الكنوز الثقافية في سورية أيضاً من ضحايا الثورة

سي بي إس نيوز CBS News

1 أيار/مايو 2012

صورة بتاريخ 20 إبريل/نيسان 2012، تظهر أحد الثوار السوريين يقف داخل منزل أثري تعرض لأضرار جسيمة بسبب قصفه من قبل قوات الأمن السورية في حي الحميديه، في محافظة حمص، المدينة القديمة، وسط سوريا (أسوشيتد برس).

بيروت – على قمة تلة شاهقة، صمدت قلعة الحصن، إحدى أفضل القلاع الصليبية المحافظ عليها في العالم، أمام الحصار الذي فرض عليها من قبل المحارب المسلم صلاح الدين الأيوبي قبل 900 عاماً تقريباً. وقد أثنى لورانس العرب على جمالها وكانت إحدى نفائس السياحة في سورية.

ولكن القلعة وقعت ضحية لفوضى الثورة السورية والقمع الممارس ضدها من قبل نظام الرئيس بشار الأسد. يقول بسام جاموس، المدير العام لمديرية الآثار والمتاحف في دمشق إن مسلحين اقتحموا القلعة مؤخراً وطردوا الموظفين وبدؤوا حفريات لنهب الموقع.

ويحذر الخبراء من أن الاضطرابات في سوريا تهدد التراث الأثري الغني في البلاد.

وقد وقعت بعض المواقع الأكثر أهمية في البلاد وسط تبادل لإطلاق النار في معارك بين قوات النظام والثوار. وتحولت مواقع أخرى إلى قواعد عسكرية، ما يثير مخاوف علماء الآثار من الأضرار الناجمة عن ذلك. لقد أدى القصف المدفعي الذي شنه النظام على الأحياء السكنية حيث تتحصن المعارضة إلى تدمير المساجد والكنائس والأسواق التاريخية، وسرق اللصوص الأعمال الفنية من الحفريات والمتاحف.

في أحد أكثر الأمثلة الصارخة، خرقت القذائف جدران قلعة المضيق التي تعود للقرن الثاني عشر، وتصاعدت ألسنة اللهب وأعمدة الدخان حين اشتبكت قوات النظام مع المتمردين في مارس/آذار. وأحدث القصف فتحات في الجدران، وفقاً لمشاهد مصورة من المعركة بثت على شبكة الإنترنت.

وقال نشطاء محليون إن قوات النظام نفذَت الهجوم، ثم نقلت الدبابات إلى القلعة على قمة التل. وأظهرت المشاهد المصورة لاحقاً جرافات تحفر جزءاً من الجدران لإنشاء مدخل.

وتبادلت الحكومة والمعارضة إلقاء اللائمة بالمسؤولية عن الضرر ونهب المواقع في جميع أنحاء البلاد. لكن مجموعة من علماء الآثار الأوروبيين والسوريين الذين يتتبعون تلك التهديدات عبر تقارير من شهود على الأرض تقول أنه في حالات عديدة، قامت قوات الحكومة بتنفيذ إصابات مباشرة لمواقع تاريخية وشاركت في عمليات النهب أو غضت الطرف عنها.

وفي هذا الصدد، يقول رودريجو مارتن Rodrigo Martin، وهو عالم آثار إسباني قاد بعثات بحوث في الماضي في سوريا: “لدينا حقائق تبين أن الحكومة تعمل مباشرة ضد التراث التاريخي للبلاد”.

إن ما يحدث يذكرنا بالفوضى في العراق في أعقاب سقوط صدام حسين في عام 2003، عندما نهب متحف بغداد الرئيسي، وفي مصر حيث زاد النهب في المواقع الأثرية في جميع أنحاء البلاد في الاضطراب الحاصل منذ الإطاحة بالرئيس المصري حسني مبارك في العام الماضي.

على مفترق طرق مهم، تمتد الكنوز الأثرية الغنية في سورية على مدى آلاف السنين. وكثيراً ما يزعم أن العاصمة دمشق هي أقدم مدينة مأهولة بالسكان في العالم. وقد كشف علماء الآثار مدناً عمرها 5,000 سنة تعود إلى العصر البرونزي الأول، وتنتشر في البلاد تلال لا تزال غير محفورة وتخفي على الأرجح مزيداً من هذه المدن. لقد خلفت سلسلة من الثقافات بصماتها – من الحضارات التوراتية وخلفاء الإسكندر الأكبر والرومان إلى الصليبين المسيحيين والممالك الإسلامية.

من جانبه، أضاف مارتن إن “ما نعرفه عن التراث السوري زودنا بكمية هائلة من المعلومات، ولكننا نستطيع أن نقول بثقة إن الجزء الذي لم يدرس بعد يحتوي على مخزون أكبر من المعلومات”، إن كل حادثة تدمير تعد “كحرق صفحة في كتاب تاريخ البشرية.”

كما ساعد التراث على تشجيع السياحة التي كانت تزداد باستمرار قبل الأزمة، مما أعطى دفعاً اقتصادياً تحتاجه البلاد بشدة، فقد زار أكثر من 8.5 مليون سائح سوريا في عام 2010،  ما يزيد بمقدار 40 % عن العام السابق، أما الآن فليس هناك سياح عملياً.

