كيفية درء الكارثة
دانيال بايمان Daniel Byman
20 مارس/آذار 2012
منذ سنة والرئيس السوري بشار الأسد يواجه تظاهرات حاشدة تطالب بإنهاء نظامه. وعلى الرغم من أن أتباع الأسد قتلوا أكثر من 8000 من أبناء شعبهم، واعتقلوا وعذبوا أكثر منهم بكثير، فإن ذلك لم يردع السوريون. إنهم يقاومون كل يوم حاملين السلاح للدفاع عن أنفسهم وإسقاط الطاغية. غالبية المجتمع الدولي إلى جانبهم: حيث انضمت أوروبا إلى الولايات المتحدة، بالإضافة إلى جزء كبير من العالم العربي، في تطبيقهم للعقوبات القاسية المفروضة من قبل الأمم المتحدة. تتعالى الدعوات داخل وخارج البلاد إلى تدخل عسكري لمساعدة الثوار.
يجب أن تسير الولايات المتحدة على خط رفيع في سوريا. فمن ناحية، إذا سقط الأسد ونظامه، ستفرح واشنطن وحلفاؤها. فسوريا هي الحليف العربي الأقدم والأقرب لإيران، وهي تقاوم إسرائيل منذ فترة طويلة، وقد دعمت الجماعات الإرهابية الفلسطينية وساعدت أحياناً القوات المناهضة للولايات المتحدة في العراق. ومن ناحية أخرى، تعلم واشنطن أن انهيار الدولة بكاملها سيؤدي إلى أزمة إنسانية مروعة، ويمكن أن يجلب معه الإرهاب بل وحرب إقليمية.
ولكن الجهود الرامية للإطاحة بالأسد قد تمزق سوريا. لقد جعل الأسد، مثل أي ديكتاتور قبله، الدولة والمجتمع السوري خدماً للنظام، فالجيش والشرطة والمحاكم والاقتصاد – كل شيء – منظم للحفاظ على قوة كادره، ومن الصعب كسر قبضته دون كسر سوريا.
تكشف الضغوط الأصعب على سوريا حتى الآن – العقوبات – عن الهشاشة الاقتصادية للدولة السورية. فكما أريد لها، دمرت هذه العقوبات الاقتصاد وزادت الضغط على النظام، وانهارت العملة وهرب رأس المال من البلاد. يزعم فيصل القدسي، نجل رئيس سوري سابق وهو الآن رجل أعمال في لندن، أن الناتج المحلي الإجمالي في البلاد قد انخفض بنحو 50% بسبب خسارة السياحة وصادرات النفط. كما أن احتياطيات النقد الأجنبي الكبيرة في سورية فارغة تقريباً. والطبقة الوسطى العربية السنية، التي دعمت الأسد، مشكوك في ولائها الآن.
قد لا يثبت أن الضغوط الاقتصادية كافية لإسقاط النظام، لكنها يمكن أن تفرَغ الدولة. ومع مرور الوقت، سيستفيد المهربون أكثر من الحدود السورية الطويلة والمليئة بالثغرات مع العراق ولبنان، وسيخلقون سوقاً سوداء من شأنها أن تحل محل الأعمال المشروعة. وفي الوقت نفسه، سيعتمد النظام على إيران للحصول على المال ليبقى واقفاً على قدميه، وسيستفيد التجار الذين يمكنهم الوصول إلى الحكومة، في حين سيتم إفقار من لا يتمتعون بمثل هذه الصلات. وفي نهاية المطاف، كل ما يتبقى هو اقتصاد ظل يهيمن عليه المقربون من الأسد. فإذا سقط، سيسقط النظام الاقتصادي كله كذلك.
إن افتقار النظام للشرعية يطرح مخاطر أخرى. فعلى الرغم من أن الأسد هو لب المشكلة، يمكن أن تؤدي إزاحته من دون خَلَف واضح إلى مزيد من الانقسام داخل سوريا. فإذا قُتل، سيحاول أقاربه ومساعدوه، الذين يتمتعون بأدوار عسكرية واقتصادية قوية، أن يحلوا محله. ولكن ليس واضحاً من سيأخذ مكانه. وسيتنافس الموالون له على النفوذ والسيطرة، مع محاربة بعضهم بقدر محاربتهم لقوى المعارضة. وعلاوة على ذلك، فإن أي خليفة من عصبته نفسها لن يكون له شرعية أكثر منه. وسيقضي الحاكم الجديد جلَ وقته قلقاً بشأن منافسيه وتعزيز سلطته، وقد يتمزق البلد إلى بلدين.
