قال بشار الأسد إنه سيوقف إطلاق النار يوم 10 أبريل/ نيسان. لقد كذب. ماذا الآن؟
بروس جونز BRUCE JONES
10 أبريل/ نيسان 2012
يبدو أن 10 أبريل/ نيسان الموعد النهائي لانسحاب القوات السورية من المدن الرئيسية، الذي حدده كوفي أنان المبعوث الخاص المشترك للأمم المتحدة وجامعة الدول العربية إلى سوريا، قد أتى وذهب دون تغير يذكر على الأرض. ويبدو أن مهلة الخميس لوقف إطلاق النار الكامل ستمضي كذلك. في الوقت الراهن، يصر أنان بحق على أن الخطة لا تزال على الطاولة. ولكن فرصة سوريا الأخيرة الأفضل لحل دبلوماسي تحتضر.
إذا كانت خطة أنان ميتة على الأرجح، فإن الطبيب الشرعي لن يعلن ذلك لبضعة أيام أُخر. حيث يتم إنقاذ مهل كهذه أحياناً في الوقت الدبلوماسي بدل الضائع. سمعة روسيا الآن على المحك، وقد نشهد محاولة أخيرة من موسكو لحمل الأسد على الامتثال. وقد يوفَر الاجتماع المقبل لوزراء خارجية دول مجموعة الثمانية في واشنطن في 12 أبريل/ نيسان، حيث سيواجه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف هيلاري كلينتون الغاضبة، فرصة لكسر الجمود بين الولايات المتحدة وروسيا.
هناك سابقة لذلك: فعندما عُطَل مجلس الأمن في عام 1999 بشأن كوسوفو، كان اجتماع مجموعة الثمانية هو الذي وفر انفراجة دبلوماسية بين الولايات المتحدة وروسيا، حيث سيكون هناك دبلوماسية شرسة لتحقيق هذه الغاية في الأيام القليلة القادمة، فضلاً عن الدبلوماسية التي تهدف إلى معرفة ما إذا كان يمكن إقناع بكين برمي الكرة – أو على الأقل عدم عرقلة عمل مجلس الأمن –أي ترك موسكو أكثر عزلة. لا يزال بإمكاننا رؤية موافقة مجلس الأمن على قرار جديد، يدعو الرئيس السوري بشار الأسد إلى تنفيذ خطة أنان ومن ثم يوافق على نشر قوة مراقبة. ومع ذلك، ينبغي ألا يخدع أولئك الذين يأملون في حل دبلوماسي لهذه الفوضى أنفسهم – فالاحتمالات ضعيفة.
ولكن لطالما كانت الاحتمالات ضعيفة. فقبل أيام عدة، كان هناك معلقون منشغلون بتكرار ما قاله أنان، والذي بيّن مدى سذاجته لدرجة أنه “صُدم” بأن الأسد لم يف بوعوده. وعلى طريقة فيلم “كازابلانكا” “أصيب بصدمة”، يبدو أن حال أنان أبعد من أن يكون أحمقاً، فالرجل لديه خبرة طويلة مع الأسد، وقد عرف تماماً الاحتمالات التي تكمن وراء متابعته لأي حل دبلوماسي. لم يعوَل الأمين العام السابق للأمم المتحدة على حسن نية الأسد، بل على تقديم خطة يمكن أن توحَد مجلس الأمن، وتحوَل الحسابات الدولية للأسد. لا يزال ذلك احتمالاً. ربما لن يتحقق.
كان أنان والأمين العام الحالي للأمم المتحدة بان كي مون محقين في المحاولة. إذ تنجح الدبلوماسية في بعض الأحيان في ظروف غير محتملة، وكان يمكن أن تحبط التدهور الحتمي الذي سيأتي الآن. وإذا فشلت الجهود الدبلوماسية نهائياً في الأيام القليلة القادمة، فإن أحداً لا يستطيع القول بثقة إنه لم يتم استنفاد كافة الخيارات الأخرى قبل استخدام تدابير أقوى.
ماذا يمكن أن تكون هذه التدابير؟
ستكون هناك دعوات جديدة لاستخدام القوة لتحقيق تغيير النظام. لقد نوقشت ملياً الإيجابيات الأخلاقية القوية والسلبيات التنفيذية الكبيرة لهذا الخيار في هذه المجلة وغيرها. في هذه المرحلة، ليس هناك ما يشير إلى أن الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي(الناتو) وتركيا، أو أي أحد يفكر في تدخل شامل. وفي الواقع، تفيد التقارير أن البيت الأبيض لمَح للمعارضة السورية مؤخراً أنه غير مستعد لتصعيد نزاعه مع نظام الأسد.
