شهادة حيّة من قلب سوريا : لقد شاهدت دبابات الأسد بينما كانت تتقدم لتدمر إحدى البلدات الثائرة

جون كانتلي John Cantlie

31 آذار / مارس 2012

بينما ناقش الرئيس الأسد وقفاً لإطلاق النار في الإسبوع الماضي، استمرت دباباته بتدمير معاقل التمرد في الشمال.

في شهادته من مدينة سراقب يصف جون كانتلي الهجوم المباشر على المدينة.

كان من الممكن الشعور بجرافات (الكاتربلر) وهي تتقدم بقدر سماع أصواتها، فقرقعاتها العميقة كانت ترسل بالجلبة من خلال النوافذ و تبث رعشات الخوف في الأحشاء.

إلى أن رأيناهم.. كانت دبابات T72  ضخمة سوفيتية الصنع تم تصفيحها بصفائح معدينة إضافية لتفادي القذائف الصاروخية، مصحوبة بحاملات الجند تتقدم ببطء نحو المدينة. كانت الساعة قد تجاوزت التاسعة والنصف صباحاً وكانت الدبابات تتجه إلى سراقب.

” اشعلوا الإطارات !”

كان مقاتلو الجيش السوري الحر في سراقب، البلدة الزراعية  الواقعة في شمال سوريا والتي يبلغ عدد سكانها حوالي 30000 ألف نسمة، أكثر تنظيماً من الكثير من المقاتلين في مناطق أخرى مجاورة في محافظة إدلب، وقد قاموا بتنظيم أنفسهم في تشكيلات حول سوق المدينة المركزي، لقد كانوا يقومون بسكب البنزين على إطارات الشاحنات ثم يشعلونها لتنطلق منها أعمدة من الدخان الأسود الكثيف في الهواء والذي كان يتسبب بحجب الشمس، وعلى أمل، أن يتمكن من حجب الرؤية عن طاقم الدبابات.

ولكن رغم ذلك فقد وصلت الدبابات وتقدمت نحو البلدة الواحدة تلوالأخرى كما قامت حاملات الجند بالتوقف لإنشاء بعض نقاط التمركز بينما قامت الدبابات بالتمركز بشكل ثنائي باتجاه مركز البلدة.

تمكنت من التسلل الأسبوع الماضي إلى سراقب بمساعدة أحد تشكيلات المقاتلين المحليين والذين يصرون على أن يُظهروا للعالم أنه ورغم تلاعبه بالجهود الدولية للوصول إلى وقف لإطلاق النار فإن الرئيس الأسد كان مستمراً باستخدام أقصى قوته لسحق معارضيه. فبينما وافق في الأسبوع الماضي على خطة السلام ذات النقاط الست، والتي تقدّم بها الدبلوماسي المخضرم كوفي عنان، فإن ما شاهدته بنفسي يظهر أن نيّة الرئيس السوري هي كل شيء ماعدا ذلك.

بينما انتشر قناصة الجيش السوري على المباني العالية في سراقب بغرض تأمين غطاء ناري، قام الثوار من حولي بالتمركز حول زوايا الشوارع والأرصفة ، ثم بدأت سيارات الشحن الصغيرة بالتوقف فجأة مصدرة أصواتاً هادرة، وهي محملة بالتعزيزات من قذائف صاروخية وقنابل بدائية مصنوعة من اسطوانات الغاز وأنابيب معدنية يتم تثبيتها أمام الحواجز الإسمنتية وإخفائها بصناديق من الورق المقوى، ثم بدأت أصوات التلقيم تصدر من مائتي بارودة كلاشينكوف، مترافقة مع بعض الرشقات العشوائية التي تم إطلاقها بشكل غاضب.

ساد هدوء لمدة خمس دقائق وسط جو من التوتر، ثم بدأت الدبابات بالتقدم نحو ساحة السوق وكان هدير جنازيرها يتردد بين جنبات الشوارع بينما ينبعث الدخان الأبيض من محركاتها. لقد قمت بالمراقبة برفقة العشرات من الثوار على بعد 100 ياردة من أحد الدبابات بينما كان برج الرمي يتحرك يميناً وشمالاً لمسح الشوارع والأزقة الجانبية تحسباً لأي تهديد وكان مدفع الدبابة من نوع 125 ملم صامتاً حتى اللحظة.

” الله أكبر !”

مردداً صيحة ” الله أكبر ” التي يرددها الثوار ، قام أحد المقاتلين بتوجيه قاذف الأر بي جي المحمول على كتفه نحو مدفع الدبابة ثم سدد القذيفة وقد أصابت القذيفة برج الدبابة إلى اليسار قليلاً من كوة السائق ثم انطلقت صيحات البهجة بين الثوار وهم يقفزون من الفرح، ولكن يبدو أن أحداً منهم لم يلحظ أن الصاروخ لم ينفجر، وأنه تحطم إلى مئات من الشظايا المعدنية عديمة الفائدة وفي تلك اللحظة فتحت الدبابة النار.

