بعثة إدلب: يزداد الثوار السوريون كل يوم عدداً، وعتاداً وقوة

يقول الرئيس السوري بشار الأسد أن بلاده في حالة حرب. ويتفق معه في ذلك الثوار في محافظة إدلب الذين يزدادون تسلحاً وعدداً وقوة كل يوم، تقرير إيان بانل Ian Pannell من ال بي بي سي (شركة البث البريطانية) BBC

4 تصوير : دارٍن كونواي Darren Conway
ريّان البالغ من العمر 8 سنوات، يبكي عندما يسرد علينا مجريات القصف الذي طال قريته، حيث أصيب هو واثنين من إخوته.

رويترز Reuters
إسعاف فتاة أصيبت جراء القصف في مشفىً ميداني في حي بابا عمرو بمدينة حمص.

تصوير: دارِن كونواي
أفراد من كتيبة شهداء إدلب وهم يتدربون في كرم زيتون

تصوير: دارِن كونواي
مقاتلي الثوار في إدلب


بقلم إيان بانل في محافظة إدلب، مع الصور بواسطة دارِن كونواي

 

نشرت في: 1 تموز 2012 الساعة 7:30 صباحاً حسب توقيت بريطانيا الصيفي

ميشو هو واحد من الرجال الذي عليك تجنب إغضابهم. فهو قاسٍ ومحارب شرس. إنه من ذاك النوع من الرجال الذي ينام وبجانبه مسدس مذخّر. الميكانيكي السابق يقاتل الآن مع الجيش السوري الحر في محافظة إدلب.

ميشو الذي يرتدي قميصاً مموهاً اختار لنفسه البندقية الآلية الثقيلة التي تلقّم عن طريق شريط طلقات سلاحاً له. وهذا السلاح له قائمتان لتثبيته على الأرض، لكن ميشو يفضل استخدامه جاثياً، وعادة ما يكون ميشو في طليعة العمليات، عاري القدمين.

بلحيته السوداء الكثة وحاجبيه الكثيفين، لا ينجرف ميشو وراء الأحاديث العابرة أو الأحاسيس. فهذه معركة شخصية جداً بالنسبة له ولبقية الرجال الذين يخوضونها معه. وفي لحظة نادرة من التأمل، تحدث عن عائلته التي خلّفها وراءه، وعن دوافعه.

“إن النظام يقتل نساءنا و أطفالنا” صرح ميشو. ثم أضاف، “لقد أثر ذلك على عائلتنا وعائلات أخرى أيضاً”. ثم أكمل شارحاً “أنه يقاتل الآن كي ينعم فيما بعد بنوم آمن مرة أخرى مع زوجته وأطفاله”.

ولدى العديد من الرجال الذين أطلقوا على أنفسهم اسم “كتيبة شهداء إدلب” قصص مماثلة. فهم يتحدثون عن بيوت مدمرة، وأصدقاء معتقلين يخضعون للتعذيب، وأفراد من العائلة مصابين أو مقتولين.

وفوق ذلك كله، موت النساء والأطفال الذي يعتبر إهانةً لقيمهم التقليدية. فالمجازر التي تم تغطيتها إعلامياً كمجزرة الحولة، التي راح ضحيتها أكثر من 100 شخص بما فيهم حوالي 50 طفلاً، هي ما يحثّهم.

حيث يعبر ميشو قائلاً: “مع مقتل كل طفل يزداد حافزنا للقتال ضد النظام”.

هذا لا يعني أن الثوار معصومون. إن هؤلاء الثوار هم  في نظر الرئيس بشار الأسد وبعض السوريين عبارة عن إرهابيين يقتلون بدم بارد، ويجلبون الموت والتفرقة على بلد كان آمناً في السابق. ومع تصاعد العنف يزداد الصراع دمويةً وقذارة.

فقد أقرّت لجنة التحقيق المستقلة بشأن سوريا والمدعومة من قبل الأمم المتحدة، في الأسبوع الماضي، “بحدوث انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان على نحو منظم” تقوم بها القوات الموالية للنظام بشكل رئيسي، كما وتقوم بها المعارضة المسلحة أيضاً.