ثمة سيناريو أكثر احتمالاً تحدث عنه جيمس تراوب James Traub من صحيفة السياسة الخارجية Foreign Policy. حيث يجادل فيه بأن الخيار الأقل سوءاً قد يكون تسليح المتمردين، ودعمهم سياسياً إذا قبلوا ببعض معايير السلوك الأساسية، والانخراط في عملية بطيئة مطولة لاستنزاف النظام –الأمر الذي أطلق عليه “إستراتيجية المجاهدين الجدد”. إن هذه العبارة تنطوي بشكل مقصود على عدة مخاطر، وكذلك هناك مكاسب محتملة لمثل هذه المنهجية، وينبغي ألا يكون هناك شك في أن ذلك ينطوي على خطر تصعيد كبير ووقوع اشتباكات طائفية.
هناك خيار آخر لم يدرس بصورة شاملة: هو وجود قوة متعددة الجنسيات لحفظ الاستقرار. إن قوة حفظ الاستقرار لا تعتبر تدخلاً ولا أداة لحفظ السلام: فهي تمتلك القدرة العسكرية للأول، ولكن نواياها موجهة للثاني. فهي لا تهدف إلى تغيير النظام، بل لوقف موجة قتل محددة ومنع وقوع المزيد منها، لقد ساعد نشر مثل هذه القوة على منع الذبح على نطاق واسع من قبل الجيش الإندونيسي في تيمور الشرقية في عام 1999.
إنه ليس خياراً سهلاً وليس حلاً سحرياً، فذكريات القوة الدولية الكارثية بقيادة الولايات المتحدة في بيروت في عام 1982، التي انتهت بطريقة مخزية بعد تفجيرات ثكنة الولايات المتحدة وفرنسا والتي قُتل على إثرها 241 جندي أمريكي، و58 جندي فرنسي لم تمح من الذاكرة بعد، وتوضح القوة الدولية التي نشرت في شرق الكونغو في عام 1996 لوضع حد للعنف والتهجير الهائل مواطن القوة والضعف في هذه المنهجية. لقد حققت هذه القوة هدفها: قبل نشر القوة في عينتاب، حملت أوغندا رواندا على سحب قواتها عبر حدودها- ولكن ليس قبل قيام حكام رواندا بقتل عشرات الآلاف من المتمردين السابقين. ولكن في شرق الكونغو وتيمور الشرقية، أحبطت القوات المتعددة الجنسيات مذبحة أسوأ بكثير.
لا يمكن لقوة حفظ استقرار من هذا النوع أن تشق طريقها إلى دمشق. إذ لا يتعين على النظام السوري، أو على الأقل الجيش، أن يرضخ رسمياً لنشرها، ولكن يجب أن يشير إلى أنه لن يحاربها عند دخولها، كما كان الحال أثناء الحرب بين إسرائيل وحزب الله عام 2006، عندما أرسلت فرنسا والهند وإيطاليا وغيرها قوات إلى جنوب لبنان كجزء من اتفاق وقف إطلاق النار. لم يوافق حزب الله على وجود تلك القوة، ولكنه أرسل بهدوء إشارات إلى باريس تقول بأنه لن يعترض على نشرها.
لماذا قد تتراجع القوات السورية؟ أولاً، إن ذلك أفضل بكثير من فتح الباب أمام محاولات عدوانية لتغيير النظام إذا بدأت هذه التدابير تصبح أكثر مصداقية. ثانياً، كما هو الحال في شرق الكونغو، يمكن أن تغير مرحلة ما قبل نشر مثل هذه القوة حسابات الجيش. وكما أشار زميلي في معهد بروكنغز Brookings Institution colleague مارتن إنديكMartin Indyk، ليس لدى الجيش السوري شهية للدخول في مواجهة مع القوات التركية، وحتى التحضير لقوة يمكن أن يحول نفسيته وتقييمه للخيارات التي يواجهها. كما يمكن أن تساعد القوى الغربية بزيادة التكاليف الاقتصادية على مؤيدي الأسد من مجتمع رجال الأعمال، وبالعمل مع المؤسسات المالية الدولية للتعهد بأن الديون المستحقة في ظل هذا النظام ينبغي اعتبارها “بغيضة” – خطوة قد تعني أن الديون المستحقة في ظل هذا النظام لا يتعين تسديدها، ما يحدد مستقبل اقتصادي مجهول جداً لمجتمع رجال الأعمال المؤيد للأسد.
