Robert Fisk روبرت فيسك
22 آب/أغسطس 2012
بعد حصولها على حق التواصل الحصري مع ضباط جيش بشار الأسد، مراسلنا يكتب تقريراً من خط الجبهة في حلب.
أنت تعلم أن ذلك حقيقي عندما يتجه سائق سيارة أجرة على الطريق السريع نحو حلب. فأمامنا يقع ميل من الطريق الفارغة، ويختفي الطريق بعد ذلك في وهج الحرارة على الطريق إلى واحدة من أقدم المدن في العالم.
لكن هالة من الدخان البني تحتضن الأفق وسائق سيارة الأجرة يعرف وسائل أفضل من اتباع علامات الطريق السريع من المطار. يدور نحو اليسار، السيارة تتحرك بحذر شديد على السكك الحديدية المكسورة، وتمر بين كومتين ضخمتين من الصخور كقطة مذعورة. أمامنا منازل محترقة وسيارات محطمة كثيرة جداً، نستطيع من خلالها التقدم ببطء.
يتوقف المحرك عن العمل في منتصف الطريق، (كان هذا حال سيارة والدي في فرنسا بسبب البنزين السيء بعد الحرب)، توقف عداد السرعة عن العمل، فيما كنا نتجاوز شاحنتي قمامة حيث انقلبتا لتشكل حاجزاً على الطريق.
إنها نقاط تفتيش وهمية. ليس هناك مسلحون لا “القاعدة”، لا “إرهابيين”، لا “عصابات”، لا “مقاتلين أجانب” ، -يسأم المرء من هذه الدلالات الأبدية-، ولا يوجد مدني واحد، لأن هذه المعركة انتهت -في الوقت الراهن.
هذه ضاحية الباز، التي وضع الجيش الحكومي يده عليها، كما قيل لنا في وقت لاحق، على الرغم من أننا لا نرى جنوداً ولا رجال شرطة لأميال. لقد جاء الجيش وذهب، والمباني محطمة بالقذائف ومندّبة بالرصاص.
نستدير لليسار ونحن في الصعود إلى طريق من الأنقاض الرمادية المسحوقة، أكياس قمامة سوداء تحترق وتبعث بالدخان على جانبينا. من أشعلها؟!
نتقدم في هذه الشوارع المقفرة.
على يميننا مركز شرطة فارغ، على الجدار لوحة عملاقة للرئيس السوري بشار الأسد سليمة، ولكن فوق كل نافذة هناك علامات وبقع سوداء ناتجة عن النيران، المبنى مدمر، محطة الاطفاء بجانبها متروكة وفارغة وشاحنة الاطفاء مصطدمة عبر حائط، خلال أربعة أميال لم أر سوى طفل يائس واحد في الأنقاض، وأم تحمل رضيعها على أرض مغبرة، فقط عندما تظهر قلعة حلب المتضررة على اليمين تذكرنا الأسوار قاتمة اللون بأن التاريخ لم يبدأ البارحة، هناك عائلات وبنات صغار بملابس العيد ومحل شاورما.
“لقد طهرنا هذه الشوارع” يقول لي ضابط سوري لاحقاً.
نعم وبشكل جيد، بقدر قدرتك على الفوز على مقاتلي الشوارع مع دبابة T-72 وناقلة جند BMP.
وصف الجنود السوريين لنا كيف كانوا يقاتلون في حمص وإدلب وحماة ودرعا.
بعث الرئيس الأسد برجاله ذوي الجاهزية القتالية العالية للقتال في حلب ولكن هذه القوات ليست، كما قيل لي، قوات ماهر الأسد الفرقة الرابعة الشهيرة.
“قطعاً لا”، يقول لي جنرال وهو يضحك – مع ذلك لا فكرة لدي عن مكان عمل قوات أخ بشار الأسد.
بما أننا على الجانب الآخر من خط جبهة حلب فالأرقام الرسمية -إحصاءات جيش الحكومة طبعاً- على النحو التالي:
مجموع “الإرهابيين” المقتولين: 700 وهناك الكثير من الجرحى.
مجموع وفيات الجيش: 20 والجرحى 100.
وقد قطعت خطوط الإنترنت والهاتف المحمول من قبل المتمردين قرب حمص، فالخط الأرضي هو الطريقة الوحيدة لإجراء اتصالات هاتفية مع العاصمة.
في العراق وأفغانستان، يدفع المتمردون للحفاظ على نظام وشبكة المحمول قيد العمل، فهم يحتاجون إلى الهواتف. ولكن هنا، على ما يبدو لديهم ما يكفي من مراكز إدارة العمليات.
