الأزمة في سوريا
الطريق الطويل إلى دمشق
هُناك مؤشرات على أن النّظام السوريّ قد يصبح أَكثر عُنفاً
11 فبراير 2012 | دمشق ودرعا |
يَملأُ رجال الأمن، ومُعظَمهم بملابِس مدنيّة، ساحة السّوق الرّئيسيّة في درعا، وهِي بَلدة يَقطُنها 350,000 نَسمة، قُرب الحُدود السُّورية مع الأردُن. استمرَّ هذا إلآ أن سُمح لِلصَحفيين الوافِدين في الآونة الآخيرة بالقيام بجولةٍ تُسلِّطُ الضوءَ على الهجماتِ “الإرهابيّة” على أملاكِ الدولة، إلاّ أنَّ قِلة مِن المواطنين العاديين من تجرَّأ على الكلام. “نحن خائفون جداً،” تقولُ إمرأة تُمسِك يَدَ صَبِيِّ. “خَرَجَت لِشِرَاءِ المَوادِ الغذائيّة، والتي تَزدادُ أسعَارُهَا كلّ يومِ، لكني لا أَعرِفُ إنْ كنت سأستطيع إيصالها إِلى المنزِل.”
شابٌّ عُيونه مُحْتقِنة بِالدَّم ومُلتَهِبَة يَرفَعُ قَميصَه كاشِفَاً عَنْ نُدُوبِ رَصاصَتين اثنتين.”لنْ نَستَسلِم أبَداً” يَقُولُ ذَلِكَ بَينَما رِجالٌ يَرتَدُون سِتراتٍ جِلديّة يَدنُون مِنه بِسُرعَةٍ لاِختِطافه. رجُل في مُنتصَف العُمر يَحمِل حَقائِب تَسوُّق تَوقّفَ لِفَترةٍ وجيزة قَبلَ أن يَدخُل أحد الأزقّة “ليكن الله في عوننا” يَهمُس بإِنجليزية هَادِئة.
بدأت الثَّورة السُّوريّة في درعا، آذار الماضي، مّع المظاهرات التي خرجت احْتِجَاجَاً على اعتِقالِ، ونزع أظافر، وتَعذيبِ فِتيانٍ فِي سنّ المُرَاهَقَة تأثروا بالثورات العرَبيّة الأخرى التي كانت تُعرض على الشاشات التلفزيونيّة الفضائيّة، فقَامُوا بِكتابة كلِماتٍ على أحد الجدران، “الشَّعب يُرِيد إِسْقاط النِّظام”. وقد خلَّف القمع الحكومي حَوالي 1000 قتيل في المدينة والقرى المُحيطة بِها، فُرِضَتْ آنَذاك حَالة هُدوءٍ غيرِ مُسْتقرِّة. مُعظم المحلاَّت التِّجارية والمدارس تفتح لِوقتٍ أقصَر مِن المُعتاد. مَقاطع فيديو على النت تَعرض مُواجَهات يومية بين مواطنين يهتفون ويرمون الحِجارة وبين جنودٍ يُطلِقون الذّخيرة الحيّة. المسؤولون يتحدثون عن شنِّ هجَماتٍ “ارهابيّة” على نُقاط تفتيش تَسْتتِر بِأكياسِ الرَّمل. وكاستعراض للقوّة، استخدموا قنابل وأسلحة صدئة. ومن الواضح أنه لو قامت الحكومة بسحب عرباتها المصفَّحة وقواتها القتالية والقنّاصة المعتلين للأسطح والبلطجيّة المدجّجين بالسّلاح، فإن درعا سوف تعود بسرعة إلى حكم الثوار.
السُمّ في نيويُورك
في هذه الأثناء، يَظهَر العالَم بمظهَر العَاجِز. أثارت كلاًّ من روسيا والصّين يوم 4 فبراير من داخل مجلس الأمن الدولي غضب الغرب حين اعترضتا على قرارٍ مُعتدل من شأنه أن يحثّ بشار الأسد، رئيس الجمهورية، على الإنضمام إلى خطّة السّلام التي وضعتها جامعة الدول العربية للضغط عليه وللتنازل، على الأقل، عن بعض السلطات غيرِ المحدَّدة في السّلطة لنائبه، أثناء انتظار نتائج محادثات المصالحة. اعترضت روسيا على هذا، وأكثر من ذلك ، فقد عارضت الغرب بشكل عام لفرضه إملاءات على دولة ذاتَ سِيادة وتَعتبرها حَليفاً.
