الطريق إلى دمشق قد يمر من خلال موسكو

إن قتل المدنيين أمر مروع، إلا أن فكرة التدخل العسكري المباشر في سوريا أمر مستبعد نجاحه، لنجرب ثقافة الترهيب والترغيب بدلاً منه.

تيموثي جارتن آش Timothy Garton Ash

 صحيفة “الغارديان” الإلكترونية البريطانية

 الأربعاء 13/6/2012

هروب عائلة من إدلب في مارس الماضي – بدلاً من السماح لسلطته أن تنتقل سلمياً، اختار الأسد بقاءه في السلطة عبر القمع الوحشي تماماً مثلما فعل والده سابقاً- الصورة بعدسة رودريجو أبد Rodrigo Abd

أتمنى رؤية الرئيس السابق بشار الأسد يوماً ما يمثل أمام المحكمة الجنائية الدولية لارتكابه جرائم ضد الإنسانية، حيث لا يمكن لأي عنف يستخدم من قبل القوى الأخرى التي باتت تشكل ما يعرف بالحرب السورية الأهلية أن تُنقص من حقيقة أن المسؤولية الأساسية تقع على عاتقه.

لنتذكر أن الوضع السوري بدأ على هيئة موجة من الاحتجاجات السلمية وبأفضل صورة للسلمية شهدها الربيع العربي الأصلي، كان أمام الأسد فرصة الاستجابة لتلك الاحتجاجات السلمية بإصلاحات مهمة والتي هو بدوره تلاعب بتحقيقها، كفتح باب المفاوضات أو نقل السلطة سلمياً مع ضمان مخرج مشرف ومريح له ولعائلته، لكنه اختار عوضاً عن ذلك أن يستبقي على السلطة عن طريق القمع الوحشي تماماً كما فعل والده من قبله والذي تضمن شيء مثل القصف العشوائي على المدنيين، فبينما قامت زوجته “أسماء” الأنيقة والمتعلمة تعليماً بريطانياً بالمشي على الأرضيات الرخامية بحذائها ذي الكعب العالي من ماركة “كريستيان لابوتين”، كان جنود الأسد وشبيحته يسحقون النساء والأطفال حتى أصبحوا كذرات الغبار المنثور.

حافظت المعارضة السورية الشهيرة على سلوكها السلمي لفترة من الزمن في وجه القمع الشديد، ثم لم تملك سوى فقدان السيطرة على هكذا سلوك، ومع الانشقاقات المتوالية عن الجيش وتهريب السلاح من الخارج تحول الأمر في البداية إلى ثورة مسلحة ثم أصبح حرباً أهلية بين النظام المحاصر والمعارضة المشتتة والعلويين والسنة وحلفائهم من الخارج، فجميعها تتواجه في صراع معقد وأحياناً يبدو معتماً، بالإضافة إلى وجود مجازر في حق المدنيين، يصل إلينا الآن وبشكل مخزي أن الجيش النظامي وشبيحته باتوا يستخدمون الأطفال كدروع بشرية، كما ورد قيام بعض الثوار بتجنيد جنود ممن هم تحت السن القانوني للخدمة العسكرية، لكن وكما قال الأسد بنفسه في إحدى المقابلات التلفزيونية معه، وقبل أن يبدأ كل هذا التعقيد، إن المسؤولية كلها عما يحصل في سوريا تقع على عاتقه وحده، فلو أنه لم يختر طريق القمع لما انزلقت بلاده في حرب أهلية. لعله بكى على الأمر سراً، أي بكى على كتف “أسماء” المعطر فهو يبدو لي كإنسان ضعيف يحاول جاهداً أن يكون قوياً، ولكن وكما قال الشاعر ويستان هيو آودينWH Auden ذات مرة – مع قيامي بعكس ترتيب البيت – “وعندما بكى هو .. ذبح الأطفال الصغار في الشوارع”.

يمكن فهم سماعنا للمزيد من الهتافات المتعالية التي تدعو إلى التدخل من أجل وقف إراقة الدماء، فأثناء حديث إيلي ويزل Elie Wiesel الذي نجى من محرقة يهود أوروبا “الهولوكوست”، في إبريل في متحف “الهولوكوست” في واشنطن، سأل إن كنا تعلمنا أي شيء من التاريخ “فإن كنا قد تعلمنا أي شيء منه، كيف يمكن للأسد أن يكون لايزال في السلطة حتى الآن؟”. كما قال الفيلسوف والناشط الفرنسي برنارد هنري ليفي Bernard-Henri Lévy  “لقد صنعت هذا الفيلم من أجل سوريا فقد حان وقت تدخلنا”، أثناء ترويجه لفيلمه الجديد عن التدخل في ليبيا في مهرجان “كان” السينمائي، وقام ويليام هيغ وزير الخارجية البريطاني بتشبيه سوريا بالبوسنة.

إن كان مستوى أو معدل قتل وإصابة المدنيين العزل هو الشرط الوحيد والضروري للتدخل الإنساني في أي أمر، فإن سوريا وصلت حد هذه النقطة، إلا أن الأمم المتحدة “UN” وافقت على اتباع معتقد الـ”R2P” أي مسؤوليتها في الحماية الدولية، وهو عن الطريق الأكثر دقة وحيادية والذي يجب علينا التفكير فيه عندما ندرك تحديات عالمنا اليوم، كما أنه يتطلب منا المبادرة لنكون مسؤولين عن مدى احتمال نجاحه، ففي حكم مدروس من الاحتمالات يكون التدخل المعقول والمناسب هو الذي يحسن الوضع بدلاً من أن يزيده سوءً في البلاد المعنية.

