كريستيان بينيديكت Kristyan Benedict
منظمة العفو الدولية – أمنستي
24 حزيران \ يوليو 2012
يمر المدافعون عن الجرائم التي ترتكبها الحكومة السورية ضد الإنسانية بلحظات نادرة تبرر موقفهم هذا، أو على الأقل هذا ما يحاولون إقناع أنفسهم به حالياً. والسبب هو المقالات التي يتم نشرها في وسائل الاعلام الرئيسية والتي تدعي أن السعوديين و القطريين يسلحون مجموعات المعارضة المسلحة بتعاون ظاهر أو على الأقل بمعرفة وكالة الاستخبارات المركزية CIA.
ولذلك فإن المدافعون عن جرائم النظام باتوا أخيراً يرددون بغبطة بأن وسائل الإعلام الرئيسية بدأت أخيراً بتتبع ما يقولون وما كانت الحكومة السورية تقوله منذ اندلاع الانتفاضة في بداية العام الماضي.
هناك مقالتين تحديداً أثارت تلك التعليقات, إحداهما في النيويورك تايمز والأخرى في الغارديان. حيث قدمت كلا المقالتين شرحاً ملفتاً للنظرعما يراه كثيرون في بعض مجموعات المعارضة السورية كعملية أساسية تساعد في مقاومة الاضطهاد والدفاع عن قراهم وأحيائهم من وحشية الحكومة و ترهيبها و معاقبتها للمدنيين الذين قرروا إسقاط النظام الحالي.
بالفعل، يتم الاستشهاد بحق الدفاع عن النفس كسبب لحمل الكثير من السوريين للسلاح أوإنشقاق عسكريين بعد رؤيتهم إطلاق النار من قبل رجال مخابرات الحكومة السورية على تظاهرات سلمية.
ففي هذا السياق، تقول مقالة النيويورك تايمز “بأن عدد محدود من ضباط السي آي إيه CIA يعملون بشكل سري في جنوب تركيا على مساعدة الحلفاء على تحديد أي من مقاتلي المعارضة السورية على امتداد الحدود سيتلقى السلاح لقتال الحكومة السورية, وفق ما جاء على لسان مسؤولين أمريكيين و ضباط استخبارات عربية.”
وتستمر بالقول بأن عناصر السي آي إيه مهتمة بشكل خاص (وغير مستغرب) بضمان بقاء الأسلحة “بعيداً عن أيدي مقاتلين متحالفين مع القاعدة أو مجموعات إرهابية أخرى.”
إن هذا يعتبر تخوف حقيقي و ليس أمراً يمكن تجاهله. وعلينا توقع أن بعض الحكومات تتخذ خطوات عملية.
أما مقالة الغارديان، فقد قالت بأن “مسؤولون سعوديون يحضرون لدفع رواتب الجيش السوري الحر لتحفيز عمليات انشقاق واسعة عن الجيش” و تذهب إلى القول بأن” تركيا قد سمحت أيضاً بتشكيل مركز قيادة في اسطنبول مهمته تنظيم خطوط الإمداد بالتشاور مع قادة الجيش الحر داخل سوريا.”
بالنسبة لمنظمة العفو الدولية, فقد طالبنا مجلس الأمن في الأمم المتحدة أن يُلزم أي دولة تدرس إمداد المعارضة المسلحة بالسلاح باتخاذ الآليات اللازمة لضمان ألا تُستخدم المعدات المُورّدة في ارتكاب انتهاكات لحقوق الانسان أو جرائم حرب.
إن مثل هذه الآليات يجب أن تتضمن اجراءات متابعة صارمة تُمكّن من إيقاف تلك الإمدادات من الأسلحة في حال ظهور أدلة على أنهم يستخدمونها في إنتهاكات لحقوق الانسان أو ينقلونها لجهة أخرى. و يجب أن تتضمن الآلية أيضاً نظاماً يجعل ذلك العتاد من الأسلحة و الذخائر و التجهيزات مقتصراً على تلك التي ليس من طبيعتها إحداث ضررعشوائي (أي أنها لا تستخدم في الألغام الأرضية المضادة للأفراد على سبيل المثال)،، ومن المهم كذلك، إيجاد نظام ينقل للمتلقين معرفة عملية و توعية عن معايير إحترام حقوق الإنسان العالمية و قانون التعامل مع المدنيين.
وسأقف على ذكر ما إذا كان يتم تطبيق ذلك لاحقاً.
قبل ذلك، هنالك حقيقة أخرى يجب أخذها بعين الاعتبار وهي أنه عندما يقترب تحقيق “سوريا الجديدة”، فإن الحاجة ستبقى قائمة لوجود الجيش و قوات الشرطة وأجهزة المخابرات، وهذا بالتأكيد سيطرح أسئلة من قبيل هل من السليم القول للمعارضة السورية , “نعم قوموا بتلك المهمة” في حين أنه من المعلوم أن الدراية بتشكيل هيئات أمنية تحترم و تصون حقوق الإنسان لم تتواجد بعد, ومن غير المتوقع أن يتم ذلك بدون النُصح و التدريب من جهات خارجية تعرف الممارسات السليمة في إصلاح القطاع الأمني؟
من المؤكد أن الدور الإستباقي للمجتمع الدولي يتطلب تدخلاً فعالاً على نحوٍ عاجلٍ غير آجلٍ لضمان أنه عند حدوث الانتقال فإن القطاع الأمني سيكون في طريقه ليصبح مؤهلاً مع هيكلية قيادية متحكمة و خاضعة للمساءلة.
