انتفاضة صانعي الحلويات

يوميات الحرب في دمشق

انتفاضة صانعي الحلويات

تقرير ناديا بيطار من دمشق

13 حزيران/يونيو 2012

رويترز

ترزح منطقة الميدان في قلب العاصمة السورية تحت رقابة مشددة من قبل النظام. فالمكان الذي كان سابقاً مشهوراً بأفضل الحلويات أصبح اليوم يعتبر حاضنةً للانتفاضة. فمع المناوشات اليومية بالكاد يجرؤ السكان على الخروج إلى الشارع. إنها أشبه بزيارة لمدينة الأشباح.

منذ شهرين تمضي نبيلة معظم أوقاتها في غرفة الجلوس. تجلس الفتاة ذات الثمانية و العشرين عاماً تقريباً على أريكة زيتية من الجلد الصناعي وتنظر إلى الأطفال: حيث يقوم ابن السابعة بمطاردة ابن الثامنة في الغرفة ويصرخ: “بوم، بوم، بوم!”. “لهذا السبب بالتحديد لم أعد أسمح لهم بتجاوز الباب،” تقول نبيلة “لا أحد يعلم، متى يتم إطلاق النار أو التفجير.” قامت منذ شهر بسحب أطفالها من المدرسة. فمنذ أن انفجرت قنبلة في شهر أيار أصبح لديها خوف كبير من أن يحصل لهم أي شيء على الطريق إلى هناك. ” بدأت العطلة الصيفية بالنسبة لأطفالي أبكر بعدة أسابيع من الوقت المحدد.”

ما زالت نبيلة تخرج بنفسها إلى أمام باب البناء لشراء الخبز والخضار من عند البقّال المجاور “الضروريات فقط، يجب أن نوفِّر المال”. تقطن نبيلة في منطقة الميدان الدمشقية، إحدى أقدم المناطق في المدينة. يقع منزلها في الحارات الضيقة بين الأبنية البُنية المنخفضة حيث بالكاد تستطيع السيارات المرور. سكان تلك الحارات بمعظمهم ينتمون إلى الطبقة المتوسطة من السنّة المحافظين. قبل بدء الاحتجاجات على الحاكم بشار الأسد كانت منطقة الميدان مشهورة بصنع الحلويات. وكانت البقلاوة وأنواع أخرى من الحلويات الميدانية مطلوبة من كل أنحاء سوريا. لكن في هذه الأيام، أصبح المرء يشعر بالتعاطف مع الناس مع القادمين من هذه المنطقة. حيث أن الميدان انتفضت في وجه النظام منذ العام الماضي. فبعد صلاة الظهر يوم الجمعة يتظاهر هنا عشرات الأشخاص إلى أن تأتي قوات الأمن. الأمر الذي يستغرق ما يقل عن الدقيقة الواحدة. ومع ذلك يستمر الناشطون بتكرار ذلك. بالإضافة إلى ذلك، تخرج مظاهرات مسائية صغيرة بشكل يومي تقريباً.

الوضع يبدو مشابهاً على أطراف دمشق، في بعض مناطق كفرسوسة, المزة الجديدة, برزة, والقابون، حيث تنفصل المدينة عن  ضواحيها. لكن منطقة الميدان تقع في وسط دمشق، مركز السلطة. فلا يخاطر النظام هنا بأدنى خسارة لسيطرته عليها ولا حتى بشكل مؤقت، كما حدث في بعض الأحياء في حمص في العام المنصرم. فخسارته لدمشق تعني خسارته المطلقة. لذلك يُخضع النظام الميدان إلى رقابة شديدة، حتى لا تتحول المنطقة إلى معقل لمتظاهري المعارضة, فكل خارج أو داخل إلى الميدان، يجب أن يأخذ بعين الاعتبار بأنه سيتم تفتيشه ومراقبته.

قوات الأمن تُحاصر المنطقة

ساحة باب مصلى هي المدخل إلى المنطقة المنتفضة. من هنا يرى المرء شارع الميدان الرئيسي والممتدة على طرفيه مبانٍ بيتونيةٍ كئيبة. وفي الساحة أيضاً يوجد الفرع الرئيسي المحلي لقوات الأمن. لقد أقاموا أمام المبنى المتعدد الطوابق ساترأ من أكياس الرمل مزودة بفتحات فيما بينها لإطلاق النار. من أحدها تبرز فوهة مدفع رشاش من العيار الثقيل. معظم المحال والمطاعم على طول الشارع الرئيسي مغلقة. بضعة محال للمأكولات السريعة لازالت مفتوحة، لكن لا أحد يجلس على الكراسي البلاستيكية. الشارع هادئ كما لو كانت المدينة مدينة الأشباح. تمر سيارة شحن بيضاء ببطء وشادرها مفتوح من الخلف. على صندوق التحميل الخلفي يمكن رؤية دزينة من الرجال بالزي المدني مع الرشاشات. إنها دورية لقوات الأمن.

