الخطر يكمن في أن المملكة العربية السعودية ستحوّل سوريا الى مَعقِلٍ للإسلاميين

جوشوا جاكوبس – كريستيان ساينس مونيوتور Christian Science Monitor

12 أبريل/نيسان  2012

 

امرأة سورية في أحد أحيَاءِ دمشق في الثاني من أابريل/نيسان وهي تمرّ أمام رسومات لِعلم الثورة السّورية وكتابات تقول “العرعور وبس”، والعرعور هو رجل دين إسلامي يقيم في المملكة العربية السعودية ومعارض لحكم الرئيس السّوري بشار الأسد.
يبدي “جوشوا جاكوبس” Joshua Jacobs في افتتاحيته قلقه إزاء مشاركة المملكة العربية السعودية في سوريا ستعطيها فرصة سانحة لاختيار الفائزين والخاسرين في صفوف المعارضة – وعلى الأرجح الجماعات الإسلامية على حساب المُعتدِلين والعلمانيين.

واشنطن
حتى في الوقت الذي يحقق إعلان وقف إطلاق النار هدوءً حذراً في سوريا، يعبَّر زُعَماء المُعارَضة ومسؤُولُون أمريكيون عن شُكُوكِهم حِيالَ استمراره، آخذين بعين الاعتبار تاريخ نظام الأسد الحافل بنكث العهود، حيث ينظر للمظاهرات المزمع خروجها بتاريخ الثالث عشر من نيسان/أبريل على أنها اختبار للالتزام بوقف العنف.

 وقف إطلاق النار الذي ترعاه الأمم المتحدة لا يهدئ المخاوف حيال ما بات ينظر إليه على أنه تدخل سعودي سافر في سوريا، في حين تشعر الولايات المتحدة وحُلفاؤها بالقلق من رؤية سوريا تتحول إلى ساحة معركة طائفية، ويبدو أنّ صُنَّاع القرار السّياسيّ في الرّياض هُم مَن يَدفعوا تِجاه هذا التحوُّل، فمما يبدو أنَّ السُّعوديين رَأوا في الثمار التي سيجنوها من إسقاط الرئيس السوري بشار الاسد وتتويج نِظام سِنِّيّ يَنحازُ إليهم في دمشق مايستحق الدخول في مخاطر سيّاسيّة.

 إن الخطر في هذا السيناريو هو أنه في الوقت الذي تطلق فيه السعودية نظرياتها الجِّهاديّة لإسقاط الرئيس الأسد، فإنها ستحصل على فرصة سانحة  لاختيار الفائزين والخاسرين في صفوف المعارضة – وعلى الأرجح الجماعات الإسلامية على حساب المُعتدِلين والعلمانيين.

 إن كان ثمة شكوك في نوايا المملكة العربية السعودية تجاه سوريا، فإن النقاب قد كشف في مُؤتَمر “أصدقاء سوريا” المنعقد مؤخراً في استانبول، حيث قاد السعوديون وحلفائهم من دول الخليج جهوداً تهدف إلى إيجاد منظومة عمل لِدفع رواتب منتظمة لأِفراد الجيش السوري الحر بشكل رسمي، وناقشت بشكل خاص إمكانية إيجاد قنوات إمداد لدعم القوات المعارضة لنظام الأسد بشَكلٍ رسميّ. هذه الجهود فاقت بكثير ما فكّر بِه الغرب، أَو حتّى الجَّارة تركيا التي أبدت استعدادها لدعمها.

 عندما بدأت الإنتفاضة السّورية في مارس/آذار الماضي، كانت السّعودية في حالة ذُعر، فالثورة في مصر، والإنتفاضة في البحرين، والحرب الأهليّة المستعرة في اليمن إستحوَذت جميعها على إهتمام الرّياض وزرع لديها حالة هستيرية من الشعور بالحصار.

ولكن، ما إن استقر الوضع السّعودي الداخليّ والجِيوسياسيّ ، حتى بدأ الحُكَّام توجيه النظر إلى إقتناص الفرصة للإطاحة بنظام الأسد في سوريا، و أخذ زمام مبادرة تصعيد التوتر المتزايد مع ايران .