توجّه سيرغي لافروف، وزير الخارجية الروسيّ، يرافقه رئيس جهاز المخابرات الخارجيّة، ميخائيل فرادكوف، إلى سوريا يوم 7 فبراير. ووصف السيّد لافروف لقائهما مع الأسد بالبنّاء، مُصِرّاً على أن الرئيس السوريّ مُقبِلٌ على إصلاحات سريعة، بما في ذلك وضع دستور جديد وإنتخابات، و وضع حدّ لأعمال العنف والحوار مع خصومه. قال الرّوس بأنه، وكخطوة أولى، قد وكّل السيد الأسد نائبه، فاروق الشرع، ببدءِ مُحادثات مع جماعات المعارضة. “السوريون فقط هم من يقرر مَصير الأسَد”، صرّح السّيّد لافروف.
أمريكا والعديد من حلفائها الأوروبيين، جنباً إلى جنب مع دول الخليج العربي، ردَّت بغضب على الفيتو المشترك في الأمم المتحدة. قائلين أن روسيا والصين قد منحتا السيد الأسد رخصَة لِقتل شَعبه، وقاموا بشكل جماعيّ بسحب سفرائهم من دمشق. كما قاموا بفرض عقوبات على سوريا بما في ذلك حظر تصدير تقنيات أميركية، وحظر أوربي على وارِدات النّفط، وبعض العقوبات المالية الصارمة، بما في ذلك تجميد الأصول الخاصّة بأعضاء النّظام في الخارج.
الدبلوماسيون يتحدثون الآن عن خيارات أخرى للضغط على نظام الرئيس الأسد، مِثلَ طَرحِ تصويت إدانة في الجمعية العامة للأُمم المتحدة، حيث لا توجد دولة تملك حق النقض، وتشكيل فريق إتصال مع تركيا المجاورة والأردن لتنسيق إجراءات أقوى. هذا قد يشمل إنشاء مناطق عزل آمنة على طول الحدود السورية، فضلاً عن تقديم مساعدات مباشرة للجيش السوري الحر، والذي يتكون من عدة كتائب يقودها جُنود منشقّين يقومون بمناوشات مع القوات الحكوميّة في أنحاءِ البلاد.
حتى مع اتجاه الدبلوماسيّة الدوليّة نحو عملية صراع على السلطة، والذي يعيد للأَذهان ذِكريَات الحَرب البَاردة، يواجه السُّوريِّون مشاهِد دمار دَمويّة في مُدنِهم. مُنذُ إندِلاع الثّورة قبل 11 شهراً، فإن نمط عمل القوات الحكومية يتمثّل بالقيام بتدمير قرية أو مدينة بكاملها كَعِقابٍ لها. حَوالِي 7000 مدنيّ لَقوا حتفهم نتيجةَ هذهِ التكتيكات. مُنذُ ديسمبر والاحتِجاجات تتزايد في مناطِق التّجمُّعات السَّكنية المكتظّة كدمشق، العاصمة، وحلب، المدينة الثانية والمركز التجاري للبلاد. جرت العادة بعدها، ان تنسحب القوات الحكومية آخذة معها معتقلين “ارهابيِّبن”، وتتركِ نُقاط تفتيش رمزيّة فقطْ.
في الآونة الأخيرة، تحدَّثت الصَّحافة الرَّسمِية عمّا سمّته الضّرورة القصوى للتحوّل إلى “خطّة ضبطِ النَّفس”. خُطَّة أمنيِّة جديدة يبدو أنها قد بدأت فعلاً يوم 3 فبراير، وهو يوم محفور في ذاكرة السوريين عن الذكرى السنوية لمذبحة حماة عام 1982، حيث استخدمت المدفعية الثقيلة لدك المدينة التي كانت ثائرة آنذاك، وذلك إبان حكم الأسد الأب، حافظ، وهو الهجوم الذي خلَّف خَراب رُبعِ البلدة القديمة وحَوالِي 20000 قتيل.
