النصر الروسي- الصيني في سوريا علامة على تقهقر النفوذ الأمريكي

أنطون عيسى

9 نيسان/ أبريل 2012

من شأن هذا النصر أن يؤسس لسابقة جديدة في العلاقات الدولية، وقد يكون المؤشر الأوضح على تراجع النفوذ الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط. فللمرة الأولى ومنذ نهاية الحرب الباردة قامت كل من روسيا والصين وبشكل فعّال بإحباط محاولة الولايات المتحدة وحلفائها من تمرير مصالحهم في منطقة الشرق الأوسط الملتهبة في سوريا.

إن الفيتو الروسي الصيني المزدوج في مجلس الأمن- كان الفيتو الأخير في شهر فبراير الماضي- أرسل رسالة إلى الغرب بأن هاتين القوتين, روسيا والصين, لديهما بالفعل خط أحمر تجاه سوريا. ومن الجدير ذكره أن الفيتو الصيني الثاني بخصوص سوريا كان الفيتو الصيني الثامن الذي تستخدمه الصين في تاريخها وهذا ما يدل على أهمية القضية بالنسبة لبكين. لقد كانت الرسالة واضحة: أي تغيير للنظام بغطاء أممي أو تدخل عسكري أو تزويد المتمردين السوريين بالسلاح كما جرى في ليبيا أي شيء من هذا القبيل لن يُمرّر عبر مجلس الأمن.

من أجل فهم حقيقة الصراع الإقليمي والدولي حول سوريا، لابد أن ندرك أن نشر الديمقراطية أو حقوق الإنسان هما آخر اهتمامات القوى الخارجية، وليستا ضمن الأولويات المحركة لسياسات هذه القوى حول الأزمة. فعلى الرغم من الجعجعة التي تصدر من العواصم الغربية  ليس هناك أي قائد أو زعيم بينهم معنيّ أو يحرص على رفاه الشعب السوري، وهذا ما يمكن ملاحظته من خلال المعايير الغربية المزدوجة بخصوص الثورة المستمرة في البحرين.

وأن تصدر أيضاً دعوات لتحقيق الديمقراطية في سوريا من النظام الأكثر قمعاً في العالم (النظام السعودي) هو أمر مثير للسخرية على أقل تقدير. كما أن روسيا والصين وإيران وكما اعتدنا أن نسمع دائماً هم القوى المعادية أو النقيض للقيم الديمقراطية التي يتبنى الغرب تمثيلها.

يرى الغرب ووكلاءه من الدول العربية الخليجية ما يحدث في سوريا على أنه فرصة إما كي يتخلصوا من البؤر المؤثرة والمؤيدة لروسيا وإيران في العالم العربي، أو لأن يقوموا بتحطيم قوتها الإقليمية تماماً وذلك بدفعها نحو حرب أهلية مدمرة. وقد بدا الخيار الأول بعيد المنال تماماً دون تدخل عسكري أمريكي، ولكن بعد أن أمضى الرئيس باراك أوباما ولايته الرئاسية الأولى وهو ينسحب من حروب في منطقة الشرق الأوسط فإن آخر ما قد يقدم عليه، والذي سيخوض انتخابات هذا العام، هو أن يُقحم الولايات المتحدة في حرب جديدة في منطقة الشرق الأوسط.

كما أن تفويض مثل هذا التدخل لحلفاء الولايات المتحدة من حلف الناتو كان خياراً مستبعداً على الدوام. فعلى الرغم من لهفة الفرنسيين البريطانيين لضرب قوات معمر القذافي العام الماضي في ليبيا، فقد تحملت الولايات المتحدة مرة أخرى العبء الأكبر من إنجاز المهمة.

إن خطر الانزلاق نحو حرب أهلية لا يزال خياراً مغريا طالما أن الدول الخليجية الغنيّة بالنفط تأمل بتسليح المتمردين، ولكن الانتصارات العسكرية الحاسمة للجيش السوري في الأشهر الأخيرة جعلت من غير المرجح أن يتم إزاحة الرئيس بشار الأسد بالقوة سواء من داخل سوريا أو من خارجها.

لا تنفي هذه المشاحنات الدولية شرعية مطالب الشعب السوري بالديمقراطية، وبمجتمع منفتح تسوده العدالة والمساواة، ولكنها تُظهر أنه وبالنسبة لغالبية الثورة السورية فإن المعركة على سوريا في معظمها تجري خارج حدودها.

لم تعد الثورة السورية متعلقة بحقوق الشعب السوري الأساسية، إلا أنها وكما هي العادة في الشرق الأوسط فقد أصبحت ذريعة من أجل الصراع على النفوذ والتفوق في المنطقة. لقد بدأ السعوديون والقطريون باللعب على المكشوف عندما أعلن الملك عبد الله تأييده العلني للثورة، وذلك في شهر أغسطس/ آب من العام الماضي. لم تكن دعوة الملك انطلاقاً من تضامنه مع الشعب السوري، ولكنها كانت بمثابة إعلان حرب بالوكالة ضد إيران عدو السعودية الإقليمي. لقد رأت الرياض والدوحة في ذلك فرصة  للحصول على حليف عربي جديد، وذلك لسبب بسيط وهو أن غالبية السوريين هم من المسلمين السنّة وأن بشار الأسد- والذي ينتمي إلى الأقلية العلوية- سيلقى نفس مصير الزعماء العرب المستبدين الذين سقطوا قبله.

