انتصارات بشار الأسد المُكلِفة

انتصارات بشار الأسد المُكلِفة

يكسب النظام السوري المعارك، لكنه يخسر الحرب من أجل بقائه.

2012 مارس/آذار 24

 يبدو أن الرئيس الأسد استمتع ببعض أوقات الراحة أثناء اندلاع الانتفاضة ضده، والتي مضى عليها أكثر من عام. أعداؤه, المعارضة السورية والسفارات الأجنبية، في حالة فوضى عارمة ولم يستطيعوا أن يشكلوا قوة حاسمة بينما على الطرف الآخر مازال حلفاؤه مخلصين يشحنون له الأسلحة ويصدون عنه أي تحرك في مجلس الأمن. كما أن العنف الدائر في سوريا تجنب وإلى حد بعيد مدينتي دمشق وحلب، أكبر مدينتين في سوريا وتشكلان ما مجموعه نصف سكان البلد، وهذا ما مكّن النظام من الحفاظ على الحد الأدنى من الحياة الطبيعية هناك.

كما أن تكتيكات الأسد الوحشية ضد المناطق الأكثر تمرداً في البلاد حققت له بعض النشوة المكلفة جداً. لم تتورع القوات الحكومية عن قتل المئات من المدنيين في الشهر الماضي، وذلك لسحق الثوار المسلحين في بابا عمرو، وهو حيّ سني فقير في مدينة حمص, المدينة الثالثة في سوريا. ومنذ ذلك الوقت وقوات الثوار الأقل تنظيماً والتي تسمي نفسها بالجيش السوري الحر تنسحب من بلدات سورية أخرى وذلك لتجنيبها الدمار. كما وأثبت الثوار بأنهم غير قادرين على الصمود في وجه القوات الحكومية لتأمين حماية أية منطقة.

قد تبدو إستراتيجية الأسد فعالة إذاً، لكن ومع ذلك يبدو أن التصدع في نظامه أسرع من أن يتم تداركه، فعزلته الدبلوماسية في ازدياد، كما أن حليفته روسيا بدأت تفقد صبرها. ففي مجلس الأمن يوم 21 مارس/ آذار تحولت روسيا وبشكل واضح إلى طرف منتقدي الأسد وأبدت دعمها لبيان رئاسي غير ملزم يطالب بوقف فوري لأعمال القتال والسماح بوصول المساعدات الإنسانية، كما ويهدد هذا البيان باتخاذ خطوات أخرى في حال عدم انصياع سوريا. وحتى حزب الله, الميليشيا الشيعية المدعومة إيرانياً والتي رددت وبقوة رواية النظام تدعو الآن “الطرفين” في سوريا إلى البحث عن حل توافقي.

ميدانياً، فإن انتصارات الجيش التكتيكية ضد مجموعات الثوار المسلحة وبشكل سيء، تبدو وكأنها محاولة لإخماد الثورة ومنع انتشارها إلى مناطق أخرى. ظلت حمص ثائرة، على الرغم من القمع القاسي الذي تعرضت له، وبينما انحسر القتال في المناطق المدمرة حول مدينة إدلب في الشمال وقرب الحدود التركية فقد اشتعلت من جديد، وهذه المرة في مدينة كانت هادئة وهي الرقة في وسط البلاد كما امتدت على طول وادي الفرات حتى جنوب شرق البلاد.

كما أن وسط دمشق لم يعد محصناً، ففي 17 مارس/ آذار ضربت عدة سيارات مفخخة مرافق تابعة للمخابرات في كل من دمشق وحلب مخلفةً 27 قتيلاً، وبعدها بيومين اندلع تبادل كثيف لإطلاق النار وذلك في حيٍ راق بالعاصمة ولا يبعد كثيراً عن قصر الأسد.

في هذا الوقت، فإن قبضة الحكومة بدأت بالتلاشي بصور عدة. فعلى سبيل المثال، لم يمنع اعتقال تجار العملة من فقدان الليرة السورية لنصف قيمتها في الأشهر القليلة, الأمر الذي يعزز المخاوف من ارتفاع معدل التضخم واتساع فجوة العجز.

إن عناد نظام الأسد له تأثير آخر، ففي خضم هذا العنف المستمر سقط حتى الآن حوالي 8000 مدني وحوالي 2000 رجل أمن. كما أن تحديد الجناة يصبح أكثر صعوبة يوماً بعد يوم. تقوم جماعات الاحتجاج الشعبية بدور مهم في حماية مناطقهم المحلية والتي يطغى عليها، وفي أماكن كثيرة في سوريا، شعور التحرر من الاحتلال العسكري. ولكن هذا لا ينفي أن جماعات الثوار المسلحة قد سلكت خيار الانتقام البشع ضد مؤيدي النظام حيث وثقت منظمة حقوق الإنسان عمليات إعدام وتعذيب ضمن الجرائم التي تم توثيقها. “لم يعد الأمر مواجهة بين طرفين، بل إنه شيء أكبر بكثير وخارج عن سيطرتنا” يقول أحد المنشقين من دمشق.

ما يثير القلق بشكل خاص هو تزايد دور الإسلاميين المتشددين والذين يستفيدون من التجارب في العراق ومن طرق الإمداد إلى المناطق السنية المضطربة بالعراق، والتي ينعدم فيها القانون. لقد كانوا مهمشين في بداية الانتفاضة السورية، إلا أن السوريين اليوم يرددون مخاوف الدبلوماسيين الأمريكيين من أن موطئ قدم هؤلاء المتطرفين بازدياد. في الشهر الماضي جماعة جهادية جديدة تحت اسم “جبهة النُصرة” أطلقت فيديو تبنت فيه التفجيرات الأخيرة ضد القوات الأمنية، وقد بدت تلك التفجيرات مدروسة بعناية من ناحية التوقيت والتنفيذ.

البعض الوضع القائم الآن بأحداث الثمانينات، والتي كانت فترة اضطرابات وتفجيرات واغتيالات، والتي نجا منها الأسد الأب بعد أن ضرب بكل قسوة. بينما لا تزال المشاحنات بين أعضاء المجلس الوطني السوري، الجماعة المعارضة الأساسية في الخارج، قامت قوات الأمن باعتقال عدد من المعارضين المعتدلين من جماعات المعارضة الداخلية. “إنه دليل على أن النظام غير صادق بخصوص اللجوء إلى التفاوض”، تقول ريم تركماني وهي ناشطة مقيمة في لندن وعضو في الحركة التي اُعتقل بعض أعضائها.

إن ما يجري لا يبعث على التفاؤل بالنسبة لخطة الأمم المتحدة. كوفي عنان مبعوث الأمم المتحدة والجامعة العربية، يأملان بإقناع النظام الدخول في حوار مع المعارضة. لقد قال الأسد بأنه مستعد للحوار، ولكن ليس هناك شريك شرعي ليتحاور معه، وإدعاؤه هذا معقول نوعاً ما. لقد استنفذ المجلس الوطني الكثير من طاقته لتوحيد الفصائل المتشرذمة في مجتمع طائفي عانى من انقسامات حادة خلال عقود من الحكم الشمولي. خطة معارضي الأسد إلى الاجتماع يوم 26 مارس/ آذار هي محاولة لرأب الصدع. “لقد كنا ننتظر بقية الركاب للالتحاق، ولكن يجب على القطار أن ينطلق الآن”، يحذر الناطق باسم المجلس الوطني السوري.

المصدر

The Economist

Bashar’s pyrrhic triumphs

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s