ومنذُ ذلك اليوم، تستخدِم ميليشيات بشّار الأسَد قوّة مُفرطة لم يسبق لها مثيل. بَابَاعَمرُو والخالديّة تُقذف بوابلٍ كَثيفٍ من الصّواريخ والمدفعيّة الثّقيلة، وهُما من المناطق التي يسيطر عليها الثّوار في مدينة حمص، ثالث أكبر المدن السوريّة ومُحوَر الثّورة الحاليّة. هاجَموا أيضاً بلدة الرّستن القريبة، الزبداني المصيَف الجبليّ قُرب الحدود اللبنانية، مدينة إِدلب القريبة من تركيا، وغيرِها مِنَ المُدُن. الهجمات تُشنّ بِلا هوادة وفي وقت واحد. تُصرّح مصادر في المعارضة أنهم يعتقدون بأن القصف هو مُقدمة لإعتداءٍ سَافِر على كل المناطق الساخِنة.
عدد القذائف التي تنهالُ على حمص كل ساعة بَلغَ المئات، وتزايدت أعداد الضحايا في جميع أنحاء البلاد بشكل كبير من حوالي 20 قتيلاً في اليوم إلى أكثر من 50. قُطعت المواصلات وشبكات الهاتف، كما الطّاقة والمياه والوقود في العديد من المناطق المنكوبة، والتي كانت أوضاعها سيئة منذ البداية وقد شهدت مواردها تقلصاً كبيراً خلال الأشهر الطويلة من الاحتجاجات. الآلاف من المدنيين فضُّلوا مغادرة منازلهم على الرغم من الطقس الشتوي البارد، ومن المُرجَّح أن تشهد سوريا قريباً أزمة لاجئين داخلية خطيرة داخل حدودِها المغلقة.
“إننا لا نطلب شيئاً من العالم، سوى الأكفان، إذْ لا يُوجد منها ما يكفِي لتغطية أجسَادنا،” يُناشِد أحدهم من داخل حمص في تعليق ساخرعلى تويتر.
ويبدو أن حكومة السيد الأسد ترى أن هذه التكتيكات ستنجح في إيقاف التمرُّد. يَروِي رَجُل أعمَال سُوريّ عن مسؤولٍ أمنيّ كبير إلتقـاهُ بالصّدفة في صالةٍ رياضية فاخِرة، أنه قد قيل له بكل ثقة أنَّ الهُجومَ الحاليّ سَيكُون الحاسِم. سَيَكُونُ بِمثابَة “عمليةِ قطع رأس” الجيش السوري الحر، وبَدَا التَّباهِي على المسؤُول..
في الحقيقة يوجد سوابق، وفي مناطق قريبة، لِمِثل هذا النَّجاح المُفترض. صدام حسين، الدكتاتور العراقيّ السابق، حَكَم لأِكثر من عقد من الزمن بعد القمع الوحشي لإنتفاضةٍ في جنوب البلاد بعد حرب الخليج الأولى. الجيش التركيّ كان قد فرضَ غِطاء مُحكَم إلى حدّ ما على النزعة الانفصاليّة الكرديّة، تماماً كما إِسرائيل، التي سَحقَت انتفاضتين فلسطينيتين. وحتى الرئيس الأسد الأب نفسه بَقي في السُّلطة بعدَ قَمعِ المحتجِّين في مَدينة حماه.
أسبابٌ أُخرى تَتراءَى للسيِّد الأسَد أنَّه سَوفَ يَنجَحْ فِي نِهاية المَطاف، فمثلاً دمشق قلب البلد، ظاهرياً تبدو طبيعيّة. المحلاّت التجاريّة والمقاهي مفتوحة، ولو أنها بنسبة كبيرة فارغة. الطُّرق مشغولة نوعاً ما. الرَّئيس السّوري شعرَ بالأمان بشكل كافٍ في الآونة الأخيرة حتى يخرج إلى أحد المطاعم.
رغم تعفُّن مؤسَّسات الدَّولة تحت سيطرة سياسة الحزب الواحد، إلاّ أنّ جيش الأسد وقوات الأمن لاتعاني، وهو أمر مفاجئ، من الانشقاقات إلاّ بأعداد قليلة نسبيّاً. يَخدم المجندون في الخدمة الإلزامية عادةً بعيداً عن مَسقط رَأسهم، ويُعتقد أنّ الجيش قد أَعدم كلّ جنديّ يُشكُّ بولائه له ضمن وحدات الجيش النشطة. كما أنّ الجيش السوري لم يستخدم ترسانته الجوية،كالطائرات الحربيّة المروحيّة أو النفّاثة بعدْ. على الرّغم من التقدُّم من جانب الثوّار بعد سيطرتهم منذ فترة قصيرة على مناطق قريبة من دمشق، إلاّ أنهم حتى الآن لم يستطيعوا الإستيلاء لا على خطوط الإمداد، ولا على مراكز الإتصالات والأسلحة الثقيلة، وكل ما يقومون به هو شنّ غاراتٍ ضغيرة في أماكن تواجدهم.
