تروي منظمة العفو الدولية الشهادات المروعة لأهالي إدلب والقرى المجاورة التي أرهبها النظام

مشهد من عملية تفجير في إدلب: الجنود يعدمون عشرات المشتبه بهم بتعاطفهم مع المعارضة في المدينة. صورة: Sana/Sana/Xinhua Press/Corbis
دوناتيلا روفيرا Donatella Rovera
4 مايو/أيار 2012
ذهبت دوناتيلا روفيرا Donatella Rovera، كبيرة مستشاري الأزمات لدى منظمة العفو الدولية، إلى سوريا لمدة 10 أيام خلال النصف الثاني من أبريل/ نيسان. لقد عملت روفيرا في منظمة العفو الدولية لمدة 20 عاماً، ولديها خبرة واسعة في العمل في مناطق النزاع، مثل ليبيا وجنوب السودان وساحل العاج وقطاع غزة. وهي تعرض هنا بعض الروايات المباشرة عن القمع الوحشي من قبل النظام السوري ضد شعبه.
“جاء الجنود إلى منزلنا وأخذوا ابني. بعد ذلك، وأنا أطل من النافذة رأيت جنوداً يصفون ثمانية شبان، يقفون ووجوههم إلى الحائط، أيديهم مكبلة إلى الخلف، ويطلقون النار عليهم، ثم وضعوا الجثث في الجزء الخلفي من شاحنة “بيك آب” وغادروا. لا أعرف ما إذا كان الرجال جميعهم ميتين أو جرحى. ولم أعرف حينها أن أحد هؤلاء الرجال كان ابني. لقد عُثر على جثته مع جثث أخرى عند مدرسة ليست بعيدة جداً عن بيتنا”.
أخبرني قريب رجل آخر، قُتل أيضاً في ذلك اليوم أن: “عناصر الأمن العسكري جاؤوا إلى منزل أقاربنا، حيث كنا جالسين، وطلبوا هوياتنا ولم يجدوا أية مشكلة، لم نكن مطلوبين. ثم نظر أحد الجنود إلى الهاتف الخليوي لقريبي ووجد أغنية مؤيدة للثورة، فاقتادوه إلى الخارج… أخبرني أحد الجيران أن الجنود أطلقوا النار عليه ثم أخذوه إلى منزل قريب، ذهبت إلى هناك، ووجدته مصاباً. تم إطلاق النار عليه في الأذن والرقبة لكنه لا يزال يتنفس. وقد ساعد بعض الجيران على حمله إلى سيارة وأخذه ثلاثة منهم إلى مستشفى ميداني (المستشفيات العادية منذ فترة طويلة ليست في متناول أشخاص أصيبوا على يد الجيش أو قوات الأمن) ولكن الجنود أوقفوهم على الطريق وقتلوهم، وعثر على جثتين اثنتين لاحقاً في إحدى المدارس، ما عدا جثة قريبي الذي أُعيد إلى المنزل حيث تُرك سابقاً للموت. لقد قضوا عليه بطلقة إضافية في الرأس“.
هذه روايات أقارب الضحايا وشهود أحكام الإعدام خارج نطاق القضاء التي نفذتها قوات أمن الحكومة السورية في مدينة إدلب في 16 أبريل/ نيسان. لقد وافقوا على مقابلتي والتحدث إلي بشرط عدم نشر أسمائهم وأية تفاصيل يمكن أن تحدد هويتهم. وقال آخرون، تمكنت من الوصول إليهم بعد متابعة كثيرة، إنهم لا يستطيعون التحدث لأن خطر الانتقام منهم ومن أسرهم كبير جداً.
إن القول بأن أسر الضحايا وشهود العيان كانوا خائفين هو قول بعيد عن الحقيقة. لقد كان الذين التقيت بهم مذعورين بمعنى الكلمة. قال رجل فقد زوجته وطفله خلال التوغل الأخرق للجيش في مدينة إدلب قبل شهر ونصف تقريباً (من 10 إلى 14 مارس/ آذار): “أنا لا أهتم بنفسي، ولكن لدي أطفال آخرين، وإذا حدث لي شيء فمن سيعتني بهم؟“
وقالت لي امرأة مسنة أخذ جنود ابنها من المنزل ثم وجد بعدها ميتاً في ذلك اليوم: بأن ليس لديها أي خبر عن أبنائها الآخرين الذين اعتقلهم الأمن العسكري منذ أسابيع. وأضافت: “لقد فقدت ابناً، ولا أريدهم أن يقتلوا الآخرين أيضاً”.
وقالت لي امرأة أُحرق منزلها ونُهب وخُرَب في 11 مارس/ آذار: إن الاحتمال الوحيد للإبلاغ عن الهجوم إلى السلطات كان أن تقول إن“المجموعات المسلحة” نفذته. “شاهد الجيران أن عناصر الأمن العسكري هم من هاجموا بيتي. كان الوقت منتصف النهار، وكان هناك دبابات وجنود وعناصر أمنية في كل مكان في المنطقة؛ كيف يمكن أن يكون هذا من فعل المجموعات المسلحة؟ لذلك لم أقدم شكوى“.
وصلت إلى إدلب قبل أيام قليلة من وصول مراقبي الأمم المتحدة. كان معظم الناس الذين تحدثت إليهم لديهم الشك بأن وجودهم سيغير شيئاً. وكان آخرون حريصون جداً على التكلم مع المراقبين، ولكنهم كانوا قلقين ومحبطين للغاية من أنهم لن تتسنى لهم الفرصة لفعل ذلك بأمان. كانوا يخشون من عدم وجود أية وسيلة للناس العاديين للاقتراب من المراقبين بثقة مع المستوى الحالي من الوجود العسكري والمراقبة. وفي الواقع، خلال الأيام القليلة التي قضيتها في المدينة كان المكان يعج بأفراد الجيش والأمن بالزي الرسمي واللباس المدني؛ تمركزت شاحنات صغيرة “بيك آب” مع مدافع رشاشة مضادة للطائرات في جميع أنحاء منطقة السوق وأماكن أخرى في وسط المدينة، وكانت هناك حواجز في جميع أنحاء المدينة.