“لا يجرؤ رجال الأسد على المشي سيراً على الأقدام في الميدان”، يقول أحد ناشطي المنطقة لاحقاً، “هم يخافون من القناصة”.لكنه يجادل بعد ذلك مباشرة في وجود معارضين مسلحين في المنطقة. تبقى مسألة وجود مسلحين معارضين في دمشق وعددهم غير محسومة. يُشدد الناشطون على أن الجيش السوري الحر، كما يطلق المقاتلون المناوؤون للأسد على أنفسهم، موجود فقط في المناطق الطرفية من المدينة. وفي حال وجود معارضين مسلحين في الميدان فهم لايزالون متخفيين. ولا يزال سكان المنطقة يختلفون على الأقل في مسألة القناصة.

العائلة الواحدة منقسمة كما هي حال البلاد

اكتظت غرفة جلوس نبيلة بالزوار مساءً. فوالداها كانا هناك، وهم يقطنون على بعد عدة أمتار من هنا، وأخوها البالغ من العمر واحداً و عشرين عاماً والذي لا يزال يسكن مع والديه. أما ما تبقى من أفراد العائلة فلقد غادر البلاد إلى الخارج منذ بدء الاحتجاجات,’ الأخت الكبرى إلى حمويها في الأردن والأخر الأكبر إلى لبنان. لقد غادر سوريا في هذه الفترة كل من استطاع ذلك.و يبدأ الجدل. “إنهم قناصة النظام الذين يطلقون النار على الناس في الشارع” يقول شقيق نبيلة. “بعض النشطاء يطلقون النار أيضاً” تعارضه نبيلة. لقد كانت في البدايات إلى جانب المحتجين واليوم ترفض الوقوف إلى جانب أي من الطرفين، الأمر الذي يلومها عليه شقيقها. حتى العائلة الواحدة أصبحت منقسمة كما هي حال البلاد.

في التلفاز تبث قناة الجزيرة نشرة الأخبار. أصبحت هذه القناة حالياً تُسمّى قناة الثورة بسبب تقاريرها وأخبارها المنحازة للمتظاهرين. تُعرض صورٌ من مجزرة الحولة، أطفال مقتولون في حمام من الدم. الكل يتابع المشهد مشدوهاً، عاجزاً عن الكلام، مستنكراً. يبدأ شقيق نبيلة بالحديث أولاً. “العلويون ليس لديهم إله. هم كالحيوانات”. يقول عن الأقلية الدينية الحاكمة والتي ينتمي إليها بشار الأسد. “ليس كل العلويين كذلك” يعارضه الأب. يشيح الشقيق بوجهه إلى النافذة معترضاً. “لا نستطيع فعل شيء غير الانتظار والدعاء” يقول الأب. إنه يخشى على ابنه، وهو الوحيد بين أفراد العائلة الذي يشارك بالمظاهرات. وحتى لو أن الأب يكره النظام، لكنه لا يريد أن يضحي ابنه بحياته من أجل مواجهة الأسد. للحظة واحدة، أصبح الجميع صامتين.

الخوف من المستقبل

“أمورنا لاتزال بخير”، يقول الأب. “لا يزال لدينا طعام ولدينا تيار كهربائي بشكل دائم تقريباً”. إطلاق الرصاص والتفجيرات منذ حين لآخر بشكل أقل، الخوف الأكبر هو من القصف المدفعي من قبل الجيش السوري النظامي. فلقد وصلت إليه الأخبار عن الوضع في بعض ضواحي دمشق الواقعة على مسافة ربع ساعة بالسيارة من هنا، في دوما أو حرستا، معاقل الاحتجاجات التي قام النظام بقصفها بالدبابات منذ العام الماضي، بعد خروج مظاهرات كبيرة جداً فيها.

مناطق النظام والموالاة – شبيغل أونلاين

تمت معاقبة سكان الضواحي لأجل ذلك بشكل جماعي: التيار الكهربائي مقطوع في أغلب الأحيان، الماء أيضاً في بعض الأحيان. في أيام الجمع يُمنع الناس من مغادرة لك المناطق منعاً باتاً. وفي أيام الأسبوع لابد لهم من الخضوع للتفتيش في حال ذهابهم إلى مركز دمشق. لايزال النظام أقل عنفاً في وسط دمشق بالمقارنة مع المناطق الأخرى. “حتى الآن فقط، لقد قاموا أيضاً بقصف أجزاء في حمص، ما الذي سيردعهم عن تكرار نفس الشيء معنا يوماً ما؟” يقول شقيق نبيلة

المصدر

Kriegsalltag in Damaskus: Aufstand der Zuckerbäcker

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s