جورج فريدمان George Friedman
ستارفور جلوبال انتلجينس
نيسان/ أبريل 2012
إن انهيار الاتحاد السوفياتي عام 1991 أدى إلى عكس العملية التي كانت جارية منذ ظهور الامبراطورية الروسية في القرن السابع عشر، والتي في نهاية المطاف شملت أربعة عناصر عامة: أوروبا الشرقية، آسيا الوسطى، القوقاز وسيبيريا. وكانت سانت بطرسبرغ- موسكو المحور الأساسي، وكلاً من روسيا وبيلاروسيا وأوكرانيا هي مركز ثقلها. وقد كانت الحدود متغيرة بشكل دائم, تتوسع في الغالب ولكن يتم التعاقد بشكل دوري كي يبرر الوضع الدولي. وفي أقصى توسع لها، بين عام 1945 حتى 1989, وصلت إلى وسط ألمانيا, مسيطرة بذلك على الأراضي التي احتلتها في الحرب العالمية الثانية. لم تعش الامبراطورية الروسية أبداً في سلام. كما هو حال العديد من الامبراطوريات, كانت هناك دائماً أجزاء تجري فيها مقاومة (عنيفة في بعض الأحيان) وأجزاء تكون مطمعاً للقوى المتاخمة- وكذلك أجزاء من الأمم الأخرى التي تطمع بها روسيا
إن الإمبراطورية الروسية نقضت فرضية أن القوة السياسية والعسكرية تتطلب وجود قوة اقتصادية: التي بدورها لم تكن مزدهرة, ولكنها كانت قوية في كثير من الأحيان. لقد قام الروس بهزيمة نابليون وهتلر وواجهوا الأمريكان الذين يفوقونهم ثراءً لأكثر من أربعة عقود في الحرب الباردة, على الرغم من كون اقتصادهم أقل نمواً وتقدماً. إن ضعفها الاقتصادي بالتأكيد قوضّ قوتها العسكرية في بعض الأحيان, ولكن لفهم روسيا, من المهم أن نبدأ باستيعاب أن العلاقة بين القوة العسكرية والاقتصادية ليست علاقة بسيطة.
الاقتصاد والأمن:
إن أسباب ضعف الاقتصاد الروسي عديدة, ولكن التعليل الأول, إن لم يكن التعليل الكامل, هو الجغرافيا والنقل. حيث يملك الروس والأوكرانيون بعض أجود الأراضي الزراعية في العالم, تشبه تلك التي في الغرب الأوسط الأمريكي. والاختلاف هنا هو وسائل النقل, والقدرة على القيام بنقل المحاصيل إلى باقي أرجاء الإمبراطورية وبعض مراكزها السكانية البعيدة. ففي حين أن الولايات المتحدة لديها نظام النقل عبر نهر المسيسبي, ميسوري, أوهايو الذي يقوم بربط المنطقة الواقعة بين جبال الروكي والابالاتشيا Rockies and the Appalachians , إلا أن أنهر روسيا لا توفر شبكة طرق متكاملة للامبراطورية, وبالنظر إلى اتساع المساحة والافتقار إلى وسائل نقل بديلة, لم تكن شبكة القطار قادرة على تحقيق وسائل نقل زراعية ملائمة واسعة الانتشار .
هذا لا يعني أنه لم يكن هناك تكامل في اقتصاد الامبراطورية, وأن هذا لم يكن بمثابة عامل ربط لها. حيث يمكن القول بأن عدم وجود تكامل اقتصادي وضعف وسائل النقل الزراعية أدى بشكل ملحوظ إلى الحد من إزدهار الامبراطورية الروسية والاتحاد السوفياتي. وفي الوقت نفسه, إن تراجع النمو النسبي للامبراطورية والاتحاد جعل من المستحيل بالنسبة لهم التنافس بنجاح مع أوروبا الغربية. ولذلك, كان هناك حافزاً اقتصادياً داخل الأجزاء المكونة للإمبراطورية والاتحاد للتكامل مع بعضهم البعض. ومن الممكن أن يكون هناك تضافر في الجهود على مستوى أدنى من التنمية بين هذه الدول.
