لازال الغرب عاجزاً عن الإجماع على التدخل في سوريا – كما أن المصالح من طهران إلى بيروت تهيمن اليوم على الأوضاع في البلاد التي يتهددها ما يسمى بالبلقنة وحرب طويلة الأمد.
ويُعزى جزء من سبات الغرب حيال ما يتعلق بسوريا إلى رغبته أولاً في حل مشاكله الداخلية. ففي العام الحالي 2012 تجري العديد من الانتخابات الرئاسية الهامة، ولقد بدأت فعلاً عملية تداول مقاعد الرئاسة في عواصم تلك البلاد. ففي الولايات المتحدة وفرنسا يخشى الرئيسان الحاليان، وكلاهما مرشحان لولاية رئاسية جديدة، إثارةَ حفيظة مواطنيهما من خلال تنفيذ عمليات عسكرية مكلفة وغير واضحة المعالم. أما في روسيا، وعلى الرغم من أن لعبة تبادل الأدوار السياسية قد وصلت لنهايتها وقضي الأمر، إلا أن الناس هناك لايزالون شديدي الانشغال بحماية أنفسهم من غضب القيصر الجديد “بوتين” عن الاهتمام بشكل جدي بمجريات الأحداث في دمشق. ويسعى البيروقراطيون الروس حالياً إلى تأمين مقعد إضافي لهم من المقاعد الشاغرة في الكريملين قبل محاكمة “بوتين” في أيار. الصين بدورها تجد نفسها اليوم في مرحلة ما قبل التغيير الجذري، حيث سيقوم “وين جياباو”، القائد السياسي صاحب ثاني أسوأ كاريزما بعد “بان كي مون” الأمين العام للأمم المتحدة، سيقوم بتسليم السلطة إلى رئيس الوزراء الحالي “لي كيكيانغ”.
مصالح من طهران إلى بيروت
وتقع سوريا وسط شبكة معقدة من المصالح السياسية التي تمتد من طهران وحتى بيروت. وحتى يحل القادة هناك مشاكلهم الداخلية، ستبقى الطريق مسدودة أمام السوريين وسوف يُتركون تحت رحمة أقدارهم. سبق وأن تم التذكير عدة مرات بأن التدخل في سوريا سيؤدي إلى زيادة في عدم الإستقرار السياسي – على الرغم من الأسباب الأخلاقية
الموجبة للتدخل (على سبيل المثال، الرغبة في إيقاف “الأسد”، رجل المافيا، عن قتل شعبه). إن تدخل الغرب، إن حدث ولا بد، قد يزيد من قوة المسلمين السنة داخل سوريا وقد يؤدي مستقبلاً إلى إضعاف النفوذ السياسي للشيعة والأقليات الأخرى. وهذا بدوره قد يحث حزب الله الشيعي في جنوب لبنان والشيعة في إيران، بما لها من حلفاء متنفذين في موسكو، على الوقوف ضد سوريا السنية. وعلى ذلك، وفي حال افترضنا بقاء “الأسد”، فإنه سيستمر شاكراً بتلقي الدعم من روسياً وبالعمل مع إيران على نهش لحم الشرق الأوسط. عشرات الآف من الناس سيسقطون ضحايا لأعمال الانتقام، وسيقيم النظام السوري دولة عسكر مطلقة داخل حدود سوريا.
مخرج غير آمن
من جهة أخرى سوف يكون من الممكن وصف نتائج تدخل الغرب، في حال حدوثه، بأي شيء إلا بكونها وردية. وحتى ولوبدا ذلك في الوقت الحالي غير محتمل، فلنفترض أن الثوار تمكنوا بمساعدة الغرب من السيطرة على البلاد في النهاية، فقد يلجأ “الأسد” إلى إيران قبل وصول الثوار إلى دمشق، وقد تعمل زوجته عند الضرورة كمتدربة لدى مجلة الأزياء “فوغ”، حيث تتمتع بشعبية كبيرة كما هو معروف، وقد يقوم الثوار بإقامة نظام سنَي، وبمكافئة الحلفاء السابقين: السعودية والمنظمات السنية بل وأيضاً، وكما يتردد اليوم، جماعات أخرى كالقاعدة.على ضوء ما سبق، نعايش اليوم عملية بلقنة الصراع: ليس هناك وجود لحلول جيدة ونظيفة. لكن، وبخلاف ما حصل في البلقان في التسعينات، فلن تساهم قنابل حلف الناتو هذه المرة في إنهاء الصراع المفتوح، بل سيتطلب الأمر عدة سنوات. يتم اليوم الحديث عن عشرة آلاف قتيل أمام أعين المجتمع الدولي، وهو المجتمع ذاته الذي لا يزال يقف عاجزاً عن التدخل في البلاد.
بقلم ستيفانو كازيرتانو
14.3.2012
المصدر