كانت هذه رحلتي الرابعة متخفياً إلى سوريا في غضون سنة مع المصور الحائز على الجوائز دارِن كونواي من ال بي بي سي، والتغيّر الذي طرأ خلال هذه الأشهر ال 12 كان بارزاً.

ففي تموز الماضي قمنا بتصوير لاجئين يفرون من هجمات الحكومة على احتجاجات سلمية في الغالب، وأجرينا مقابلاتٍ مع عناصر منشقين عن الجيش يعيشون في مخيمات مؤقتة على الجانب السوري من الحدود التركية، وقد كشفوا أنهم أُمروا بإطلاق النار على المحتجين.

وفي نهاية ذلك الشهر، تم الإعلان عن تشكيل الجيش السوري الحر، وكان عبارة عن مجموعة ضعيفة ومتباينة، لا تمتلك الرجال ولا العتاد كي تشكل تهديداً فعلياً للحكومة. وقد نبذهم الرئيس الأسد على أنهم قلة من “الإرهابيين” الممولين من قبل أعداء خارجيين.

أما في ربيع هذا العام، فلم يمثل الثوار سوى مقاومة رمزية ضد هجمات الحكومة، قبل انسحابهم “للحيلولة دون وقوع ضحايا من المدنيين”. فهم مازالوا مجموعة ضعيفة نُظّمت وفقاً للروابط العائلية أو القبلية، وهي تفتقر لأي خبرة عملية. وقد كنا موجودين في بلدة بنّش نراقب، بينما تترقب مجموعة منهم هجوماً حكومياً تمت الإشاعة عنه.

صرح قائدهم قائلاً، “إن لدينا خطة”. ولكن فور وقوع أول قذيفة على البلدة في صباح اليوم التالي، اتضح عدم وجود أية خطة أو تنظيم، وقدرة قليلة على الدفاع. إلا أن الجيش السوري الحر منذ ذلك الحين، أصبح أكثر ضراوة في المعارك.

وهناك اختلاف رئيسي آخر يكمن في أن كميات معتبرة من السلاح قد بدأت بالوصول إلى سوريا من تركيا. حيث علمنا بوصول شحنتين من السلاح إلى مجموعات مرتبطة بالإخوان المسلمين في سوريا. ووفقاً لأحد القادة، فإن تكاليف الشحنتين قد تم دفعها من قبل “أصدقاء من الخليج”، وقد كان وسيط لبناني رفيع المستوى هو من توسط في إبرام الصفقة.

منذ ثلاثة أشهر، أخبرنا أحد القادة المحليين مشدداً، أن “المافيا” – عالم الإجرام التركي – قد أمرت بعدم بيع الأسلحة. أما الآن، فقد صرح قائد رفيع المستوى في محافظة إدلب، أن الثوار يحصلون على القنابل الصاروخية وأسلحةٍ أخرى من تلك المصادر ذاتها، حيث قال “نعتقد أن الغرب قد أعطى الضوء الأخضر بذلك”.

حتى ثوار كتيبة شهداء إدلب، الذين لم يتم إرسال السلاح لهم من الخارج، أصبح تسليحهم أفضل بكثير عما رأيناه سابقاً. ويعود ذلك بشكل جزئي إلى قيامهم بتصنيع عتادهم العسكري في ورشاتٍ سرية، كالعبوات الناسفة المرتجلة، والقنابل الأنبوبية والمسمارية البسيطة والفعالة في آن واحد، والقنابل منزلية الصنع.

يخشى المقاتلون أن يُنظر إلى أساليبهم تلك على أنها أعمال إرهابية. لكنهم يناقشون الأمر على أنه ليس لديهم أي خيار سوى اتخاذ أقصى الإجراءات في مواجهة دبابات ومدافع الحكومة.

كان يعمل عمر، ذو البنية الضخمة والشعر الأجعد الكثيف والابتسامة الرقيقة، طاهياً. وفي إحدى المرات أثناء وقت الغداء، تجمع حوله جمهرة من المقاتلين بينما كان يحاول جاهداً نحت حبة طماطم على شكل زهرة للزينة. يستخدم عمر المهارة ذاتها لتحضير وزرع العبوات الناسفة المرتجلة، حيث يقوم بحذر شديد بتوصيل الأسلاك وتجهيز القنابل للإنفجار.