 لَم تكن العلاقات بين طهران والرياض بحالةِ إستقرار حتى في أفضل أوقاتها، ولكنها تدهورت في السنوات القليلة الماضية بشكل كبير إلى درجة يمكن وصفها بأنها حالة حرب غير مُعلنة.

 وقد حرَّك سعيُ إيران الدَّؤُوب لبرنامجها النُّووي مَخاوِف السّعودية من أن الجمهورية الإسلامية تسعى للسيطرة والهيمنة الإقليمية. ونتيجة لذلك، أصبحت المنطقة بأسرها كرقعة شطرنج جيوسياسية لصراع الدولتين، وبالتالي فإن جميع المعارك والاشتباكات التي قام بها عملاء السعوديّة في لبنان، اليمن، العراق، الأراضي الفلسطينية، والبحرين قد وقعت رداً على بسط النفوذ والتغلغل الإيراني الحقيقي أو الملاحَظ.

 وإمتدَّت المعارك المتأرجحة بين إيران والسّعودية مؤخراً إلى السّاحة الدُّوليّة بعد إتّهام الحرس الثّوري الإيراني بمحاولة إغتيال السفير السعودي في واشنطن. وكانت سوريا على مدى سنوات قناة لتغلغل النفوذ الإيراني في المشرق العربي. فقد تدفقت الأموال الإيرانية والأسلحة إلى حلفائها من دمشق إلى حزب الله وحركة حماس ناهيك عن سوريا نفسها.

مع عدم القدرة على إسقاط النظام في طهران، فإن إسقاط الأسد واستبدال نظامه بحكومة سنيّة أكثر قرباً من إيديولوجيّة السّعوديين الاسلامية سيكون بمثابة أعظم جائزة تحصل عليها المملكة العربية السعودية في معركتها ضِدَّ عدوِّها الفارسيِّ، فالأمر لا يتوقف فقط على إزالة أكبر حليف عربيٍّ لإيران، بل من المحتمل أن يؤدي إلى قطع قنوات إتِّصال طهران مع حزب الله وحركة حماس.

 في شهر أغسطس/آب الماضي، عبر الملك عبد الله عن موقفه كأول زعيم عربي ينتقد نظام الأسد، ففي الوقت الذي أخذ السعوديون فيه بتصعيد خطابهم وممارسة الضغوط  في الدوائر الدبلوماسية العربية بهدف إيجاد جَبهة مُوحَّدة ضِد الأسد، بدؤوا كذلك بإطلاق قِواهُم النَّاعمة المتمثلة برِجَال الدِّين.

وبَدَأَ تيار متشدد من رجال الدين الاسلامي المتحمسين، وكِبار المسؤولين المتدينين بالظهور على موجات الأثير، إلى جانب إعلان السعودية فرض عقوبات رسميّة لمعاقبة نظام الأسد، وتشجيع المسلمين الملتزمين للقتال ضده. ومما يدلّ على نفوذ رِجال الدّين أولئك وقوّة التّواصل بينهم وبين المقاتلين في سوريا هو شِعارات الجَّماعات المسلحة مثل “لواء أنصار الله” في مدينة حماه.

 ويمثل القرار السعودي بتأييد مثل هذه التصريحات الدينية إشارة على استعداد حكام السعودية مرة أخرى لتبني واحدٍ من أقوى الأسلحة في ترسانة المملكة وهو “الجهاد” الموجّه من الدولة، وهو واحد من أكثر الأسلحة المجربة والحقيقية التي تملكها المملكة، حيث تم استخدامه سابقاً لِمُحاربة حركة القومية العربية التي نادى بها الرئيس المصري جمال عبدالناصر في اليمن، وكذلك في صربيا وفي البوسنة، وكماهو معروف في أفغانستان لمحاربة السوفييت، وكل هذه على سبيل الأمثلة لا الحصر.

 وعلى ذلك فإن هذه الدعوة الدينيّة المتبناة سعودياً لحمل السلاح هي بحد ذاتها سلاح خطير، فالسماح لدعاة الدين بشن هجوم لاذع ضد الأسد ورفع مستوى مخاطر الجهاد يؤدي إلى عودة ظهور الجماعات الإسلامية المتطرفة، وكل ذلك يعطيهم المساحة السياسية للعمل ويمنحهم فرص تجنيد أناس جُدد للإستفادة من الحركة التي تقودها الدولة.