كما ارتكبت تركيا خطأ استراتيجياً في برهانها على سقوط سريع للأسد، وتواجه الآن انتقادات حادة من المعلقين الأتراك ومن قادة المعارضة، بينما لا يزال الديكتاتور السوري ممسكاً بزمام الأمور. وعلى الرغم من أنها تستضيف جماعات المعارضة والمتمردين المسلحين، فإن تركيا خففت من نبرتها القاسية تجاه الأسد في الأسابيع الأخيرة. كما أن الولايات المتحدة وأوروبا تخلوا عن مطلبهم بالدعوة الصريحة إلى تغيير النظام، وانضموا إلى روسيا والصين بدعم خطة مبعوث الأمم المتحدة كوفي أنان ذات النقاط الست لإيجاد حلّ سياسي.

إن خطة أنان هي نصر واضح وصريح لروسيا والصين، كما أنها تُعزز من مواقفهم بخصوص ما تعتبره الطرح المعقول لحل الأزمة السورية. تقترح خطة أنان للسلام “عملية سياسية سورية بامتياز, بقيادة سورية”، وهذا الطرح يعكس دعوات موسكو وبكين المتكررة للحوار بين الأحزاب السورية وبدون تدخل أجنبي كما أنها تدعو إلى وقف العنف “من قبل جميع الأطراف”، وبدون توجيه اللوّم لا على النظام ولا على المعارضة. لقد تقدمت روسيا بمسودة مشروع قرار لمجلس الأمن يدين كلاً من الطرفين بالتسبب بالأزمة، وهي خطوة لاقت حينها رفضاً من قبل فرنسا التي رأته بوصفه “غير مقبول”، حيث أنه لا يمكن المساواة بين جرائم المتمردين وجرائم النظام، كما أن التلويح الوحيد بتدخل خارجي في خطة عنان هو بنشر فريق مراقبين من الأمم المتحدة لمراقبة وقف إطلاق النار.

وهذا يتناقض بشكل صارخ مع القرارين السابقين والمدعومين غربياً، القراران اللذان اقترحا تغيير النظام من خلال عملية انتقال، وفتحت الباب لإجراءات لاحقة بدون التزام أو وكما فُسّر روسياً وصينياً بالتحرك العسكري. لقد حققت موسكو وبكين ما يريدونه بخطة أنان، وحرموا الغرب من موقعهم التقليدي كصانع للقرار في منطقة الشرق الأوسط.

كشفت قمة “أصدقاء سوريا”، والتي عُقدت الأسبوع الماضي في تركيا، وضمت دولاً غربية وعربية وجماعات من المعارضة السورية، عن قلة الخيارات المتوفرة، كما كان تعهد القمة بدعم المعارضة هو مجرد تصريح أجوف يشبه مثيله من البيانات التي صدرت لدعم الثورة. وكانت الولايات المتحدة قد وعدت بتزويد المعارضة بمعدات اتصال- مخصصة لهزيمة الجيش السوري المدرب والمدجج بالسلاح!- بينما ستقوم العربية السعودية وقطر باستخدام ثروتهم النفطية بإغراء الضباط السوريين للانشقاق عن النظام وهي الإستراتيجية التي تم تطبيقها منذ منتصف العام الماضي دون جدوى.

كانت أكثر الاجتماعات الدولية تعبيراً هي القمم التي سبقت اجتماع “أصدقاء سوريا”. ففي 29 مارس/ آذار اجتمع القادة العرب في بغداد بينما عقدت قمة البريكسBRICS  للقوى الناشئة اجتماعها في دلهي. وقد حشدت الدول العربية بما فيها الرياض والدوحة دعمها لخطة أنان- روسيا المسالمة.

أما دول البريكس: البرازيل, روسيا، الهند، الصين، وجنوب أفريقيا- فقد استعرضت نفوذها كقوة عالمية صاعدة من خلال رفضها لأي عمل عسكري ودعمها للحوار كطريق للحل، ووقفت مجموعة البريكس بحزم تجاه سوريا كدليل على تعاظم نفوذها الدولي، وأجبرت الدول الغربية على التراجع خطوة إلى الوراء. لن يكون هناك تكرار للسيناريو الليبي في سوريا، ولن يكون هناك نظام وكيل وحليف للغرب في دمشق في الوقت القريب، كما أن خطر الحرب الأهلية لا يزال قائماً، وإن كان ذلك ليس بالسهل في ضوء الهزيمة القاسية للمتمردين في حمص وإدلب وعجزها مقارنة بالجيش السوري.

على أن تراجع أو رفع يد الغرب عن سوريا لا يعني نهاية أو موت الثورة السورية, صحيح أن قوات الأسد قد حققت نصراً عسكريا، ولكن قطاعات واسعة من الشعب السوري كسرت حاجز الصمت ولن تعود إلى الظل. صحيح أن التدخلات الغربية والخليجية العلنية في الأزمة السورية أدّت إلى المزيد من التعقيدات بين الناشطين السوريين أكثر من مساعدتها على إيجاد حلول لها. العديد من القادة والناشطين السوريين الذين قابلتهم عبروا لي عن استيائهم الشديد من ما يعتبرونه اختطاف الثورة من قبل قوى أجنبية وذلك بهدف تحقيق مصالح خارجية.

ولكن يبدو أن خطر التدخل الغربي قد تراجع في الوقت الراهن، وإذا كان العراق قد شكل حافزاً لتراجع الدور الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط، فإن سوريا بدت بمثابة المسمار الأول في نعش الولايات المتحدة، وذلك بعد عودة روسيا المتعافية والصين الناشئة إلى الخارطة من جديد.

أنطون عيسى, صحفي استرالي مقيم في بيروت  ومحرر أخبار في صحيفة الأخبار اللبنانية الصادرة بالإنكليزية.

المصدر

Russia-China victory in Syria a sign of declining US power

 

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s