لماذا تشعر سوريا بأنها مهملة

Donatella Rovera دوناتيلا روفيرا  

مايو/ أيار 2012

كان المشهد نفسه خلال سفري من قرية إلى قرية في منطقة جبل الزاوية في سوريا، والتي تقع إلى الشمال الغربي من حماة في محافظة إدلب. المشهد كان منازل محروقة وعائلات مفجوعة تصف لنا الفظائع التي قام بها الجنود السوريين. أقارب من جميع الأعمار سُحلوا وأُطلق النار عليهم. جثثهم في العادة يتم حرقها مما يجعلها فعلياً جزء من سياسة الأرض المحروقة التي يتبعها الجيش. لقد تكلمت مع أناس كانوا مرعوبين ولا يجرؤون على مغادرة منازلهم.

يقوم الجيش السوري بالتمركز في التلال التي تطل على القُرى. الطريق الرئيسي مفتوح للحركة، ولكن هناك الكثير من حواجز الجيش عليه. حتى سكان المناطق التي تبدو ظاهرياً تحت سيطرة المعارضة المسلحة، هم خائفون. يعلمون بأن الجيش يستطيع أن يعيد هجومه الواسع النطاق الذي قام به في حمص ودرعا في الأشهر الأخيرة.

الجميع هنا يسأل أين العالم؟

بعد أكثر من سنة على انطلاق الانتفاضة السورية مازال قادة العالم غير قادرين، حيث فشلوا في إيجاد مسار عمل فعّال لإيجاد حلول إغاثية ملموسة لحماية المدنيين الذين مازالوا، ومن دون رحمة، مستهدفين من قِبل القوات الحكومية لأنهم فقط تجرّأوا وطالبوا بإزاحة بشارالأسد ونظامه القمعي. المئات من المتظاهرين السلميين المطالبين بالإصلاح أُطِلق الرصاص عليهم وقُتِلوا. هناك الآلاف من الجرحى والمعتقلين الذين تعرضوا للتعذيب.

منظمة العفو الدولية أكدت مقتل 9400 شخص في سوريا مذ بدأت القوات الحكومية بإطلاق النار على المتظاهرين في آذار 2011. أكثر من 1300 شخص قُتِلوا خلال مهمة المراقبين الدوليين التي بدأت في  14 نيسان/أبريل.

مهمة المراقبين التي هي جزء من خطة مبعوث الأمم المتحدة كوفي أنان ذات النقاط الست فيها عيوب أساسية: غياب التفويض لمراقبة وتقصّي انتهاكات حقوق الإنسان بما فيها جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية.

إن رفض الحكومة السورية لمنظمات حقوق الإنسان العالمية والمنظمات الإنسانية، بما في ذلك لجنة التحقيق الأممية التي أُحدِثت العام الماضي، من العمل من غير قيود داخل الأراضي السورية، جعل الحاجة للأمم المتحدة أكثر إلحاحاً لمراقبة وتقصّي الانتهاكات.

إن مقتل 108 أشخاص في الحولة الأسبوع الماضي جرّاء قصف الجيش بالمدفعية وقذائف الهاون والصواريخ بالإضافة لاقتحام المناطق السكنية، أكدّت أن مهمة المراقبين الدوليين يجب أن تشمل التحقيق باتهامات الانتهاكات من الطرفين.

يستطيع المراقبون الدوليون تمرير معلومات حيوية إلى المحققين. بما في ذلك المحققين الذين يعملون مع لجنة التحقيق الأممية المنوطة بسوريا، لأنه حتى الآن لا يوجد توافق دولي لأي مبادرة أو عمل.

هؤلاء الذين يرتكبون الانتهاكات ويعيثون دماراً في سوريا مرتاحون، وسيستمروا في نهجهم لأنهم فوق القانون. إن هذا التقاعس في العمل سيؤجج الاستياء بين الناس الذين يشعرون بالإهمال. على الرغم من أن الناس الذين قابلتهم كانوا مرعوبين من الذي يحصل لهم لكنهم أيضاً يريدون العالم أن يعرف ماذا يحدث لهم.

في إحدى القرى التي تقع إلى الشرق من “إحسم”، أخبرتني إحدى النساء كيف قام الجنود بقتل جارها الخمسيني والأب لثمانية أطفال ومن ثم قاموا بحرقه.

قالت لي: “قام الجنود بجرّ جارها إلى غرفة صغيرة في البستان المجاور ثم سمعت صوت إطلاق نار.  بعد رحيل الجنود بدأ الدخان يتصاعد من الغرفة”. أضافت: “ذهبت مع أقربائي لإطفاء الحريق معتقدين أن الجنود قد أخذوا جارنا معهم. كان الدخان كثيف جداً، ولم نستطع رؤية أي شيء، ولكن عندما أشعلنا شعلة وجدت جارنا يحترق إلى جانب برميل المازوت الذي كان داخل الغرفة”.

في اليوم نفسه، قام الجنود بإعدام ستة قرويين في بيت قيد الإنشاء خارج القرية، حيث وجِدت جثثهم بمن فيهم رجل في الاثنين والسبعين من عمره هو وابنه. لقد أحصيت 16 ثقباً لطلقات الرصاص في الحائط.

أخبرني القرويين بالكثير عن الفظاعات التي حلّت بهم. في قرية مشمشان، وفي الواحد من شهر مايو/أيار اخترقت قذيفة منزل عائلة يوسف، فقتلت سبعة من العائلة وجرحت آخرين. في قوقفين، وفي الثاني عشر من مايو/ أيار قُتلت الطفلة مريم قاضي (5 سنوات)، عندما قامت قوات الجيش الموجودين على التلة المقابلة  لبيتها بإمطار البيت بالرصاص. أسفر الهجوم أيضاً عن جرح ابن عم مريم (10 سنوات)، وعمتها السبعينية العمر. أيضاً هناك قصص عن التعذيب التي أخبرني عنها هؤلاء الذين أعتقلوا. الذين استطاعوا النجاة خرجوا بعظام مكسورة، فاقدين لأسنانهم ولديهم الندبات العميقة والجروح المفتوحة لما تعرضوا من ضرب مبرح وإلى الصعقات الكهربائية. الاعتقال والتعذيب مصير كل من يُشتبه به بدعمه للمعارضة مهما كان الدعم صغيراً. الكثير من الضحايا كانوا من الداعمين للحكومة أو أنهم لم يكونوا معنيين بالسياسة. معظمهم من الشبان.

لخوفهم من الاعتقال أو القتل، معظم الرجال يتجنبون حواجز الجيش. إن هذا الخوف المنتشر مبني على أسس سليمة، بإعتبار أن عدد الإعدامات زادت في الأشهر الأخيرة.

يجب على العالم أن يرسل برسالة واضحة لسوريا بأن هذه الفظائع لا يجب أن تستمر. إن التفويض الأممي لمهمة المراقبين الدوليين يُعتبر الخطوة الأولى الحاسمة لتحميل المسؤولية لهؤلاء المسؤولين عن الجرائم ضد الإنسانية.

عن كاتبة المقالة: تعمل Donatella Rovera دوناتيلا روفيرا ككبيرة مستشاري منظمة العفو الدولية وهي مختصة بالاستجابة للأزمات  في العالم وقد قامت بإعداد تقارير عدّة عن انتهاكات حقوق الإنسان من أماكن نزاع عديدة في العالم منذ عام 1991.

المصدر

Why Syria feels abandoned

 

 

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s