Erika Solomon إريكا سولومون
13 أبريل/ نيسان 2012
KILIS, Turkey
رويترز: بدأت الحياة وكأنها دائمة بالنسبة إلى اللاجئين السوريين في “كيليس” Kilis. لا يوجد خيم في المخيم التركي، ولكن هناك الآلاف من المهاجع البيضاء في صفوفٍ غير منتهية.
مع كل قطعة قرميد رمادية على طول الطرق التي تتقاطع مع عدد كبير من الحاويات، تشعر تركية زرزورية بأنها أبعد من ذي قبل عن العودة إلى منزلها في الطرف المقابل من الحدود “لقد غادرنا منزلنا في جسر الشغور منذ حوالي 11 شهراً، وأعتقد أنه ما زال أمامنا الكثير من الوقت قبل العودة”، تقول الأم لستة أطفال، البالغ من عمرها 27 سنة، والتي هربت عائلتها من المشاهد الأولى لسفك الدماء في حملة القمع التي يقوم بها بشار الأسد ضد ثورة قامت منذ سنة ضد حكمه.
على الرغم من نقاش الديبلوماسين لحلول وقف إطلاق النار، وإرسال مراقبين إلى شوارع سوريا، فإن مؤسسي “كيليس” يعتقدون أن إقامة اللاجئين السوريين ستمتد إلى أمد طويل. تم تشييد ثلاث مدارس صفراء كبيرة. مسجدان مع مئذنتين زرقاويتين، ونوافذ زجاجية مبرقعة تحدّد كلا طرفي المخيم.
“هذا ليس بمخيم، إنه مدينة. في الشهر القادم سترى عالماً مختلفاً هنا، ما يشبه مدينة الأحلام”، يقول صوفي أتان SuphiAtan، مسؤول وزارة الخارجية التركية الذي يشرف على مخيمات اللاجئين السوريين.
في مكتب إداري جديد بأرضية مشمعة من اللينوليوم، يعرض أتان Atan على ضيوفه الجالسين في مقاعد جلدية سوداء، خريطةً ملونة تشرح مخطط المخيم المصمم لـ 12 ألف لاجئ من أصل الـ 25 ألف لاجئ في تركيا. يشير بفخر إلى المتجر الذي يتم بناؤه على طراز كارفور Carrefour، والذي يحوي كل شيء من الخضار إلى الأحذية.
في سوريا، توصل تقريباً كل من قوات الأمن والثوار إلى وقف لإطلاق النار فُرض في 12 أبريل/ نيسان عبر صفقة رتبها المبعوث الخاص، كوفي أنان. تناقش الأمم المتحدة الآن إرسال مجموعة مراقبين صغيرة لمراقبة الهدنة.
لكن زرزورية تقول إنه من غير المقنع مغادرة “كيليس” الآن. “من يصدق هذه الأقوال؟ جاء جيراننا منذ عشرة أيام، لقد رأوا صواريخ ومَوتاً. كل ما يقلقني الآن هو كيف سأجد متسعاً لعائلة من ثمانية أشخاص في غرفتين”، تقول وهي تقلي بطاطس للعشاء في فرنٍ إلى جانب سريرها.
“هذا ليس المنزل الذي أريده، ولكن ربما سيتوجب علي الاستقرار هنا لمدة طويلة. لن نستطيع رؤية منازلنا من جديد حتى يسقط بشار الأسد”.
صرفت تركيا ما يقارب 150 مليون دولار أمريكي على مخيمات اللاجئين، يقول أتان. بناء “كيليس” سيكلف 50 مليون دولار، ومليوني دولار شهرياً لتفعيله. تستقبل تركيا معونات عالمية لاقتسام التكلفة المتزايدة.
“كما الحكومة التركية، علينا نحن أيضاً أن نتجهز للسيناريو الأسوأ”، يقول أتان. “نحن لا نأمل بأن يطول هذا النزاع طويلاً، ولكن علينا أن نكون مستعدين لاستقبال إخوتنا من سوريا”.
“الحلم ميت”
سيعمل في “كيليس”حوالي 500 موظف تركي، من شرطة ومعلمين وأطباء. العيادة المطلية حديثاً ستحتوي على أجهزة أشعة سينية وغرف عمليات.
ولكن بالنسبة إلى السورين المقيمين هنا، فإن جدران الألمنيوم الطويلة المحاطة بأسلاك شائكة وأبراج المراقبة التي تلوح في الأعلى تذكرهم دوماً بأنهم يهربون من كابوس.
عائلة محمود حملت جسده نصف المشلول لمدة ثلاثة أيام لإيصاله إلى “كيليس”، بعد أن أصابت شظية رقبته عندما سقط صاروخ على منزله في شمال إدلب. يرقد شاحباً على الأرض بينما تتجمع حوله والدته وأخواته السبعة.
“أستطيع تحريك قدمي اليسرى قليلاً. لا أعرف ماذا سيحدث لاحقاً. منذ بضعة شهور كنت أتظاهر، الآن أحاول ألا أشعر بالقلق حيال المستقبل”، يقول الصبيّ ذو الخمسة عشر ربيعاً.
أعلى الحائط إلى جانب منزله الجديد، تلوح قمم سوريا الخضراء وأعلامها التي ترفرف من موقع حدوديٍ للجيش.
دعت وزارة الداخلية السورية اللاجئين السوريين إلى العودة إلى منازلهم بعد الهدنة. لكن محمّد يقول: هذا ليس خياراً مطروحاً.
“انظر ماذا حلّ بي، هذا جرح كبيرة لتذكر ثمن الحرية. لن نعود حتى يذهب بشار”.
صفوفٌ من قطع الملابس، وساحات الملاعب المكتظة بالأطفال، هما الشيئان الوحيدان اللذان يفرقا صفوفاً لامنتهية من المنازل المتماثلة.
يحاول المقيمون أيضاً أن يضفوا طابعهم الشخصي على منازلهم الجديدة. تُعنْوِنُ غرافيتي سوداء أحد الطرقات “شارع المنتصرين على الأسد”، بينما تتجمع منازل أخرى حول تقاطع يسمى “ساحة الحرية”.
بينما يستقر حوالي تسعة آلاف مقيم في “كيليس” لمدة طويلة، ينشأ إيقاع جديد للحياة. النساء يمددن العجين لصنع الخبر على عتبات الأبواب. وفي مكان قريب، قام الشبان بجر قضبان حديد الأسرّة المزدوجة وصنعوا منها معدات لمتاجر مؤقتة، والتي امتلأت بالحلوى والدخان.
مصطفى، ناشط عمره 25 سنة من حماة، متمدد على بساط في الخارج يلف ضماداً حول ساقه المصابة بعيار ناري. يشعر بالامتنان لمنزله الجديد في تركيا، ولكنه يقول إنه لا يشبه الأحلام بشيء. “حتى لو بنوا لنا قصراً لن ننسى أننا لاجؤون”، يقول مصطفى. “من الصعب الحلم هنا، البقاء هنا يعني، أن حلمنا قد مات”.
المصدر