دعـاية الأسـد الكاذبة عن مجزرة الحولة

تقرير أيمن جواد التميمي وفيليب سمايث Philip Smyth

11 حزيران / يونيو 2012

طوال فترة الصراع السوري، تناولت وسائل الإعلام الغربية الطُعم الذي جهزه أكثر القائمين على دعاية بشار الأسد موهبةً، الذين دوماً ما يحيكون القصص عن جماعاتٍ مناهضةٍ للأسد على غرار مجموعات القاعدة، على أنها تقوم بطرد وقتل أفراد من الأقليات. تتطرق هذه الادعاءات إلى قضايا تصب في صالح نظام الأسد، خصوصاً ما ما يدعيه النظام من تحول سوريا إلى عراق آخر بدونه.

إن النتيجة المحتملة لإزالة الأسد، على افتراض أن سوريا أو المناطق التي تسكنها الأكثرية السنية يمكن أن تتعاضد مع بعضها البعض، هو نظام جديد بصبغة إسلامية سنية. إلا أن ذلك لا يبرر محاولات النظام نشر الأكاذيب الملفقة.

في مقالة نشرت على ناشونال ريفيو أونلاين National Review Online، قام جون روزنثال John Rosenthal بالاقتباس من مقالة نشرت في 7 يونيو/حزيران في صحيفة فرانكفورتر أليماين زيتونغ Frankfurter Allgemeine Zeitung (FAZ) الألمانية، حيث كانت تناقش مجزرة الحولة الأخيرة، واستشهد روزنثال كذلك بمقالة الأم أغنيس-مريم دي لا كروا Mother Agnès-Mariam de la-Croix التي تناولت إحدى الحوادث التي وقعت في حمص منذ شهرين.

إن التفسير الفوري الذي عرضه النظام السوري بالنسبة لمجزرة الحولة هو أنها كانت من فعل “إرهابيين مسلحين” مناهضين للأسد. و هو ذات التفسير الذي تم استخدامه عندما شهدت حمص مجزرة راح ضحيتها 50 شخصاً في مارس/ آذار. والآن، تزعم صحيفة فرانكفورتر أليماين زيتونغ FAZ أن مجزرة الحولة لم تكن فقط من تنفيذ أفراد جماعات المعارضة، وإنما كان أغلبية الضحايا من العلويين كذلك – وهي الطائفة الدينية التي ينتمي إليها الأسد – بالإضافة إلى بعض العائلات السنة التي قامت باعتناق المذهب الشيعي.

قد يميل المرء للاعتقاد بأن صحيفة فرانكفورتر أليماين زيتونغ FAZ قد حصلت على سبق صحفي حقيقي، ولكن الحقيقة هي أن هذه الادعاءات مصدرها مواقع مؤامرة غريبة على شبكة الانترنت. وفي الكثير من الأحيان، يشارك العديد من مروجي الدعاية الذين لهم مصلحة مباشرة في الدفاع عن الأسد والذين دخلوا في سلسلة روتينية من تزويد بعضهم البعض بالتفاصيل، ما يؤدي في النهاية إلى أن تجد هذه الروايات طريقها إلى وسائل إعلامية مشروعة.

فعلى سبيل المثال، في آذار/مارس، قامت وكالة فيدِس / أجينسيا فيدِس Agenzia Fides، وهي مؤسسة نشر رسمية تعود للفاتيكان، بإعادة نشر (بشكل حرفي تقريباً) مقال حصلت عليه من قبل موقع دعائي سوري على الإنترنت يدعى (سوريا الحقيقة)، جاء فيه أن الجهاديين طردوا مجموعة من السكان المسيحيين من مدينة حمص. وقد وجدت هذه المعلومة في نهاية المطاف طريقها إلى وسائل إعلام كجريدة اللوس أنجيليس تايمز Los Angeles Times. وعندما أظهرنا أن هذه الادعاءات مشكوك في صحتها، ثارت ثائرة “سوريا الحقيقة”. وكان مقال نشر لاحقاً لمكلاتشي McClatchy ، قد أيد دحضنا لهذه الادعاءات.

