رزان
18 أيار/ مايو 2012
في سوريا هناك شعور مشترك يتم التحدث عنه عادة، أو على الأقل في دمشق حيث أسكن. شعور له علاقة بهذا السؤال “ماذا أستطيع أن أقدم أكثر للثورة؟”.
أغلب الناس من حولي لديهم هذا الإحساس بالذنب. يشعرون بأنهم يستطيعون تقديم الأكثر، ولكن العقبات تكون أكبر، وأعتقد بأننا اكتشفنا لاحقاً بأننا جميعاً مشغولون بما نقوم به، ونواجه هذا الاستنتاج المرير بأنه من الأفضل أن ننهي عملاً واحداً في كل مرة.
إن تعدد المهام خطير واستهلاك للطاقة في آن واحد، ومن إحدى الأشياء التي تعلمناها من هذه الثورة بأن الطاقة هي كالذهب الذي يجب أن نهتم بها ونحافظ عليها عند وقت الحاجة.
إن هذا الشعور بالذنب يحوم حول المعتقل-المعتقلة في الزنزانة، يحوم حول العديد من الناشطين المتخفيين أو الذين أجبروا على مغادرة البلد بسبب أنهم مطلوبون من عدة جهات أمنية، يحوم حول هذا الشخص الذي ينام 4 ساعات في كل ليلة (أنا شخصياً أعرف ناشطة على هذه الحالة). فعلياً، إن هذا الشعور بالذنب يحوم حولنا جميعاً.
هذا الشعور بالذنب لا يغادر أرواحنا أبداً، مهما فعلنا ومهما تم اعتقالنا، نشعر بأننا نستطيع تقديم المزيد. ماذا أستطيع أن أقدم أكثر؟ وما هي هذه العقبات التي تمنعني من أن أقدم أكثر؟

الشباب الثلاثة من اليسار إلى اليمين هم: جوان فرسو، بسام الأحمد وأيهم غزول، زملائي في المركز السوري للإعلام وحرية التعبير. تم اعتقالهم في 16-2-2012 من قبل المخابرات الجوية ثم من قبل الفرقة الرابعة التابعة لماهر الأسد، وتم الافراج عنهم في 12-5-2012. في هذه الصورة: احتفال عائلي بمناسبة إطلاق سراحهم.
أستطيع أن أكتب عن هؤلاء الثوار الرائعين الذين تركوا عائلاتهم وأطفالهم وهم يعيشون وحدهم من أجل هذه الثورة، تراهم وهم يبتسمون ويمزحون في المظاهرات، بعضهم قد تم اعتقاله وتعذيبه، تصغي إليهم وهم يتحدثون عن تجربتهم في المعتقل، وأنت تعلم بأن ما شهدته من الاعتقال لا يمكن مقارنته بما شهدوه هم. هؤلاء الناشطون المجهولون، المحرومون، الذين ليس لديهم حساب فيسبوك أو تويتر، إلا أنهم هم أنفسهم يلهمونك ويجعلونك تؤمن بأن هناك أمل.
أستطيع أن أكتب عن الناشطات اللواتي قابلتهن في سجن عدرا، واللواتي تم تعذيبهن بشكل شديد، إنها لا تبتسم عندما تقول لك: “لقد آلمني كل جسدي”، ولكن عينيها تبرق، بالرغم من جسدها الضعيف، وتعلم بأنها لم تستسلم للألم. إن الألم الجسدي الذي لم اختبره قط لم يضعف روحها الثائرة، لقد كنت مذهولة.
أستطيع الكتابة عن هؤلاء الناشطين الشباب، الذين اجتمعوا على زجاجة مشروب بقيمة دولارين وهم يضحكون ويثملون بعد ساعات من الحديث عن كيف أنهم استطاعوا الهرب من إطلاق النار في اليوم الفائت في إحدى ضواحي دمشق، وكيف التقوا بهذا الشاب المرح من أحد الأحياء، الذي أخبرهم بينما كانوا يهربون: “لنرى من يستطيع أن يصل إلى ذلك المبنى أولاً”، الشباب نسوا إطلاق النار الذي كان، وركزوا على الوصول إلى المبنى للاختباء أولاً، ليس لنيل أية جائزة.
أستطيع أن أكتب عن العلاقة بين المعتقل والموظف في السجن الذي يقدم لك الطعام ثلاث مرات يومياً. كيف يؤسس شعوراً من الثقة والاحترام مع مرور الوقت. لدي الكثير لأكتبه عن هذا الموضوع، ولكني لا أستطيع حفاظاً على أمن وسلامة هؤلاء الموظفين.
أستطيع أن أكتب عن القناص في إحدى ضواحي دمشق الذي يطلق النار كل يوم في وقت محدد لإعلام الحي بأنه أتى من أجل الواجب ولإنذارهم بعدم الخروج . إنهم يطلقون عليه لقب “القناص الرحيم”. .
ولكن لا أستطيع كتابة التفاصيل. لأن هذا الموقع يخضع لرقابة شديدة للحفاظ على سلامتي الشخصية وسلامة الأشخاص الذين يلهمونني كل يوم.
قد نكون تعبنا أو أحبطنا قليلاً، أو حتى قد نكون صامتون، أنا شخصياً خرجت من السجن وأنا أشعر بأني لا أملك شيئاً كي أقوله، اتصلت بأحد أصدقائي وأخبرته “أنا بحاجة لأن تتكلم، أنا بحاجة لأن أسمعك تتكلم”، عندما تكلم أحسست بعدها بأنني بخير، هكذا فقط، أنا بخير من جديد، أعتقد أنني كذلك.
لدي الكثير لأقدمه، ولكن لا أستطيع وهذا طبيعي، إنه شيء طبيعي إذا كنت لا تعلم هؤلاء الناس الرائعين، وعن هذه اللحظات الجميلة. فقط اعلم بأنه ليس كل شيء بشع هنا، ما زال هنالك حياة وأمل، دائماً.
أهدي هذا المقال إلى الثوار المبتسمين على الدوام، ابتسامتكم تصنع المعجزات في عالمي.
المصدر