ولربما الأهم من ذلك، هو أن السيد الأسد ما زال يتمتع بتأييد، وإن كان ضمنياً، ضمن شريحة واسعة من السوريين. إن قمعه الوحشي قد أدى، وللمفارقة، إلى تعزيز التأييد ضمن الأقليات والتي تشكل في مجموعها ثلث الشعب السوري من أصل 23 مليون نسمة. تحكُم طائفة الأسد البلاد منذ عام 1970، وهم العلويّون، وهم فرع من المذهب الشيعيَ ويقطنون الجبال الساحليّة السّورية، بالإضافة إلى شَغلِهم معظم وظائف القوات المسلّحة. يعمل عدد كبير من العلويين الفقراء ضمن الميليشيات الحكومية التي تعمل في الظل، وهم البلطجيَّة الذين يرتدون ثياباً مدنيّة والمعروفين باسم ‘الشبيحة. ولطالما سَعَت تكتيكات الحكومة الخبيثة إلى توريط العلويّين ككل من خلال إثارة مخاوفهم من جرَّاء سقوط النظام.
الغرق في الطائفية
الأقليات من الطوائف الأخرى بما في ذلك المسيحيّة والشيعة والدُّرُوز، يمتلكون امتيازات أقل، وهم أقل التصاقاً بالحكومة. ولكنهم بالرغم من ذلك قد استفادوا من عقيدة النظام العِلمانيّ، والتي حافظَتْ على درجة من الحرية الدينية فريدة من نوعها في المنطقة. وعلى الرّغم أنّ معارضِي القيادة السُّورية غير طائفيين ولكن من في الشارع هُم في غالبيتهم من العرب السنَّة والذين طالت معاناتهم تحت وطأةِ القهْر.
فليسَ من قبيلِ المُصَادفة أنَّ المَناطِق التي وَقعت تحت سيطرة المتمرّدين كلُّها تقريباً من السنَّة. في العُقُود الأخيرة، كثيرأً من أبناء مناطِق السنَّة في سوريا توجّهوا الى عقلية دينيَّة محافِظة، متأثِّرين في الخطاب الحادّ المُعادي للشِّيعة والذي تبنته المملكة العربيَّة السعوديّة. كما هو الحال في العراق فقد دفع تأزُّم الحالة عند السنَّة العديد منهم إلى راديكاليّة مُطلقة. تَعليقات ‘فيديو يوتيوب’ المنشُورة أدناه لِقائد دبَّابة علويِّ أسير لدى الجيش السُّوري الحرّ، يفترض أنه رُبما يُتَّهم بقَضيَّة تحرّش قبل أن يُقتل على أنَّه “حيوان كَافِر”. بالإضافة إلى أنَّ الكثير من كتائب الثوّار تحمل أسماء انتصارات سنيّة. خُطَب المسَاجد على الغالب في مناطق الثوار تصفُ القوات الحكومية كجحافل شيطانيَّة.
أصدقاء وأعداء سوريــا
العلاقـات السوريـة مع بعض الدّول
الدّولـة
تاريخيــــــأً
حاليـــــــأً
إيران
علاقات إستراتيجية منذ 1979. سوريا هي طريق تجاري لنقل الأسلحة إلى عملاء إيران في الجوار
وحدات إيرانية من النخبة تنصح النظام في قمع المظاهرات ومراقبة الانترنت. كما نقلت تقارير إنها قد أرسلت 9 مليار دولار لمساعدة سوريا في الصمود أمام العقوبات.
روسيا
وكيل و مزوِّد أسلحة لأربع عقود. سوريا هي آخر معقل لهم في الشرق الأوسط
استخدمت حق الفيتو لصالح سوريا في مجلس الأمن. باعت بقيمة 55 مليون دولار طائرات مقاتلة نفاثة في يناير.
تركيا
بعد عقود من الريبة المتبادلة, علاقات حميمية في السنوات الأخيرة. مما أوصل إلى معاهدة تجارية في 2004 ومعاهدة الدخول بدون تأشيرة بين البلدين 2009
بعد محاولات مبدئية للتوسّط, انقلبت على نظام الأسد. تستقبل اللاجئين, والمنشقين من الجيش, وتساعد المعارضة. حتى الآن فشلت في تطبيق العقوبات.