فنتيجةً للضبابية المحيطة بمجزرة الحولة، يبدو أن هناك ازدياداً في تسرب المعلومات غير الدقيقة إلى منافذ الإعلام الرئيسية.

في مقال نشر في 5 حزيران لتييري ميسان Thierry Meyssan، يناقش الكاتب في هذا المقال النقطة ذاتها المطروحة في مقالة FAZ، بالأخص ما يتعلق بأن المجزرة حدثت في سياق هجومٍ للمتمردين على الجيش السوري، وأن بعض الضحايا كانوا من عائلات سنية قد تحولت إلى الشيعية.

وميسان Meyssan، الفرنسي المعروف كأحد مروجي نظرية المؤامرة بالنسبة لأحداث 11 أيلول، يؤمن بأن مجزرة بلسان Belsan في روسيا – وهي مجزرة ارتكبها الجهاديون الشيشان والأنغوش، وراح ضحيتها المئات من أطفال المدارس الروس – كانت فعلياً بتخطيط وإدارة وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية CIA والحكومة الأمريكية.

بدوره، أشار ميسان إلى فوكس كلامانتيس Vox Clamantis أحد المنافذ الإعلامية المرتبطة بالأم إغنيس، التي أصدرت بياناً صحفياً في 26 مايو/أيار تزعم فيه أن الجيش السوري لم يكن في جوار الحولة كما أنه لم يقم بقصف المنطقة، حيث قدمت شهادةً مزعومة لشاهد عيان مجهول الهوية من “كْفَرْ لاها” (بلدة تقع على مقربة من الحولة).

حيث ادعى شاهد العيان المزعوم، أنه في ليلة المجزرة، تسلل متمردون مسلحون إلى أحد المستشفيات في حوالي الساعة الثامنة مساءً، فقتلوا جميع من فيها، وأزالوا الجثث، ثم أحرقوا المستشفى. بعد ذلك، قام المتمردون بالدخول إلى بلدة “تلدو” في حوالي الساعة العاشرة مساءً، حيث شرعوا بذبح بعض العائلات العلوية. ومن ثم، تم جمع جميع الجثث ونُقلت إلى مسجدٍ في الحولة لعرضها على مراقبي الأمم المتحدة لإيهامهم أن الجيش السوري هو من ارتكب المجزرة.

وعلى غرار نزار نيّوف من موقع “سوريا الحقيقة”، فإن الأم إغنيس-مريم غالباً ما تتخذ موقفاً معتدلاً ذو طابعٍ سطحيٍ ماكر؛ حتى أنها كتبت رسالةً مفتوحة إلى الأسد عن ظروف الناس المتأثرين بالقتال في المستشفيات السورية. غير أن هذا ببساطة، مجرد ستارٍ لهدفها الحقيقي الراسخ من تأمين غطاءٍ لنظام الأسد و إيديولوجيته.

الأم أغنيس-مريم لا تزيد عن كونها أحد مروجي دعاية الأسد، مستخدمة امتيازاتها الدينية للترويج لرواية محددة.

فوفقاً لصحيفة لي كورير Le Courrier السويسرية، إن إغنيس-مريم “مرتاحة بين الأجهزة الأمنية للأسد”، حيث أخبرت مراسل الصحيفة أنه كان من المأمول أن يتمكن (أي الأسد) “من تفكيك بروباغاندا الإعلام الغربي”.

كما أجرى تييري ميسان أيضاً، مقابلةً كاشفة مع الأم إغنيس-مريم عن مسيحيي الشرق الأوسط. وخلال الحوار، رددت الراهبة موقف الأسد الهزلي بشكل نموذجي أن الديكتاتور يسعى حقاً إلى “الإصلاح”.

وقد صرحت إغنيس-مريم لميسان أنها “تأسف لرفض ما يسمون بالمعارضة، دعوة الرئيس بشار الأسد لهم للدخول في حوار حول سلسلة الإصلاحات التي سيقوم بتطبيقها”.

