السفير مارك غينسبرغ، Marc Ginsberg، السفير السابق للولايات المتحدة في موسكو
25 نيسان/أبريل 2012
أتحسر على طريقة تعاطي إدارة أوباما مع الذبح الدموي في سوريا، لأنها حتى الآن ضعيفة، وغالباً ما تتقاطع مع أمننا القومي. لقد غابت الدبلوماسية الإستراتيجية والخلاقة خلال الأزمة التي استمرت لعام فكانت خيارات الولايات المتحدة محدودة ونتج عن ذلك انهيار اتفاق إطلاق النار الهش الذي أطلقته الأمم المتحدة؛ وبهذا تزداد العواقب بالنسبة لمصالح الولايات المتحدة في المنطقة.
وبدلاً من التنبؤ بالحرب الأهلية المؤكدة والتداعيات الإقليمية المحتملة لتعاظم المأساة الإنسانية، أصدر “الجناح الغربي” تعليمات صارمة للجميع في إدارة أوباما تحثهم على تجنب أي عمل طائش قد يدفع بالولايات المتحدة إلى تدخل في سوريا على الطراز الليبي. مع وجود بعض أجهزة الاتصال السرية هنا، وبعض أجهزة إنتل intel، ومساعدات إنسانية منتهية الصلاحية هناك، يدعي البيت الأبيض أنه يقوم بما يقدر عليه في هذه الظروف، بينما في هذه الأثناء يقوم بفعل كل ما هو ممكن من وراء الستار ليقنع حلفاءه في الجامعة العربية وتركيا كي يتولوا هم الأمر بأنفسهم. هناك فرق شاسع بين عمل قليل وآخر كثير.
يمكنني فهم الأمر من وجهة نظر الرئيس بأن سوريا بؤرة نقية وبسيطة. ولكن على الرغم من اقتناعي أن السياسة تلعب بورقة الأمن القومي في سنة انتخابية، فإنه بإمكاننا عمل المزيد ولكننا لا نفعل بسبب خوفنا من أن نقوم بأكثر مما يتوجب علينا. وطالما لا توجد شهية لمغامرة عسكرية أخرى في الشرق الأوسط لأن رياح الحرب تأتي من إيران، تحاول واشنطن أن تستحضر تدخلاً استباقياً مع العديد بالتزامن مع التعبير عن الغضب إزاء حجم الموت والدمار الذي ألحقه نظام الأسد بشعبه، تحت الستار الوهمي لاتفاق الأمم المتحدة المدبّر لوقف إطلاق النار.
منذ أن “وافق” بشار الأسد على خطة الأمم المتحدة لوقف إطلاق النار يوم 10 نيسان/أبريل، ولاحقاً نشر فرقة صغيرة من مراقبي الأمم المتحدة لمراقبة الالتزام بوقف إطلاق النار، لم تقم قوات الأمن السورية بالانسحاب حقاً، بل كانت تغش بكل وقاحة— لم تستطع فرقة المراقبين الصغيرة من ردع مجزرة الاتفاق المستمرة.
البارحة فقط، خلال استعداد فرقة مراقبي الأمم المتحدة الصغيرة للخروج بعد زيارة قصيرة إلى مركز مدينة حماة، قامت قوات الأمن السورية مباشرة بإعدام 28-38 مدني على مرأى من المراقبين. ليست سوى لعبة القط والفأر، إلا أن المدنيين السوريين هم الطُعم. تُظهر صور الأقمار الصناعية دبابات سورية ومدفعيات تقصف أهدافاً في المدن والقرى حول سوريا 24/7، وحسب أرفع مسؤول سياسي في الأمم المتحدة: “لا تزال انتهاكات حقوق الإنسان ترتكب مع حصانة”. قُتل أكثر من 200 سوري، وعدد الجرحى لا يمكن إحصاؤه منذ إعلان وقف إطلاق النار. لم تتوقف عصابات الأسد عن قصف المدن والقرى، ليس ذلك فحسب، بل تقصف أيضاً المدنيين الهاربين لطلب اللجوء وهم يحاولون العبور إلى تركيا والأردن.
