زيارة بوتين والعلاقات الإسرائيلية الروسية

بقلم: جورج فريدمان George Friedman

نشرت في: 26 حزيران / يونيو  2012


وصل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى إسرائيل في 25 حزيران / يونيو في أول زيارة رسمية منذ إعادة توليه للرئاسة. تم الإعداد للزيارة في منتصف أيار / مايو و لذا فإن جزءً على الأقل من أجندة الزيارة كان قد تم تحديدها نظراً للأحداث في سوريا ومصر. الأمر الملفت للنظر بخصوص إسرائيل وروسيا هو أنه على الرغم من نشاطهم في نفس مناطق الاهتمام وأن أجنداتهم تبدو منفصلة لكن مصالحهم ليست متعارضة دائماً. من السهل تحديد مناطق يهتم بها كلاهما ولكن الأمر الأصعب هو تحديد الطرق التي تربطهم. لذا من الصعب تحديد المغزى من الزيارة أكثر من كونها قد حصلت.

أذربيجان على سبيل المثال. لا تزال روسيا مورداً أساسياً للسلاح لأذربيجان ولكن الإسرائيليين يبيعونها الآن كميات كبيرة من الأسلحة ويبدو أنهم يستخدمونها كقاعدة للمراقبة، وبحسب شائعاتٍ، ربما لضرب إيران. روسيا التي تدعم أرمينيا، وهي دولة حاربتها أذربيجان في أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات من القرن الماضي ولا تزال الدولتان رسمياً في حالة حرب، يجب أن ترفض سلوك إسرائيل، خصوصاً بعد تهديدها لإيران، والتي لا تريدها روسيا أن تهاجَم.

في نفس الوقت لا تشعر روسيا بالتهديد من تدخّل إسرائيل في أذربيجان ولا تأبه إسرائيل فعلياً بخصوص أرمينيا. كلاهما هناك وكلاهما مشارك ويظن أن أذربيجان مهمة وعلى الرغم من كونهما يعملان بطرق يجب أن تتصادم, لكن ذلك         لا يحصل.

ينطبق ذات الشيء على الوضع الحالي لسوريا، حيث أحدث إسقاط الطائرة التركية تفاعلات غير متوقعة بخصوص هذه الزيارة. حتى نستطيع التفكير بذلك علينا أن نأخذ بعين الاعتبار استراتيجيات الروس والإسرائيليين وفقدانهما الغريب لنقاط تقاطع في سوريا.

حاجة روسيا إلى إشغال الولايات المتحدة الأمريكية عنها:

لدى روسيا علاقات معقدة في المنطقة تتركز بشكل خاص في سوريا وإيران. مصالح روسيا في كلا البلدين مفهومة. بوتين, والذي قال بأنه اعتبر تفكك الاتحاد السوفيتي كارثة جيوسياسية, ينظر إلى الولايات المتحدة كخصم روسيا الرئيسي. وبرأيه فإن الولايات المتحدة لم تقتصر على استخدام ذلك التفكك لتوسيع حلف شمالي الأطلسي ليشمل دولاً سابقة في الاتحاد السوفيتي في بحر البلطيق فحسب، وإنما تعدى ذلك لمحاولة محاصرة واحتواء روسيا من خلال دعم الحركات المنادية بالديمقراطية في المنطقة وباستخدامه لتلك الحركات لتشكيل حكومات موالية لأمريكا. يرى بوتين نفسه في مبارزة مع الولايات المتحدة مستمرة منذ أيام الاتحاد السوفيتي السابق.

يعتقد الروس أنهم ينتصرون في هذا الصراع. لا يكترث بوتين كثيراً بالسيطرة على هذه الدول بقدر حرصه على ألا تهيمن الولايات المتحدة عليهم. وذلك يعطي روسيا مجالاً للمناورة ويسمح لها بتأسيس علاقات اقتصادية وسياسية لضمان مصالح روسيا. بالإضافة لذلك فقد استفادت روسيا بشكل هائل من حروب الولايات المتحدة في العالم الإسلامي. ولا يعود ذلك كثيراُ لأن تلك الحروب قد همشت المسلمين، مع أن ذلك قد نفع الروس، ولكن الذي ساعد الروس بشكل أكبر هو أن تلك الحروب قد استنزفت طاقات الإستراتيجية الأمريكية كلياً.