بالطبع، لن يكون هنالك أي عواقب على الراهبة (التي لم تتراجع عن تصريحاتها السابقة)، حيث جاء في الرسائل الإلكترونية الخاصة والمسربة أن الأسد أرسل إلى زوجته يخبرها بأنه “سيقوم بتبني (خطة تبقيه في السلطة) عوضاً عن قوانين الأحزاب والانتخابات والإعلام التافهة (والتي تعني إصلاحات ديمقراطية فعلية).”

و قد واصلت الراهبة الرئيسة إغنيس-مريم ادعاءاتها أن المعارضة ليست إلا مجرد دمىً في مؤامرة توجهها القوى الخارجية، حيث تقول: “إن المجلس الوطني السوري (مجموعة المعارضة الرئيسية ضد الأسد) لا يمثل نتاجاً طبيعياً للتطلعات الحقيقية للشعب السوري فيما يخص حقوقهم المشروعة، فهو نتاج اصطناعي لتعاون سري مع مصالح تتعدى الحدود السورية.”

كما قدمت نموذج الأسد عن العروبة، بحجة أن مسيحيي الشرق الأوسط هم عرب حقيقيين. فالكثير من مسيحيي الشرق الأوسط (بما فيهم الكاثوليك الشرقيين كالكلدان والموارنة) لم يتبنوا الهوية العربية، لكن العروبة هي جزء لا يتجزأ من أيديولوجية الأسد نفسه.

وبالعودة إلى مقالة 5 حزيران لميسان، يستشهد مروّج نظرية المؤامرة بتقرير تلفزيوني أذيع في 31 أيار لقناة إخبارية روسية معروفة بفيستي24 Vesti24. ففي تقرير أعيدت طباعته على موقع ميسان الالكتروني، فإن مارات موسين Marat Musin من قناة فيستي24 –ويقال انه على صلة بوكالة شبكة الأخبار الأبخازية ANNA News- يتبع التيار المؤيد للأسد، الأمر الذي لا يثير الاستغراب بالنظر إلى تقارير موسين السابقة عن حمص، التي روجت لادعاءات بوجود ضباط عسكريين فرنسيين في سوريا لمدّ يد العون للمتمردين. وبالتحديد، كتب موسين عن مجزرة الهولة:

“عندما استولى المتمردون على نقطة التفتيش الدنيا في مركز المدينة، الواقعة بالقرب من دائرة الشرطة المحلية، باشروا بتمشيط كل العائلات الموالية للسلطات في المنازل المجاورة، بما في ذلك كبار السن والنساء والأطفال… العديد ممن قُتل كانوا “متهمين” بالتجرؤ على تغيير طائفتهم من السنية إلى الشيعية. لقد تم قتل الناس بواسطة السكاكين وإطلاق الرصاص من مسافة قريبة جداً. ثم تم عرض القتلى على الأمم المتحدة و المجتمع الدولي على أنهم ضحايا قصف من قبل الجيش السوري، الشيء الذي ليس له أي دلالة على أجسادهم”.

“إن فكرة أن مراقبي الأمم المتحدة قد سمعوا القصف المدفعي على الحولة وهم في فندق السفير في حمص ليلاً. … أنا أعتبر أن ذلك ليس أكثر من نكتة سيئة. فخمسون كيلومتراً تفصل بين حمص والحولة. ما نوع الدبابات أو الأسلحة التي تمتلك هذا المدى؟ … بعد فحص بصري للحولة، فإنه من المستحيل العثور على آثار أي دمار أو تفجير أو قصف جديد….”

“ومن الملاحظ أن نفس محاولات إثارة الفتنة قد فشلت في شومر (في حمص) حيث قتل 49 من المسلحين والنساء والأطفال، وقد تم ترتيبها مباشرة قبل زيارة كوفي أنان Kofi Annan . ثم تم الكشف عن آخر إثارة مباشرة فور معرفة أن جثث المخطوفين سابقاً تعود لعلويين. وقد احتوت محاولات إثارة الفتنة هذه على تناقضات خطيرة  – فأسماء القتلى كانت لأناس أوفياء للنظام، ولم يكن هناك أي أثر للتفجيرات، إلخ.”

