitry Zhdannikov، جانيت ماكبرايد Janet McBride وجايلز إيلغود Giles Elgood).
المصدر
صحيفة شيكاغو تريبيون Chicago Tribune