25 مارس/ آذار 2012
ربما كان الاقتصاد السوري يعاني حالة من الوهن بيد أن مخالفات البناء غير القانوني آخذة في الازدهار – فالسلطات منشغلة بسحقها للثورة – ومسألة أسواق العملة السوداء، بالإضافة إلى مشاكل الدواء والوقود التي باتت منتشرة في كل مكان.
من بيروت: بينما يعاني عموم الاقتصاد السوري من الشلل بسبب الاضطرابات العنيفة، ثمة بعض الناس خلقت لهم الانتفاضة فرصاً للعمل التجاري.
خُذ أحمد مثالاً، مقاول البناء الذي طلب عدم الإفصاح عن هويته إلا باسمه الأول خشية الاعتقال.
عمل أحمد بدهاء وضمن نطاق ضيق على بناء منازل سكنية غير مرخصة في الوقت الذي تنصرف فيه السلطات إلى المهمة الأكثر إلحاحاً بالنسبة إليها وهي إخماد التمرد. “نعم، نعم، أنا أستغل الثورة. فالحكومة مشغولة”، يقول ابن الـ 48 عاماً من منزله في مدينة حلب السورية الشمالية، المدينة التجارية المترامية الأطراف ذات الـ 2.5 مليون نسمة. “اعتدت في السابق على إنشاء بعض الأبنية في الخفاء، لكني الآن أكاد أجاهر بذلك تماماً”، أضاف المقاول.
وفقاً للأمم المتحدة، قتلت قوات الرئيس السوري بشار الأسد أكثر من 8000 شخص في حملته لسحق الانتفاضة المندلعة منذ عام، في حين ينتشر جنده في أنحاء البلاد في محاولة للقضاء على المعارضة.
الانتهازيون من مقاولي البناء والمرابين ومستوردي السوق السوداء، جميعهم استفادوا بشكل جيد من التمرد الحاصل، كما يعبّر السوريون.
يقول سكان المدينة إن شركات الأمن المعنية ببيع كاميرات الدوائر التلفزيونية المغلقة وأبواب الصلب السميكة إلى السوريين المضطربين والراغبين بتعزيز سلامة منازلهم، شهدت هي الأخرى طفرة في المبيعات.
ذكرَ جهاد يازجي الذي يتخذ دمشق مقراً له، وهو اقتصادي ورئيس تحرير موقع سيريا ريبورت Syria Report الإخباري باللغة الإنكليزية، أنه في الأيام الأولى للثورة أدرك السوريون أن التضخم من شأنه أن يشكّل تهديداً – انخفضت قيمة الليرة السورية مقابل الدولار إلى حوالي النصف منذ بدء الاضطرابات-. لذلك سعى السوريون إلى شراء العقارات أو إلى بنائها فوق ملكيات الأراضي الموجودة أصلاً وذلك على سبيل الاستثمار.
ومع احتفاظ قيمة المنازل، الواقعة بعيداً عن دوائر القتال، بقوّتها النسبية يبدو أن هذه الإستراتيجية قد أفلحت.
“لقد شاهدنا الكثير من الأبنية المخالفة في الأشهر القليلة الأولى من الثورة، ليس بسبب خشية الناس من التضخم فحسب، ولكن لأن الكثير منهم كانت لديه خطط مسبقة للبناء إنما كانت تعوزه التراخيص اللازمة”، أضاف يازجي عبر الهاتف من دمشق.
وأشار إلى أن السلطات فرضت منذ ذلك الوقت حملةً على البناء المخالف في العاصمة، في حين ارتفعت أسعار الاسمنت والصلب بشكل حاد، مما أدى إلى ارتفاع كلفة البناء. لكن في المناطق الأخرى من سوريا، يبدو أن طفرة البناء لازالت مستمرة.
بالنسبة للشباب السوري، غالباً ما يكون امتلاك عقار خاص شرطاً مسبقاً للزواج؛ وقد أدى ارتفاع الطلب بدوره إلى ارتفاع أسعار السكن. لكن بالنسبة للآباء من السوريين، فإن إضافة طابقٍ أو اثنين خلسةً إلى منزل الأسرة غالباً ما يكون أرخص من شراء شقق سكنية للأبناء.
مالٌ من فوضى
استغل مقاولون آخرون حالة الفوضى الحاصلة في قطاع البلاد المصرفي، والذي يعاني عقوبات اقتصادية فضلاً عن تدنِ احتياطي العملات الأجنبية. حظرت الدول الغربية وبعض الدول العربية واردات النفط السورية كما وقطعت علاقاتها المالية مع المصارف السورية، وذلك من بين عدة إجراءات أخرى.
منذ بدء الاضطرابات، تقلّصت الودائع المصرفية في سوريا بنسبة تناهز الثلث.