في الواقع، إن صحيفة الغارديان نقلت عن مصادر دبلوماسية بأن عنصري استخبارات أميريكيين كانوا في مدينة حمص، ثالث أكبر المدن السورية، بين شهري كانون الأول/ديسمبر و أوائل شباط/فبراير في محاولة لإنشاء قيادة وإحكام السيطرة بين صفوف الثوار.
وحيث أن ضعف القيادة و السيطرة يعتبر عامل مساهم في ازدياد مخاطر وقوع انتهاكات لحقوق الإنسان من قبل المعارضة المسلحة، فإن البعض قد يقول بأن القيام بذلك ليس بالأمر الحكيم. ولكن، من غير الواضح إلى الآن ما إذا كانت الدول تقوم حقيقة بمساعدة المعارضة المسلحة بالتدرب والتوثيق، الأمر الذي يزيد من فهمها لقوانين الحرب و حقوق الإنسان بشكل عام. إن هذه ليست مجرد دروس أكاديمية، وإنما دروس لتجنب الإنتهاكات ولإنقاذ الأرواح.
يعتبر هذا الموضوع مهماً جداً بالنسبة لنا، حيث أننا في منظمة العفو لدينا مخاوفنا الخاصة من قيام مجموعات المعارضة المسلحة بارتكاب انتهاكات في سوريا. وقد ذكرنا في تقريرنا الصادر مؤخراً أن المعارضة المسلحة قامت بإرتكاب بعض الإنتهاكات لحقوق الإنسان, ولكن من المؤكد أنه ليس هناك مجال للمقارنة مع حجم ما ارتكبته القوات النظامية.
نحن نبحث في تقارير عن القتل والتعذيب أو في سوء المعاملة بحق جنود وعناصر الميلشيات الذين يتم القبض عليهم، إلى جانب الخطف وقتل المدنيين المتهمين “بالتعاون” مع القوات الحكومية.
سنقوم دائماً ودون أي تحفظ بإدانة مثل هذه الانتهاكات، وندعو قيادة كافة مجموعات المعارضة المسلحة بأن يعلنوا بشكل علني بأن مثل هذه التصرفات ممنوعة، وأن يستخدموا كل نفوذهم للتأكد من قيام القوات المعارضة بوقف مثل تلك الانتهاكات. علاوة على ذلك، يتوجب على أولئك الذين يملكون تأثيراً على تلك الجماعات، أو على اتصال معها، أن يقوموا بالشيء ذاته، سواء كان أولئك السعوديين، القطريين، الأتراك أو حقاً الولايات المتحدة.
قد يختار البعض أن يدين مثل هذا “التدخل الخارجي” في “الشؤون الداخلية لسوريا”، وربما يختار آخرين الاعتراف بأن هناك حقاً دولاً مشاركة في هذا، ويصر على إيجاد ضمانات مناسبة لمنع ارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان، وخروقات لقوانين الحرب. إن الأمر برمته يعتمد على إيجاد الآلية المناسبة التي تضمن توفير حماية للمدنيين بطريقة أكثر فعالية.
إن حماية المدنيين هي ما يجب أن يكون على سلم الأولويات، فالسوريون الذي انتفضوا على نحو عام كامل بهدف المطالبة بشكل سلمي بوضع حد للفقر والفساد والاستبداد، سيتعرضون للخيانة إذا كان ما “سيأتي لاحقاً” هو نظام آخر يفشل في احترام و حماية حقوق الإنسان. بالنسبة لأغلب النشطاء السوريين ، فإن هذه النقطة لم تكن بعيدة عنهم، سواء أكانوا ممن يؤيدون تسليح المعارضة المسلحة أو لا.
إن تعليم وتدريب و تنظيم جماعات المعارضة من أجل سوريا أفضل يمكن من الناحية النظرية والعملية أن يبدأ قبل عملية الانتقال السياسي، وعلى الدول المتعاونة مع جماعات المعارضة تحمل هذه المسؤولية، ولكن ليس من الواضح بعد فيما إذا كانت تقوم بتنفيذ ذلك.
من أجل أولئك الذين خسروا حياتهم في هذه الثورة، ينبغي علينا الإصرار على أنه يتوجب على أولئك المشاركين في توريد الأسلحة إلى المعارضة المسلحة إيجاد الآليات والضمانات المناسبة والضرورية، لضمان عدم تسبب تلك المواد الموردة بزيادة المستوى المريع لانتهاكات حقوق الإنسان وجرائم الحرب المرتكبة خلال هذه الانتفاضة.
المصدر
Arming the Armed Opposition in Syria – The Realities and the Risks
Amnesty International UK