دول الخليج
(قطر والسعودية)
ريبة طويلة من علاقات سوريا بإيران والتدخّل في لبنان لكن حديثاً انعدام العلاقات؛ سحب السفير السعودي 2008 وإعادته بعد سنة
قادت مبادرات الجامعة العربية ضد سوريا. أمير قطر اقترح التدخّل العسكري. يُرَجّح تسليحها للثوار السورييين
أوروبا
قادت فرنسا جهوداً لإخراج سوريا من عزلة دولية بعد عملية إغتيال رئيس الوزراء اللبناني, رفيق الحريري 2005
تسعى جاهدة لإسقاط الأسد. إقترحت فرنسا فكرة المناطق الآمنة. تقول بريطانيا أنها سترسل تجهيزات أمن للثوار
أمريكا
عداء طال كثيراً. أُعيد السفير إلى دمشق في 2011 بعد غياب خمس سنوات
إغلاق السفارة في 6 فبراير. تعمل مع المعارضة وتقول أنّها لن تُسلِّح الثوار. إقترحت إِعداد مجموعة أصدقاء سوريا
المصدر : ” ذا إيكونومست”
ضمنيّأ، كلامٌ كهذا يعكُس ما يبدو غَيظ السنَّة المكبُوت لِفترات طويلة، ويُخيفُ السُّورييّن الآخرين ــ ولسبب وجيه. يبرِّر العلويّون أن ما جرَّ إلى الفظائع التي وقعت في مجزرة حماه كان مجزرة أصغر على طلاّب عَلوييّن في الكليّة الحربيّة قامَ بِها أعضَاء في جماعة الإخوان المسلمين. الخوف من المتطرّفين السنَّة هزَّ العديد من المسيحيّين المدركيين للهَلاك الذي طال جَماعات مسيحية كبيرة وقديمة في العراق، البَلد المُجاوِر. لذلك فهم يقبلون وعلى مضَض توصِيف الحكومة للثوّار بالإرهَابيّين. “كنا جميعاً مع الثَّورة عِندما كانتْ التظاهرَات سلميَّة،” تقولُ ربَّة منزل مسيحيَّة في دمشق. “لكنْ كَيفَ يُمكِننا دَعم فوضى إِجرَاميَّة مسلَّحة؟”
العديد من السنَّة لأَسبابٍ مُجتمعيَّة فِئويَّة، ولا سيَّما من نخبة رجال الأعمال من أصحاب الإمتيازات والمنتفعين من عائلة الأسد، أيضاً لايأمنون للثوّار. الطبقة السورية المتوسطة عادة ما تخشى الصعوبات الاقتصادية بشكل أكبر من خشيتها من النظام القمعي. حتى الأقلية الكردية التي تعاني من الاضطهاد منذ زمن، والتي تشكل نسبة 15% من السكان، وهم في معظمهم من المسلمين السنّة، كانت مشاركتها بالثورة ضعيفة. “إنهم يحوطون رهاناتهم” يقول محلّل سوريّ. “ما يريدونه هو ضمانات لحقوق القوميّة الكرديّة، وطالما أنّ المعارَضة لا يمكن أن تُعطي مثل تلك الضمانات، فإنهم يأملون أن يكافئهم بشار على بقائهم هادئين”.
المُعَارضَة المُنقَسِمَة
عَرقلت الإنقِسامات داخل المجتمع السوريّ جُهود تَنظِيم مُعارَضة موحَّدة ضدَّ النظام. عندما خَلَفَ الأسد والِده قبل 12 عاماً، طَغت نَفحَات مِنَ التَّفاؤُل على المثقَّفين للمُطَالبَة بِاصلاحَات ديمقراطيّة ضمن طيَّات الحركة المَعرُوفة بِاسمِ رَبيع دمشق. إلاّ أنّه، وفي نهاية المطاف، تم سُجنَ معظمهم أو نفيهم، وقد فقدوا مِصداقيّتهم. لكن مع تواطؤ الكثير من القوى الغربية إكتسبت قوى كالمجلس الوطني السوري (SNC)، وجماعة منافسة له، هيئة التنسيق الوطني، القليل من الجذب الدبلوماسي. ليس لهم تأثير كبير داخل سوريا، حيثُ الِجَان الوَطنيّة بتنظيم المُقاومة. ويحتَدم الجَدَل بَين كِلاَ تَجمُّعات المُعَارضَة الرَّئِيسيَّة على الإستراتيجيَّات، حيثُ أشَارَت هيئة التنسِيق الوطنيَّة بالحِوار مع الحكومة بينما المجلس الوطني السوري يدعم التدخل الأجنبيّ. في الواقع، ثبتَ أنّ كِلا الطّريقين غيرُ مُجدِي. يَعتقد بعض السوريين أنِّ جَماعة الأخوان المسلِمين قويَّة جِدّا داخل المجلس الوطني السوري، في حين يقول آخرون إنها أداة بيد أمريكا. وحتى أن رئيس المجلس الوطني السوري اتَّهم المجموعات المعارضة في الخارج بأنهم مجموعة متآمرين وخونة.