من الواضح أن القدرات العسكرية والاستخباراتية الأمريكية والتي كان من الممكن استخدامها لدعم حركات وأنظمة على تخوم روسيا كانت قد استُنفذت بصراعات في العالم الإسلامي. ولكن ربما الأمر الأكثر أهمية أن طاقات الإستراتيجية والمفكرين المكرسة لصانعي القرار في الولايات المتحدة قد حادت عن هدفها. حيث أصبحت روسيا مصلحة إستراتيجية ثانوية بعد أحداث سبتمبر. وبينما كان هناك بعض الحركات المدعومة من الولايات المتحدة والتي كانت في غالبيتها غير فاعلة، و بينما كان الروس كذلك يتصدون ويوزعون نفوذهم في العديد من البلدان ، لم يكن لدى الولايات المتحدة الإمكانيات للرد.

ساعد الروس في إبقاء الولايات المتحدة مقيّدة في أفغانستان من خلال تسهيل استخدام قواعد في آسيا الوسطى وتأمين ممرات لإيصال الدعم. كان بإمكان روسيا إيجاد حقائق جديدة في المنطقة تكون فيها القوة المسيطرة بدون منافس.

لذا ثمّن الروس الصراع في الشرق الأوسط لأنه سمح لروسيا أن تصبح قضية ثانوية بالنسبة للقوة الوحيدة في العالم. مع انتهاء الحرب في العراق ومشارفة الحرب في أفغانستان على النهاية تزداد احتمالية تسخير طاقات الولايات المتحدة لمتابعة النزاع على تخوم روسيا. وهذا ليس من المصلحة الروسية. لذا فإن من مصلحة الروس تشجيع أي عملية تحافظ على استمرارية جر الولايات المتحدة للعالم الإسلامي. على رأس ذلك دعم إيران وسوريا. ومن باب تحري الدقة فإن روسيا         لا تدعم تلك البلاد كثيراً بمقدار ما تعارض إجراءات يمكن أن تُضعف إيران أو تقوّض الحكومة السورية. من وجهة النظر الروسية فإن مجرد بقاء تلك الأنظمة يوفر جاذباً يحوّل قوة الولايات المتحدة عنها.

موقف إسرائيل من سوريا

يعيدنا هذا لزيارة بوتين لإسرائيل. من وجهة نظر الروس فإن سوريا ليست قضية جانبية بل جزءً من إستراتيجيتها. إسرائيل لديها مشاعر معقدة أكثر. مثّل النظام السوري لبشار الأسد، بينما كان السوفييت متحالفين معه، خطراً معتبراً يهدد إسرائيل. مع انهيار الاتحاد السوفيتي فقدت سوريا راعيها و تلاشى خطرها. منذ ذلك الحين أصبحت سوريا بقيادة الأسد تمثل منفعتين من وجهة النظر الإسرائيلية. أولهما أنه يمكن التنبؤ بتطلعاتها وردات فعلها. فمصالحها في لبنان كانت مبنية حول الأهداف المالية و السياسية والتي يمكن للإسرائيليين تقبّلها على النقيض من أنواع من النشاطات العسكرية والتي      لا تستطيع إسرائيل التساهل معها. والأكثر من ذلك أن مصالح سوريا لم تتضمن صراعاً مع إسرائيل ولذا فإن سوريا أبقت حزب الله بوضعية الاستعداد (وليس المواجهة) حتى إجبارها على مغادرة لبنان من قبل الولايات المتحدة في 2005.

