نقد خيار التدخل العسكري في سوريا

بقلم فريد زكريا

11 يوليو / حزيران 2012

يختبر نظام  بشار الأسد الوحشي في سوريا مدى نجاح فرضية أن القمع هو الحل الأنجح. والمذبحة التي ارتكبها مؤخراً بحق المدنيين في الحولة ما هي إلا أحدث الأمثلة على ما يبدو أنه استراتيجية تقوم على عدم تقديم أي تنازل، واستخدام أقصى درجات القوة. فبحسب طريقة نظام الأسد في التفكير، أخطأ كل من حسني مبارك في مصر ومعمر القذافي في ليبيا عندما ترددوا مما شجع المعارضة وزرع بذورالشك بين أنصارهما.
حتى الآن نجحت استراتيجية الأسد. فبعثة  كوفي عنان، التي يبدو أنها تستند إلى الفكرة القائلة بأن الأسد سيتفاوض على حل يتضمن خروجه من البلاد، يبدو أنها وصلت لطريق مسدود. وبدلاً من الاعتماد على هذه المبادرة ينبغي على  الولايات المتحدة والعالم الغربي، عملياً العالم المتحضر بأسره، العمل على التخلص من نظام الأسد.
ولكن هل هناك طريقة ذكية للقيام بذلك؟

من المرجح أن التدخل العسكري، لعدد من الأسباب، لن ينجح  في سوريا. بدايةً هناك الجغرافيا: على عكس ليبيا، سوريا ليست دولة مترامية الأطراف ولا تحتوي على مساحات شاسعة من الأراضي يستطيع الثوار التراجع إليها والاختباء بها للحصول على الامدادات. مساحة سوريا هي تقريباً واحد على عشرة من مساحة ليبيا وتعداد سكانها ثلاثة أضعاف تعداد سكان ليبيا. ولهذا السبب جزئياً لم يتمكن الثوار السوريون من السيطرة على أي جزء هام من البلاد. ما يقرب من نصف جميع السوريين يعيشون في أو حول مدينتين، دمشق وحلب، ويبدو أنهما ماتزالان في قبضة النظام. والهجمات الليلية المتقطعة تتكرر في أماكن أخرى، لكنها لا تتوسع.

 بالإضافة لذلك ليس من الواضح أن المعارضة السورية  قادرة على التوحد. والمعارضة الشعبية ضد الأسد ليست منظمة ولا واسعة النطاق. كما يبدو أن المجلس الوطني السوري، وهو تجمع يضم المعارضة المنظمة، غير قادر على التوحد تحت قيادة زعيم أو رؤية أو مجموعة موحدة من الأهداف. ريما فليحان، إحدى ناشطات المعارضة الشعبية والتي هربت من سوريا لتعمل على تنظيم المعارضة، انسحبت من المجلس، وقالت لصحيفة نيويورك تايمز “يتقاتلون فيما بينهم أكثر مما يعملون.”

الحقائق الجيوسياسية للتدخل العسكري تبدو غير مشجعة أيضاً. ففي الحالتين المصرية والليبية، كانت جميع القوى الإقليمية والدولية الرئيسية مع التدخل أو تقبلوه على مضض، أما في سوريا فالوضع مختلف. فكلٍ من إيران وروسيا ماتزالان تحتفظان بعلاقات قوية مع نظام الأسد. ولو تدخلت القوى الغربية ، فإنه الصراع سيتحول لصراع بالوكالة بين القوة العظمى من خلال الميليشيات التي سيمولونها. مما سيؤدي على الأرجح إلى حرب أهلية طويلة الأمد مع وقوع خسائر بين المدنيين تفوق بمراحل الأرقام الحالية. الكثير من المراقبين يرون أن الأوضاع في سوريا لاتشبه الوضع الليبي وأنها أقرب للوضع اللبناني حيث أسفرت الحرب الاهلية التي استمرت عقوداً عن أكثر مئة وخمسين ألف قتيل ومليوناً من المهجرين.

 أحد العوامل الناقصة [والتي تهيء لنجاح التدخل الخارجي] في سوريا غياب حالات الانشقاق بين الرتب العالية في النظام السوري. فحتى الان لم يحصل أي انشقاق هام في صفوف الجيش، المخابرات أو مجتمع الأعمال. النظام السوري الحالي بناه والد بشار الأسد، حافظ الأسد. الأسرة الحاكمة  من العلويين، وهم طائفة شيعية تمثل نحو 12٪ فقط من السوريين، والرتب الرئيسية في الجيش وجهازالاستخبارات هم من هذه الطائفة. حافظ هؤلاء الموالين على ولائهم للنظام لأنهم يعرفون أنهم على الأرجح سيذبحون  في سوريا ما بعد الأسد. ولكن الأسد استطاع أيضاً وقف الانشقاق بين أعضاء النخبة الحاكمة من السنة والمسيحيين بواسطة مزيج من الترهيب و الترغيب.

 وهذه هي النقطة التي يمكن استغلالها ضد النظام. سوريا ليست دولة نفطية، والنظام لا يملك موارد غير محدودة لشراء ذمم النخب. فإذا تم تطبيق عقوبات صارمة بحق النظام السوري، بما في ذلك حظر عام على الطاقة،  فمن المحتمل ان يبدأ بالتصدع. قد يؤدي هذا الأمر لوساطة ما لإخراج آل الأسد من البلاد أو انهيار كامل للنظام، فمن غير المحتمل أن يستمر النظام من دون موارد مادية.

إدارة أوباما محقة بمحاولتها مقاربة المشكلة مع أكبر قدر ممكن من الحلفاء. كما أنها محقة في محاولتها لإقناع روسيا، إن لم تكن راغبة بالانضمام للتحالف، بأن تخفف على الأقل من اعتراضاتها على العقوبات بحق النظام السوري. من المستبعد أن تبادر موسكو لاتخاذ هذه الخطوة إلا حين تصل لقناعة بأن نظام الأسد ساقط لامحالة وأنه من الأفضل لروسيا ان تجهز نفسها لما سيأتي بعده. حتى من دون روسيا وإيران فإن العقوبات الحقيقية والحظر سيؤديان لإفلاس النظام السوري مما سيؤدي للتعجيل بنهايته.
القيام بعمل دراماتيكي لإسقاط نظام الأسد اليوم قبل غداً هو بالتاكيد أمر مرضي أكثر من الناحية المعنوية، لكن تجويع النظام هو استراتيجية اكثر فعالية.

 المصدر

The Case Against Intervention in Syria

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s