من باب المجاملة لواشنطن ولندن إذا صدقنا سادتنا وحكامنا – بأنهم يتجاهلون ولا دخل لهم بالخطوط السورية الداخلية.
“الجيش السوري الحر”، لا يستطيع فرض طوق على حلب – ولكن يمكنه عزلها.
عطلة عيد بائسة، مع إقامة الأثرياء من السكان في الفنادق لتجنب إطلاق النار في الضواحي، لا يوجد صحف، ووكالات الأنباء المحلية محرومة من الخطوط، لديها 11 يوماً من الصور في انتظار إحالتها وإيصالها إلى دمشق.
يرتدي كبار الضباط السوريين الزي المموه بدون شارات.
“في زمن الحرب”، كما قال لي جنرال، “نزيل شارات الرتب لسلامتنا حتى لا يتم التعرف علينا”.
على ما يبدو، في الجيش السوري لا وجود لمثل “هوراشيو نلسون Horatio Nelsons”، في تزيينه ميداليات للقناصة على الثياب.
في حلب، يعتلي القناصة نوافذ الشقق. أمس، فتحوا النار ثلاث مرات على الجنود ثم اختفوا. تجولت قوات بخوذات من الصلب عبر الحدائق العامة بالقرب من خطوط السكك الحديدية المهجورة في البحث دون جدوى.
سألت واحداً من النخبة العسكرية السورية هنا إذا كان لديه أي رد فعل على وزير الدفاع الأمريكي “ليون بانيتا Leon Panetta” الذي أعلن قبل أسبوعين أن حلب ستكون “مسمار في نعش الأسد”، وبالتالي النظام.
فكان رد الضابط: “إن النظام السوري سيبقى إلى الأبد، ما من قوة في العالم يمكن أن تسقطه، جميع الأنظمة ستسقط – ولكن سوف تبقى سوريا، وذلك لأن الله على جانب أولئك الذين هم على حق”.
بالتأكيد – وإن كان أصغر بكثير مما تكلفناه من الضحايا المدنيين في سوريا من هذه الحرب فظيعة – فالجيش يدفع ثمنه الخاص.
من بين الضباط الأربعة الذين اجتمعت بهم حتى الآن في حلب، أصيب ثلاثة منهم بجروح بالغة في القتال في الأشهر الـ18 الماضية، ولا يزال أحدهم يعالج أوتاره بعد أن تلقى شظايا قنبلة يدوية في كتفه.
كانت هناك أجهزة التلفاز في مراكز قيادة الضباط المؤقتة. رأيت القنوات المناهضة للنظام “قناة العربية” و”قناة البي بي سي” على الشاشة، بالإضافة إلى الشاشة السورية التي تعمل بجد على تغطية الحرب. كما أن ضباط الجيش يكشفون بسرعة للجنود عن حالة الصراع الدائرة من خلال إلقاء محاضرة يومياً.
التعليق محرم، وأشك بأن الحقائق مطلقة وغير مقيدة. أي حديث يجب أن يبدأ بجمل وقصة الحكومة الرسمية التالية: الجيش يحمي الوطن ضد العدوان، مؤامرة دولية تستهدف سوريا لأنها الأمة العربية الوحيدة التي تقاوم إسرائيل.
في البداية، دعم وأيّد الأعداء الأجانب المظاهرات ضد الحكومة ومن ثم سلّحوا المتظاهرين. لا يوجد أي اعتراف بقوات تستخدم البنادق ضد المتظاهرين العزل ولا وجود لأي تفسير لكيفية تحول المتظاهرين السوريين المسلحين إلى “مقاتلين أجانب”.
لكن الوصول والدخول إلى الجيش السوري يمكن أحياناً أن يؤدي للوصول إلى حقائق أقوى من الإحصائيات.
أحمد، وهو مجند في الـ21 عاماً من عمره، يصف لي كيف استشهد شقيقه المجند محمد إبراهيم دوت [!] Mohammed Ibrahim Dout على يد قناص. يقول رفيقه: “نحزن لأخينا الجندي، لكنه الآن في الجنة”. يقول لي جنرال عن صديق له ملازم في الجيش السوري بدوام كامل في دوما ريف دمشق: “تزوج قبل ثلاثة أشهر، وكان يسير إلى منزله في دوما عندما سلّم عليه بعض الرجال في سيارة “فان” وعرضوا عليه توصيله”. قَبِل الملازم عاصم عباس (23 عاماً) اللفتة من باب حسن النية.
“لقد وجدناه في وقت لاحق،” يقول الجنرال: “مقطعاً قطعتين وملقى به في مصب مجاري”.