تصاعد قرع طبول الحرب في سوريا، ولكن إلى أين يقود هذا؟

يصدّر المثقفون من جون بولتون John Bolton إلى نيك كريستوف Nick Kristof دعوات إلى التسليح. ولكن هناك قليل من الاعتبار للمصلحة الوطنية، أو لقانون العواقب غير المقصودة، في سبيل الحث على العمل.

دان مورفي Dan Murphy

 13 يونيو/حزيران 2012

تظهر هذه الصورة المأخوذة من فيديو هواة نشرته شبكة أخبار الشام بتاريخ 11 يونيو دخان يتصاعد في الهواء ناجم عن قصف للقوات الحكومية السورية في مدينة الرستن في محافظة حمص، سوريا. شبكة أخبار الشام عبر الفيديو.

بثت شبكة الـ(سي إن إن CNN) بعد ظهر أمس سلسلة من الصور المؤلمة من سوريا: لقطات قريبة مرعبة لأطفال صغار يزعم أنهم قتلوا على أيدي قوات موالية للرئيس بشار الأسد.

نظرت إلى أعلى من مكتبي، واجتاحتني موجة من الغثيان والغضب حين رأيت جثة فتاة صغيرة ترتدي ثوب حفلة. أرفقت هذه الصور بتقرير الأمم المتحدة الذي يزعم قتل 1000 طفل في سوريا العام الماضي، على أيدي النظام في الغالب، وقد تعرض أيضاً أولئك الأطفال لاعتداءات جنسية وتعذيب على أيدي قوات الأمن.

ولكن بعد ذلك بدأت أفكر. كم مرة رأيت على شبكة CNN الجثث المحطمة لأطفال قتلوا في العراق خلال الاحتلال الأمريكي أو بضربات جوية لحلف شمال الأطلسي في أفغانستان أو هجمات طائرات بدون طيار في باكستان؟ وكان الجواب الذي خطر لي من ذكرياتي “أبداً”. سألت في غرفة الأخبار، ووافق معظم الناس هناك.

ليست الفكرة هنا في رسم المعادلات، ولكنها ببساطة الإشارة إلى الحجة الضمنية الذي قدمها خيار غير عادي لإظهار هؤلاء الأطفال المقتولين: رعب خاص يتكشف في سوريا، ويجب أن يفعل العالم شيئاً لوقفه.

ربما على العالم فعل شيء ما. ولكن استكشاف الجوانب العملية للتدخل العسكري أقل بكثير، ومخاطر انتظار أهوال انتقال الحرب الأهلية في سوريا إلى نزاع دولي أكبر بكثير. في الوقت الراهن، يجري تلفيق رواية بسيطة للأسد اللئيم وضحاياه الذين لا حول لهم ولا قوة. وكانت في خدمة تلك القضية ادعاءات هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية، أمس، من أن روسيا تستعجل تسليم مروحيات هجومية لجيش الأسد “ما يؤدي إلى تصعيد النزاع بشكل كبير جداً.”

وتنكر روسيا هذا الزعم قائلة إنها فقط تصلح طائرات من طراز MI-24 (Hind) والتي بيعت لوالد بشار الأسد، حافظ، منذ أكثر من عقد من الزمان. وفي كلتا الحالتين، فإن مروحيات من هذا النوع أكثر فائدة لمحاربة الجيش السوري الحر أو الجماعات المتمردة المسلحة الأخرى من استهداف المدنيين. إن سوريا لديها الآلاف من الدبابات ومدافع الهاون وقطع المدفعية و600,000 جندي والذين يشكلون الخطر الرئيسي على المراكز المدنية الآهلة بالسكان.

إذن سواء كنت مع أو ضد الذهاب إلى حرب مع سوريا قبل الإدلاء بهذه المزاعم حول المروحيات، ينبغي ألا يتحول تفكيرك، ولا تخطئ، فكلما طالت حرب سوريا، كلما زاد احتمال أن يسير الرئيس الأسد على خطى والده بمجزرة بشعة حقاً. ففي عام 1982، كان لدى الأسد الأب  10,000من سكان مدينة حماة على الأقل قتلوا في عمل وحشي قضى على انتفاضة إسلامية ضد نظامه البعثي.

