هل من المحتمل تدخل الجيش التركي في سوريا؟
بقلم د. كان كاسابوغلو Can Kasapoğlu
مركز BESA Perspective
8 شباط /فبراير 2012
ملخص:
مع استخدام كلاً من روسيا والصين حق النقض (الفيتو) ضد مشروع قرار مجلس الأمن الذي يدعو إلى إيقاف أعمال العنف القمعية في سوريا, تكاد لا توجد أية خيارات أخرى لحل الأزمة عن طريق التفاوض. الأمر الذي قد يجعل تركيا تأخذ بعين الإعتبار مسألة التدخل العسكري في سوريا وذلك بالتنسيق مع كلاً من الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية.
مقدمة:
إن المشروع الأخير لقرار مجلس الأمن للأمم المتحدة الذي تم نقضَه, يُلزم الجيش السوري بالعودة إلى ثكناته والسماح بالتظاهر السلمي وإجراء انتخابات ديمقراطية فورية. يعترف هذا المشروع أيضاً، والذي رُفض، بحق السيادة ووحدة وسلامة الأراضي السورية، كما أنه لن يجبر الدول على التدخل العسكري أو التهديد باستخدامه. وربما قد تكون هذه هي الفرصة الأخيرة للانتقال السلمي.
إن إعلان المجلس العسكري الأعلى التركي في كانون الأول/ ديسمبر 2011 يشير إلى أن واحدة من الأعمال التي نوقشت كانت “إعداد القوات المسلحة التركية للحرب”. وبأخذ بعين الاعتبار بيان أنقرة القاسي تجاه حملة العنف في دمشق, والتي استمرت بالتصعيد منذ استخدام حق النقض المزدوج في مجلس الأمن الدولي, فإن احتمال التدخل العسكري التركي لإنهاء الاضطرابات في سوريا يلوح في الأفق.
في مقابلة مع قناة العربية, صرح وزير الخارجية التركي أحمد داوود أوغلو والذي أعرب عن أمله في ألا تكون هناك حاجة للتدخل إلا “إذا كان هناك مأساة إنسانية, أو كارثة, عندئذ فإن المجتمع الدولي والأمم المتحدة لا يمكنهما البقاء صامتين قطعاً”.
وأضاف أنه إذا فشلت مبادرة جامعة الدول العربية واستمرت عمليات القتل, فإن تركيا لن تتساهل مع ذلك أبداً. وقد أفادت التقارير بأن تركيا سعت باتجاه احتمالين رئيسيين لإضفاء الشرعية على احتمال عملية التدخل العسكري: الفشل الكامل لمبادرة جامعة الدول العربية ولقرار مجلس الأمن الدولي. وعند الوصول لهذه المرحلة ينبغي علينا طرح سؤالين جوهريين: أولاً, ما إذا كان بالإمكان إقناع كلاً من موسكو والصين على الأقل بالإمتناع عن التصويت في مشروع قرار آخر لمجلس الأمن الدولي, وثانياً, في حال استمرار وتصعيد حملة القمع الدموي في سوريا, هل من الممكن لتركيا أن تلعب دوراً في مهمة عسكرية معتمدة وغير تابعة لمجلس الأمن؟
تشجيع عوامل التدخل التركي:
لقد قامت أنقرة مسبقاً بالاعتراف علناً بشرعية المجلس الوطني السوري, مؤكدةً على كونه منبراً للمعارصة السلمية. لكن, في حين كانت كلاً من روسيا والصين تستخدمان حق النقض الفيتو على مشروع قرار مجلس الأمن الدولي, كلفت وحشية دمشق المزيد من الخسائر في الأرواح. ونظراً لهذه الظروف, فإن تحول خطاب تركيا إلى التأكيد على حق المعارضة السورية السلمية في الدفاع عن النفس لا يمكن أن يكون مفاجئاً. وهنالك أربعة عوامل رئيسية قد تمهد الطريق لتدخل عسكري تركي, حتى بدون قرار لمجلس الأمن الدولي.
