CNN سي إن إن
آن ماري سلوتر Anne-Marie Slaughter، Project Syndicate
خلصت الحكمة التقليدية في الأسبوع الماضي حول احتمال امتثال سوريا لخطة وقف إطلاق النار التي طرحها الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي أنان إلى أن الأمر عائد إلى روسيا. أعادنا ذلك إلى سياسات الحرب الباردة عندما لم يكن الغرب راغباً باستخدام القوة، بينما كانت روسيا راغبة بتسليح ودعم زبائنها. هكذا لعبت روسيا بورقتها الرابحة: اختيار مقدار الضغط الذي ترغب بممارسته على الرئيس السوري بشار الأسد ليستجيب إلى الخطة.
إذا كان هذا التصور صحيحاً، فإن إيران أيضاً تمتلك نفوذاً موازياً بكل تأكيد. فقد سافر أنان إلى طهران أيضاً. يبدو أن توازن القوى الجيوسياسية التقليدية لا زال حياً أيضاً. لكن وبأحسن الأحوال، فإن هذه الرؤية جزئية وباهتة بقدر ما هي واضحة، فهي تفتقد بشكل خاص إلى الأهمية المتنامية والأساسية للسياسات والمؤسسات الإقليمية.
يتعلق حل الأزمة السورية على المدى الطويل بتركيا والجامعة العربية، وكذلك بالولايات المتحدة وأوروبا وروسيا. فلنأخذ بالحسبان ما جرى الأسبوع الماضي: أوضحت الحكومة التركية بأنها ستلجأ إلى أخذ إجراءات جديدة إذا لم تحقق خطة أنان نتائجها.
لقد أصدر مسؤولون أتراك تصريحات مشابهة لمدة أشهر، ولكن القوات السورية الآن أطلقت النار على تركيا أثناء مطاردة قوات الجيش السوري الحر التي اجتازت الحدود هرباً، بينما ازداد عدد النازحين السوريين المدنيين بشكل واضح. وفي الأسبوع الماضي رفع رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان نسبة المجازفة بشكل دراماتيكي بحديثه عن امتلاك “خيارات متعددة” وقوله: ” لدى الناتو أيضاً مسؤوليات يقوم بها تتعلق بالحدود التركية وفقاً للمادة رقم 5″.
تنص المادة رقم 5 من معاهدة الناتو على أن أي هجوم على أحد أعضاء الناتو يعتبر هجوماً على الكل، وبأن الجميع سيهب لمساعدة ذلك العضو. طبعاً قد لا يتفق أعضاء الناتو الآخرين على أن سوريا قامت حقاً بمهاجمة تركيا، ولكن إذا طالبت تركيا بتنفيذ المادة الخامسة فسيؤثر رفض تقديم المساعدة على كل التحالف بنتائج غير مستحبة. ويعلم الأسد تماماً باستحالة تجنب حوادث مستقبلية على الحدود، إلا إذا كان مستعداً لأن يسمح للجيش السوري الحر باستخدام تركيا كمنطقة آمنة.
تعني المادة الخامسة أنه إذا تم تشكيل قضية مقبولة من أن تركيا وحلفاءها يتصرفون دفاعاً عن النفس، فإنهم لن يحتاجوا إلى موافقة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. وهذا يجعل اقتراح أردوغان قادراً على تغيير قواعد اللعبة، ومجبراً الأسد على تقبل إمكانية إنشاء منطقة آمنة فعلية للمعارضة المدنية تفرض بالقوة العسكرية.
النقطة الأعمق هنا تكمن في أن المنظمات الإقليمية، من بينها الناتو، توفر المستوى الأول من الشرعية والقانونية اللازم من أجل استخدام ناجح للقوة. لم تكن الولايات المتحدة لتدعم التدخل في ليبيا لو لم تقم الجامعة العربية بدعم منطقة الحظر الجوي ورغبتها بذهاب تلك المسألة إلى الأمم المتحدة على هذا الأساس.
في الواقع، إذا افترضنا أن الأسد لن يبدأ بتدمير مدن بأكملها، فإنني لا أستطيع تصور تحت أي ظرف يمكن للولايات المتحدة أن تدعم التدخل العسكري في سوريا، حتى ولو كان تدخلاً محدوداً، دون الحصول على قبول علني من الجامعة العربية وتركيا. لهذا كنا نتابع سياسة “من بعدكم” فيما يتعلق بسوريا، فالأتراك يقولون أنهم يحتاجون الدعم الغربي، والولايات المتحدة تقول إنها بحاجة إلى دعم إقليمي، وكلاهما يقول إنهما بحاجة إلى دعم الأمم المتحدة.