وفي الوقت الذي جسد فيه مؤتمر اسطنبول ما يمكن أن يسمى جدلاً بداية الصِراع العلنيِّ بين الرياض ودمشق، كانت دلالات الصراع الخفي تبرز للواجهة على قدم و ساق على مدى الشهور الماضية، والتقارير التي تفيد بأن عملاء سعوديين عملوا في الأردن والعراق لتمويل قنوات التهريب ترجمها الواقع فيما بعد.

إن نوعية المتمردين الذين تشعر السعودية بالراحة في دعمهم ينتمون إلى الجماعات الإسلامية السنية، كالفصائل المنبثقة عن جماعة الإخوان المسلمين السوريَّة. ولدى المملكة العربية السعودية إتّصالات هائلة مع رجال الدين في جميع أنحاء العالم الإسلامي، وينبغي عدم الإستهانة بقدرتها على التغلغل داخل المساجد في سوريا لأغراض التجنيد.

 إن هذا الأمر مثير للقلق حيث أنه من الممكن أن يكون له بالغ الأثر في تشويه حركة المعارضة من خلال تعزيز المجموعات الإسلامية المتّفقة معها إيديولوجياً على حساب المعتدلين والعلمانيين، وغيرهم من المعارضين لنظام الأسد، وإعطاء المملكة العربية السعودية دوراً حاسِماً في رسم شكل الصراع.

ولا يمكن للأمريكيين الوقوف على الحياد وترك مثل هذا السيناريو المنطوي على أخطار كبيرة يأخذ دوره بالتطور دون أن يكون لهم دوراً فيه، فكقوة مكافئة للتأثير السعودي، وفي حال انهيار وقف إطلاق النار الحالي،  فإنه يتوجب على الولايات المتحدة البدء في التواصل المباشر مع الجيش السوري الحر وحلفائه، والعمل على إنشاء ممرّات إمداد عسكرية ومدنيّة.

يتعيّن على الولايات المتحدة أيضا أن تواكب موقف المملكة العربية السعودية ودول الخليج بشأن إنشاء الممرات والمناطق الآمنة في سوريا. وهذا الخيار يتطلب مباحثات علنية مع تركيا في أقرب وقت ممكن. وأخيراً، إذا لم يصمد وقف إطلاق النار، فيجب على المجتمع الدَّولي النظر في إستخدام محدود للقوة العسكرية ضد نظام الأسد.

 يتعين على صُنَّاع القرار أن يفهموا أنه سواءً مع تدخل الولايات المتحدة أو عدم تدخلها، فإن العنف في سوريا سيستمر دون هوادة، (إن لم يتوقف بموجب إعلان وقف إطلاق النار)، وأن تفكّك نظام الأسد لا يزال مُمكِناً، ولكن، بدون تدخل الولايات المتحدة والغرب، فلن يكون ثمة تأثير لهما في سوريا مابعد الأسد، ولن يكون هناك أي سيطرة أو عزلة من تداعيّات العمليات “الجهادية” السّعودية.

 وعلى هذا، يبقى القلق حول مستقبل سوريا قائماً، سواءً توقف إطلاق النار أم لم يتوقف.

“جوشوا جاكوبس” Joshua Jacobs هو محلِّل سياسي مختص بقضايا الخليج في معهد شؤون الخليج.

المصدر

 The danger that Saudi Arabia will turn Syria into an Islamist hotbed

One response to “الخطر يكمن في أن المملكة العربية السعودية ستحوّل سوريا الى مَعقِلٍ للإسلاميين

  1. لا أعتقد أن السعودية سيكون لها ذلك التواجد الكبير بعد نجاح الثورة السورية. سوريا في تنوع كبير لا يمكن تجاهله – هو لم يلعب دوراً في الثورة و لكنه لا يمكن أن يعتبر غير موجوداً.
    ثم إن السعودية نفسها ليست بمأمن من رياح التغيير! أعتقد أن اللعبة لعبة مصالح. السعودية لها مصالح بزوال نظام الأسد من أجل عدائها مع إيران، الولايات المتحدة لها مصالح مع السعودية و لكن من تحت الطاولة لها مصالح مع نظام الأسد فيما يخص أمان إسرائيل. تبقى الكلمة الأخيرة للشعب السوري و لا أحد غير الشعب السوري.

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s