إن غياب استراتيجية سياسية ليس من شيم إدارة واشنطن. فقد قام الاتحاد الأوروبي، استجابة لذلك، باتخاذ إجراء باهت يتعلق بمنع تصدير السلع الفاخرة، كاليخوت والنبيذ والسيارات الفاخرة، للأسد والمقربين منه. سوريا مشتعلة ولكن بدون شك سيغير الأسد مساره خوفاً من نقص إمداداته من مشروبات دوم بييغنون Dom Perignon.
هل سيتمكن 300 مراقب آخر من الأمم المتحدة إحداث الفرق؟ ربما. قرر مجلس الأمن في الأمم المتحدة يوم السبت زيادة عدد الفرق. أحزروا ماذا حدث؟ أرسل السوريون بكل بساطة مسائل تأشيرة الدخول البيروقراطية لمراقب الأمم المتحدة حول تمديد الإقامة غير المحدد. وحتى لو تم منح تأشيرات الدخول بسرعة سيلزم أشهراً عديدة لمنحها لـ 300 شخص… مما يعطي الأسد مزيداً من الوقت ليقتل. وما يثير السخرية أكثر أنه لم يحدث مسبقاً على الإطلاق أن ترسَل قوة حفظ سلام غير مسلحة من الأمم المتحدة لتراقب سلاماً غير موجود. تولى الروس الأمر على أن لا يكون المراقبون قادرين على الدفاع عن أنفسهم وفرضوا على الأمم المتحدة أن ترضى بإرسال بعثة مراقبة غير مسلحة. مجلس البط !
كان من المفترض أن يتم كل شيء على ما يرام لو أن الأسد التزم بوعوده. لو أنه أوقف القصف العنيف لمدنه وسحب قواته لاستطاعت الولايات المتحدة حينئذ من توفير الدعم لخطة أنان وإيقاف العنف وتسهيل الحوار بين النظام والمعارضة السورية ولكان ذلك الحل الأفضل. ينابيع الأمل لا تجف.
لحسن الحظ، لم يكن أحد بهذا الغباء في واشنطن. لا يتطلب الأمر الاستعانة بعالم صواريخ لنعلم أن النظام السوري سيراوغ ويستغل كل فرصة ممكنة لإخماد أي معارضة بالقوة حتى لو عنى ذلك انتهاكاً صارخاً لشروط اتفاق إطلاق النار. هذا النظام، كغيره من الأنظمة الدكتاتورية، يمتلك غريزة البقاء لدى الوحوش، وسيفترس أي شيء أو أي شخص يحاول إنهاءه.
رغم يأسي من الإهمال الذي يتعرض له الشعب السوري وبينما يخسر الأسد المزيد، فقد تحققت بعض الانتصارات المتفرقة. كانت السفيرة سوزان رايس، مبعوثتنا الموهوبة إلى الأمم المتحدة، مرشدة لعملية أخذ القرار الحازمة كونها الرئيسة الدورية لمجلس الأمن في الأمم المتحدة حالياً. إن مشاهدة السفيرة رايس وهي تدير بعناية فائقة العواصف الدبلوماسية التي أحدثتها روسيا والصين لمنع الاتفاق بالإجماع، تظهر مدى استحقاقها للقب “إحدى أهم الأصوات الدولية البليغة والفعالة لدبلوماسية الولايات المتحدة”. فعلى الرغم من التحديات التي تواجهها، استطاعت أن تحشد لاتفاق بسيط حول سوريا في خليج ترتل Turtle Bay، وتطلب ذلك استخدام الكثير من البراعة والدهاء للدبلوماسية المحنكة والموهوبة لتستطيع أن تتفوق على خصومنا الروس والصينيين. بالتأكيد أثرت غايتها الجدية على بث الأمل لدى العديد من السوريين الذين تستمع واشنطن حقاً لمناشداتهم.