وهذا كلُّه يَزيد من اطمئنان الأسد، والذي يبدو عليه الاستخفاف بفكرة إسقَاطِه، كما يَرى البعض. صحيح أنّ 19 من مجموع 22 من دول الجامعة العربية الأعضاء تنكَّروا له الآن، جنبا إلى جنب مع الدّول الغربية وحتى الهند والبرازيل وجنوب افريقيا، وأن حماس ، الجّماعة الفلسطينيّة الإسلاميّة التي كانت مدعومة من قِبل سوريا منذُ زَمن طويل، قد تخلت عنه وهَجرَتْ مقرُّها في دمشق. إلا أن الجارتين المهمتين العراق ولبنان، والمُهَيْمَنُ عليهما سياسيَّاً مِن قِبل الأحزاب الشيعيَّة،لا تكن أي محبة لخصوم الأسد. حزب الله، هو ميليشيا لبنانية شيعية، وهو صديق مُخلِص للأسد. تُشِير شائِعات قويَّة إِلى أنَّ رئيس الوُزراء العِراقيّ، نوري المالكي، قد حوَّل المال خفيةً لِجَارِه المُحاصَر. وإيران، القوة الشيعية العُظمى والحليف القديم، تَرَى بِنِظام الأسد الحَليف الإستراتيجيّ الأكثر أهمية.
في الوقت نفسه، هناك جارين لسوريا قد لا يكون لديهما مصلحة كبيرة في إحداث تغيير جذري. فإسرائيل، والتي تسعى جاهدة لكسر محور يربط إيران بحزب الله، فبالرُغم من التصريحات السورية حول تحرير مرتفعات الجولان، التي احتلتها اسرائيل في عام 1967، فإن الحدود مع سوريا، في واقع الأمر، هي من أكثر الحدود الاسرائيلة هدوءاً على مدى السنوات الـ 40 الماضية. تسعى إسرائيل إلى الحفاظ على نِظام الأسَد الفاقد لشرعيته ضعيفاً إذ أن هذا يصب في مصلحتها لأنها تخشى من وقوع مخزون سورية من الصواريخ والأسلحة الكيماوية أيدي أقل حرصاً. إضافة إلى العاهل الاردنيّ الملك عبد الله، أيضاً، فعلى الرغم من تاريخ علاقات عائلته مع سوريا، فإنه قد يفضل الشَّيطان الذي يعرفه على أن تقوم جمهورية إسلامية مجاوِرة ، على الرغم من أنه كان قد دَعَا الأسد علناً للتنحي.
أمَّا بالنّسبة لِروسيا فإنَّ الأسد يَشعُر بالإطمئنان تجاهها كشعوره في كنفِ والِدِه، عندَما كانت سوريا دولة حليفة للإتّحاد السّوفيتي. الكرملين على استعداد لدفع ثمن باهظ دبلوماسياً كي لا يسقط. ولطالما كانت سوريا الزبون المتعطش لشراء الأسلحة الروسيّة، بغض النظر عما إذا كانت ستملك المال لتنفقه في المستقبل أم لا. وهذا ما شجَّع روسيا على تجديد محطة بحريَّة في طرطوس كانت بمثابة قاعدة عسكريَّة خارِج الحُدود زمن الاتحاد السوفييتي القديم.
