برنارد جيتا BERNARD GUETTA
21 مارس/ آذار 2012
لم نكن نود الحديث عن هذا الإثبات، ولكنها الحقيقة: فبعد 12 شهراً من الاحتجاجات الشعبية التي تخللها إطلاق نار بشكل ممنهج وبدم بارد من نظام بشار الأسد، وعلى الرغم من ذهوله من شجاعة هذا الشعب الذي تحدى الرصاص لنيل حريته، فإن نظام القتل هذا لم يكن يتحدث بأكثر من لغة النار ليستعيد ميزاته.
في يوم الاثنين، كان القتال لا يزال مستمراً في دمشق. اشتبك جنود منشقون مع الجيش، إلا أن حمص سقطت ودُكت بالقنابل، وقُصفت بلا هوادة لأن مقاومتها أرعبت النظام. فيما كانت إدلب ممهدة بالألغام من طرف الحدود التركية، التي كان ينبغي الذهاب إليها في الأسبوع الماضي، يهاجم النظام المدن والمناطق المتبقية التي لم تكن تحت سيطرته. امتدت الاحتجاجات في سوريا لأسباب ثلاثة:
السبب الأول: هو أن النظام القاتل في دمشق لا يشكّل رجلاً واحداً من الأقلية العلوية -الذين هم فرع من المذهب الشيعي والذين يخشون فقدان كل شيء معه- والمدعوم من طائفته، وإنما يستفيد النظام بالمقابل من حيادية معظم المسيحيين والدروز والأكراد، الذين يفضلون تحالف الأقليات على هيمنة الأكثرية السنية .لا يعني هذا أن الأقليات تحب وتفضل الدكتاتورية.
وحتى العلويين أنفسهم لا يريدون الاستفادة من عائلة الأسد التي تنهب سوريا لمصلحتها الشخصية إلا أن المسيحيين, الدروز, الأكراد والعلويين لا يريدون المخاطرة في أن يغدوا كالمنبوذين في بلادهم، والحقيقة أن السنة فشلوا في تبديد خوفهم.
والسبب الثاني: هو أن بشار الأسد محاط بالروس والصينيين الدكتاتوريين الذين يستخدمون حق النقض (الفيتو) في أية إدانة ضد النظام السوري في مجلس الأمن، لأنه في يوم من الأيام ستثور شعوبهم ضدهم، لذلك لا يريدون بأي ثمن أن تكون منظمة الأمم المتحدة المدافعة عادة عن حق الشعوب لاسترداد حريتهم مكاناً لذلك، عدا الحديث عن تكرار التجربة العراقية، والجلوس تحت مظلة الشرعية الدولية وتحدي هذا المحفل الفريد المتواطئ بين الدول الأعضاء في منظمة الأمم المتحدة، فإن القوى الغربية إذاً لا تستطيع التدخل حتى مع مساعدة الدول العربية.
أما السبب الثالث: فيتعلق بأن القوى الغربية مترددة بشأن فكرة تصدير السلاح إلى المنشقين، لأنهم يعتقدون لسببٍ أو لآخر بأن هذا لن يغير من ميزان القوى، وإنما سيعطي ذريعة لمستخدمي السلاح لتبرير جرائمهم بشكل مفرط بحجة العدوان الخارجي.
في حين لا يملك السوريون إلا شجاعتهم وبنادقهم في مواجهة المدرعات الموجهة ضدهم، كما أنهم لا يستطيعون الاعتماد على مساعدة الخارج، يعلم بشار الأسد جيداً وهو على ثقة تامة بأنه يستطيع إكمال مجزرته. عار على العالم أجمع الاعتقاد بأن لدى نظامه حظ جيد باجتياز موجة الأزمة هذه، ولكن ليس بعد اليوم؟
هناك سيناريوهان. يعتقد المتفائلون بأنهم لن يحرزوا إلا نصراً باهظ الثمن، لأنهم يستطيعون فعل كل شيء بحرابهم إلا الجلوس عليها، فكره الشعب، والخزائن الفارغة بسبب الحرب والعقوبات الأجنبية المفروضة من قبل الدول العربية والغربية، عندها لن يستطيع النظام فعل شيء إلا السقوط، كالثمر الناضج أمام العاصفة القادمة.
ربما هذا ممكن سياسياً، النظام (القاتل) في دمشق بعيد جداً عن الفوز، لكن المتشائمين يعتقدون أن على العالم في نهاية المطاف التعامل معه لأنه سيظل في مكانه هذا من جهة، ومن جهة ثانية فإن محاولات الوساطة المعلنة طلبت منه الموافقة على الحد الأدنى، بصفته رئيساً للدولة.
لا نعلم فمن المبكر القول في الوقت الحالي بأن هذين السيناريوهين مقبولان، ولكن بغض النظر وعلى المدى القصير فحتى لو انتصر النظام عسكرياً، فإن الشعب السوري لن يتخلى عن الأمل بانتفاضته، لأن احتجاجاته غيّرت كل شيء.
حلّت الشجاعة محل الخوف، انهار الاقتصاد، وأخذ رجال الأعمال بالبحث عن حل سياسي والذي من شأنه إنعاش الاقتصاد. والآن بدأت الأقليات (حتى المتحالفين منهم) بإدراك أنه لا يمكن للأقلية أن تحكم الأكثرية بشكل أبدي.
تنتظر سوريا الجولة الثانية, الجيل المتشكل والذي عرف نفسه، الذي كنا نحلم به، سينضج خلال هذه المعركة. خلال سنة واحدة أطاح العالم العربي بأربعة من رؤسائه في 12 شهراً، وكان الدكتاتور السوري أكثر الدكتاتوريين استخباراياً، والأكثر وحشية من بين الجميع.
في سوريا، الخريف يعقبه الربيع، ولكن لا تنتصر القصة، ولا الحرية تفوز دفعة واحدة. انطلقت الحرية، تقهقرت وترنحت تحت الضربات، إلا أنها تنطلق مرة ثانية، إنها لا تتوقف، تأخذ نفساً وستعود لتنتصر.
المصدر :
liberation
لا تنسوا مساندة إيران وحزب الله لهذا النظام