في النظر إلى ما وراء الشرق الأوسط، توفر إفريقيا الدليل الأفضل للجيوسياسات التي تعتمد على القوى والمؤسسات الإقليمية بمقدار اعتمادها على القوى العظمى التقليدية. فبينما كان أنان يحاول قصارى جهوده الدبلوماسية لحل الأزمة السورية، كانت القوى الإقليمية تعالج بسرعة مسألة الثوار في السنغال ومالي ومالاوي وغينيا-بيساو Guinea-Bissau. وعلى الأخص، فقد كان الاتحاد الإفريقي (AU)يتصرف بشكل مستمر تحت غطاء تطبيق بنود الميثاق الإفريقي المتعلقة بالديمقراطية والانتخابات والحكم.
في السنغال، صاحبت أعمال عنف شديدة عملية الانتخابات التي سمحت للرئيس عبد الله واد Abdoulaye Wade بالاستمرار لولاية ثالثة بشكل غير مسبوق. أجبرت الجولة الأولى “واد” Wade على خوض السباق مع ماكي سال Macky Sall، فسارع الاتحاد الإفريقي حينئذ بإرسال بعثة مراقبة للانتخابات اختيرت من 18 بلد إفريقي لتقييم شرعية الانتخابات، والتأكد فيما إذا كانت نتائجها “تعكس رغبة الشعب السنغالي”. لا نستطيع أن نكون متأكدين حيال تأثير البعثة على قرار “واد” النهائي بأن يسلم بهزيمته مقابل “سال”، لكن بالتأكيد فقد أثرت مراقبة المنطقة على توجيه أفكاره.
الحال في مالي معقد أكثر، كونها تشتمل على حركة انفصالية مستمرة بالإضافة إلى انقلاب 21 مارس/ آذار. ولكن بعد الانقلاب سارع كل من الاتحاد الإفريقي والتجمع الاقتصادي للولايات الإفريقية الغربية ECOWAS، مدعومين بمجلس الأمن، إلى تجميد عضوية مالي في الاتحاد الإفريقي، وفرض عقوبات اقتصادي ودبلوماسية على البلاد، كما وضعت قيوداً على سفر قادة الانقلاب. بعد ذلك بأسبوعين قام التجمع الاقتصادي للولايات الإفريقية الغربية ECOWAS بإعلان وصوله لاتفاق مع قادة الانقلاب لإعادة الحكومة إلى الحكم المدني مقابل رفع العقوبات.
وبشكل مشابه، أدان رئيس الاتحاد الإفريقي جين بينغ Jean Ping بالانقلاب في غينيا-بيساوGuinea-Bissau في بداية شهر أبريل/ نيسان مباشرة وبأشد العبارات.
إن أولئك الذين يفسرون التحركات في المسرح الدولي على أنها مناورات أبدية للدول للوصول إلى السلطة والنفوذ لن يفتقدوا الدليل مطلقاً. أبرز مثال على ذلك هو الطريقة التي يتنافس فيها السعوديون والإيرانيون حول سوريا. ولكن هناك قوة أخرى موجودة تتمثل برغبة البلدان بوقف جرائم القتل الجماعي بجوارها، أو لفرض معايير إقليمية. كلما ابتعدت المؤسسة الإقليمية عن التدخل تزداد صعوبة تدخل القوى خارج المنطقة. وعندما تتوحد المنطقة على برنامج عمل، يصبح التدخل من الخارج أقل ضرورة أو أكثر فعالية.
ملاحظة المحرر: آن ماري سلوتر Anne-Marie Slaughter مديرة سابقة للتخطيط السياسي في وزارة الخارجية في الولايات المتحدة الأمريكية (2011 -2009) وأستاذة العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة برينستون Princeton. لقراءة المزيد من مقالات سلوتر، يمكنكم زيارة رابط Project Syndicate أو متابعتها على الفيسبوك وتويتر.
الآراء الواردة في هذه المقالة تعبر فقط عن آراء كاتبة المقالة.
المصدر