المنفعة الثانية لنظام الأسد في علاقته مع إسرائيل تكمن في عدم كونه نظاماً سنياً، وإنما علوياً، وهي طائفة شيعية. فمنذ بداية القرن الحادي والعشرين، يعتقد الغرب وإسرائيل أن التهديد الأساسي ينبع من العالم السني، كما هو حال تنظيم القاعدة والإخوان المسلمين وحماس، التي تتبع كلها للطائفة السنية. وعلى مر العقد الماضي، بدا أن نظاماً فاسداً يتكون من الأقلية العلوية أكثر تفضيلاً لإسرائيل من نظام متجانس يتكون من الأغلبية السنية المتطرفة، على حدودها الشمالية. حيث لم يكن واضحاً مدى التطرف الذي قد يكون عليه، لكن في ذات الوقت، بدا أن الخطر في الجانب السني أكبر منه في الجانب الشيعي.

إلا أن موقف إسرائيل من نظام الأسد قد تغير خلال العام الماضي من الأمل في نجاته، إلى الاقتناع بأنه غير قادر على ذلك والتحضير للنظام المقبل. والسبب وراء حسبة التفضيل هذه، يكمن في إعادة النظر في مدى خطورة أي من الأنظمة. فمع انسحاب الولايات المتحدة من العراق وملء إيران لذلك الفراغ المتبقي، أصبحت إيران تشكل تهديداً أكبر على إسرائيل من حماس والسنة. لذا، ترغب إسرائيل الآن بنظام سني في سوريا، قادر على عرقلة الطموحات الإيرانية.

ضمن هذا السياق، يستمر التباعد بين المصالح الإسرائيلية والروسية. فالإسرائيليون يدركون أنه ليس لديهم نفوذ على         ما يجري في سوريا. هم مجرد متفرجين هامشيين يأملون أن تؤول الأمور لصالحهم، وليس لتفضيلهم فصيلاً  أو آخر في سوريا أي أهمية. فواقعياً،  إن دعم إسرائيل الصريح لأي فصيل قد يضر به، لذا تعتبر سوريا دليلاً على محدودية نفوذ إسرائيل. فما يحدث في سوريا له أهمية كبرى، لكن إسرائيل تفتقر للقوة والنفوذ لكي يكون لها أي تأثير.

المصالح المتزامنة:

يمتلك الروس بعض القوة والنفوذ، فالأسلحة التي يمدّون الحكومة السورية بها قد تساعد النظام على النجاة. إضافةً إلى مساعدتهم لكل من سوريا وإيران من خلال قدرتهم على صد أو التحايل على العقوبات. لكن روسيا لا تستطيع فرض حل، إلا أنها قد تستطيع تهيئة الظروف لاستدراج الولايات المتحدة وإشغالها. وفي ذات الوقت، يجب أن نتذكر أن روسيا لديها مشاكلها الخاصة بها مع الإسلاميين في شمال القوقاز. هذه المجموعات معظمها من السنّة، لكن السنّة تنقسم إلى نطاق واسع من الأطياف. فبينما يريد الروس تجنب مجموعة سنية متطرفة في سوريا، إلا أنهم في هذه المرحلة قد يقبلون بالعيش مع مجموعة سنية معتدلة إن لم يستطيعوا الحفاظ على الأسد أو نظامه في السلطة.

إن الهدف من زيارة بوتين هو جعل الولايات المتحدة متوترةً، إضافة إلى التمهيد للتغيير في علاقة إسرائيل بروسيا، التي قد تؤتي ثمارها على المدى الطويل. إلا أن الإسرائيليين لديهم ما يريدونه من بوتين، فهم لا يستطيعون التحكم بتغيير النظام في سوريا، لكن روسيا تستطيع ذلك إلى حد ما، وهنا يكمن توافق المصالح الإسرائيلية والروسية. فإسرائيل قد تتحمل بقاء نظام الأسد، شريطة عدم تحول سوريا إلى دولة تابعة لإيران.