في الولايات المتحدة، هناك علامات مدهشة على دعم تدخلها. إذ بيَن استطلاع للرأي أجرته Monitor/TIPP في الفترة من 1-8 يونيو/حزيران أن 15٪ من الأميركيين يعتقدون أن الولايات المتحدة يجب أن “تأخذ زمام المبادرة” في تدخل عسكري في سوريا، وأن 19٪ يعتقدون أن الولايات المتحدة يجب أن “تقود من الخلف لتشجيع ودعم العمل العسكري من قبل دول عدة ولكن ليس بقيادتها”. وكان هامش الخطأ في الاستطلاع +/- 3.3 نقطة مئوية.

وفي حين كانت الإجابات الأكثر شعبية أن الولايات المتحدة يجب ألا تتدخل عسكرياً (29٪) أو فقط إذا لم تكن “الحملة البرية هي المعنية” (27٪)، فمن المستغرب أن 34٪ من الأميركيين على استعداد للنظر في مشاركة عسكرية مباشرة في بلد آخر في الشرق الأوسط حيث انتهت الحرب في العراق للتو، وتستمر الحرب في أفغانستان. وبالتأكيد سيرجح المزيد من الفظائع في سوريا كفة التأييد الشعبي.

ويدفع الكثير من صناع الرأي لغزو تبادر به الولايات المتحدة في أقرب وقت ممكن، من جون بولتون  John Bolton إلى كاتب العمود المؤثر والتدخلي الليبرالي نيك كريستوف Nick Kristof. يقدم السيد كريستوف دعوة أخلاقية مشحونة بالعاطفة إلى حمل السلاح ضد سوريا (والسودان)، بينما يتجاهل السؤال غير المريح هل يخدم ذلك حقاً المصالح الأميركية.

ويحاول المتشدد الموثوق السيد بولتون  Boltonعلى الأقل أن يثير هذه القضية. وهو يجادل في مقالة منشورة بـ National Review  هذا الأسبوع أن الرئيس باراك أوباما يجب أن يتجاهل مخاوف البعض من أن العمل من جانب واحد يمكن أن يضع الولايات المتحدة في خصومة مع روسيا ويقوض الآمال مهما كانت ضئيلة بأن المفاوضات مع إيران (حليف مقرب آخر من الرئيس الأسد) حول برنامجها النووي يمكن أن تنجح. وفي الواقع، يبدو أنه يميل لهذا الاحتمال.

أولاً، أسف أن الرئيس جورج بوش لم يعمل على توسيع الحرب في العراق إلى سوريا في عام 2003. فهو يكتب: “بعد أيام فقط من الإطاحة بصدام حسين في عام 2003، كانت الظروف مثلى (إن لم تكن مثالية تماماً على الرغم من ذلك) لإسقاط الأسد واستبدال نظامه بشيء يتوافق مع المصالح الاميركية”.

ثم يؤكد أن “تغيير النظام في سوريا مبدئياً في مصلحة أميركا وكذلك إسرائيل وأصدقائنا العرب في المنطقة”، لأن سوريا قريبة من إيران وروسيا وحزب الله في لبنان.

ثم يقترح أن صراعاً أوسع قد يكّون فكرة جيدة ويكتب: “إلى حد كبير، لا يمكن أن يقتصر تدخل الولايات المتحدة على سوريا، ويستتبع حتماً مواجهة إيران وربما روسيا. إن إدارة أوباما هذه غير راغبة في القيام بذلك، مع أنها ينبغي أن تقوم به”.