العامل الأول هو موقف تركيا من الصراع على السلطة بين الطائفتين المهيمنتين: الكتلة السنية حديثة العهد والشيعية- إيران وسوريا وحزب الله- المتحالفة في المنطقة. حيث أصبحت المسيرات المؤيدة والمناوئة للنظام في سوريا عبارة عن استعراض للقوة من قبل جماعة السنة وجماعة العلويين المؤيديين للنظام. أما المجموعات الأخرى, كالمسيحين والدروز, فإنها متخوفة من احتمال الاضطهاد الديني وأكثر ريبة عن مرحلة ما بعد الأسد المحتملة. إذ إن نتائج الانتخابات في مصر والعنف القائم في العراق توطد هذه التخوفات.
العامل الثاني, إن الوجود الكردي السوري في منظمة حزب العمال الكردستاني الإرهابية قد يشكل عاملاً يؤدي إلى تأزم الوضع. إذ إن واحد من أربعة أو خمسة مقاتلين من حزب العمال الكردستاني هو سوري- كردي الأصل ويحتل مكانة كبيرة في الجناح المسلح لحزب العمال الكردستاني. وهذا الجناح يتضمن عدداً من الشخصيات الشهيرة مثل حسين الفهمان, الذي يعد مسؤولاً بشكل كبير عن أحداث العنف الأخيرة في تركيا. إن أية اضطرابات إضافية في سوريا ستسمح بقدر أكبر من حرية المبادرة للأكراد السوريين. إن المنظمة الإرهابية على استعداد لخوض حرب غير مباشرة على تركيا, والنظام البعثي يستعد لدعم هذا العمل. وينبغي التأكيد على أن عنف حزب العمال الكردستاني قد أدى دائماً إلى دخول تركيا في عمليات حدودية عسكرية.
العامل الثالث, تفاقم أزمة الثقة بين أنقرة ودمشق قد أساءت للعلاقة بينهما, لدرجة أن إحدى محطات التلفزة السورية وصفت مؤخراً اجتماع تركيا بدول مجلس التعاون الخليجي بأنه “مؤامرة” ضد سوريا. وبناءً عليه, فإن تركيا لا يمكنها السماح لحكم البعث في الاستمرار بإدراة البلاد.
وأخيراً, فإن النموذج الجديد للعلاقات الخارجية لتركيا يعزز مفهوم “وحدة الجغرافية-الحضارة”، مع المجتمعات التي كانت جزءاً تاريخياً من تركيا, حيث تؤكد على مفهوم القوة اللينة التي تهدف إلى كسب العقول والقلوب في المجتمعات الإسلامية. وبالتالي, فإن أنقرة لن تسمح لدمشق بارتكاب مجزرة أخرى كمجزرة حماة عام 1982 على حدودها مباشرةً, إذ ستكون بمثابة انهيار مفهوم الوصاية التركية على المجتمعات الإسلامية “المضطهَدة”، بالتالي سقوط القيادة السياسية- العسكرية لتركيا في الكتلة السنية.
الامتناع عن التدخل العسكري:
هنالك أيضاً اعتبارات أخرى من شأنها أن تؤدي إلى امتناع تركيا عن التدخل العسكري في سوريا.
أولاً, الحفاظ على الوحدة الوطنية والإقليمية كان دائماً على جدول أعمال أنقرة الأمني الأكثر أهمية. وقد تسبب إنشاء الحكومة الإقليمية في شمال العراق مخاوف كبيرة لدى المجتمع الإستراتيجي التركي, إذ يمكن أن يشكل هذا نموذجاً للحكم الذاتي القابل للتطبيق لحركة الكرد الانفصالية. إن التدخل العسكري التركي في سوريا قد يؤدي فعلاً إلى خلق حكم ذاتي كردي آخر في القامشلي, الأمر الذي قد يشجع الحركة الكردية الانفصالية وزيادة المخاوف التركية.
ثانياً, إن تركيا لن تُسند إلى قواتها المسلحة مهمة الإطاحة بنظام البعث ومن ثم الوقوف ببساطة جانباً. بعد عمليات ليبيا, كانت أنقرة مستاءة من الزيارة المفاجئة المشتركة للرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي ولرئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون قبل زيارة رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان التي كانت مقررة مسبقاً بيوم واحد فقط.