حيث قال، “نقوم بصنع العبوات الناسفة المرتجلة لأننا، وفي ظل غياب الدعم الخارجي، لا نملك الموارد، “. ثم أردف قائلاً: “الناس يذبحون ولا أحد يساعدنا”.

في إحدى العمليات التي دعينا لتصويرها، كانت الخطة تقتضي استدراج قوات حكومية إلى فخ، من خلال إنشاء نقطة تفتيش بالقرب من معسكرهم والسخرية منهم لدفعهم إلى الهجوم عليها. أما العبوة الناسفة المرتجلة، والتي كانت عبارة عن أنبوب بطول 45 سنتيمتراً مليء بالمتفجرات و يزن 50 رطلاً، فقد تم إيصالها بواسطة دراجة نارية عبر طريق مليءٍ بالحفر.

قام عمر بإخفاء العبوة الناسفة على قارعة الطريق القادم من المعسكر، فيما رفع الثوار علمهم وأخذوا يقفون المارة واثقين من أن أحدهم سيخبر العسكر. لكن الجيش وفد عليهم لمهاجمتهم من الجهة الأخرى، والتي كانت بعيدة عن العبوة الناسفة.

وتحتَ وطأة نيران غزيرة من أسلحة آلية لدبابتين حكوميتين، تسمر الثوار في مكانهم غير قادرين على فعل شيء سوى المقاومة بأسلحتهم الخفيفة، لأن أقوى أسلحتهم أصبح عديم الفائدة لكونه في المكان الخاطئ.

وأخيراً، أطلقت الدبابتان النار لبضعة دقائق فقط ومن ثم انسحبت عائدةً إلى المعسكر، فيما تم نبش العبوة لاستخدامها في مكان آخر. لقد كانت تلك مناوشة قصيرة أوضحت أنه مازال أمام المقاتلين الكثير لتعلمه، لكنها أظهرت أيضاً مدى محدودية قدرة الجيش على الرد.

تمتلك المعارضة الآن، سيطرة فاعلة على رقع واسعة من الأراضي المتجاورة في أجزاء من الشمال. فمع موجود مواجهات مسلحة في مختلف أنحاء البلاد تبدو القوات الحكومية غير قادرة على الحفاظ على سيطرتها على مساحات كبيرة من الأراضي، في وقت أصبح فيه تجهيز الثوار، وخبرتهم وحافزهم أفضل بكثير من السابق.

وقد لمحنا الإمكانيات الكاملة للثوار بمكان ليس ببعيد عن إبيين، القرية التي قصفتها وحدات الحكومة بشكل عنيف الليلة الماضية.

تساقطت دمعة على وجه ريّان، البالغ من العمر ثماني سنوات، بينما كان يخبرنا بما حصل. “لقد كنت نائماً بجوار أخي الأصغر عندما أصبنا بآخر قذيفة.”

فيما كان مستلقياً فوق فراش رقيق على الأرض، ويداه وجذعه مضمدان بضماد متسخ، بكى بحزن قائلاً “إن الجيش السوري هو من  فعل هذا بي”.  بينما كان أخوه البالغ من العمر ثلاث سنوات، ممداً بجانبه تحت تأثير التخدير بسبب إصابات الشظايا في صدره وقدميه وذراعه. في حين كان الدم يسيل باستمرار من الضمادات الملفوفة حول قائمتي أخيه الآخر.

أما الأخ الرابع، سامي، البالغ من العمر 15 عاماً، فقد كان جالساً ساكناً في أحد الزوايا محدقاً في الأفق. لقد كان شاحباً ومايزال تحت تأثير الصدمة، بينما وجهه كان مايزال مغطىً بالغبار من أثر الانفجار.

“إن منزلنا قد دُمّر”، قال ريان وهو يشتم الرئيس السوري بشار الأسد. ثم أضاف “أدعو الله أن ينتقم من هذه الدولة، ومن بشار اللعين”.