كان الاقتصاد أحد أهم العوامل التي تربط الامبراطورية الروسية والاتحاد السوفياتي معاً. بالإضافة إلى عوامل أخرى كالجيش والأجهزة الأمنية. حيث لعبت أجهزة الأمن الروسية على وجه التحديد دوراً كبيراً في الإبقاء على الامبراطورية ومن ثم الاتحاد سوياً, في نواح كثيرة, كانت من أكثر المؤسسات المتطورة والفعالة لديهم. فمهما كانت المغريات للجمهوريات المكونة لها التي تدعو للإنفصال عن الامبراطورية أو الاتحاد, فإنها تُقمَع بشكل منهجي من قبل قوى الأمن الداخلي التي تعمل على كشف وتدمير مركز المعارضة. ويمكن وضعه على النحو التالي: الجيش هو الذي أنشأ الامبراطورية. إن مواءمة مصالحها الاقتصادية كان قوة الضعف الذي عمل على الاحتفاظ بتماسكه, في حين كانت الأجهزة الأمنية هي القوة المُحكمة. فإذا كان للإمبراطورية والاتحاد أن يبقيا على قيد الحياة, فإنها بحاجة إلى علاقات اقتصادية تنظم بطريقة تصنف بعض المناطق كمناطق عاجزة, وبعضها الآخر كمناطق متميزة. ويمكن أن يحدث هذا في حال كانت الدولة قوية بما يكفي لفرض هذا الواقع. ونظراً لمحدودية الدولة نفسها في معظم النواحي, فقد تم الاستعاضة عن ذلك بالأجهزة الأمنية. فإذا فشلت الأجهزة الأمنية, كما حدث في نهاية الحرب العالمية الأولى أو في الفترة ما بين 1989-1991, فإن ذلك يعني أن النظام غير قادر على البقاء. بينما نجاح هذه الأجهزة يحافظ على هذا النظام.
في الإمبراطورية الروسية, كانت القدرات الإقتصادية والأمنية مدعّمة بأيديولوجية شاملة: ألا وهي الكنيسة الأرثوذكسية الروسية التي وفرت المسوغات المنطقية لهذا النظام. حيث عمل جهاز أمن الدولة مع الكنيسة ضد العناصر المنشقة من الديانات الأخرى في الإمبراطورية. في الاتحاد السوفياتي, تم استكمال الفكر الديني بالفكر العلماني الماركسي اللينيني. استخدم الاتحاد السوفياتي أجهزته الأمنية للقيام بمحاولة للتغيير الاقتصادي وسحق المعارضة ككلفة باهظة الثمن لهذا التحول. من ناحية, كانت الإيديولوجيا الماركسية اللينينية أكثر كفاءةً, حيث خلقت الأرثوذكسية الروسية الاختلافات الدينية في حين كانت الماركسية اللينينية معادية لجميع الأديان وعلى الأقل نظرياً حيادية تجاه العديد من الأعراق والأمم.
إن انهيار الاتحاد السوفياتي بدأ فعلاً بأزمة اقتصادية في البلاد, التي أدت بدورها إلى أزمة في القوى الأمنية, الاستخبارات السوفياتية KGB (Komitet gosudarstvennoy bezopasnosti or Committee for State Security). كان يوري أندروبوف Yuri Andropov, رئيس جهاز الاستخبارات, أول من بدأ بإدراك مدى تدهور اقتصاد الاتحاد السوفياتي في ظل الفساد المستشري خلال سنوات حكم بريجنيف Brezhnev [1964-1982] وتكلفة الدفاع عن النفس. أدرك جهاز الاستخبارات نقطتين: الأولى, أن على روسيا إعادة هيكلة البيريسترويكا Perestroika [حركة سياسية ضمن الحزب الشيرعي في الاتحاد السوفياتي برنامج للإصلاحات الإقتصادية في ثمانينات القرن الماضي] أو الانهيار. الثانية, لا بد من الخروج من الانعزال التقليدي للاتحاد السوفياتي، إذ على السوفييت الانفتاح على التكنولوجيا الغربية وأساليب الغلاسنوست Glasnost. كان القائد ميخائيل غورباتشوف Mikhail Gorbachev إصلاحي, لكنه كان شيوعياً يسعى إلى إصلاح النظام كمحاولة لإنقاذ الحزب. وكان يتصرف تبعاً لنموذج الاستخبارات السوفياتية KGB. حيث كان يراهن هو وأندروبوف Andropov على أن الاتحاد السوفياتي قادر على البقاء والانفتاح على الغرب دون التعرض للانهيار مع احتمال لتبادل المصالح الجيوسياسية, مثل الهيمنة على أوروبا الشرقية, بهدف إقامة العلاقات الاقتصادية التي تحول دون خسارة الاتحاد السوفياتي. ولكنهم خسروا الرهان.