إن ذلك يدع المعارضة كأمنية كبيرة لأجل الحفاظ على سوريا متحدة، إما عن طريق الاستيلاء على السلطة عندما ينهار النظام من تلقاء نفسه أو عن طريق انتزاعها مباشرة من الأسد. وهنا الأخبار كئيبة. فالشيء الوحيد الذي ضاهى شجاعة المعارضة السورية هو افتقارها إلى الوحدة، إذ تنقسم القوى المناهضة للأسد على طول الخطوط العرقية والطائفية والسياسية والجغرافية. يدعي المجلس الوطني السوري، أكثر جماعة معارضة معترف بها، أنه يتحدث باسم جميع السوريين، ولكن هناك جماعات تختلف معه على قضايا رئيسية مثل الحقوق الوطنية للأقلية الكردية في البلاد. ولا يتحدث هذا المجلس بالضرورة باسم السوريين داخل البلاد الذين يموتون في احتجاجاتهم ضد النظام. وليس هناك هيكل حقيقي للقيادة والسيطرة على الرغم من أن كثيرين من بين آلاف الثوار المسلحين قد ادعوا الانتماء إلى الجيش السوري الحر، ومعظم العمليات القتالية تحدث محلياً على يد جماعات ذات ولاء ضئيل أو معدوم لقيادة الجيش السوري الحر في المنفى.
هناك تقارير تفيد بأن العنف المحلي يتخذ بالفعل بعداً طائفياً. فالأسد، مثل والده، يعتمد اعتماداً كبيراً على أقليته العلوية ويعطي الموالين المناصب الرئيسية في أجهزة الأمن والاقتصاد. كما أنه استقطب عائلات التجار المسيحيين والدروز والسنة، في حين استبعد الجماهير العربية السنية. والمعارضة ترد على هذه المحسوبية والاستفراد بارتكاب أعمال العنف ضد الأقليات. وكما يؤكد الصحافي نير روزن Nir Rosen، فإنه “كلما طال أمد الصراع، كلما زاد احتمال تحوله إلى معركة ميليشيا سنية تقاتل ميليشيا العلويين”، وبعبارة أخرى، لن يتوقف إطلاق النار لمجرد ذهاب الأسد.
القوى الخارجية تثير الخراب. تنفي تركيا رسمياً أنها تقوم بتسليح الثوار، ولكنها تستضيف الجيش السوري الحر. وتدعي مصادر أن المملكة العربية السعودية وقطر تساعدان أيضاً على تسليح مجموعات معارضة للأسد وتضغط على العشائر على طول الحدود السورية في العراق لدعمها. وفي الولايات المتحدة، دعا السيناتور جون ماكين John McCain (جمهوري – أريزونا) حلفاء الولايات المتحدة إلى تسليح المعارضة، وقال إن “الناس الذين يجري ذبحهم يستحقون أن يمتلكوا القدرة على الدفاع عن أنفسهم”. ولكن لكل هذه القوى مصالح مختلفة قليلاً في المنطقة، ويمكن أن تنتهي بدعم خيول مختلفة عندما يسقط نظام الأسد. وفي هذه الأثناء، رست مؤخراً سفناً حربية إيرانية في ميناء طرطوس السوري، وهذا، بحسب وكالة أنباء فارس، “تحذير جدي” من أن التدخل في سوريا قد يحرض على حرب إقليمية.
ولذلك، قد يعزز تسليح المعارضة فرص سقوط النظام، ولكن الهزة الاقتصادية وتصاعد العنف الداخلي والإقليمي الذي من شأنه أن يصاحبها أيضاً ازدياد احتمال أن تصبح سوريا دولة فاشلة. لن تكون سوريا الفاشلة المأساة الإنسانية العالمية الوحيدة، ولكنها ستكون من بين الأكثر خطورة في العالم.
يصعب الحصول على أرقام دقيقة (ولا تدل على إشارة جيدة)، ولكن حسب بعض الروايات، خَلّفت سوريا ما لا يقل عن 200,000 من النازحين واللاجئين. ذهب قرابة 80,000 إلى الأردن و10,000 إلى تركيا وما يقدر بنحو 18,000 إلى لبنان. ويمكن أن يؤدي الانهيار الشامل إلى أكثر من ذلك بمئات الآلاف. وبالإضافة إلى القلق الإنساني، فإن اللاجئين أيضاً ناقلون للنزاع، إذ يمكن أن تتفاقم مظالمهم مع إهمالهم: فمخيمات اللاجئون في تركيا بمثابة قواعد للجيش السوري الحر للتجنيد والتنظيم، وقد تؤدي مخيمات مماثلة في أماكن أخرى في المنطقة إلى زيادة مشاركة الدول المجاورة لسوريا في النزاع. ويجلب الفارون من الحرب والفظائع، وكذلك اللاجئون، معهم حكايات عن الاضطهاد ورغبة في الانتقام. في العراق، قد يثير هذا غضب السنة ضد الشيعة، الذين يرتبطون مع إيران ومع العلويين. وكذلك في لبنان، قد يحرض على العنف السنة الفارون ضد الطائفة الشيعة الكبيرة في البلاد، مما قد يخل بالسلام غير المستقر الذي تمتع به لبنان منذ حربه الأهلية والتي انتهت في عام 1991.
