إيارا لي Iara Lee
15 مايو/ أيار 2012
هافينغتون بوست Huffington Post
يُعتبر الصراع الحالي في سوريا النسخة القبيحة من الانتفاضات العربية التي حدثت في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا السنة الماضية. بدأت الانتفاضة الشعبية في سوريا سلمية مثلها مثل الانتفاضات في الدول المجاورة حيثُ كانت عبارة عن مظاهرات سلمية تُطالب بالإصلاح الديموقراطي، لكنها ما لبثت أن تطورت إلى عنف عَصَف في البلاد وأوصلها إلى حافة الحرب الأهلية الشاملة. السيطرة التي يحظى بها النظام السوري على شعبه ما زالت جديرة بالاعتبار، لذلك فإن آفاق هذه الحرب الأهلية ما زالت قاتمة ومحبطة، بالإضافة إلى طبيعتها التي ستكون طويلة، معقدّة ودموية، مع الأخذ بعين الاعتبار أن تلك الآثار التي ستسقط النظام أو متى ستسقطه أمر غير مؤكد بعد.
الذي لا يدركه نظام الأسد (أو بالأحرى يفهمه ولكن بسُخرية) هو أن قضية اللاجئين السوريين تصب الزيت على نار النزاع القائم. فاليوم تنشأ في مخيمات اللاجئين نوعية من ‘المتطرفين’ والتي لطالما أدانها النظام. المخيمات التي زرتها على المنطقة الحدودية في جنوب تركيا ليس بالاستثناء. عشرات الآلاف من الناس الخائفين الحزانى هجروا بيوتهم وهربوا وقلوبهم مليئة بالكراهية المُبَرَرة. معظم هؤلاء اللاجئين كانوا شهود عيان على وحشية لا توصف. فقد شاهدوا رفاقهم وعائلاتهم يُقتَلون، يُغتَصبون أو يختفون. في ظل هذا الرعب لا يوجد مكان للمفاوضة مع النظام السوري بعد الآن. ولهذا يجد اللاجئون أنفسهم يبتعدون ويتخلون عن الثورة السلمية ويدعمون الجيش السوري الحر، الذي هو عبارة عن كيان غير واضح المعالم يجمع في مكوناته الجنود المنشقين والمواطنين الغاضبين، وفي بعض الأحيان المجرمين. في بداياته تكون الجيش السوري الحر من مجموعة من الجنود الذين رفضوا إطلاق النار على المدنيين المتظاهرين سلمياً وانشقوا عن الجيش النظامي وشكلوا ميليشيا لحماية المظاهرات السلمية. بُعيد ذلك، بدأ هذا المكون الدفاعي المحض يقوم بغارات صغيرة وكمائن ضد القوات الحكومية، وبالتالي عزز ادعاءات النظام أن المتظاهرين غير سلميين ولا يمكن التعامل معهم بالطرق السلمية.
سيمثل السماح للعنف بتخطّي الثورة انحدار إجمالي في العاطفة، وتخلٍ كامل عن التفكير الاستراتيجي الذي سيؤدي إلى نتاج ما يمكن أن يُنظَر إليه على أنه نسخة مصغرّة عن النظام السوري نفسه بكل ما يعنيه من وحشية وكذب وفقدان تام للإنسانية. هكذا ثورة لا يمكن أن تبشر بالخير للنظام الوريث. هناك الآن بعض الأدلة على هكذا تحول في الثورة. لقد كَثُرت الإشاعات عن أفراد يائسة في المعارضة تقوم بتقليد خصمهم القبيح عبر ابتداع ونشر مقاطع فيديو ودعاية كاذبة عن طريق إخراج مسرحي لعمليات هجومية ضد أهداف حكومية وتشجيع المزيد من العنف، عندما كان هدفهم منذ البداية هو الحد من العنف وليس تأجيجه.
مع أن معظم السوريين يفضلون العودة الكاملة للثورة السلمية التي بدأت منذ أكثر من سنة، ترى النظام راضٍ ومطمئن تماماً بوجود المعارضة المسلحة. حيث أن نظام الأسد يتلقى ببلايين الدولارات أسلحة روسية متطورة ليست موجودة بأيدي الثوار أو على الأقل هي أسلحة لا يمكن للثوار مضاهتها. وهذا يجعل المثال الليبي عندما تدخل الناتو (وهو المثال الذي يحبّذه البعض) شديد التعقيد وغير قادر على الخروج بسلم حقيقي في سوريا حرة. الخيار العسكري، ولأسباب عملية، غير موجود، على الأقل غير موجود دون أن يتم تدمير البلاد التي يؤمل بتحريرها.