استهدفت القذائف الأولى المباني المجاورة محدثتاً صوتاً رهيباً، وبحراً من الغبار الرمادي الذي اجتاح الشارع كموجة تسونامي، كما أصابت شظية معدنية ساخنة بحجم قبضة اليد أحد المقاتلين فقطعت رأسه على الفور.

ارتطمت بندقيته بالحائط بينما سحب أصدقائه جثته مقطوعة الرأس من تحت النار. لقد كان الجسد بدون دماء ومحروق.  كما أصابت  الشظايا أحد المقاتلين في ساقه محدثتاً نزيفاً عميقاً في فخذه، ما ترك أثراً قرمزي اللون على الطريق.

” أربي جي .. المزيد من الأربي جي إلى هنا !”

صاح أحد المقاتلين ولكن بدون جدوى، حيث أنه وبدون وجود تسلسل واضح للمسؤوليات، يستنزف المقاتلين الكثير من جهودهم بالجدال فيما بينهم تماماً كتلك الجهود التي يبذلوها في قتال العدو. وبينما توالت تلك المشاحنات المذعورة، خرجت امراة ومعها أطفالها المذعورين إلى باب البيت وخاطبت المقاتلين:

 “رجاءً لا تطلقوا النار من هنا” توسلت المرأة إلى الثوار، “أمي عجوز ولا تستطيع أن تتحرك وإذا أطلقتم النار من هنا فسوف يقومون بتدمير منزلنا”.

“سوف نستخدم قنابلنا لإيقافهم، أعدٌك بذلك” أجاب أحد المقاتلين.

ولكن القنابل المصنّعة منزلياً لا تفعل شيئاً يذكر في مواجهة دبابة قتالية.

وعندما بدأت الدبابات بإطلاق النار على أسفل المباني بهدف التسبب بانهيارها، ركض مختار نصار، وهو شاب يرتدي ثوب أبيض، ومعه أربي جي، وهو أحد القاذفات القليلة المزودة برأس صاروخي فعّال.

وبينما بدا الرعب بشكل واضح عليه وهو على بعد 50 ياردة من الدبابة، لم يستطع أن يأخد وقتاً كافياُ لتسديد قذيفته نحو الطرف الأقل تحصيناً في الدبابة، حيث أسرع بالاحتماء عندما فتحت الدبابة المواجهة لهدفه النار مرةً أخرى.

“غير موفقة .. لم تكن موفقة “

دمدم مختار وهو ينسحب وقد إمتلأ بالغبار.أما في الأعلى فقد استهدفت رشقات القناضة مآذن المساجد. لقد كان القتال وحشياً ومن طرف واحد، كاستعراض للقوة المطلقة.

عند الساعة الثالثة بعد الظهر، أدرك الثوار أن المعركة قد انتهت فانسحبوا لمكان آمن ليدخنوا السجائر وقد تركوا الدبابات تتجول وتقصف كما تشاء. في غضون بضع ساعات، تم إخضاع مدينة سراقب، ثم مضى كل واحد لينجوا بنفسه. بقيت بعض العائلات في بيوتها، على أمل تحسن الوضع للأفضل، بينما قام آخرون بتحميل ممتلكاتهم في سيارات وخرجوا من المدينة.

في غضون ذلك، كان المقاتلون ينفذون انسحابهم الفوضوي وهم يقودون سياراتهم بسرعة 100 كم بالساعة عبر طرق زراعية باتجاه قرى خارج مرمى القذائف، بينما كانت حوامات الجيش تحلق فوق رؤوسهم.

كان يمكن لهذه القيادة الرعناء للسيارات أن تتكفل بموت من نجا من قذائف الجيش وتجهز عليهم.

“ماذا كان بإمكاننا أن نفعل في مواجهتهم ؟ ” يتحسّر عبد القادر وهو طالب تعيش عائلته في سراقب،

 “نحن لسنا جنود، ولم نتلق أي تدريبات ومعنا القليل من السلاح”.

قتل سبعة في المواجهات ذلك اليوم كما أصيب 28 أخرين. في صباح يوم الأحد التالي، انتهت محاولة الثوار بشن هجوم مضاد بالإنسحاب وقد تقطعت بهم السبل وعلقوا بين مرمى خطين من الدبابات في مساحة 500 متر مفتوحة وجسر للمشاة تحت مرآى رشاشات الجيش.

تتحول الانتفاضة في سوريا إلى حرب كرّ وفرّ، حيث يحاول الثوار عرقلة القوات الحكومية بأي طريقة ممكنة. لكن وبدون التمويل أو التدريب أو مضادات الدبابات، يبقى لديهم القليل الذي يمكن فعله، فإلى أن يقوم رجال الأعمال الأغنياء في دمشق وحلب بالانضمام إلى القتال، تبقى الثورة السورية  ثورة الطبقة العاملة بإمكانياتها المحدودة.