وعلاوةً على ذلك, فقد فضلت تركيا حصصاً أكبر في القطاعين السياسي والاقتصادي في مرحلة ما بعد القذافي. وفقاً لبعض المحللين, فإن دول الخليج العربي الآن تشجع تركيا لشن تدخل عسكري في سوريا وذلك مقابل ضمان بعض المكافآت الإقتصادية. بيد أن أنقرة تتوقع أكثر من ضمانات إقتصادية من دول الخليج أو الغرب- إنها تطالب بنفوذ سياسي في النظام الجديد في سوريا.
أخيراً, إن تركيا قلقة إزاء ما إذا كان هذا التدخل سيؤدي إلى إشعال حرب إقليمية, وخصوصاً أن العلاقات التركية الإسرائيلية ضعيفة, بالإضافة إلى أن دول الخليج ضعيفة عسكرياً ولا يمكنها توفير تعاون فعال على الصعيد الأمني. من الواضح أن تركيا أصبحت من الصقور وذلك في منافستها غير المباشرة مع طهران, سوريا والعراق- ولكنها لا تزال مترددة وغير حاسمة لمسألة المواجهة المباشرة. إذ لا ترغب أنقرة برؤية مساعيها العسكرية تتشابك مع احتمال توجيه ضربة إسرائيلية ضد إيران, وبالتأكيد لا تريد أن يُنظر إليها وكأنها تساند إسرائيل وذلك بتدميرها الحليف الرئيسي لإيران.
الخاتمة:
بدون تعاون تركيا, فإن أي تدخل عسكري في سوريا سيكون مستحيلاً, إذ إن مثل هذه العملية لا يمكنها استبعاد ثاني أكبر القوات البرية في حلف شمال الأطلسي بالإضافة إلى حدودها المشتركة مع سوريا التي تصل إلى 877 كم. بالإضافة إلى ذلك, فإن دول الخليج ستبقى بحاجة لضامن إقليمي كقوة مقابلة لإيران, الحليف المقرب لسوريا, في القوى العسكرية والجوانب الجغرافية-الاستراتيجية.
هل ستنتظر تركيا قرار مجلس الأمن الدولي من أجل التدخل العسكري؟ هذا من شأنه أن يكون أفضل, ومع ذلك فإن أي تدخل غير موافق عليه من مجلس الأمن الدولي من شأنه غالباً أن يجبر على مثل هذا القرار. غير أنه, إذا أصرت كلاً من روسيا والصين باستخدام حق النقض الفيتو ضد قرارات مجلس الأمن الدولي, وإذا واصل الدكتاتور الأسد تدمير المعارضة, فإن تركيا ستقوم بنشر قواتها المسلحة لوقف المأساة الإنسانية.
مرة أخرى, إن أولويات تركيا ليست في اتخاذ إجراءات من جانب واحد, إذ أنها على الأرجح تسعى للتعاون مع الولايات المتحدة ودول الخليج.
في هذه المرحلة, من المتوقع أن تصبح نشاطات الجيش السوري الحر وعلاقة أنقرة به أكثر أهمية. عقد أول اجتماع بين المجلس الوطني السوري والجيش السوري الحر في أواخر عام 2011 بالقرب من مقاطعة هاتاي التركية, المكان الذي نزح إليه اللاجئون السوريون واتخذها العقيد رياض الأسعد من الجيش الحر مقراً له. شكّل دمج المجلس الوطني السوري والجيش الحر خطوة حاسمة, إذ إن المظاهرات السلمية لا تملك فرصة مجدية مقابل الأجهزة الأمنية للأسد, والتي كانت معتادة على رفع الأسلحة صوب مواطنيها.
الآن, فإن تركيا على الأرجح ستعزز من دعمها للجيش السوري الحر من أجل منع تدمير المعارضة. ومع ذلك, فإن هذه الخطوة قد تكون بمثابة استفزاز دمشق كي تقوم بتكثيف حملاتها ضد الشعب السوري. في المقابل, المأساة الإنسانية قد تضغط زناد التدخل العسكري التركي.
في الواقع, لقد تم مناقشة, أن هذا السيناريو ليس بعيداً من أن يصبح واقعاً.
المصدر
BESA