فيما تضعف الليرة السورية فإن قلة من المصارف مستعدة لبيع العملة الأجنبية النادرة والتي يزداد الطلب عليها، بينما تجار السوق السوداء يبيعون الدولارات في أسواق دمشق المركزية مستفيدين من الاندفاع المذعور لشرائها.
يبدو أن الحصول على قروض مصرفية شبه مستحيل، مما يفتح الباب لمرابي القروض غير المرخّصين.
يعمل علي ابن الـ 34 عاماً عند والده، وهو مزارع مكافح لطالما حاول الحفاظ على استمرار أعمال العائلة لكنه جوبِه برفض كلٍ من مصارف الدولة وكذا القطاع الخاص للاستدانة منها. “انتهى الحال بوالدي بأن يقترض المال من مرابيّ”، قال علي، مشيراً إلى أن القرض كان عبارة عن ديْن لمدة ثلاثة أشهر وبفائدة بلغت 50 في المائة مع 25 في المائة رسوم إضافية نظير التأخر عن السداد.
“فاجأتني جداً الكيفية المنظمة التي كانت تسير عليها الأمور، وكيف كان بحوزته أوراقاً رسمية. اليوم يضطر الجميع إلى أخذ هذه القروض، والمقرضون يعملون بشكل علني في حين أن الشرطة منشغلة عنهم”.
في محاولة منها لحماية احتياطي العملات الأجنبية، رفعت الحكومة الرسوم الجمركية على بعض الواردات للحيلولة دون مغادرة العملة للبلاد. واضطر السوريون في حاجتهم إلى السلعٍ الأجنبية، كالعقاقير الطبية، للجوء إلى السوق السوداء.
تتحدث لمى من العاصمة، وهي صيدلانية في الخامسة والعشرين من عمرها، عن زيادة ملحوظة في تجارة الدواء في السوق السوداء. “اضطررنا في الصيدلية إلى التعامل مع المهربين. الدواء ليس شيئاً يمكن تأجيله. إن لم ندعم المورّدين عبر الوسائل غير القانونية فإن الزبائن، ولاسيّما ذوي الأمراض المزمنة، سيسعَوْن للحصول على الأدوية المهربة بأنفسهم”.
وبينما تطول الطوابير للحصول على وقود التدفئة والبنزين، وفيما ترفع الحكومة أسعار الوقود الرسمية، يتجه سكان المدينة على نحو متزايد إلى السوق السوداء المزدهر.
أشار عيسى، وهو طالب في منتصف العشرينات في دمشق، أنه لاحظ تغييراً في ممارسات العمل في محطة الوقود حيث يعمل بدوام جزئي. ويقول، “مع ارتفاع أسعار الوقود، عيّن رئيسي في العمل المزيد من الأشخاص لكي يسيروا على طول رتل السيارات المنتظرة للتزوّد بالبنزين، وحالما يرون أشخاصاً يغادرون إثر نفاد صبرهم من طول الانتظار، يستوقفونهم ليسألوهم إن كانوا يرغبون في شراء الوقود بسعر أعلى”.
“الطوابير طويلة لدرجة أن الناس على استعداد لدفع أسعار باهظة”.
الخبر الأسوأ
مع ذلك يعتقد كثير من الناس في سوريا أن الأزمة الاقتصادية شديدة إلى درجة أنّ أكثر رجال الأعمال حنكة ربما لم يحققوا أبعد من عدم الخسارة. لم تقدم الحكومة أرقاماً تعكس تأثير الاضطرابات على الناتج المحلي الإجمالي، لكن في تقدير يازجي فإن الاقتصاد ربما تقلّص بنسبة15% في العام الماضي، ومن الوارد أن يتقلص 15% أخرى أو أكثر هذا العام.
ملقيةً باللوم على الإرهابيين في تخريب محطات توليد الطاقة حذرت الحكومة المواطنين من إمكانية تقنين الطاقة على نطاق أوسع، فيما يصفه الاقتصاديون ورجال الأعمال بمحاولة لتوفير مخزون الوقود الشحيح. تصرّح الحكومة السورية بأن هؤلاء “الإرهابيين المسلحين” قتلوا أكثر من 2000 شخص من الجنود والشرطة أثناء الاضطرابات.
وفيما انخفضت قيمة الليرة السورية ارتفعت تكاليف المعيشة بشكل حاد فجأة. لم يعد باستطاعة العديد من السوريين سوى شراء الحاجيات الأساسية. في يناير/ كانون الثاني كان معدل التضخم الرسمي 15%، وبعض السلع الأساسية مثل السكر والزبدة والزيت النباتي والبيض، ارتفع سعرها بنسبة تصل إلى 100%.
المصدر