انهيار الاتحاد السوفياتي
كانت فترة التسعينات كارثية على الاتحاد السوفياتي السابق باستثناء مناطق قليلة، فقد أدى انهيار الدولة السوفياتية والأجهزة الأمنية إلى حالة من الفوضى، والخصخصة تحولت الى سرقة. ليس من المستغرب، أن الاستخبارات السوفياتية KGB، أكثر الأجهزة السوفياتية تطوراً والأكثر تنظيماً، لعب دوراً كبيراً في الفساد في أعلى المستويات، أكثر من غيره من المؤسسات الأمنية. مع مرور الوقت، أحيت سيطرتها على الاقتصاد بشكل غير رسمي، حتى برز أحد ممثليها، فلاديمير بوتين Vladimir Putin، كزعيم للدولة.
وضع بوتين ثلاثة مبادئ. المبدأ الأول أن النظام الأمني يشكل قلب الدولة . الثاني: أن موسكو هي قلب روسيا. والثالث: أن روسيا كانت قلب الاتحاد السوفياتي السابق. لم يتم فرض هذه المبادئ فجأة. أعادت سلطة الاستخبارات تسمية كلاً من جهاز الأمن الفيدرالي FSBوإدارة الاستخبارات الخارجية SVR، حيث انتقلت ببطء من نظام الهيمنة غير الرسمية من خلال الفساد الحكومي المستفحل إلى سيطرة منظمة أكثر على أجهزة الدولة من قبل الأجهزة الأمنية، أي بإعادة العمل وفق النموذج القديم. أحكم بوتين السيطرة على الحكومات الإقليمية من خلال تعيين الحكام والسيطرة على الصناعة خارج موسكو. والأهم من ذلك، أنه نقل روسيا بحذر إلى المقدمة كما في الاتحاد السوفياتي السابق.
استلم بوتين السلطة عقب حرب كوسوفو. وكانت روسيا قد أصرت على أن لا يخوض الغرب حرباً مع صربيا، وهي ما تبقى من يوغوسلافيا السابقة . تم تجاهل روسيا، ولضعف نفوذها أصبح الرئيس الروسي يلتسين مذلولاً. ولكن الثورة البرتقالية في أوكرانيا هي التي أقنعت بوتين بنية الولايات المتحدة في سحق روسيا إذا ما حكمها شخص مثل يلتسين. تشكل أوكرانيا أهمية كبرى اقتصادياً وجغرافياً للأمن القومي الروسي، ورأى بوتين محاولة تشكيل حكومة موالية للغرب أرادت الانضمام إلى حلف الناتو كما واشنطن، وذلك عن طريق الضغط الذي تمارسه منظمات غير حكومية تمولها وكالة المخابرات المركزية من أجل تغيير النظام، ومحاولة إضعاف روسيا بشكل دائم. وبمجرد نجاح الثورة البرتقالية، انتقل بوتين إلى تصحيح الوضع.
الخطوة الأولى كانت لتوضيح أن روسيا استعادت جزءً كبيراً من قوتها، وكانت على استعداد لاستخدامها. وكانت الخطوة الثانية هي إثبات أن الضمانات الأمريكية لا قيمة لها. حققت الحرب الروسية الجورجية عام 2008 كلا الخطوتين. فقد نفذ الروس عملية هجومية، ولم يتمكن الأميركيون الغارقون في مستنقع العراق وأفغانستان من الرد. لم يكن الدرس فقط بالنسبة لجورجيا (والتي، على غرار أوكرانيا، سعت إلى العضوية في حلف الناتو). بل كان أيضاً درساً لأوكرانيا، وجميع البلدان الأخرى في الاتحاد السوفياتي السابق، مما يدل على أن روسيا تسير مرة أخرى لتكون في قلب أوراسيا. Eurasia في الواقع، فإن أحد أحدث مشاريع بوتين هو الاتحاد الأورو-آسيوي Eurasian Union، وربط كل من روسيا وكازاخستان وبيلاروسا، ما يشكل جزءً كبيراً من الاتحاد السوفياتي السابق اقتصادياً وعسكرياً. أضف إلى ذلك أوكرانيا وستظهر أكثر ملامح الاتحاد السوفياتي السابق.
