10أبريل/ نيسان 2012
لمحة عامة
مع قدوم موعد العاشر من أبريل/ نيسان الذي حدده كوفي أنان (المبعوث الخاص للأمم المتحدة والجامعة العربية) اتخذت آليات الصراع منحىً مقلقاً وبشعاً. ويبدو أن السوريين على مختلف مشاربهم صامتون أمام المستويات الفظيعة للعنف والكراهية الذيْن خلفهما العنف. لقد عرّضت قوات النظام مناطق بأكملها لقصف عنيف تحت مزاعم قمع جماعات مسلحة مناهضة بدون أي اعتبار لتواجد المدنيين. في المدن الكبرى أزهقت أرواح الأبرياء في انفجارات ضخمة حصلت في محيط مجمعات أمنية حساسة. وربما كان الأسوأ من ذلك كله صور لمجازر عائلات بكاملها، وجماجم متناثرة لأطفال صغار. مرّت الذكرى السنوية الأولى لحركة الاحتجاجات التي بدأت بطابع سلمي كتجمعات متناثرة من المظاهرات الشعبية. بدلاً من ذلك المشهد نرى اليوم إراقة لامحدودة من الدماء.
قُوبلت مبادرة أنان لإنهاء العنف وطرح انتقال سياسي بتشاؤم واسع ومبرر. ووُجه القبول المبدئي للنظام لهذه الخطة بتكذيب أوسع. ويبدو أن المتشككين على حق. فقبل يوم من الموعد المقرر لسحب جنودها من المدن والبلدات قامت دمشق باشتراط خطوتها تلك بتقديم تعهدات مكتوبة من قبل المجموعات المعارضة، وإدانة للعنف من قبل الدول المعادية لها. إن مناورات المماطلة هذه سمح بها انقسام المجتمع الدولي وموقفه المتردد ومزيج من التعهدات منقوصة الإرادة لدعم المقاومة المسلحة ودعم شكلي لمهمة دبلوماسية لطالما اعتقدوا بفشلها.
من شبه المؤكد أن التطبيق الكامل والفوري لخطة أنان ليس في حسبان أحد. ولكن ذلك ليس مبرراً للتخلي عن الحلول الدبلوماسية بشكل عام، ومهمة أنان بشكل خاص. الأولوية في هذه المرحلة يجب أن تكون لمنع تدهور الصراع بشكل خطير لا يمكن الرجوع عنه. في غياب بديل واقعي وعملي تبقى الفرصة الأفضل لتحقيق ذلك هي البناء على نقاط مبادرة المبعوث، وتحقيق إجماع دولي واسع حول تفاصيل خارطة الطريق.
أحد الجوانب المقلقة في التصعيد الأخير يكمن في عدم استدعائه لردود فعل حاسمة لدى أي من الأطراف الرئيسية، مما يشي بأن الأمور لن تتجه إلا نحو الأسوأ. لقد أدخل النظام نفسه في حلقة مفرغة يقوم فيها بتصعيد القمع في مواجهة تطرّف لدى الحراك الشعبي، والذي كان عنف النظام صاحب الدور الأساسي في توليد هذا التطرف منذ البداية. تنقسم المعارضة بشكل عميق بين الذين يتوهمون أن يتخلى النظام عن مطلبه المتعذر المنال بـ “الحل الأمني”، وبين أولئك الذين بدعواهم لتسليح المتمردين على الأرض وحشدهم لتدخل عسكري دولي عملياً إنما يطمحون لتنفيذ “الحل الأمني” الخاص بهم.
بالمجمل، فإن العالم الخارجي محصور بين أربعة حالات باهظة الكلفة. حلفاء النظام من إيران وحزب الله يقدمون له دعماً غير مشروط، ولديهم الدوافع والحوافز للاستمرار على هذا النحو. روسيا والصين يقومون بتشكيل ضغط على خصوم النظام في الداخل والخارج لنزع فتيل الأزمة متوقعين أن يقوم خصوم الداخل بإلقاء أسلحتهم والمشاركة بما يسمى “حواراً” غير واضح المعالم، على التوازي يجبرون خصومه في الخارج على إيقاف جميع وسائل الضغط. لايزال الغرب في حيرة وتخبّط حيث استنفذ جميع الوسائل الدبلوماسية بالإضافة إلى نفوذه الاقتصادي، ويتخوف من المستقبل ويتحرك رويداً رويداً نحو التدخل العسكري. وقد صرحت كل من المملكة العربية السعودية وقطر بوضوح عن نيتهم بتسليح المتمردين، ولكن حتى على افتراض إظهارهم لهذا الالتزام بتشكيل خطوط الإمداد اللازمة، يبقى من الصعب رؤية كيف يمكن لمثل هذه الجهود أن تركّع نظاماً مسلحاً بهذا الشكل. مكبلة بين هذه المواقف المتضادة تقف مهمة أنان دون تحقيق تقدم وأثر ملموس حتى الآن سوى تصريحات تأييد رنانة من قبل الأطراف المعنية.