في البداية، كانت هناك حفنة من المقاتلين الثوار في نقطة لقاء سرية بجوار بستان زيتون مغبرّ بالقرب من ممر ريفي صغير. ولكن على مدى النصف ساعة التالية، توافد إليهم عشرات المقاتلين حتى أضحوا بالمئات.

فخلال سنة من التنقل السري داخل سوريا، كانت هذه أكبر مجموعة منفردة على الإطلاق نشهدها من الجيش السوري الحر. كانوا مسلحين بالبنادق والقنابل والذخيرة، إضافة إلى المسدسات والسكاكين المتدلية من أحزمتهم أو المحشوة في جيوبهم. فقد تجمعوا لإطلاق أحد أكبر هجماتهم على نقطة تفتيش للجيش وعلى قاعدة عسكرية في بلدة أرمناز.

قائدهم، باسل أبو عبدو، يمتلك القدرة والجاذبية اللازمة لتوحيد مجموعة متباينة من المقاتلين في تنظيم متماسك، يجمع بين 1,600 رجل في كتيبة شهداء إدلب. فيما تجمع ما يقارب 400 رجل منهم لعملية أرمناز، أخذ باسل يتحرك فيما بينهم، يعطي التعليمات، ويتأكد من توزيع السلاح بالتساوي، وينظم المقاتلين إلى فرق هجوم أرضية ومجموعات دعم ناري إضافة إلى فرق دفاعية.

وبينما كانت الشمس آخذت بالغروب خلف سلاسل جبال جبل-الوسطاني، تحرك الرجال. إنهم مازالوا يأملون في مساعدة المجتمع الدولي لهم، لكنهم لا ينتظرون ذلك.

بعد دقائق قليلة، فتحت أحد المجموعات النار قبل أوانها، مما لفت انتباه الجيش السوري لوجودهم، وبسرعة تزايد أزيز أصوات الرصاص فوق رؤوسنا حدةً،  بينما تدفق الثوار عبر بستان زيتون، ومن خلال الشوارع والممرات باتجاه القاعدة مشحونين بالغضب والأدرينالين.

جثا أحد المقاتلين الكبار بالسن على ركبة واحدة ورفع القنبلة الصاروخية الدفع (ال أر بي جي) وأطلقها، ثم برز من بين الغبار والدخان وهو يصرخ “الله أكبر، الله أكبر”.

فما كان من الجيش إلا أن أرسل الدبابات تتدحرج خارج القاعدة، فيما كانت أصوات القصف تصدر صداها في الشوارع، وتبث الرعب خوفاً من المكان الذي ستستقر فيه. ثم انضمت العربات المصفحة ببنادقها الآلية الثقيلة للقتال وتفرق الثوار بحثاً عن ساتر لهم.

بعد ساعة من الزمن، وبخسارة عنصر المفاجأة، اضطر الثوار إلى التراجع. لكنها كانت لحظةً كاشفةً بشكل كبير، حيث أوضحت كيف أن المزاج في شمال سوريا قد تغير. الثوار متفائلون، واثقون وحازمون. وبالرغم من أنهم مازالوا يعانون من سوء الانضباط، وقلة المعدات والعتاد، إلا أنهم يؤمنون الآن أنهم منتصرون.

وما يعنيه ذلك، هو زيادة المواجهات المسلحة وزيادة الموت. فوفقاً لتقديرات الأمم المتحدة فإن ما يزيد عن 10,000 شخص لقوا مصرعهم خلال الثورة. ومن الصعب عدم  إدراك حقيقة أن أعداد القتلى ستزداد مع ازدياد خروج العنف عن السيطرة. كما أنه من الصعب التكهن بمقدار الضغط الذي سيمارسه المجتمع الدولي كي يمنع ذلك.

أعلن الأسد، ولأول مرة، في الأسبوع الماضي حين انفجرت القنابل في دمشق، أن سوريا الآن “في حالة حرب حقيقة”. وعلى الأقل فإن الرئيس السوري والثوار متفقون على هذه النقطة.

 المصدر

The Telegraph

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s