“مع ذلك، فإن آلة الإثارة ما تزال فاعلة على حد سواء. واليوم، تهدد دول حلف شمال الأطلسي NATO بشكل مباشر بقصف سوريا، بالإضافة إلى بدء طرد الدبلوماسيين السوريين في آن واحد”.

ولإثبات ادعاءاته، استشهد موسين بشهادة الجنود الجرحى ومسؤولي فرض القانون، إضافةً إلى أحد سكان قرية تلدو في منطقة الحولة الذي يقال أنه كان “يقف على سطح مركز الشرطة”. هذا الشخص يزعم أنه بعد تنفيذ المجزرة، قام المتمردون “بنقل جثث قتلاهم، إضافةً إلى جثث الأشخاص والأطفال الذين قتلوهم إلى المسجد”.

على الرغم من أن استعراض هذه الأدلة قد يبدو مملاً، إلا أنه يجب أن يكون واضحاً أن FAZ لم تقم بنقل نظريةٍ جديدة، وإنما تقوم ببساطة بإعادة تكرير الادعاءات القادمة من مروجي الدعاية ومنظري المؤامرة المؤيدين للأسد.

والادعاءات التي يطرحها ميسان وغيره لا يتم تجاهلها من قبل وسائل الإعلام الرئيسية لأن هذه الوسائل ببساطة تريد سيناريو بطولي شعبي ديمقراطي للثورة ضد نظام وحشي، وإنما يتم تجاهلها لأنه لا أساس لها على أرض الواقع.

في الواقع، لقد كانت الدوافع الطائفية المعقدة التي تقف خلف الصراع محور النقاشات التي دارت بين محللين ومراكز إخبارية كرويترز Reuters وهيئة الإذاعة البريطانية BBC. وفي سياق مماثل، فقد تم توثيق تقارير شرعية عن انتهاكات واسعة وجسيمة لحقوق الإنسان من قبل الثوار وأعضاء من المعارضة، وقد عممتها منظمات غير حكومية مثل هيومان رايتس ووتش Human Rights Watch ومؤسسات إعلامية مرموقة مثل دير شبيغل Der Spiegel. هل يمكن أن يكون هذا سرداً أحادي الجانب من قبل وسائل الإعلام الرئيسية؟ لا أعتقد ذلك.

إن الحصول على تقارير دقيقة في سوريا أمر صعب، وما زاد في صعوبته هو انتشار العنف على نطاق واسع. ولكن على الرغم من وجود المعلومات المشروعة المقدمة من المواطنين السوريين، إلا أن هناك أيضاً صناعة هزيلة لتقارير عديمة المعنى يتم تقديمها بالتحديد لتغيير تصورات المراقبين.

إن الأنظمة الاستبدادية تحتفظ بمروجي الدعاية الخاصين بها، إضافةً إلى حشدٍ من “البلهاء المفيدين”، الذين يعملون على نشر وتشويه المعلومات الحقيقية بأسلوب يتناسب مع أهدافهم الخاصة.

وسوريا ليست استنثناءً، فدمشق لديها أبواقها ومروجي الأكاذيب الخاصة بها (كأمثال سعيد الصحاف في العراق)، إلا أنه تم التعامل معهم بجدية أكبر، وفيما يجلس الغرب مكتوف الأيدي ينظر ما سيحل بسوريا، يتوجب على المحللين الحرص في تقييم الوضع.

أيمن جواد التميمي هو طالب في كلية براسينوز Brasenose College، في جامعة أوكسفورد، وزميل مساعد في منتدى الشرق الأوسط.

فيليب سمايث Phillip Smyth هو صحفي وباحث يختص في شؤون الشرق الأوسط و يسافر بشكل متنظم إلى المنطقة.

المصدر

Assad’s Houla Propaganda

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s