إن تقاطع العديد من المؤشرات الخطيرة يشير إلى أن الحالة ليست في استعصاء ساكنٍ، بل إن الصراع يأخذ مناحٍ خطيرة. سواء كانت عناصر النظام أم الجماعات المسلحة المعارضة هي المسؤولة عن تفجير معين أو عن مجزرة بحق المدنيين، فإن ذلك نقاش عقيم. الحقيقة أن سلوك النظام قد غذى التطرف لدى كلا الجانبين، وبسماحه للبلد بأن تنزلق نحو الفوضى فقد أفسح المجال لهم للتحرك والعمل. يبدو أن قواته الأمنية مستعدة لارتكاب أي شيء في وسعها تشويه والحط من قدر المعارضة والمعارضة مستعدة لفعل ما، ضمن إمكانيتها، لترد على العنف غير المحتمل التي تتعرض له. كنتيجة لذلك تم خلق وضع يمكن فيه أن تصبح أشكال العنف المتطرفة حالة عادية. وهذا بدوره سيقوي العناصر المتطرفة لدى جميع الأطراف لتبرير أسوأ أشكال الإجرام لدى النظام وخلق ردود فعل انتقامية مرعبة. في حال استمرار الأمور على هذا المنحى فإن أعداد ضحايا الصراع الحالية والتي تقدر بالآلاف ستبدو لاحقاً أرقاماً متواضعة، ولكن بعد فوات الأوان.
لعدة شهور، دأب السوريون والمعلقون الأجانب على مناقشة مسألة فيما إذا كانت البلد تنزلق نحو حرب أهلية. والجواب لا يمكن أن يكون واضحاً. من النادر أن يكون للحروب الأهلية بداية واضحة بالرغم من أن البداهة العادية ستشير لاحقاً إلى حدث بعينه كلحظة لاندلاعها. مما لا شك فيه أن سوريا أسيرة تفاعلات حرب أهلية، والمجازر المشاهدة مؤخراً المرتكبة بحق أُسر بكاملها يمكن أن يُنظر إليها لاحقاً على أنها كانت نقطة التحول. أما بالنسبة لليوم فيجب فعل كل ما يمكن فعله لتجنب المزيد من التدهور.
حسب الطرح السابق لـ كرايسس غروب Crisis Group فإن النظام سيغير فعلياً طريقة تعامله فقط في حال واجه تغيراً في موازين القوى – سياسياً: من خلال تغير في موقف موسكو, أو عسكرياً: بحصول تغير على الأرض. كرايسس غروب بشكل مشابه تبدي تفضيلها للاحتمال الأول وقلقاً واضحاً تجاه الاحتمال الثاني. وحتى كتابة هذا التقرير لا يبدو أن أياً من الاحتمالين متوقع بحد ذاته في المستقبل القريب.
نظراً إلى التطورات التفاعلية، برغم كون مهمة أنان محبطة، فإن من المتوقع أن تبقى الخيار الوحيد المطروح لبعض الوقت. يجب عدم إضاعة هذه الفترة بأن ننتظر نهايتها أو نعوّل على فشلها. بدون استبعاد احتمالات اتفاق سياسي حقيقي لمرحلة انتقالية، فإن الأولوية اليوم تكمن في تحجيم العنف. يجب محاولة ذلك من خلال التركيز على بلورة أفكار طرحها أنان وزعم النظام أنه قَبِل بها.
في مقدمتهم مهمة مراقبي الأمم المتحدة، وتبقى تفاصيل ذلك للمناقشة لاحقاً. كما شاهدنا خلال المبادرة السابقة, قصيرة الأجل, لجامعة الدول العربية، فإن تواجد مراقبين ليس بمقدوره إيقاف العنف ولكن تواجدهم يقيد أفعال النظام ويعطي مساحة للمظاهرات السلمية. هذه المرة حتى نعزز المهمة ونتأكد من تثبيتها في حال النجاح، فإن استحقاق المراقبين يجب تعزيزه بحق، التواصل بالإضافة إلى الخطوات المرافقة له التي يجب أن تكون معرّفة بشكل أكثر دقة، وبتركيز خاص على النقاط التالية:
1) مناطق اختبار، حيث يمكن الوصول فيها إلى وقف لإطلاق النار، ويتم نشر مهمة المراقبة مباشرة لإعطاء دليل ملموس بأن هذه المقاربة قادرة على إنتاج الراحة.
2) ترتيبات يسمح بموجبها النظام في نهاية المطاف لجميع المظاهرات السلمية، وستتجنب المعارضة تنظيمهم في مناطق محددة بدمشق نظراً لحساسية النظام.
3) بموازاة ذلك، تفعيل أساليب للتأكيد على التزام جيران سوريا بتجميد نقل الأسلحة وتهريبها عبر الحدود.
4) إنشاء نماذج ذات مصداقية للتحقيق والملاحقة لأعمال العنف الوحشية للتقليل من خطر تكرار مثل هذه الأعمال.
إن احتمالات النجاح تبدو ضئيلة. ولكن الأسوأ من إتاحة الفرصة (لهذه المبادرة) هو تكرار الأخطاء التي اُرتكبت أثناء المبادرة الدبلوماسية السابقة المدعومة من الجامعة العربية, والتي تضمنت أيضاً مهمة مراقبة: بتوقع فشلها والمسارعة إلى سحب المبادرة غير المرضية، ثم انتظار ظهور بديل لم يتم التفكير به بعد أو الاتفاق عليه. عندها سننظر، فالقتل سيستمر.
دمشق، بروكسل 10 أبريل/ نيسان 2012
المصدر