مَن يمكن أن يقود مثل هذه القوة؟ راوغت تركيا بطريقة مفهومة حول خيار استخدام جيشها للمساعدة في حماية المدنيين أو تحقيق الاستقرار في سوريا. إن المخاطر التي تواجهها تركيا هائلة – لكنها قد تكون راغبةً أكثر لرؤية جيشها منتشراً في إطار قوة متعددة الجنسيات بتفويض دولي، ونشر تكاليف العمليات والمخاطر السياسية، وستكون دول الخليج مثل قطر والمملكة العربية السعودية، اللتان أعربتا بشدة عن رغبتهما في دعم المعارضة السورية، أكثر من سعيدة لعرض التمويل.
يجب أن تحاول مثل هذه القوة أولاً كسب تفويض من مجلس الأمن، ويجب أن تكون تركيا مستعدة لاتخاذ الخطوة الأولى، لأن استعداد دولة ما للقيام بدور القيادة عادة ما يكون شرطاً مسبقاً للتفويض. تلك بالفعل خطوة صعبة – ولكن الحصول على تأييد الصين وروسيا، اللتان تتمتعان بحق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن وقامت كل منهما برفض قرارين يستهدفان الأسد، سيكون أكثر صعوبة. هل هذا ممكن؟
الاحتمالات ليست ضئيلة كما قد يتصور المرء، فمن الناحية التكتيكية، تعتبر المنهجية الصحيحة هنا أن تقدم تركيا هذا الاقتراح، وليس الولايات المتحدة. ويمكن للأتراك طلب الدعم من أصدقائهم من القوى الصاعدة داخل مجلس الأمن (الهند، جنوب أفريقيا) وخارجه (البرازيل، إندونيسيا). باستطاعة القوى الصاعدة بإحداث قدراً كبيراً من الضجة حول استخدام مجلس الأمن كأداة لتجنب قوة تهدف إلى تغيير النظام. لذا دعوهم يقودون محاولة للقيام بذلك.
روسيا والصين ستكونان تحت ضغط أكبر كي تعارض مبادرة هذه القوى الصاعدة عما لو كانت من المجموعة المعتادة من الدول الغربية في مجلس الأمن. ويمكن أن تقوم منطقة الخليج ببعض الضغوط على الصين هنا – بكين مشغولة بمشاكلها الخاصة في الوقت الراهن، ويبقى ما يجب معرفته إلى متى ستوفر غطاء لحلفاء موسكو الضالين في سوريا.
وإذا كان مجلس الأمن لن يفوض قوة دولية، يمكن للناتو أو جامعة الدول العربية فعل ذلك. استمات الناتو لتجنب الانجرار إلى سوريا، ولكن توفير الغطاء الدبلوماسي لقوة دولية قصة مختلفة.
بالطبع، سيتهم بعض منتقدي الرئيس الأمريكي باراك أوباما بلا شك. إن السماح لتركيا وغيرها بقيادة اقتراح ما يعادل مثال آخر على “القيادة من الخلف” – ولكن يبدو هذا النقد طفولي، وإدارة أوباما كسبت مصداقية في السياسة الخارجية أكثر من كافية لإدارة الخد الآخر. عند التفويض، ستحتاج أي قوة بالتأكيد إلى الاستخبارات والدعم التكتيكي من الولايات المتحدة، ولكن لن تحتاج إلى الأحذية الأمريكية على أرض الواقع.
يجدر التذكير بأن كل هذا غير محتمل. ليس هناك آلية لحل هذه المعضلة بين عشية وضحاها هنا. أولاً، ستمضي عدة أيام أُخر في الوقت الدبلوماسي بدل الضائع في محاولة لإنقاذ خطة أنان – سيُغضب ذلك المدنيين السوريين، ولكنها الدعوة الصحيحة واقعياً. يجب أن يتذكر المحبطون من بطء وتيرة الجهود الدبلوماسية أن تنظيم الخيارات العسكرية سيستغرق أسابيع، إن لم يكن شهوراً.
ومع ذلك، في مواجهة مجموعة من الخيارات الرهيبة الأخرى، قد يوازن هذا الخيار بين الإيجابيات والسلبيات بشكل أقل سوءاً من بعض الخيارات الأخرى. في الوقت الحالي، يواجه ما يسمى بالمجتمع الدولي جميع الخيارات السيئة، والأسد لديه خيار الذبح المستمر – في حركة بطيئة أو حالة تأهب قصوى. إذا، وعندما تفشل الدبلوماسية أخيراً، يمكن لقرار تشكيل قوة دولية لحماية المدنيين قلب الطاولة ومواجهة مؤيدي الأسد بخيارات سيئة من صنع أيديهم.
المصدر