إعادة خلق الاتحاد السوفياتي
ترى روسيا بأن إعادة بناء الاتحاد ضرورة إستراتيجية، حيث كان سقوط الاتحاد السوفياتي كارثة بالمعنى الجيوسياسي كما وصفه بوتين. وإذا ما نظرنا إلى الإستراتيجية الاقتصادية لروسيا ما بعد الحقبة السوفياتية، فسنرى أن الاندماج والتكامل الاقتصادي مسألة ملحة لروسيا فيما يتعلق بتصدير المواد الخام وتحديداً المواد المستخدمة في توليد الطاقة، ومن ناحية أخرى فإن التعاون مع دول كازاخستان في مجال الطاقة وأوكرانيا في مجال الحبوب يقوي من مكانة روسيا على مستوى العالم وخصوصاً في الفضاء الأوروبي، فهكذا تعاون يقدم لروسيا عمقاً استراتيجياً لا يجوز التقليل من أهميته، وبينما تقر بقية القوى العالمية باستحالة غزو روسيا، فإن الروس لا يستبعدون هذا السيناريو بالمطلق فالفقرة التي حققتها ألمانيا في ثلاثينات القرن الماضي ما تزال حاضرة في ذاكرة الروس فبعد أن كانت ألمانيا بلداً مشلولاً عام 1932. في حدود عام 1938 نجحت في أن تتحول إلى دولة مؤثرة لا حدود لقوتها. ست سنوات ليست مدة طويلة جداً، وعلى الرغم من هذا التطور فإن الروس يأخذون بالحسبان كل التطورات مهما بدت بعيدة التحقق، وفق قاعدة الاستعداد للأسوأ والأمل بالأفضل.
بناءً على ما تقدم فإن إنشاء نظام من العلاقات بين جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق لهو هدف يقع في صميم الإستراتيجية الروسية يسبقه إعادة بناء الدولة القوية داخل روسيا ذاتها. وتكون وظيفة نظام العلاقات المشار إليه تزويد روسيا بانحياز اقتصادي وعمق إستراتيجي دون أن يكون لزاماً على روسيا التدخل في السياسات الداخلية للدول الأخرى، كما كانت تفعل الإمبراطورية الروسية أو الاتحاد السوفياتي. وعليه فإن إستراتيجية بوتين تقوم على الاستفادة من علاقات روسيا مع الدول الأخرى على قاعدة تبادل المصالح دون أن تترتب على روسيا أية مسؤوليات تجاه الدول الأخرى.
وفي سياق تحديد هذا الهدف تنظر روسيا إلى حروب الولايات المتحدة في أفغانستان والعراق على أنها هدية من السماء فقد كانت الولايات المتحدة منهمكة بشدة في تقوية النزعة الاستقلالية لدى جمهوريات سوفياتية سابقة، كدول البلطيق، والعمل على دمجها في المنظومة الغربية إلى ما قبل تاريخ 11 أيلول. وبعد وقوع أحداث 11 أيلول أصبحت الولايات المتحدة منغمسة في حروب مع الجهاديين الأمر الذي أعطى روسيا فرصة لإعادة ترتيب بيتها الداخلي وتوسيع نفوذها الإقليمي.
ومع الانسحاب الأمريكي من أفغانستان كان على روسيا الانتباه لمسألة قيام الولايات المتحدة بتركيز اهتمامها على الصين وروسيا. روسيا تعلم بأن وضع نهاية للصراعات التي تخوضها الولايات المتحدة لا يصب في مصلحتها، لذلك تقوم أحد ركائز السياسية الخارجية الروسية على إطالة أمد النزاع الأمريكي – الإيراني. فعلى سبيل المثال تعتبر روسيا وإيران القوتين الوحيدتين الداعمتين لنظام الرئيس السوري بشار الأسد، المحافظة على نظام سوري موال لإيران يفيد المصالح الروسية – ليس لأنه يخدمها على المدى البعيد، وإنما لأن أي أمر يشغل أمريكا على المدى القريب يساهم في تخفيف الضغط على روسيا وإعطائها المزيد من الوقت لإعادة تنظيم الاتحاد السوفياتي السابق.