يبيع المزارعون والطلاب الريفيون ممتلكاتهم لتأمين مبلغ الألفي دولار المطلوبة للحصول على سلاح الكلاشينكوف المهربة من العراق، ولدفع مبلغ أربع دولارات لكل عيار ناري. لكن تأثير الرصاص كتأثير منجنيق الحروب القديمة ضد دبابات الـ T72.

“إلى أن تقدم المدن الكبيرة العون لنا، سنعمل جاهدين على إيجاد الطرق المتاحة للقتال في هذه الثورة”،

قال حسين إبراهيم، وهو أحد ناشطي مدينة سراقب.

“لكن رجال الأعمال في حلب لا يريدون التورط معنا، لا يمكن لهم أن يكونوا ضد الأسد لأنه قدم لهم كل شيء”.

بالنسبة لأولئك على الطرف الآخر، فإن الأدخنة والفوضى التي عمت سراقب في نهاية الأسبوع الماضي أخفت طبيعة العملية عسكرية النوعية التي جرى تنفيذها هناك. لقد تدربت القوات السورية على تلك العمليات أثناء حصارها للنقاط الساخنة الأخرى للثوار، من حمص ودرعا إلى مدينة ادلب وغيرها من البلدات في انحاء المحافظة. فالعملية تقوم على اقتحام الدبابات أولاً، وتقوم بقصف مواقع الثوار لتجبرهم على الخروج. في اليوم التالي، يكون هناك قصفاً عشوائياً للتأكد من تحقيق أهدافهم. وبعد ذلك، تقوم القوات البرية بتنفيذ الاقتحام بعد التأكد من مغادرة كل الصحافيين الأجانب والثوار. بهذه الطريقة  يبقى هناك عدد قليل من الشهود على ما يحدث بعد ذلك.

من المستحيل التحقق من الفظاعات التي ترتكبها القوات البرية السورية لدى اقتحامها للمدن، لكن مما لا شك فيه أن أعداد الجرحى والمعتقلين مرتفعة جداً.

يقوم ضباط مخابرات الجيش باستخدام المعلومات المخزنة على أجهزة الكمبيوتر المحمولة لاعتقال أشخاص على اختلاف مشاربهم، حيث يتم اعتقال كل من يتكلم بسوء ضد النظام، و يتم اعتقال كل من يتم مشاهدته في الاحتجاجات ضد النظام، و يتم اعتقال كل من لديه اتصال بالانترنت، والقائمة تطول.

“أتى الشبيحة (الميليشيا الموالية للحكومة) إلى بيتي وأخذوا أولادي”

تقول فطوم حاج حسين. وهي من سكان بلدة سرمين الواقعة على بعد خمسة أميال الى الشمال الغربي من سراقب، والتي تعرضت للهجوم قبلها ببضعة أيام.

“لقد أخذوا ثلاثة من أولادي، وهم شبان في الجيش ولكنهم انشقوا في شهر كانون الثاني الماضي. أطلق الشبيحة النارعليهم في الرأس وأحرقوا جثثهم أمامي في فناء بيتنا. أرجوكم أعطوني بندقية كلاشنيكوف وسأقتل الأسد بنفسي”.

وكان لايزال الرماد الساخن أمام منزلها- والكثير من الأدلة الشاهدة على عمليات التدمير التي قامت بها القوات البرية في مكان آخر في بلدة سرمين.

لقد تم حرق المستشفى الميداني، وامتلأت الجدران والمنازل بطلقات الكلاشينكوف، وحطموا أحد المساجد بثلاث قذائف.
عندما تغادر الدبابات مراكز المدن، تدخل القوات البرية، هذا ما يحدث – ولا يمكن لأحد من الخارج أن يراقب الوضع.

ومع ذلك ومع مقتل كل شخص ترتفع عزيمة الثوار يوماً بعد يوم.

” لا مجال للعودة”. يقول فراس ملحن وهو طالب من سراقب كان قد رآى كيف تم تدمير منزله من قبل الدبابات

“لم يعد هناك شيء يستحق العودة من أجله، خيارنا الآن هو النصر أو الموت في سبيله ولا خيار ثالث بينهما”.

المصدر

Syria eyewitness dispatch: ‘I watched as Assad’s tanks rolled in to destroy a rebel town’

2 responses to “شهادة حيّة من قلب سوريا : لقد شاهدت دبابات الأسد بينما كانت تتقدم لتدمر إحدى البلدات الثائرة

  1. اسخف ما في هذا المقال انه يرمي باللائمة على تجار حلب ودمشق لا على نذالة العالم الذي يرفض حتى تقديم المعونة الطبية للسورييين…انه عالم عاهر حقا

  2. النصر قادم بادن الله لن نستكين حتى ننتصر بادنه تعالى ونقطع اوصال الشبيحة بقوة من الله وعزم منه
    لن ينصرنا الغرب والعرب وروسيا وايران ان النصر من الله العزيز قوي الشان يارب ياللله فرجك قريب ياللله
    انصر اهلنا المستضعفين في سوريا ياااااااااااااااارب

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s