هل يذكر ما حدث آخر مرة قاد فيها بنجاح مسؤولية حرب بقيادة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط؟

كان صدام حسين من بين الطغاة الأكثر وحشية في النصف الأخير من القرن العشرين، الأمر الذي يقول شيئاً ما. وقد دفع بولتون وآخرون بشدة لحرب وعدوا أنها ستكون سريعة وقليلة التكلفة وستحول العراق إلى معقل مزدهر للديمقراطية من شأنه أن يكون بمثابة منارة للمنطقة. وبدلاً من ذلك، مات نصف مليون عراقي حيث أصبحت البلاد نقطة جذب للجهاديين من طراز القاعدة واندلعت حرب أهلية طائفية لا يمكن لعشرات الآلاف من الجنود الأمريكيين أن يفعلوا شيئاً يذكر لاحتوائها. وكانت التكلفة على الولايات المتحدة في مكان ما في الشمال 1 تريليون دولار، ناهيك عن أن حوالي 5000 جندي أمريكي لقوا حتفهم، وعدد لا يحصى من الذين خسروا صحتهم وأطرافهم.

واليوم، تراجع العنف كثيراً عن ذروة الحرب، ولكن الإرهاب نوع من الإشعاع الخلفي الذي زرعته الحرب هناك والذي مازال ينز من خلال الشعب العراقي. والهجمات الطائفية الحالية بسيارات ملغومة ضد الحجاج الشيعة في أربع مدن عراقية مختلفة على الأقل، التي أودت بحياة ما لا يقل عن 65 شخصاً، ليست سوى النقمة الأخيرة. وتقدر الحكومة الأميركية أن 13600 شخص قتلوا في هجمات إرهابية في العراق في عام 2007. وفي العام الماضي، انخفض هذا العدد إلى 3063، لكنه لا يزال مرتفعاً بما يكفي لوضع العراق في المرتبة الثانية، بعد أفغانستان، في الحصيلة السنوية لوفيات الإرهاب.

ولا تزال الحكومة العراقية المركزية منقسمة بين الفصائل الشيعية والسنية العدائية. ولا تزال تقديم الخدمات الأساسية كالرعاية الطبية والكهرباء ضعيفة، والفساد والتعذيب على يد الشرطة والمحاكمات بدوافع سياسية أموراً شائعة. وقد طرد بين نصف وثلثي الطائفة المسيحية القديمة في العراق من البلاد منذ عام 2003. واستبدل نظام كان من أشد المعارضين لإيران (البلد الذي وعد بولتون بأنه لا بد أن يواجه حتماً في حال اندلاع حرب في سوريا) بنظام صديق لها.

وعلى الرغم من أن أعمال العنف الجارية في سوريا ينفطر منه القلب، إلا إنها ليست موجهة حالياً إلى الولايات المتحدة. لقد جذبت حرب العراق الجهاديين من مختلف أنحاء الشرق الأوسط، الذين يتوقون لقتل جنود أميركيين باسم الإسلام. ودخل مئات الجهاديين السنة إلى سوريا من الشرق الأوسط وجنوب آسيا لمقارعة نظام الأسد الذي يهيمن عليه العلويون، وهم فرع من الإسلام الشيعي ينظر إليهم الجهاديون السنة على أنهم مرتدون، وكانوا متلهفين لاستبدال نظام البعث بدولة خلافة إسلامية، على غرار الدولة التي ظنوا بحماقة أنهم يستطيعون فرضها على العراق. وقد كانت القوات الأمريكية على الأرض وأنصار تنظيم القاعدة تقليدياً مزيجاً متقلباً.

هل تبذل الولايات المتحدة جهداً للإطاحة بالأسد؟ إذا جعلته الولايات المتحدة من أولوياتها، ليس هناك شك في أنه يمكن أن يتحقق بسرعة نسبياً (تماما كما في حالة صدام حسين). ماذا بعد؟ لا يمكن التنبؤ به وهو خطير.

يجب أن تمتلك قلباً من حجر كي لا تتعاطف مع الشعب السوري أو تفكر في حرب مبررة أخلاقياً لإنقاذ البلاد من المزيد من الألم. ولكن القرارات السليمة لا تتخذ من العاطفة، والأعمال النابعة من أفضل النوايا يمكن أن تؤدي أحياناً إلى نتائج قاتمة أو أكثر سوداوية مما تصوره أياً كان حالياً.

المصدر

Syria war drumbeat builds, but where is it leading?

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s