رغم العنف هناك بوادر أمل. فالنساء يتنقلنّ من دمشق إلى حمص، ويجتزنّ نقاط التفتيش، ومعهن المواد الطبية تحت ملابسهنّ. صفوف دراسية تُرتجل في أي مكان لتمكين الأطفال من إكمال دراستهم رغم العنف المشوش الموجود حول الأطفال. ترى الأطفال يكتبون القصائد ويرسمون اللوحات عن الديكتاتور المجنون الذي على عكس أسطورته في تحدي أمريكا وإسرائيل، يقوم بإرسال دباباته ليقتل شعبه. المقاومة اللاعنفية لا تعني بالضرورة عدم المقاومة ولا تعني أيضاً حمل اللافتات في الشارع. تحدثت مع الكثير من اللاجئين، مواطنين سوريين عاديين، غير مهتمين بالسلطة السياسة، يتأملون ويعتقدون بأن العمل السلمي المباشر كالإضراب العام قادر على شلّ البلاد وعلى أن يُعيث الخراب في بنية النظام. إذا حصل وعادت الثورة إلى أصولها السلمية فعلى الأرجح ستزداد حجماً وقوة. يتمتع بشار الأسد بشعبية قليلة جداً بين أبناء شعبه، ولكن العنف المستخدم من النظام والمعارضة أدّى إلى نفور الكثيرين ليصبحوا من الصامتين.
سيصبح تأثير هذه المقاومة السلمية مضاعف إذا ما ترافقت مع جهود دبلوماسية جماعية متفق عليها، والتي ستفرض على الروس والصينيين أن يشتركوا بالعقوبات المفروضة على نظام الأسد. بالطبع هنا يصبح الصراع أكبر وأكثر تعقيداً، حيث أن سوريا هي البيدق الأقل حظاً في نزاع أكبر للقوى الكبرى. التحالف بين نظام الأسد وإيران وعلاقته مع القوى الصاعدة في العالم (الصين و روسيا) يضع النظام في موقف خلاف في مواجهة القوى العظمى، (الولايات المتحدة) وخليفتها المختارة (إسرائيل). الحالة الجيوسياسية للأزمة السورية بدأت بإحداث خلافات بين الناشطين الدوليين الذين في العادة هم موحدون لمعارضتهم للأمبريالية الأمريكية والسياسات الإسرائيلية تجاه فلسطين، حيث الآن يجدون أنفسهم بالنسبة إلى سوريا ونظام الأسد على الجانب المعاكس للخلاف. أجد هذا الأمر مدهشاً ومحيراً عندما أفكر فيه، إذا كنت تؤمن في فلسطين حرة فعليك أيضاً أن تفكر بسوريا الحرة. مع كل تهديدات نظام الأسد لإسرائيل، ماذا فعل الأسد للفلسطينيين؟ إن اللاجئين الفلسطينيين في سوريا، الذين تحدثت معهم، معارضون للأسد مثلهم مثل السوريين، ويبدو هذا لأنهم يدركون أن الاضطهاد هو نفسه، بغض النظر عن اللون أو الأصول أو الدين، وأدركوا أيضاً أن الاضطهاد له لغته الخاصة به.
مع استمرار صمود الشعب السوري، فإن سقوط بشار الأسد واقع لا محالة. ولكن لضمان هذه النتيجة لا بد من نبذ وتجاوز الطائفية، وأيضاً تجاوز العقبات الإقتصادية والسياسية والعرقية التي تعتبر أدوات نظام الأسد التي يستعملها ضد شعبه. على الشعب السوري أن ينهض كوحدة متكاملة. وباعتقادي الأهم من كل هذا هو تجاوز كل ما ذُكر من مصاعب من دون اللجوء إلى العنف الذي هو سِمة الخصم. اللجوء إلى العنف سيؤدي إلى فشل الثورة وانتصار بشار الأسد وقصته الكاذبة التي خلقها.
المصدر
So true. Honesty and everything regencizod.