إن إمكانية تطبيق هذا الوضع في سوريا للأسف غير مطروح، فقد يُعلن “برنارد هنري ليفي” وعلى الهواء مباشرة بأن الأمر مناسب وممكن لكن كيف له أن يعلم؟ فلكل تدخل تعقيداته ومخاطره ومعظم الخبراء في الشأن السوري وفي أمور المنطقة وأساس علم سياستها الموسع يشيرون إلى وجود صعوبات خطيرة وأكبر من تلك التي واجهتنا في البوسنة وكوسوفو وسيريا ليون Sierra Leone وليبيا.

لا يقتصر الأمر على حجم وإمكانيات وتدريب القوى القمعية التي بحوزت الأسد، أو على التصدعات المناطقية والطائفية داخل البلاد، فيوجد هناك أيضاً التدخل المباشر من قبل القوى الإقليمية والدولية والتي تدعم سراً وعلانية أطراف مختلفة في الحرب السورية الأهلية، إن القوى البارزة على الإطلاق هي إيران الشيعية وروسيا البوتينية، اللتان بشكل مباشر تحافظان على نظام الأسد العلوي في بنيته الأساسية، بينما يرد عن القوى السنية كالسعودية والقطرية أنها تمول الثوار بالسلاح، حيث قال وزير الخارجية الإيراني أمس أن طهران وموسكو تتقاربان جداً في مواقفها بخصوص الأزمة السورية في مؤتمر صحفي مشترك والذي قام فيه أيضاً وزير الخارجية الروسي باتهام الولايات المتحدة الأمريكية بتزويد المعارضة السورية بالسلاح.

كان وزير الخارجية الروسي يرد على ادعاءات “هيلاري كلينتون” بأن روسيا تزود نظام الأسد بالمقاتلات المروحية، وفي هذه الأثناء تتزايد حدة المطالبات بالتدخل العسكري في الكونجرس الأمريكي والإعلام، إلا أنها لم تصل بعد إلى البنتاغون الأمريكي مما يرسم لنا تقدير واقعي لما قد يكلفه هذا التدخل. يدور نقاش حيوي في تركيا جارة سوريا عن تشكيل أماكن حظر تجول وعن إقامة ملاجئ إنسانية آمنة للسوريين، إلا أن صناع القرار في تركيا أصبحوا حريصين أكثر في تعاطيهم مع الوضع السوري، فهم يخوضون في أمور يعلمون ما قد تكون عواقبها، فكل خطوة تؤدي بسهولة إلى الخطوة التي تليها، إذ أن التدخل الذي يبدأ على هيئة أقل تدخل إنساني ممكن قد يتحول شيئاً فشيئاً إلى احتلال فوضوي وطويل الأمد أو حتى إلى نوع من أنواع الحروب بالتفويض.

وفي الوقت نفسه، تبدو المباحثات في الخيارات السياسية البحتة إما غير فعالة أو مستحيلة، فخطة “كوفي أنان” في حالة يرثى لها، والعقوبات التي تتزايد شدتها على عائلة الأسد وزبانيتها قد تعني تراجعاً في أرباح التسوق الإلكتروني لـ”هارودز” و “كريستيان لابوتين” فهي لن توقف دكتاتوراً يسند ظهره على الحائط بأريحية أثناء قتاله من أجل تجنب مقتله على طريقة الموت الغوغائي التي أودت بمعمر القذافي. يقترح البعض جبهة شعبية دولية لإحلال السلام في سوريا والتي تعمل فيها الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة العربية السعودية يداً بيد مع إيران وروسيا، يبدو لي ذلك وكأن البابا يعلن زواجه الوشيك من “مادونا”. كما أن فكرة المعارضة السورية الأكثر توحداً والملتزمة بالسلمية وببحث نقل السلطة سلمياً هي فكرة رائعة للأمس وغداً لكنها ليست حلاً مطروحاً ليومنا هذا وسط أصداء حرب أهلية سورية.

إن الموقف الروسي بخصوص الأزمة السورية هو أمر مثير للصدمة، فهو موقف كاذب ولا يمكن الدفاع عنه، فقد قام الروس وبشكل متكرر بإعاقة الجهود الدولية التي تحاول الحصول على صلاحية لسلطة الـ”UN” لتخرج بحسابات أقوى لتحقيق السلام في سوريا، وذلك عبر استخدام روسيا حجج منافقة والتي بالكاد تخفي مصالحهم القومية في إبقاء موطئ قدم لها عسكري واقتصادي وسياسي في الشرق الأوسط، فقد قام الروس بتدريب الجيش السوري الذي يقوم بقتل المدنيين السوريين، والآن وإن كان بإمكاننا تصديق “كلينتون”، فهم يقومون بتزويد قوات الأسد بمروحيات مقاتلة لزيادة القتل في سوريا.

ألا يخجلون؟ في حالة روسيا البوتينية يجيب السؤال على نفسه بنفسه، ألا يوجد لديهم أي مصالح قومية أخرى والتي في نهاية المطاف قد تتفوق على مصالحها الحالية في سوريا؟ يعتبر هذا السؤال الآن جديراً بالطرح، الآن وإذا كنا جديين بخصوص التزامنا في وقف المذبحة في سوريا، فنحن الغرب علينا أن نأخذ بعين الإعتبار البحث في وجود أساليب ترهيب وترغيب أكبر لنعرضها على روسيا، حتى وإن كان ذلك الطرح على حسابنا نحن، وذلك من أجل تحقيق تغير حقيقي في الموقف الروسي، فإن الطريق إلى دمشق هو عبر موسكو، وتبديل “بوتين” لرأيه لن يتم عن طريق معجزة إلهية من قبل أي إله كائن ما يكون.

المصدر

The road to Damascus may well run through Moscow

The Guardian

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s