وعلى المنوال نفسه، فإن الأزمة التي تشهدها أوروبا تعتبر ذات فائدة لروسيا، فالضائقة التي مرت بها ألمانيا نتيجة علاقتها بالاتحاد الأوروبي لم تتطور إلى قطيعة ولا يبدو أن الأمور سائرة بهذا الاتجاه، لكن لهذه الضائقة دلالة أخرى على رغبة ألمانيا البحث عن شركاء جدد بهدف تخفيف الأعباء عن ألمانيا نفسها، وبهدف خلق خيارات جديدة. المعروف أن ألمانيا تعتمد على صادرات الطاقة الروسية، وبينما قد يشهد هذا الاعتماد تراجعاً في السنوات القادمة، فإن روسيا تركز على المستقبل القريب ومن جهة ثانية فإن ألمانيا تبحث عن شركاء اقتصاديين في وقت تعاني فيه أوروبا من مصاعب قاسية وهي تتحاشى أن تكون طرفاً في مسعى أمريكا لإعادة رسم الحدود الروسية. لا يشكل نشر أنظمة دفاع الصواريخ البالستية تهديداً لموسكو بقدر ما يسبب التواجد الأمريكي في المنطقة قلقاً لها، وفي حال نجحت روسيا في إقناع ألمانيا بأن الولايات المتحدة عامل باعث على عدم الاستقرار فسيعد هذا الأمر انجازاً عظيماً.
وتبقى القضايا الأخرى التي تجمع روسيا ببلدان أخرى مسائل ذات أهمية أقل، فالصين غير قادرة على تشكيل تهديد جدي للمصالح الروسية الجوهرية إلا في حال قررت غزو روسيا عن طريق البحر، الأمر الذي لن تقدم عليه. وهناك بالطبع قضايا ذات بعد سياسي واقتصادي بين الدولتين لكن تبقى الصين خارج دائرة الاهتمام الأساسية للإستراتيجية الروسية.
وبالنسبة لروسيا فإن السيطرة على ما كان يعرف بالاتحاد السوفياتي دون أن يترتب عليها أية مسؤوليات كانت على رأس أولويات الإستراتيجيات الروسية، وتعد أوكرانيا في هذا السياق العنصر الأساسي المفقود. حيث تدور منذ فترة ليست بالقصيرة منافسة سياسية اقتصادية معقدة، أما الساحة الثانية التي تعمل فيها روسيا لتثبيت نفوذها بشكل منظم فهي آسيا الوسطى والساحة الثالثة في جمهوريات البلطيق حيث لم تقم روسيا بأي خطوة حتى الآن، إضافة إلى الصراع المزمن في شمال القوقاز والذي يشكل مسرحاً لروسيا لتقوم باستعراض قوتها جنوباً. ترتكز السياسة الخارجية لروسيا على شراء الوقت لتستكمل عملية تطورها. ولعمل ذلك ينبغي على روسيا إبقاء أمريكا منشغلة على الدوام، وهذا ما تقوم به الإستراتيجيات الروسية في الشرق الأوسط. إضافة إلى تأمين مصالحها في الغرب عن طريق خلق علاقة اقتصادية مع ألمانيا تحقق المنفعة المتبادلة لكل منهما دون أن يؤدي ذلك إلى إيجاد معارضة لمصالحها أو وجود أمريكي في بولندا.
لقد قطعت روسيا شوطاً بعيداً نسبياً منذ بداية عهد يلتسن. ومن جديد أصبحت أجهزة الأمن هي من تقود الدولة وأصبحت موسكو مركز التحكم بروسيا الماضية قدماً في الهيمنة على ما كان يعرف بالاتحاد السوفياتي. وبالنسبة لمناوئيها الرئيسيين أمريكا وأوروبا، فالأولى منهمكة بمشاغلها والثانية ضعيفة ومنقسمة. وبطبيعة الحال، فإن روسيا مفككة اقتصادياً، إلا أن حالة الاقتصاد هذه عمرها قرون، ولا يعني ذلك أن ضعف الاقتصاد الروسي قدراً محتوماً. وفي الوقت الراهن فإن طموح روسيا يهدف إلى تحقيق النفوذ في محيطها المباشر، أو ما كان يدعى الاتحاد السوفياتي، ولا يبدو أن روسيا تتعامل مع مشاكل مستعصية بعد أن حققت كل هذا التقدم.
المصدر
السلام عليكم
حقيقة نشكركم على الجهد المبذول، لكن بعض المراجعة لتفادي بعض الأخطاء الإملائية و صياغة أفضل ستكون خطوة أخرى نحو تفردكم.
بارك الله فيكم