وعلى جميع هذه الصعد، فإن الأسد قد يبالغ في تقديراته، فروسيا لديها دوافع أقل من أوهام الحنين إلى حسابات الحرب الباردة. فربَّما تعتقد أنه، كما في الشيشان، يُمكِن لِسِياسَة الأرض المَحرُوقة أنْ ترسِّخ سَلام أبديّ. وكذلك إسرائيل، فهي تفضل أن تكون حُدُودها الجنوبية دول ضَعيفة خَاضِعة، على أن تتشكَّل كتلة إسلاميَّة سنّية تحت هيمنة تركيا، القوة المتعاظمة تدريجياً. وقد تكون روسيا سعيدة في مواجهة القِوى الغربيَّة والتي تعتبرها متلاعبَة في الرأي العام، لا سيما في وقت يسبق الانتخابات الرئاسية التي ستجرى الشهر المقبل. وخاصة إذا كان الثمن مناسباً.
غَيبـوبة النِّظـام
ويُمكن أن يرتَفع الثّمن قريباً، بشكل كبير. معظم المراقبين المستقلّين في دمشق يعتقدون أنّه في واقِع الأمر، وعلى المدى القصير، أن الهجوم الوحشي للنظام قد ينجح في احتواء معظم أشكال المقاومة المسلحة. لَكِن إذا اعتبرت درعا مؤشّراً لشئ، فإنه ليس لدى الأسد أية فرصة للبقاء طويلاً. تماماً كما في فيلم مصَّاصَّوا الدِّماء، المواطنون يتحركون في حياتهم اليومية، وهم مملؤون بالخوف من الاحتكاك أو التواصل مع المسؤولين. في نظر الأغلبيّة، فإن النظام قد فقد شرعيته تماماً، أو في أحسن الأحوال يعتبرونه شرّ يعانون منه. يرتبط الغضب البارد، والكامن في معظم البيوت، بالحماس الديني، والذي قد ينفجر في أي وقت.
Look, no blood لا تبدو يداه ملطخة بالدماء
مع أن هجوم الجّيش في ذروته، فإن الاحتجاجات الطيارة تندلع وتُكبت في كثير في جميع أنحاء سوريا، بما في ذلك في دمشق ذات الإنتشار الأكبر لقوات الأمن. في نهاية الأسبوع الأخير، و حديثأ في أحد أيام الجمعة، نظّم المحتجّين 400 مظاهرة منفصلة. مدير الاستخبارات العسكرية الاسرائيليّة ذكَرَ في مُؤتمر عام في الآونة الاخيرة أن ثُلُـث الجنود الاحتياطين فقط استجاب لدعوة الجيش للعودة إلى الخدمة العسكريَّة الإلزامية. واشَار أيضاً إلى الصدع الحاصل في هَيكَل القَيَادة السُّوريَّة، مع حديث الضبّاط عن الحاجة لإستبدال السيد الأسد وطائفته الحاكمة.
قد تكون هذه معلومات مضلِّلَة لترهيب العدو الاسرائيلي والإيراني. لكن من الناحية الاقتصادية سورية تنزلق نحو أزمة متفاقمة. ويُعتقد ان احتياطي البنك المركزي قد تجاوز 20 مليار دولار قبل الثورة. وأنها ومنذ الانتفاضة حتى الآن قد انخفضت بمقدار الثلثين. وتراجعت العملة السورية بنسبة 50٪ تقريباً في الأسابيع القليلة الماضية، مما يزيد وطأة التضخم المالي بالفعل. انقطاع التيار الكهربائي ونقص الوقود شائع الآن، والعديد من المصانع في البلاد قد أُغلقت، الواردات السياحية معدومة. وقد نضبت الصادرات المتواضعة من النفط السوري، والعنصر الرئيسي في الإيرادات الحكومية الفعلية.
العديد من السوريين لديهم القناعة، أنّ الأسد سيسقط في نهاية المَطاف. لكن ما يقلقهم هو كيف. قلة هم الذين يتوقعون أنَّ المعارضة ستبتلع الطعم الروسي وتدخل في محادثات مع النظام. كما أنهم لا يتوقَّعون أنَّ يتنحى الأسد بإرادته. من ناحيةٍ أخرى، لا أحد يتوقَّع دعماُ خارجياً أكبر. يغادر البلاد كلّ من هو قادر على مغادرتها، أما أولئك الذين لا يستطيعون المغادرة فإنهم ينتظرون، محكومين بمصيرهم.
الكلمات المفتاحية: الثورة السورية، البداية من درعا، الموقف الأمريكي والغربي من الفيتو الروسي، تخوف الأقليات في سوريا، عنف النظام السوري، عوامل قوة النظام السوري.
المصدر:
The Economist