بقلم فيفيان والت Vivienne Walt ، الخميس، 012\2012
كان حي بابا عمرو في حمص يعيش جحيماً حقيقياً عندما استطاع الجيش السوري على ما يبدو من التقاط مصدر إشارات الهواتف الفضائية التي يستخدمها الصحفيون الأجانب وبدأ القصف باستخدام مدافع الهاون باتجاههم، وقتل بذلك المراسلة الأمريكية ماري كولفن Marie Colvin والمصور الفرنسي ريمي أوشليك Rémi Ochlik في الثاني والعشرين من شهر شباط/ فبراير.
سوف تمر ثمانية أيام قبل أن يتمكن زملاؤهم الناجون من الهروب من هناك، وبعد أن أصبح حي بابا عمر مدمراً وكئيباً، كان السكان الباقون – وعددهم 4000 تقريباً – منهكين بعد أسابيع من القصف، يعانون من الجوع والبرد القارس.
منذ يوم الخميس، أصبح الحي خالياً من عناصر الجيش السوري الحر الذين كانوا يشنون هجمات منه ضد نظام الرئيس بشار الأسد.
لقد نفذت الذخيرة من الثوار، ما اضطرهم إلى أن يقوموا بدفن كلِ من كولفن وأوشليك، بعدما حاولوا بجهد كبير أن يحافظوا على الجثث مبرّدة باستخدام مخزون الوقود الذي قارب على الانتهاء، حسب ما قاله ناشطون يوم الخميس.
بعد أن تُركت بابا عمر تحت رحمة الجيش السوري يوم الخميس، تم إخراج المصوّر الفرنسي ويليام دانيالز William Daniels الذي يعمل لجريدة التايم TIME ، والمراسلة الفرنسية المصابة بشكل بليغ إيديت بوفوار Edith Bouvier من سوريا في مناورة مليئة بالمخاطر شارك فيها العشرات من المتطوعين السوريين الذين كانوا يعملون مع ناشطي المعارضة، وقد سلطت هذه العملية الأضواء على منظمة آفاز Avaaz ، التي تتخذ من مدينة نيويورك مقراً لها.
قبل أربعة أيام، استطاع زميل كولفن البريطاني المصوّر بول كونروي Paul Conroy الهروب إلى لبنان بطريقة ممائلة، وكذلك تمكن المصوّر الإسباني خافيير إسبينوزا Javier Espinosa الذي كان عالقاً في بابا عمرو من عبور الحدود إلى لبنان بأمان يوم الأربعاء، وقد أرسل دانيالز في مساء الخميس رسالة نصية لجريدة التايم مؤكداً وجوده في لبنان وبعيداً عن الخطر، حيث كتب في رسالته “لقد خرجنا”، “إيديث بخير”.
وكان الصحفيون الأجانب قد دخلوا إلى المدينة بشكل غير قانوني، ولكنهم سرعان ما أصبحوا عالقين فيها فور محاصرة قوات الأسد لها، وقد فشل الدبلوماسيون الفرنسيون في إقناع الأسد بالسماح لفريق إنقاذ دولي بإخراج الصحفيين الجرحى.
عندما بلغت المعركة ذروتها هذا الأسبوع، كان واضحاً أنه يجب على الصحفيين الفرار– أو المخاطرة بحياتهم تحت طائل الهجوم الأخير الذي شنه النظام على المدينة.
لم يكن بالإمكان إنقاذهم دون بذل الكثير من الدماء، فقد شارك 35 متطوعاً سورياً في العملية التي تمت يوم الأحد لإخراج كونروي ، ولكنهم تعرضوا إلى كمينٍ أثناء خروجهم، ما أدى إلى مقتل 13 ناشط حسب ما نقلته منظمة آفاز.