في حال بقاء نظام الأسد، بإمكان روسيا توفير التوازن مع إيران. أما في حال سقوط نظامه، فإن كلاً من إسرائيل وروسيا يفضلان نظاماً سنياً معتدلاً. وهنا يجب على روسيا اتخاذ قرار – على فرض أن لديها القوة للتأثير على النتيجة. فعلى المدى البعيد، إن وجود نظام سني معتدل يصب في مصلحتها، أما على المدى القصير، فهي تريد نظاماً يشكل أكبر قدر من الإزعاج للولايات المتحدة – سواء أكان نظام الأسد التابع لإيران، أو نظاماً إسلامياً متطرفاً.

هناك مرحلة تجتمع فيها كل هذه العوامل. فقد قررت تركيا الدعوة إلى اجتماع حلف شمال الأطلسي (الناتو) عقب إسقاط طائرتها. إن تركيا غير مستعدة على التدخل بشكل منفرد في سوريا، ولكن في ظل خسارتها للطائرة، فإنها قد تطلب من الناتو تدخلاً من نوع ما. وبما أن تركيا كانت معادية للأسد منذ البداية، فإن هذا يعطيها الفرصة لتطبيق التحالف وفق سياسة الدفاع المشترك.

فمن غير المعروف كيفية رد الناتو، لكن ما هو مؤكد أن الخطاب سيكون شديداً وأنه سيتم كبح الرغبة في القتال. ولن تكون كل من روسيا ولا إسرائيل مستاءتين من تدخل للناتو. فمن وجهة النظر الروسية، إن تدخلاً للناتو مشتملاً على أعداد كبيرة من القوات الأمريكية قد يكون أفضل ما تطمح إليه، خصوصاً إذا تعثر الناتو، كما يحدث عادة في مثل هذه التدخلات. ومن وجهة النظر الإسرائيلية، قد يكون تحمل الناتو للمسؤولية حيال سوريا أفضل نتيجة ممكنة إلى حد بعيد.

وبالطبع، لم يكن هذا مطروحاً على الطاولة عند التنسيق للاجتماع الإسرائيلي – الروسي. ففي حينها، كانت الغاية من الاجتماع هي البحث في الاختلافات على مواضيع كسوريا. لكن مع تطور الأحداث في الآونة الأخيرة، فإن روسيا وإسرائيل تتفقان على المنافع التي قد تنجم عن احتمال مشاركة الناتو، رغم أن ذلك من غير المرجح. وبالتأكيد، فكلاهما ليسا أعضاء في الناتو، ومن غير المرجح إقناع أحد دول الناتو بالالتزام بإرسال قوات إلى سوريا. لكن ما كان مرجحاً أن يكون نقاشاً لا قيمة له أصبح ذا وزنً الآن.

فإسرائيل تود أن تكون روسيا كقوة موازنة طفيفة للولايات المتحدة دون الإضرار بعلاقتها معها (مع الولايات المتحدة). في حين أن روسيا تريد أن يكون لديها خيارات إضافية في الشرق الأوسط إضافة إلى إيران وسوريا، ولكن من دون تنفير هذه الدول. لكن كلا الأمرين مرجح. فعند البحث بعمق في العلاقة الغريبة بين البلدين (روسيا و إسرائيل) الضالعين بعمق في مناحي اهتمام بعضها البعض لكن دون أي تقارب فعلي، نجد أن جواباً بدأ يلوح في الأفق.

إن هناك القليل من التناقض بين مصالح روسيا وإسرائيل، لأن كلا البلدين لا تمتلكان النفوذ الذي ترغبان به في المنطقة. فروسيا لديها بعض الخيارات ، لكنها لا تشكل شيئاً مقارنةً بما كانت تمتلكه أثناء الحرب الباردة. أما إسرائيل، فليس لديها أي تأثير على النتيجة في سوريا أو في مصر.

وعلى الرغم من ذلك، فإنه من مصلحة البلدين أن يعملا على إظهار أن لديهما ثقلاً أكبر مما هما عليه في الواقع. والزيارة الرسمية قد تخدم هذا الغرض.

المصدر:

Putin’s Visit and Israeli-Russian Relations

ستراتفور جلوبال إنتليجنس Stratfor Global Intelligence

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s