وبقيت آثار تدمر التي تعود إلى 2000 عاماً تقريباً مهجورة، وهي واحة مدينة ضاربة في التاريخ و كانت من أكبر المعالم السياحية بأروقتها الرومانية الشاهقة ومعبد الإله بعل الموجود فيها. وقد طوقتها القوات الحكومية مع بلدة مجاورة وأقامت قاعدة عسكرية في قلعة تاريخية على قمة تل يطل على الموقع في عمق الصحراء المركزية السورية.

في تقرير للمنظمة الثقافية للأمم المتحدة “اليونسكو” والمجموعة الأوروبية للحفاظ على التراث “يوروميد”، حذر مارتن وغيره من علماء الآثار من أن تحصينات القوات تسببت بدمار أجزاء من الآثار، كما يقولون أن هناك أيضاً تقارير تتحدث عن نهب تحت نظر الجيش – مما يزيد من احتمال تورطه.

فقد جاء في التقرير أن “مجموعات من الأشخاص قامت بإجراء عدة حفريات سرية، وكانت قوات الأمن أول تلك المجموعات”، في إشارة إلى عمليات النهب في أنحاء البلاد. ويقول علماء الآثار، الذين أنشؤوا صفحة على الفيسبوك لمتابعة التقارير عن الأضرار، إن الحفريات غير المشروعة حدثت في عدد من التلال غير المنقبة ومواقع أخرى.

وبالإضافة إلى اقتحام قلعة الحصن في مارس/آذار، استهدف مسلحون أيضاً متحفاً في مدينة حماة، وهربوا بتحف وتمثالاً ذهبياً لا يقدر بثمن يعود تاريخه إلى العصر الآرامي، حسب ما قال جاموس، من الجهة الحكومية المعنية بالمتحف (مديرية الآثار والمتاحف).

من ناحية أخرى، نفى جاموس أن الجيش هاجم أية مواقع أثرية وقال إن المتمردين المسلحين تسببوا بالضرر.

وكانت مواقع أخرى قد تعرضت للخطر في تبادل إطلاق النار خلال المعارك اليومية.

قبل عدة أسابيع، قال ناشطون في شمال غرب محافظة إدلب إن الجيش والمنشقين اشتبكوا داخل آثار إيبلا وحولها، وهي مدينة من العصر البرونزي، حيث اكتشف علماء الآثار في الستينيات كنزاً هائلاً من الرقم المسمارية التي أحدثت ثورة في فهمهم للشرق الأوسط القديم.

وتسببت هجمات الحكومة على معاقل المعارضة في المدن والأحياء – في كثير من الأحيان بالقصف وإطلاق نار كثيف من أسلحة رشاشة – بإحداث أضرار واسعة النطاق.

ما كان يوماً سوقاً مغطى تملؤه الحيوية في حمص القديمة، ويشتهر بسقفه المقوس الطويل غير المألوف حيث كان الناس يقايضون المنسوجات الملونة والسجاد والعطور والملابس، قد تعرض لأضرار بالغة، حيث اسودت جدرانه من النار وامتلأت ممراته بالأنقاض وتشوهت مصاريع المحال واخترقت بشظايا.

كما قصفت منازل حمص التقليدية ذات المداخل المقوسة والفناءات الداخلية.

كانت المساجد منطلقاً لاحتجاجات مناهضة للحكومة في سوريا، واستهدف الكثير منها، لاسيما في محافظتي درعا، مهد الثورة السورية، وحمص، معقل المعارضة الواقعة على بعد 80 ميلاً (130 كيلومتراً) شمال دمشق.

في أوائل الانتفاضة، استهدفت الحكومة المسجد العمري في درعا، الذي بني أثناء الفتح الإسلامي لسوريا في أيام الخليفة عمر بن الخطاب. ويقول نشطاء إن القوات الحكومية خربت المسجد عمداً وأخفت أسلحة في داخله لإثبات أن العصابات المسلحة كانت مختبئة هناك.

وتظهر أشرطة الفيديو المآذن المقصوفة والواجهات المدمرة بالقذائف لمساجد وكنائس عدة في مدينة حمص. وهي تشمل كنيسة أم الزنار التي بنيت تحت الأرض في عام 59 ميلادي.

وفي كانون الثاني، ضربت المدفعية دير صيدنايا شمال دمشق، ويعتقد أنه بني في عام 547 ميلادي، في هجوم حملت الحكومة الجماعات المسلحة المسؤولية عنه.

وقال الناشط طارق بدرخان الذي كان يتحدث عبر سكايب من منطقة الخالدية المنكوبة في حمص: “ليس لديهم أي احترام للتراث الثقافي للبلاد، المساجد والقلاع والمدينة القديمة، لم يبقوا شيئاً”.

المصدر

http://www.cbsnews.com/8301-501713_162-57425534/syrias-cultural-treasures-latest-uprising-victim

One response to “الكنوز الثقافية في سورية أيضاً من ضحايا الثورة

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s