كان كلٍ من كونروي، و بوفوار، وإسبينوزا ودانيالز جزءاً من محاولة الهروب هذه، ولكن بعد أن عمت الفوضى بسبب هجوم قوات النظام، انقسمت المجموعة إلى اثنتين. كان كونروي الصحفي الغربي الوحيد الذي وصل إلى لبنان ذلك اليوم.
لقد كلفت حماية الصحفيين الغربيين الشعب السوري الكثير. رغم ذلك أخبر مدير آفاز ريكين باتيل Ricken Patel جريدة التايم في مدينة نيويورك أن النشطاء السوريين الذين تدعمهم المنظمة بالمعدات والإمدادات عبّروا عن امتنانهم الشديد للصحفيين الذين تجرأوا بالدخول إلى حمص.
“إنهم حقاً ممتنون لشجاعتهم لأن هؤلاء الصحفيون شهود على جريمة قصف بابا عمر المريعة،” كما قال باتيل، وقّدر أن عشرين سوري لقوا حتفهم أثناء عمليات إخلاء الصحفيين. وأثناء شربنا للشاي، أخبرني باتيل أن حوالي الخمسين ناشط سوري يعملون مع آفاز تطوعوا للمساعدة بإخلاء الصحفيين الفرنسيين.
إن دور منظمة آفاز في الانتفاضة السورية مدهش ومثير للجدل، فمركز هذه المنظمة الناشطة يقع في يونيون سكوير في مدينة مانهاتن ويديرها شاب كندي يبلغ من العمر 35 عاماً، وتم تأسيسها في عام 2007 بهدف إجراء حملات ضد قضايا الفساد، الفقر والتغَيُر المناخي.
لقدت جمعت الأموال وحركت الناس من خلال شبكة ضخمة جداً على شبكة الإنترنت منتشرة بكل أنحاء العالم حسب قول المنظمة.
على الرغم من أن مركزها في مدينة نيويورك، إلّا أن أكبر مجموعاتها تتواجد في البرازيل وفرنسا، حسب المسؤولين فيها. وقد كُتب في تصريح مهمتها أن أهدافها “سد الفراغ بين واقعنا الحالي والعالم الذي يريده أغلب الناس.”
بعد ذلك برز الموضوع السوري، حينها استنفر ناشطو آفاز بسبب القتل الشبه يومي للمدنيين في سوريا، وقامت المنظمة بجمع مليون دولار من أعضاءها وبدأت بتهريب كميات من المعدات الطبية، وكاميرات التصوير ومعدات إنتاج الأفلام إلى مدينة حمص ومدن أخرى تحت الحصار، وذلك باستخدام شبكات لناشطين سوريين متطوعيين على الأرض.
كما قامت في الأسابيع الأخيرة، وبالتنسيق مع نشطاء سوريين، بإدخال 34 صحفياً أجنبياً.
كما قامت منظمة آفاز بتهريب معدات مشابهة إلى مينامار ]بورما[ في عامي 2007 و2008. لكن القوة السورية العسكرية الكبيرة والحدود المغلقة جعلت التحديات أكثر خطورة.
يصرّ باتيل على أن حملة آفاز في سوريا نجحت بشكل جيد، مشيراً إلى الأفلام الغنية التي تخرج من هذا البلد المحاصرَ، حيث يقول: “سواء أكنا نحن الأشخاص المناسبون أم لم نكن، عندما بدأ القمع، لم يكن أحد يقوم بدعم الاتصالات كما كنا نفعل، لقد جلبنا أجهزة اتصالات فضائية وتصوير أفلام إلى البلاد ودربنا الناس على استخدامها”.
كما يضيف باتيل: “إذا سألت ال بي بي سي والجزيرة فإنهم سيشهدون على نجاحنا الرائع”.
أما فيما يخص التضحيات والقتلى الذين قدمهم السوريون في عملية آفاز، يقول باتيل: ” أشعر بالتواضع أمام شجاعتهم التي لا تصدق.”
المصدر
Rescue Squad: How Syrian Activists Saved Journalists Trapped in Homs