سيحاول الإرهابيون أيضاً استغلال دولة سورية فاشلة. فقد أشاد أيمن الظواهري “بأسود سوريا”، ودعا المقاتلين المسلمين للذهاب إلى سوريا للمساعدة على إسقاط النظام. وفي الواقع، شهدت سوريا إرهاباً ضد أهداف النظام. في فبراير/شباط، حذَر جيمس كلابر James Clapper، مدير الاستخبارات الوطنية الأمريكي، من أن “تنظيم القاعدة في العراق يوسع نطاق عمله في سوريا”، وقال مسؤول في الحكومة العراقية أن تنظيم القاعدة في العراق احتكر تدفق الأسلحة إلى سوريا، مما زاد من نفوذه. ومع ازدياد الأمور سوءاً بالنسبة إلى المقاتلين المعارضين للنظام في سوريا، تنمو فرصة أن يتجهوا إلى إرهابيين للحصول على مساعدة.
إذا أطيح بالأسد قريباً، لن تفشل الدولة السورية تلقائياً أو بين عشية وضحاها، ولكن التخطيط لمنع حدوث ذلك أو التخفيف من العواقب يجب أن يبدأ على الفور. وينبغي أن يسير هذا التخطيط جنباً إلى جنب مع الجهود الرامية إلى إسقاط الأسد. قد يعجَل بقاء الديكتاتور السوري، الأضعف بكثير مما كان عليه قبل الثورة، في انهيار سوريا، وتجعل مصالح الولايات المتحدة المهمة رحيله أمراً ضرورياً.
تتمثل الخطوة الأولى في إنشاء تحالف للضغط على إيران وروسيا وأصدقاء آخرين للأسد. إن جهوداً مثل أصدقاء سوريا – مجموعة واسعة من البلدان المعارضة للأسد – هي خطوة أولى مفيدة، ولكن الأكثر أهمية هو إنشاء مجموعة اتصال أصغر بكثير تضم تركيا والأردن والمملكة العربية السعودية ودول الغرب الأساسية لضمان فتح خطوط الاتصال بين القوات المناهضة للأسد. ولمنع تخبط المعارضة عند سقوط الأسد، يجب أن يعمل الحلفاء معاً لدعمها، وينبغي استخدام المال والسلاح كحافز لدفعها إلى التوحد والعمل معاً، وكذلك لدعم مكونات المعارضة الأكثر موالاة للغرب وتحضيرها لتولي السلطة في دولة ما بعد الحرب. والحقيقة أن تمكين القادة المناسبين اليوم ضروري لضمان ندرة عمليات القتل الانتقامية في سوريا ما بعد الأسد وإتباع الحكومة الجديدة سياسة خارجية معتدلة. وبالتأكيد سيؤدي المزيد من الأسلحة إلى مزيد من إراقة الدماء، ولكن المعارضة السورية في الوقت الراهن تسلَح نفسها من دون مساعدة خارجية. وبدلاً من معارضة الأمر الحتمي، يجب أن تحاول الولايات المتحدة إدارة التسليح لزيادة فرص عدم تحولها إلى البلطجة والتطرف.
وكذلك ينبغي أن يبدأ الحلفاء على الفور بتشجيع المفاوضات بين صفوف المعارضة لضمان وجود نظام حكم للمرحلة الانتقالية في سوريا، وكذلك لمنع أي مصدر ممكن أن يدفع إلى الاقتتال الداخلي. وعلى الرغم من أن استمرار إراقة الدماء يجعل الإعلان عن حكومة سورية جديدة غير واقعي، من المفيد أن يكون هناك إطار لمثل هذه الحكومة لكي يتمكن الدبلوماسيون من التحرك بسرعة إذا ظهرت فرصة. ومن المفيد أيضاً البدء بتشجيع المعارضة لبناء رؤية لمستقبل سوريا يمكن أن توحد الناس ضد النظام وتطمئن الموالين، لاسيما العلويين، بأنهم لن يستبعدوا تماماً من السلطة.
إن الدبلوماسية والعمل مع المعارضة السورية من المشاريع طويلة المدى، ولن تنقذ السوريين في حمص أو المدن المحاصرة الأخرى ولن تزيح الأسد من السلطة في المدى القريب، ولكنها في نواح كثيرة أكثر أهمية من التركيز الحالي أحادي التفكير على نظام الأسد. ومنع سوريا من الفشل، حتى حين يرحل الأسد، أمر ضروري للمواطنين السوريين الشجعان وللمصالح الأميركية، والعمل الآن ضروري لتجنب الأسوأ لاحقاً.
المصدر
Foreign Affairs
Preparing for Failure in Syria