صباح يوم الجمعة، رأيت مجموعة كبيرة جداً من الجنود النظاميين والعصابات المسلحة الموالية للحكومة المعروفة باسم الشبيحة ينقلون في شاحنات مفتوحة وينزل بضع مئات منهم في حي دابيت في وسط المدينة. كان الناس ما زالوا لا يعرفون أن مراقبي الأمم المتحدة قادمون إلى المدينة، لكنهم علقوا بأن أية مظاهرة بعد صلاة الجمعة أمر مستبعد بوضوح. بينما كنت أغادر منزلاً في دابيت كانت قافلة الأمم المتحدة تمر، لن يعيقهم بالتأكيد ازدحام المرور، فقد خلت الشوارع تماماً.
إن آثار غارات الجيش الأخيرة واضحة جداً في قرى وبلدات عدة محيطة بإدلب. فقد جرى حرق مئات المنازل والتقيت في كل مكان بعائلات قتل أقاربهم. وقتل العديد في تبادل لإطلاق النار، فيما بدت بالأحرى محاولات عقيمة يائسة من قبل مقاتلي المعارضة المسلحين المهزومين لمنع عشرات من دبابات الجيش من دخول المدن والقرى. وأعدم آخرون، من مقاتلي المعارضة وأشخاص لم يشاركوا في أي قتال، خارج نطاق القضاء بعد القبض عليهم في منازلهم ومنازل أقاربهم.
في سراقب، أخبرتني امرأة أن جنوداً جاؤوا إلى منزلها واقتادوا ابنها البالغ من العمر 15 عاماً بعد ظهر يوم 26 مارس/ آذار ومن ثم شقيقه وعمره 21 عاماً من منزل الجيران المجاور. قالت: “توسلت لهم ألا يأخذوا ابني، وقلت لهم إنه مجرد طفل، ما زال يشاهد الرسوم المتحركة على شاشة التلفاز، حاولت حمايته بجسدي لكنهم هددوني وأخذوه معهم وأخذوا أخي أيضاً من المنزل المجاور. وفي المساء عثر على جثتيهما في الشارع، مع آخرين كانوا قد قتلوا أيضاً“.
في تفتناز، التقيت عائلات لرجلين بعمر 80 عاماً قتلا في منزليهما خلال هجوم الجيش على البلدة في 4 أبريل/ نيسان. أحرق أحدهما في بيته. قالت لي زوجته: “كنت أقف مع أقاربي في الشارع، وكان زوجي في البيت. وعندما عدت إلى المنزل وجدته قد أحرق، لكن لم أجد زوجي. خرجت وسألت الجنود في الخارج أين أخذوه. اعتقدت أنهم اعتقلوه. أجاب أحد الجنود “عودي وابحثي عنه”. عدت ووجدت بقاياه كومة من الرماد. “
في سرمين، التقيت والدة ثلاثة شبان اقتيدوا من منازلهم في الصباح الباكر من يوم 23 مارس/ آذار وأحرقوا خارج المبنى: “أتى الجيش في الصباح الباكر، كنا جميعاً نائمين، وأخذوا أولادي الثلاثة جميعاً الذين كانوا في البيت ولم يسمحوا لي باللحاق بهم إلى الخارج، كلما حاولت الخروج كانوا يدفعونني إلى الوراء. وعندما تمكنت من الخروج إلى الشارع، بعد ساعتين، وجدت أبنائي محترقين في الشارع. لقد كوموهم فوق بعضهم وكوموا الدراجات النارية فوق بعضها وأشعلت فيهم النيران. لم أتمكن من الاقتراب من جثثهم حتى المساء بسبب إطلاق النار الغزير“.
بالإضافة إلى الخسائر البشرية، يتعين على الأسر التكيف مع فقدان منازلهم وسبل كسب عيشهم. يعتمد أولئك الذين أحرقت أو دمرت منازلهم وأعمالهم التجارية والذين تركوا دون شيء سوى الملابس على ظهورهم على الصدقة من الأقارب والأصدقاء. ويحاول البعض إصلاح أو إنقاذ ما يمكن من ممتلكاتهم المدمرة ولكن الكثير منها غير قابل للإصلاح. لا شك في أن إحراق منازل ومؤسسات تجارية كثيرة – بما في ذلك المرافق الطبية مثل المستشفيات الميدانية والصيدليات – كان متعمداً، فيما يبدو مزيجاً من الانتقام والعقاب الجماعي.
وتتسق عمليات الإعدام خارج نطاق القضاء وإطلاق النار وقصف الأحياء السكنية والتدمير المتعمد للمنازل والأعمال وغيرها من الممتلكات في منطقة إدلب مع نمط الانتهاكات التي أوقعتها القوات السورية على السكان في أجزاء أخرى من سوريا، حيث كانت هناك احتجاجات للمعارضة و/أو معارضة مسلحة. وينبغي أن يعرف الجنود وعناصر قوات الأمن والقيادة المدنية في أعلى وأسفل سلسلة القيادة أن مثل هذه الانتهاكات تشكل جرائم ضد الإنسانية، وأن الادعاء بأنهم “كانوا فقط ينفذون الأوامر” لن يمنعهم من المثول أمام العدالة – سواء في سوريا أو في دول أخرى حول العالم.
المصدر
Inside Syria’s crackdown: ‘I found my boys burning in the street’
The Guardian