يعتبر هذا لوحده مفيداً ومشجعاً. رايس ليست غريبة عن الأزمات الإنسانية، وعملها بموضوع سوريا يستحق الثناء والتقدير. لديها بعض الأوراق لتلعب بها وقد لعبت بهم بمهارة. سوريا هي آخر إنجازات رايس الفعالة من وراء الستار في الأمم المتحدة. كان لها دور فعال في الإبقاء على بصيص أمل بالوصول إلى اتفاق مع إيران بمساعدتها على تنسيق مفاوضات 5+1 مع طهران حول برنامجها النووي، وتقترح عقوبات إبداعية على إيران لتجبر نظامها على المجيء إلى طاولة المفاوضات؛ هذا فقط لذكر الأعمال الجيدة التي حققتها في مسيرتها. وطالما أن أداءها لواجباتها كان فعالاً ومخلصاً في الأمم المتحدة طوال السنين الثلاث الماضية، فقد اكتسبت حقها بأن ينظر إليها كمرشحة رائدة لتخلف السيدة كلينتون في ولاية أوباما الثانية.
ولكن حتى خبرة السفيرة رايس الجديرة بالثناء غير قادرة بمفردها على أن ترمم خطة الأمم المتحدة الضعيفة لوقف إطلاق النار في سوريا. بناء على سياستها المقيدة، لا يقع مصيرها في أيدي وزارة الخارجية الأمريكية ولا بيد قوات المارينز. وكما حذرت السفيرة رايس، سيكون هناك تداعيات فيما لو قتل الأسد اتفاق وقف إطلاق النار، وحينئذ ماذا يمكن أن نفعل غير التدخل العسكري الغربي؟
1- إن عدم تنظيم، وعدم وحدة معارضة الأسد هي مصيبة للمدنيين السوريين. ومع ذلك، هم ليسوا أضعف من المعارضة الليبية الناشئة في هذه المرحلة من الثورة الليبية. ولكننا نرفع سقف التوقعات عالياً ونتوقع منهم عمل الكثير… ويذكرنا البيت الأبيض بأن سوريا ليست ليبيا. مع ذلك، تبدو الولايات المتحدة أنها تتعامل مع المجموعات المتباينة بقليل من الازدراء بدلاً من احتضانها بود. التحامل على المجلس الوطني السوري يتغير بسرعة للأفضل. قد يتوجه النشطاء بسبب يأسهم نحو الإسلاميين المتشددين للحصول على الدعم بسبب عدم المبالاة الغربية، وهناك تقارير عن استغلال القاعدة للشهية المفتوحة في سوريا الآن… ثم ماذا؟ نستطيع، ويتوجب علينا، عمل المزيد لتقوية العناصر العلمانية في المعارضة وإعطائها الشرعية كبديل مقبول.. ويجب ألا يكون هدفها النهائي أقل من حكومة سورية في المنفى.
2- يهرب وابل من اللاجئين السوريين إلى تركيا والأردن. لماذا لا ندعم خطة تركية/عربية مشتركة لفتح معابر إنسانية على الحدود لتخفيف محنتهم؟ الخطى البطيئة ليست جواباً لتقديم المساعدة حتى لو رفض الروس والصينيون. أتحدى الروس أن يرفضوا جهود تسهيل مساعدة إنسانية للاجئين على الجانبين من تلك الحدود.
3- ما هي الخطة البديلة إذا فشلت خطة أنان والأمم المتحدة؟ نترك الأسد لأجهزته الشريرة؟ طبعاً لا. قلت مراراً أن على الولايات المتحدة أن تقود أو أن تتنحى عن الطريق (معدلاً لعبارة استخدمتها السيدة كلينتون ضد الأسد: “أصلح أو تنحى جانباً”)، وألا تقوض جهود تركيا والجامعة العربية لإسقاط الأسد إن أرادوا ذلك. إذا أرادت تركيا والجامعة العربية تقديم التمويل والتسليح السري للجيش السوري الحر، فليكن ذلك. إذا اعتقد الأتراك والسعوديون بأن الأمر عائد لهم بالتصرف حول سوريا… نستطيع رسم مسارنا الخاص، ولكن نتوقف عن التدخل في شؤون أمنهم. أفضل أن أشاهد تدخلاً مشتركاً من تركيا والجامعة العربية حالياً، مهما كان ذلك مشوشاً وخطراً، ثم نتعامل مع احتمال أن يتدهور عذاب سوريا الطويل إلى صراع فاشل آخر حول الدولة ضد مكائد القاعدة والأخوان المسلمين السوريين.
لمتابعة السفير مارك غينسبرغ على تويتر: www.twitter.com/@ambmcg
المصدر
Is it Possible to Salvage the Faltering Syrian “Ceasefire”